51
تذكّرت إيفي الحجر السحري الذي تلقّته من الأستاذ سيان.
حتى الليلة الماضية، استطاعت أن يتغطّ في نوم هانئ دون خوف، مستمدة الراحة من ضوء ذلك الحجر.
ظلّ الحجر ينبعث منه وهج خافت وحرارة لطيفة بجانب سرير إيفي حتى الصباح.
لم يكن الأمر مجرّد وسيلة للنوم براحة فحسب، بل كان أيضًا رفيقًا عمليًا؛ فعندما كانت تستيقظ ليلًا لتذهب إلى الحمام، كان الضوء الناعم المنبعث منه يكفي لإضاءة الطريق بسهولة.
كلما تأمّلته إيفي، ازداد إعجابها بهذا الحجر العجيب.
فبمجرد لمسه، يشعّ بالنور، وعند لمسه مرة أخرى، يخبو الضوء.
لذا، كانت تطفئه قبل الذهاب إلى الدروس. أخبرتها إيرين أن الحجر لن يفقد قوته السحرية حتى لو ظلّ مضيئًا طوال اليوم، لكن إيفي ظلت قلقة من أن ينفد سحره يومًا ما.
“بالمناسبة، يجب أن أكمل الرسالة التي بدأتها للأستاذ سيان،” فكّرت إيفي.
لم يكن بإمكانه أن يكتفي بالفرح بهدية ثمينة كهذه دون شكر.
تذكّرت نصيحة مديرة المعهد: “إذا تلقّيت هدية، فعليك دائمًا أن تعبّر عن امتنانك.”
قرّرت إيفي أن تبحث عن الأستاذ سيان، لكنها مهما قلّبت في دليل المعهد، لم تجد أي أثر لمكتب الأستاذ سيان، ولا حتى اسمه.
كأنه شخص غير موجود.
“لا يمكن أن يكون الأمر كذلك!” .
الرجل الذي قابلته أمام المقبرة في الغابة قدّم نفسه على أنه سيان روشين، بل وكان اسمه مدونًا كوكيل لها، وأرسل لها هدية مع منديل نسيته إيفي.
كل هذا لا يمكن أن يكون حلمًا. لكنها عندما استفسرت في إدارة الشؤون الأكاديمية، أجابوها بأنهم لا يعرفون الكثير.
“همم… الأستاذ سيان مسجّل بالفعل كأستاذ هنا، لكن مكتبه وعنوانه غير مؤكدين. ربما لأنه وصل إلى العاصمة مؤخرًا، ولم يتم تسجيل عنوانه بعد. سنخبرك حالما نتحقّق من الأمر،”
فكرت إيفي فيما يجب أن تفعله، ثم قرّرت كتابة رسالة. سترسلها فور حصولها على العنوان.
عادت إلى غرفتي وأخرجو ورقة من الدرج، كانت ورقة التغليف التي لفّت بها هدية إيرين.
“تريدين هذه؟ لا بأس بأن أعطيك إياها، لكن… لماذا تحتاجينها؟” سألتها إيرين بنظرة متعجبة، كأنها تتساءل عن الغرض من أخذ ورقة تغليف.
كانت الورقة مزيّنة بخلفية جميلة مطبوع عليها أنواع مختلفة من الزهور والأشجار.
قامت إيفي بفرد الورقة بمساعدة كتاب ثقيل لإزالة التجاعيد، ثم قصّها في اليوم التالي إلى أحجام تناسب الدفاتر.
“إنها مثالية لتكون ورقة رسائل!”
صحيح أن المعهد يوفّر ورقًا للرسائل، لكنها أرادت أن تكتب رسالتها على ورقة أجمل.
جلست إيفي على مكتبها وأخرجت الورقة.
“همم…”
لاحظت الرسالة التي بدأتها بالأمس ولم تكملها. تأملتها للحظات، ثم وضعتها جانبًا وأخرجت ورقة جديدة.
لكن يدها التي تمسك بالقلم لم تتحرّك. كان الأمر غريبًا. عندما كتبت رسائل إلى مديرة المعهد، كانت الكلمات تتدفق كما لو أنها تتحدث.
بالأمس، كتبت ثلاث صفحات دفعة واحدة!
حاولت مجددًا كتابة رسالة إلى الأستاذ سيان، لكن الكلمات لم تأتِ بسهولة.
حاولت أن تكمل رسالة مدير المعهد التي بدأتها بالأمس، فوجدت نفسها تكتب بسلاسة عن أحداث اليوم: عن دروس الأستاذ ماليس التي التحقت بها مع إيرين وأرسيل وروسكا، وعن تناولهم الطعام معًا وتجربتهم أطباقًا جديدة، وعن دهشتها من كمية الطعام الهائلة التي يتناولها أرسيل وروسكا رغم مظهرهما.
امتلأت الورقة البيضاء بالكلمات بسرعة. لكن لماذا كانت رسالة مدير المعهد تُكتب بسهولة، بينما رسالة الأستاذ سيان تظلّ عالقة؟ ظلّت إيفي ممسكة بالورقة، تعاني في صمت، والوقت يمرّ.
أخيرًا، وضعت القلم جانبًا، اقتربت من سريرها، وجلست بجانب الحجر السحري، محدقة به.
مدّت يدها للمسه، فأضاء الحجر كأنه كان ينتظر. رفعت إيفي الحجر، ضمّته إلى صدرها، واستلقت على السرير.
لم تمضِ سوى أيام قليلة منذ حصولها عليه، لكنها شعره كأنه جزء لا يتجزأ من حياتها. هل يمكنها النوم بدونه الآن؟ هذا السؤال أقلقها.
