في لحظةٍ عابرة، تحولت سكينة المهجع الهادئ إلى ضجيجٍ عارم. ما إن شاع خبر وصول الهدايا حتى استيقظ الطلاب الذين كانوا لا يزالون في سباتهم، يفركون أعينهم ويهرعون لارتداء ملابسهم والخروج إلى الخارج.
ومع تدفق الأطفال، أسرعت إيرين بالابتعاد عن إيفي، فقد كانت تعلم يقينًا أن رؤية الآخرين لها برفقة إيفي ستُعرّض الأخيرة لتعليقاتٍ لاذعة من زملائها.
نظرت إيفي إلى إيرين وهي تبتعد، فارتسمت على وجهها ملامح الأسى.
“لا مفر من ذلك”، فكرت في نفسها.
وجودها مع إيرين قد يُلطّخ سمعة الأخيرة أيضًا. لكنها طمأنت نفسها: “على الأقل، قالت إن بإمكاني التحدث إليها داخل الغرفة”.
وكان ذلك كافيًا لها في تلك اللحظة. تفادت إيفي الطلاب النازلين، فسلكت الدرج الجانبي عائدةً إلى غرفتها، حيث وضعت الزهرة التي كانت تحملها، ثم خرجت مجددًا.
تمسكت بالدرابزين، ورفعت نفسها على أطراف أصابعها لتنظر إلى الأسفل. كان الرواق مكتظًا بطالبات المهجع، حتى بدا وكأن كل طالبة في المعهد قد هرعت إلى هناك.
كانت الفتيات يتأملن صناديق الهدايا المتراكمة في الرواق، يملؤهن الفرح والحماس.
“أخيرًا وصلت! كنت أنتظرها منذ التحاقي بالمعهد!”، قالت إحداهن.
“وأنا أيضًا! كدت أفقد صبري من طول الانتظار!”، أجابت أخرى.
“أخبرني والداي أن هدايا الأوصياء هذه ذات أهمية كبيرة”، أضافت ثالثة.
أصغت إيفي إلى حديث الطالبات المنبعث من الأسفل، فاستطاعت أن تستخلص بعض الحقائق.
بعد التحاق الطلاب بالمعهد، وبمجرد أن تستقر الأمور، يرسل الأوصياء هدايا لهم.
وتُعد هذه الهدايا دليلاً على مكانة الوصي ونفوذه، لذا يحرصون على اختيار أشياء ثمينة ومميزة.
“لن تكون هناك هدية لي”، فكرت إيفي بحسرة. لم تكن إيفي غريبة عن تلقي الهدايا طوال حياتها.
مرةً في العام، كانت مديرة دار الأيتام توزع الهدايا على الأطفال في اليوم الأخير من السنة.
لم يكن بمقدورهم، كأطفال عاديين، اختيار ما يريدون، لذا كانوا يتلقون جميعًا الشيء ذاته: حلوى من متجر الحلويات الذي يصطف أمامه الأطفال، ثلاث قطع لكل واحد فقط.
لم تكن هدايا فاخرة، لكن الأطفال كانوا يستقبلونها بوجوهٍ مشرقة بالسعادة.
لم يكن الفرح ينبع فقط من حلاوة الحلوى، بل من شعورهم بأن أحدهم قد أهداهم شيئًا.
وكذلك كانت إيفي؛ كانت تشعر بخفقان قلبها وهي تقف في الصف بانتظار دورها لتتسلم الحلوى.
لم تكن تلك المرة الوحيدة التي تلقت فيها هدية. بعض معلمي المدرسة الثانوية، الذين رثوا لحالها، أعطوها دفاتر أو أقلامًا.
وذات مرة، عندما ساعدت في أعمال المطبخ، أعطاها صاحب المطعم عدة أرغفة كبيرة من الخبز لتتقاسمها مع الأطفال الآخرين.
لكن كل تلك الهدايا جاءت من أشخاص عرفوا ظروفها الصعبة.
“لكنه ليس لديه سبب ليهديني شيئًا”،
فكرت إيفي وهي تتذكر البروفيسور سيان، الذي التقت به في الغابة.
ذلك الرجل الذي قابلته في أول يوم لها هنا، رجلٌ طويل القامة، لكنه لم يُخفها على الرغم من ذلك.
عندما علمت أنه وصيها، شعرت بمزيج غريب من الفرح والامتنان، كأنها أخيرًا التقت بشخص انتظرته طويلاً. “ربما أنا الوحيدة التي تفكر هكذا”، قالت لنفسها.
كانت قد قرأت في كتيب يشرح حياة المعهد عن الأوصياء.
لتخفيف قلق الأطفال الذين يبتعدون عن عائلاتهم فجأة، يتم اختيار أوصياء من بين الأشخاص المرتبطين بالقصر أو المعهد أو الأكاديمية.
وإذا لم يكن هناك من يتولى وصاية طالب ما، يُكلف أحد أساتذة المعهد بهذه المهمة.
