05
نادى الموظف على إيفي ، ثم سلم الأوراق إلى موظفه اخرى كانت في انتظارها، طالباً منها مرافقتها.
“مرحبًا؟ يسعدني لقاؤك. أنا ميلودي، تشرفت بمعرفتك.”
ابتسمت ميلودي ببهجة وهي تمد يدها بحرارة.
لم يظهر في عينيها أي تردد وهي تنظر إلى إيبي، بل كانت نظرتها مليئة بالود والحماس. شعرت إيفي بانطباع إيجابي، فمدت يدها بحذر لتمسك بيد ميلودي.
فجأة، هزت ميلودي يدها بحيوية، فانطلقت ضحكة عفوية من إيفي لخفة الحركة. وعندما رأت ميلودي ذلك، بدأت ببطء في تقديم الإرشادات.
“رأيت أوراقك. لقد أتيت من إلرام، أليس كذلك؟ هل كانت الرحلة إلى هنا متعبة؟”
“لا، بل كانت ممتعة. هذه أول مرة أسافر فيها بعيدًا، وخاصة إلى العاصمة.”
“نعم، العاصمة ساحرة بالفعل. وإن كانت هذه زيارتك الأولى، فلا بد أنك استمتعت أكثر. حسنًا، دعيني أقدم لك تعريفًا بالأكاديمية وأنا أصحبك إلى سكنك.”
أخرجت ميلودي كتابًا من حقيبة الأوراق التي تحملها وسلمته إلى إيبي.
“عندما تفتحين الغلاف، ستجدين خريطة الأكاديمية. المباني كثيرة، والفصول تختلف من مبنى لآخر، لذا قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتحفظيها. لكن لا تقلقي، هناك من سيساعدك في كل مكان، فاسألي إن احتجت إلى شيء.”
“حسنًا.”
أجابت إيفي وهي تبحث عن الخريطة. كانت مليئة بأسماء عشرات المباني الكبيرة والصغيرة، مع تفاصيل عن الغرف الدراسية والمحاضرات التي تُعقد في كل منها.
ابتسمت ميلودي وهي ترى إيفي تتفحص الخريطة بحماس. كانت على وشك أن تقول لها إن بإمكانها حفظها ببطء، لكن إيفي فاجأتها قائلة:
“حفظتها كلها. شكرًا لأنك أريتِني إياها.”
طوت إيفي الخريطة بحرص وأعادتها إلى ميلودي.
“حفظتِها كلها؟”
ارتفع صوت ميلودي دهشة، ثم ضحكت بخفة وهي تهمهم:
“حقًا، إنها طالبة في الأكاديمية. نسيتُ ذلك لأنني لم أقابل مثل هؤلاء منذ زمن.”
الأكاديمية هي المكان الذي يجمع أذكى أطفال الإمبراطورية. ومن الطبيعي أن يكون بينهم من يمتلكون قدرات حفظ استثنائية.
“ومع ذلك، هذا سريع بشكل مذهل.”
كانت الخريطة تحتوي على أسماء المباني والفصول، والمحاضرات، ومكاتب الأساتذة وأسمائهم، حتى بدت كدليل شامل أكثر منها مجرد خريطة. ومع ذلك، حفظت إيفي كل ذلك!
ابتلعت ميلودي دهشتها وأعادت الخريطة إلى إيفي.
“لا داعي لإعادته. هذا دليل الأكاديمية، يُمنح لكل طالب جديد. ليست مجرد خريطة، بل تحتوي على قواعد الأكاديمية ومعلومات أساسية عن الحياة في القصر.”
عندما سمعت إيفي أنها تمنح للجميع، اتسعت عيناها دهشة.
“إذن، هذا لي؟”
“بالطبع. هل رأيتِ المكان المخصص لكتابة اسمك أسفل الغلاف؟ عندما تصلين إلى السكن، اكتبي اسمك أولاً. هذا الارشاد يُعطى مرة واحدة فقط، فاحرصي على عدم فقدانه.”
“حسنًا!”
فرحت إيفي برد ميلودي، وأمسكت الكتاب بحنان، تتحسسه بيدها.
“لا يجب إعادته…”
في دار الأيتام، كانت الكتب دائمًا تُستعار من مكتبة المدرسة العليا. بالنسبة لها، كانت الكتب شيئًا يجب إعادته دائمًا.
لكن أن يكون لها كتاب خاص بها؟ في دار الأيتام، كانت الكتب قليلة، ومعظمها ممزق من كثرة الاستخدام، وكلها كتب مصورة بجمل قصيرة للأطفال الأصغر من إيفي.
حتى تلك الكتب كان الأطفال يتشاجرون عليها، فكانت المديرة تحدد أوقاتًا لتوزيعها.
نظرت إيفي إلى الكتاب أكثر. كان غلافه من الجلد الفاخر، وعنوان “دليل الأكاديمية” مزين بالذهب اللامع، وأطرافه محمية بحواف معدنية. كتاب جديد تمامًا. ضمته إيفي إلى صدرها بقوة.
شعرت بالأسف تجاه المديرة التي ودعتها بعيون قلقة، لكن إيفي كانت بالفعل مغرمة بهذا المكان.
عندما لم تستطع إيفي إخفاء ابتسامتها، ضحكت ميلودي وقالت:
“إن كنتِ سعيدة هكذا بكتاب واحد، فماذا ستفعلين؟ تنتظرك أشياء كثيرة!”
