* 61**
كانت إيفي تحتضن لعبتها بين ذراعيها، تنظر حولها بدهشة وقلق.
“أستاذ؟”
بسبب تمسكها باللعبة بكلتا يديها، لم تستطع الإمساك بثيابه.
فحين مرّت الجموع متدافعة، جرفها التيار معهم إلى زقاق جانبي.
لحسن الحظ، لم يكن المكان بعيدًا، فظنت أنها إن عادت إلى حيث كانت تقف قبل قليل، ستجد الأستاذ سيان مجددًا.
لكن عندما عادت إلى المكان ذاته، لم يكن هناك أثر له.
فزعت إيفي وأخذت تتفحص الوجوه من حولها.
لكن مهما دققت في المارة، لم ترَ سوى وجوه غرباء.
“أستاذ!”
صاحت بصوت مرتفع، فالتفت إليها بعض المارة بنظرات متسائلة، كأنما يتساءلون عما يحدث.
“إلى أين ذهب؟”
كان الأمر سريعًا جدًا. لم يمضِ على ذهابها وعودتها ثلاثون ثانية حتى.
“لا بد أنه لا يزال قريبًا.”
تراجعت إيفي خطوة إلى الوراء، وقفت بين المتاجر، تراقب المارة بعينين قلقتين.
قبل لحظات فقط، كانت تشعر بالبهجة لأنها حصلت على جائزة.
كانت المتاجر المزينة بمناسبة المهرجان تلمع برونق ساحر، وكان التجوال بين الجموع ممتعًا.
لكن الآن، وسط قلقها المتزايد، بدت تلك المتاجر اللامعة والوجوه الضاحكة مخيفة، وكأنها لا تعنيها، وكأنها تنتمي إلى عالم آخر.
“لا بأس.”
عضت إيفي على شفتيها، تحاول طمأنة نفسها.
“لقد علمتني مديرة الملجأ ماذا أفعل إذا ضللت طريقي أو فقدت رفاقي.”
كانت قد نصحتها ألا تتحرك من مكانها إذا فقدت رفاقها.
مهما شعرت بالخوف أو القلق، عليها أن تبقى صامدة في انتظار من سيأتي للبحث عنها.
الآن، لا بد أن الأستاذ سيان قد لاحظ غيابها، وسيعود قريبًا ليجدها.
إذن…
“الخوف لن يدوم سوى قليل.”
ظلت إيفي واقفة، تحتضن لعبتها، تنتظر عودته.
* * *
“هل ستعود الآن؟”
عندما أخبره أرسيل أنه سيعود مبكرًا عن المتوقع، بدا الدوق كيلرن محبطًا.
“هل هناك أمر لم تنهه بعد؟”
كان الدوق يعرف طباع ابنه جيدًا.
كان أرسيل هادئًا وعقلانيًا بشكل لا يصدق بالنسبة لعمره الصغير.
كان دائمًا يتحرك وفق خطة محكمة، ونادراً ما يختل نظامه.
“لا، إنه لم يرث طباعنا أنا وأنت. من أين أتى هذا الفتى؟”
“وهل هذا كلام؟ إنه يشبهك تمامًا!”
تذكر الدوق، وهو يبتسم بحزن، كيف طعنته زوجته في خاصرته بمزاح عندما قال كلامًا مشابهًا. ثم نظر إلى أرسيل بقلق.
“إن كنت تعتزم العودة مبكرًا للدراسة، فلن أزعجك هذا المساء. يمكنك البقاء في غرفتك براحة…”
“ليس الأمر كذلك. أنا أدرس بما فيه الكفاية، فلا حاجة للتعجل.”
* * *
كيف أصبح ابني البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا مملًا إلى هذا الحد؟
تساءل الدوق كيلرن في نفسه، وهو يهز رأسه بدهشة.
“إنه يشبه جلالة الإمبراطور في طفولته تمامًا.”
ربما لهذا السبب كان أرسيل دائمًا المرشح الأول عندما يتعلق الأمر بمسألة تبني الإمبراطور.
“إذن، لماذا تتعجل؟”
“حسنًا…”
تردد أرسيل في الإجابة، فنظر إليه الدوق بدهشة.
كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها ابنه يتردد هكذا.
“إن كان الجواب صعبًا، فلا داعي لقوله. في سنك، من الطبيعي أن يكون لديك أسرار لا تريد مشاركتها مع والديك.”
“لا، ليس كذلك.”
رد أرسيل بنبرة جادة، فضحك الدوق بصوت عالٍ واستدعى الخادم لتحضير العربة.
“ما فائدة إبقائك هنا إذا كان قلبك في مكان آخر؟ سأنتظر يوم خروجك القادم.”
شكر أرسيل والده على تفهمه، ثم جمع أغراضه بسرعة، ووضعها في حقيبته، وصعد إلى العربة.
ما إن تحركت العربة، حتى ألقى نظرة على الحقيبة بجانبه.
في الحقيقة، لا حاجة لأغراض إضافية في الأكاديمية، فكل شيء متوفر هناك.
لكنه أحضر شيئًا خاصًا: كتابًا من مكتبته الشخصية.
كتاب قرأه مرات عديدة، ولم يسمح لأحد بمسه.
“يبدو أنها تحب قصص المغامرات، لكنها تستمتع أيضًا بالكتب النظرية الأساسية.”
كتابان متناقضان تمامًا، لكن أرسيل كان يحب كليهما.
“يبدو أن إيفي تحبهما أيضًا.”
إيفي ألدين.
تذكر أرسيل الطفلة الصغيرة التي كانت تلوح له مودعة بحماس.