“لا أحد كان سيختار أن يكون وصيًّا لي، لذا ربما أُجبر على قبولي”، فكرت إيفي.
ولهذا، لم تتوقع أن يرسل لها هدية، لا سيما أن هدايا الأوصياء تكون ثمينة وفاخرة.
ومع ذلك، لم تستطع إيفي العودة إلى غرفتها. كانت فضولية لمعرفة نوع الهدايا التي تصل، حتى لو لم تكن لها نصيب فيها.
رؤية الطلاب الآخرين يفرحون كانت كافية لتُسعدها. وبينما كانت تتأمل الوجوه المبتهجة، تراكمت كل صناديق الهدايا التي حملتها العربات في الرواق.
“من يُنادى اسمه، فليتقدم لتأكيد هويته واستلام هديته!”، صاح أحد الموظفين، محاولاً تنظيم الطلاب المتدافعين نحو الصناديق.
“إليشا ليديا!”
“أنا هنا!”، أجابت الطالبة الأولى، تتقدم بحماس وارتباك.
تحقق الموظف من اسمها واسم وصيها، ثم ناولها صندوق الهدية. بدا وكأن إليشا كانت تعلم مسبقًا بما سيصلها، فقد هرعت إلى صديقاتها، وأخذت تفتح الصندوق أمامهن بعزة وفخر.
انسلّ الشريط بعنف، وتمزق ورق التغليف بسرعة. عندما أزالت الغلاف، ظهر صندوقٌ منقوش بنقشٍ دقيق.
فتحته ببطء أمام الجميع، لتكشف عن بروش مرصّع بجوهرة تلمع ببريقٍ ساحر. تلألأت أعين الطالبات بالحسد، بينما كانت إليشا تتيه فخرًا وهي تثبت البروش على زيها المدرسي.
واصل الموظف مناداة الأسماء، وكل طالبة تتلقى هديتها تتباهى بها أمام الأخريات.
بدأ الرواق يزدحم أكثر، وتحول إلى فوضى.
بعض الطالبات، اللواتي شعرن أن هداياهن أقل بهاءً من غيرهن، فضّلن العودة إلى غرفهن لفتحها بمفردهن، يحملن صناديقهن بسرعة ويغادرن.
“ربما يجب أن أعود أنا أيضًا”، فكرت إيفي، وهي تحاول إخفاء حسرتها. كانت تستمتع بمشاهدة الهدايا، لكنها قررت المغادرة.
استدارت لتعود، لكن في تلك اللحظة، دوّى صوت الموظف في الرواق:
“إيفي ألدن! هل إيفي ألدن هنا؟”
في البداية، ظنت أنها أساءت السمع، لكن الموظف كرر اسمها بوضوح. أدارت إيفي جسدها بسرعة، مصدومة. “أنا هنا!”، صرخت وهي ترفع نفسها على أطراف أصابعها لترى الموظف. كان يلوّح لها، ممسكًا بصندوقٍ كبير.
“تعالي واستلميه بسرعة!”، قال.
“هل هذا ممكن؟”، فكرت إيفي وهي تهبط الدرج مسرعةً، أقدامها الصغيرة تصدر صوت طقطقة على الدرجات الحجرية.
وصلت إلى الموظف وهي تلهث، فقال: “تفضلي، خذيه”.
“أ… هل هذا حقًا لي؟”، سألت إيفي بحذر. كيف يمكن أن يُرسل وصيٌ أُجبر على قبولها هديةً لها؟
نظر إليها الموظف، ثم سأل للتأكيد: “هل اسم وصيك سيان روشين؟”
“نعم، هذا صحيح”، أجابت.
“إذن، هذا لكِ بالتأكيد. احمليه بحذر”.
أعطاها الموظف الصندوق، وكاد جسدها الصغير يترنح من ثقله، رغم أن حجمه لم يكن كبيرًا. سمعت همهمات الطالبات من حولها:
“ما هذا؟ ألديها وصي أيضًا؟”
“سمعت أن بعض الناس يتاجرون بمناصب الأوصياء عندما يلتحق الفقراء بالمعهد. أليس هذا ما حدث معها؟”
تجاهلت إيفي تلك التعليقات، وابتعدت عن الحشد ممسكةً بالصندوق. تأملته بعينين متلألئتين.
كان مغلفًا بطريقةٍ تُظهر بوضوح أنه هدية، مما جعل قلبها يخفق بقوة.
“هل حقًا أرسل لي البروفيسور سيان هدية؟”، تساءلت، وهي تتذكر لقاءها به في الغابة.
ذلك الرجل الذي شعرت نحوه بالألفة منذ اللحظة الأولى، كأنها تعرفه منذ زمن بعيد. لو لم يكن الوقت ليلاً، لو كان لديها وقت أطول، لكانت تمنت التحدث إليه طويلاً.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"