“ماذا؟ هل هناك المزيد؟”
“بالطبع. ألم تقرئي الرسالة التمهيدية عن الحياة في الأكاديمية قبل قدومك؟ هل تتذكرين الجملة الأولى فيها؟”
كيف لها أن تنسى؟ تلك الجملة هي التي جعلتها مصممة على القدوم إلى الأكاديمية.
“خلال إقامتك في الأكاديمية، سيتم توفير جميع احتياجات الطعام والملبس والسكن…”
أكملت ميلودي الجملة بحماس:
“من قِبل الأكاديمية.”
ثم أضافت بقوة:
“والآن، هيا بنا لاستلام الكتب الدراسية، والأدوات المكتبية، والزي الرسمي!”
ردت إيبي بصوت عالٍ وسعادة غامرة:
“حسنًا!”
—
“ها قد وصلنا. هذا هو سكن الأكاديمية.”
أشارت ميلودي إلى المبنى أمامها وهي تحمل حقيبتين كبيرتين بكلتا يديها.
“هذا… السكن؟”
نظرت إيفي إلى المبنى وهي عاجزة عن إغلاق فمها.
كان السكن الوحيد الذي رأته في حياتها هو سكن المدرسة العليا في إلرام، وهو لم يكن سوى مبنى أفضل حالًا من دار الأيتام، لكنه بسيط ومصمم لاستيعاب أكبر عدد من الأشخاص دون زخرفة.
لذا، توقعت أن يكون سكن الأكاديمية مشابهًا. لكن المبنى أمامها الآن كان تحفة معمارية لا تقل روعة عن أي مبنى آخر في الأكاديمية.
دخلت إيفي خلف ميلودي وهي تنظر حولها بدهشة.
“دعيني أرى، يجب أن يكون هنا…”
بينما كانت تتبع ميلودي، كانت إيفي مشتتة وهي تتفحص المكان.
“المسافة بين الأبواب واسعة جدًا!”
ولم يكن ذلك كل شيء. السجاد الأحمر الذي يغطي الممر كان أنعم وأكثر راحة من البطانية التي كانت تتغطى بها دائمًا. شعرت وكأنها تمشي على الغيوم، فخفت خطواتها.
“ها هو. الغرفة 305.”
توقفت ميلودي أمام باب، ودهشت إيفي مرة أخرى.
“كبير… وفخم للغاية.”
هل هذا حقًا باب غرفة في السكن؟ رغم أنها رأت أبوابًا مشابهة في طريقها، لكن فكرة أن هذا باب غرفتها جعلت روعته أكثر وضوحًا.
“آسفة، هل يمكنك فتح الباب؟ الحقائب ثقيلة.”
عند كلام ميلودي، أمسكت إيفي المقبض وهي تحاول تهدئة دقات قلبها.
*كليك.*
دار المقبض بسلاسة بصوت خافت. فُتح الباب الثقيل بسهولة رغم ضعف قوتها.
عندما انفتح الباب بالكامل، مر نسيم دافئ على خدي إيبي.
“واو…!”
رغم استعدادها، لم تستطع منع صيحة الإعجاب.
“هذه غرفتي…”
تذكرت إيفي كتابًا مصورًا كانت تقرؤه في دار الأيتام، يحكي عن غرفة أميرة. حتى تلك الغرفة لم تكن بهذا الفخامة.
كان السقف مرتفعًا مزينًا بلوحات فنية رائعة. الجدران مغطاة بورق جدران أنيق، والنوافذ الواسعة التي تطل على الحديقة مزينة بستائر سميكة تبدو ناعمة كالسجاد.
دخلت إيفي وكأنها مسحورة.
كما توقعت من المسافة الواسعة بين الأبواب، لم تكن الغرفة مجرد غرفة واحدة. عند المدخل، كان هناك فضاء واسع يشبه الردهة، وفي الجانبين أبواب أخرى.
نظرت إيفي إلى ميلودي كأنها تستأذن، فأومأت ميلودي برأسها.
“هناك غرفتان في كل وحدة. القاعدة أن يتشارك طالبان الوحدة. بما أننا وصلنا أولاً، يمكنك اختيار أي غرفة. أي واحدة تفضلين؟”
“كلاهما جيد.”
“إذن، ماذا عن الغرفة اليمنى؟ إطلالتها على نافورة الحديقة أجمل.”
دهشت إيفي من كلام ميلودي. اختيار غرفة بناءً على الإطلالة؟ في دار الأيتام، كان الأطفال الصغار يأخذون الغرف الصغيرة، والكبار يأخذون الكبيرة.
لم يكن أحد يهتم بالمنظر خارج النافذة، ولم يكن هناك خيار لاختيار الغرفة. لكن هنا، يمكنها اختيار غرفة لأن النافورة تبدو أجمل منها!
فتحت إيفي الباب الأيمن الذي أشارت إليه ميلودي.
غمرتها رائحة زهور حلوة مع نسيم دافئ. خلف الباب، كان هناك سرير كبير وبجواره مكتب مصنوع من خشب داكن اللون.
وقفت إيفي ساكنة، تملأ عينيها بجمال الغرفة.
مقارنة بروعة المدخل، كانت الغرفة بسيطة نسبيًا، لكن هذا ما جعلها أكثر إعجابًا بإيبي.
المدخل كان كالحلم، لكن هذه الغرفة كانت بالضبط ما تخيلته دائمًا: غرفة مثالية خاصة بها، دافئة، معطرة، مع سرير خاص ومكتب خاص.
أمسكت إيفي يديها بقوة.
كانت تتمنى من كل قلبها أن تبقى هنا لوقت طويل جدًا.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 5"
مدري بس مللت من الوصف الطويل ذا