في البداية، لم يهتم بها إلا لأن الإمبراطور اختارها.
حتى عندما أصر لوكاس على لقائها مرة أخرى، شعر أن الأمر مجرد إزعاج.
لكنه لم يستطع تجاهلها. كانت عيناها تتبعانه دائمًا.
لذلك، عندما علم أنها تتعرض للتنمر من طالبات أخريات مثل إيرين تيرينس، لم يقل شيئًا، رغم علمه أنه ولوكاس كانا يُستغلان من طرف ايرين.
اعتقد أن وجودهما معها في الفصول أو أثناء الطعام قد يحسن وضعها، وهذا بحد ذاته أمر جيد.
لكن فجأة، راوده سؤال: هل كنت سأفعل الشيء نفسه لو كانت شخصًا آخر؟
نظر إلى الحقيبة مجددًا.
بمجرد وصوله إلى المنزل، هرع إلى مكتبته، وقضى اليوم يختار الكتب بعناية.
اختار أفضل ما قرأه وأمتعه.
“هل ستعجبها؟”
تذكر كيف كانت إيفي تتألق فرحًا كلما أظهر لها الأستاذ ماليس كتابًا جديدًا.
إذا كانت كتب الرياضيات الجافة تثير اهتمامها، فلا شك أن الكتب التي اختارها ستسعدها أكثر.
تخيل عينيها الخضراوين المدورتين تلمعان، ووجهها الصغير يمتلئ بالابتسامة.
كم يتمنى أن تبقى هكذا دائمًا، مبتسمة…
“!”
فجأة، قفز أرسيل من مقعده وهو ينظر إلى الشارع المزدحم بالمهرجان.
“لقد…”
ظن أنه رأى إيفي.
بجانب كشك لبيع الطعام، ترتدي ملابسها الرثة التي رآها فيها أول مرة، تقف بعينين دامعتين.
كاد يوقف العربة، لكنه أطل برأسه ليتأكد.
لكن العربة كانت قد تجاوزت المكان، واختفت إيفي بين الزحام.
“هل أخطأت الرؤية؟”
فكر أرسيل. لا يمكن أن تكون إيفي هنا.
قررت البقاء في الأكاديمية، ولا يُسمح للطلاب دون العاشرة بالخروج دون مرافق.
ومن سيصطحبها؟
“الأستاذ ماليس قال إنه سيزور عائلته، فلا أحد يمكن أن يكون معها.”
إذن، لا بد أنه تخيل الأمر.
لكن رغم هذا، ظل ينظر إلى الخلف، وشعور غريب بالقلق يتملكه.
* * *
“أمي… هئ… هئ…”
نظرت إيفي إلى الطفل الجالس بجانبها على الكرسي، يبكي وينادي أمه.
كان في مثل عمرها، وكان يذرف الدموع منذ وصوله.
نظرت إيفي إلى اللافتة المثبتة أمام الكرسي:
[ملجأ الأطفال التائهين]
بعد أن فقدت الأستاذ سيان، ظلت إيبي واقفة في مكانها لمدة نصف ساعة، لكنه لم يظهر.
فكرت في العودة إلى الأكاديمية بمفردها، لكن اقترب منها بعض الأشخاص.
شعرت بالحذر.
كانت تعلم أن هناك من يختطفون الأيتام بعد الحرب لبيعهم.
في الملجأ، كانت المديرة تبحث عن الأطفال المفقودين بقلق بالغ.
“هل فقدتِ والديك؟”
“لا، أنا…”
“لا تكذبي، رأيتكِ وحدك منذ فترة.”
قال رجل ذو مظهر خشن، وأمسك بيدها.
قبل أن تصرخ إيفي طلبًا للنجدة، صاح الرجل:
“يا رجال الأمن! هنا طفلة تائهة!”
هرع رجال الأمن إليها، وودعها الرجل قائلًا: “أتمنى أن تعودي إلى أهلك سالمة.”
وهكذا انتهى بها المطاف هنا.
كان رجال الأمن يقدمون الكاكاو الساخن للأطفال الباكين، مطمئنين إياهم بأنهم سيعودون إلى منازلهم قريبًا.
وكما قالوا، كان الأهالي يأتون لاصطحاب أطفالهم.
كان الأطفال يرمون أكواب الكاكاو ويركضون إلى أحضان عائلاتهم باكين.
نظرت إيفي إلى هذا المشهد بصمت.
بعد قليل، جاءت عائلة الصبي الجالس بجانبها لأخذه.
رأته إيفي يغادر ممسكًا بيد والديه، فانكمشت على نفسها.
“الجميع يعود مع أمهاتهم وآبائهم.”
لكنها بلا أهل. فمن سيأتي لأجلها؟
دفنت إيفي وجهها في ركبتيها. لم تبكِ.
كانت تعلم أن البكاء لن يغير شيئًا سوى إنهاكه.
لم يكن هناك من يواسيها، بل قد تُضرب إن أزعجت أحدًا بدموعها.
كانت تعرف هذا منذ صغرها.
“سأعود وحدي.”
لا بد أن الأستاذ سيان عاد بالفعل.
كل ما عليها هو إخبار رجال الأمن أنها طالبة في الأكاديمية، وسيأخذونها إلى هناك.
إذن…
“سأبقى هنا قليلًا فقط…”
كانت إيفي تمسك بدميتها الخشبية، تنكمش أكثر، عندما سمعت صوتًا:
“إيفي!”
رفعت رأسها فجأة، فإذا بها تُرفع عن الأرض.
نظرت إلى الأمام، فوجدت كلويس، مغطى بالعرق، يقف أمامها.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 61"