بينما كانت تتحسّس الحجر، شعرت بحرارة مفاجئة على ظهر يدها، فنهضت مذعورة
. “…!”
لقد ظهر بقعة غريبة على ظهر يدها مجددًا. أسمع بتغطيتها بكمّ قميصها ونظرت حولها في ارتباك، رغم علمها أنها في غرفتها وحيدا.
بعد أن تأكّدت من ذلك مرات عديدة، فحصت يدها بحذر. لم تكن مخطئت؛ البقعة كانت واضحة، كأن شيئًا قد التصق بيدها.
“لماذا يحدث هذا؟ آخر مرة رأيتها كانت خفيفة جدًا، كأنها ستختفي قريبًا!”
حاولت إيفي فرك البقعة بقميصها، لكنها لم تزل.
“ماذا أفعل…؟”
لقد نسيت وجود هذه البقعة لفترة، فلماذا عادت فجأة؟ تذكّرت شخصًا في النزل حيث كانت تعيش، أصيب بمرض ظهرت معه بقع على جسده.
حينها، بصق صاحب النزل عليه ووصفه بالمقزز والقذر. هل سيفعل أهل المعهد الشيء نفسه إذا رأوا هذه البقعة؟
هل سيشتمونهت أو يبصقون عليها؟
“لا أريد ذلك!”
فكّرت في إيرين وأرسيل وروسكا، الذين تناولت معهم الغداء. لقد كانوا لطفاء وودودين. ماذا لو علموا بوجود هذه البقعة الغريبة؟
نظرت إيفي إلى البقعة بنظرة لوم، تفكّر في كيفية التخلّص منها.
“كانت تظهر عندما أكون مريضت أو في مكان مخيف.”
لكن الآن، لا يوجد شيء من هذا القبيل، فلماذا عادت؟ ظلّت تاتكّر وهي تعبس، حتى ضمّت الحجر السحري إلى صدرها وتكوّرت على السرير.
“أرجوك…” تمتمت، متمنية ألا تظهر هذه البقعة أمام الآخرين.
عندما أغمضت عينيها، لمعت البقعة على يدها للحظة، ثم بدأت تتحوّل من مجرّد بقعة إلى شكل محدّد.
استمرّت في البحث عن شكلها الحقيقي، لكنها بدأت تخبو تدريجيًا، كأن طاقتها نفدت لهذا اليوم.
* * *
“همم…” نهضت إيفي من وضعية الانبطاح.
يبدو أنها غفت دون أن تدرك. رفعت رأسهت لتنظر من النافذة، فوجدت السماء قد بدأت تتلون بالحمرة.
تذكّرت سبب نومها في الغرفة، ثم تذكّرت البقعة على يدها.
“مهلاً؟”
فحصت يده بسرعة، لكنها كانت نظيفة تمامًا، كأن شيئًا لم يكن. “لحسن الحظ …”
تنفّست الصعداء، غير مدركه للسبب، لكنهت ممتنه لاختفائها. ربما كان مجرّد حلم. نهضت من السرير ونظرت إلى الساعة، فوجدت أن ساعة تقريبًا تفصلها عن عودة إيرين.
فكّرت في مراجعة دروسها أو قراءة كتاب، عندما هبّت نسمة من النافذة المفتوحة.
في تلك اللحظة، تذكرت اليوم الذي التقت فيه بالأستاذ سيان.
“كان ذلك في هذا الوقت تقريبًا…”
ما إن خطرت الفكرة في ذهنها، حتى قفزت من مكانها. خرجت من السكن الجامعي وركضتت نحو المكان الذي التقت فيه بسيان.
مرّت نسمة باردة بشعرها الجاف، تداعب خديها.
شعرت كأن الرياح تدفعها للأمام، كأنها تحثهت على الإسراع. دخلت ممرًا هادئًا، وبحثت عن الطريق الصغير الذي رآته من قبل.
“كان هنا تقريبًا…”
سرعان ما وجدت ممرًا يشبه نفقًا صغيرًا بين الشجيرات. اندفعت إيفي داخله، وبعد لحظات، تحرّكت الشجيرات مع الريح، واختفى الممر، كأنه لم يكن موجودًا، مانعًا أي شخص آخر من العبور.
* * *
كان كلويس يحرّك يده بسرعة. صوت خربشة القلم على الورق يملأ الغرفة، بينما كان وزير الدولة يجهّز الوثيقة التالية بجانبه.
سعل الوزير سعالًا خفيفًا، فرفع كلويس رأسه ونظر إليه.
“ألا ترتاح قليلًا؟”
“لا بأس، مجرّد حكة مؤقتة،”
أجاب الوزير.
“لا تفعل، اجلس قليلًا. رجل في سنك يقف بجانبي يوميًا ويستعجلني، حتى أنا الإمبراطور أشعر بعدم الراحة.”
أصرّ كلويس عليه، فانحنى الوزير ووضع الأوراق على طاولة قريبة وجلس. ثم قال لكلويس: “أمر غريب.”
“ما الغريب؟”
“عادةً أنا من ينصح جلالتكم بالراحة، لكن اليوم الأمر معكوس.”
“حقًا؟”
:نعم، لكنك نادرًا ما كنت تستريح.”
“يا للعجب! كلامك يجعلني أبدو كطاغية يتجاهل نصائحك الوفية.”
ضحك الوزير على ردّ كلويس. مؤخرًا، بدا كلويس أكثر راحة.
“قبل أسابيع قليلة فقط، كان يبدو في حالة حرجة حقًا…” فكّر الوزير.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 51"