41
عندما وطأت قدماي أرض المهجع للمرة الأولى، ترددت قليلاً في اختيار إحدى الغرفتين.
فتحت باب الغرفة التي تطل على الحديقة بإطلالة أجمل، لكن ما إن ألقيت نظرة حتى لمحت أمتعة موزعة بعناية، هي تلك التي وزّعتها الأكاديمية.
“يبدو أن زميلتي في الغرفة سبقتني إلى هنا.”
قبل أن أغلق الباب مسرعة، لفت انتباهي ثوب معلق على الجدار. كان صغيراً بشكل لا يصدق.
“هل هي طفلة أصغر مني؟”
ارتجف قلب إيرين من الإثارة لهذا الاكتشاف. كانت إيرين ضعيفة جدًا أمام كل ما هو صغير.
وكان ذلك، في جزء كبير منه، بسبب أصولها الجنوبية. فأهل الجنوب، مقارنة بأهل المناطق الوسطى حيث العاصمة، كانوا أطول قامة وأكثر ضخامة.
حتى الأطفال، رغم أنهم يولدون صغارًا، سرعان ما يكبرون وينمون بسرعة مذهلة.
لذا، عندما وصلت إيرين إلى العاصمة في سن العاشرة، كانت أطول بكثير من أقرانها، وأكثر نضجًا في مظهرها، حتى إن الجميع ظنها في الثالثة عشرة.
في الجنوب، كل ما هو صغير يُعتبر صغيرًا في السن، هشًا وضعيفًا، يحتاج إلى الحماية والرعاية.
وفوق ذلك، كانت إيرين الأصغر في عائلتها. لذا، كان الجميع يدللها ويحيطها بعناية فائقة، خشية أن يؤذيها نسيم عابر.
لكن هذا الدلال جعلها تشعر بالاختناق.
من الخارج، بدت إيرين كزهرة رقيقة لا يمكن أن تُقطف بيديها، بجمالها الفاتن ومظهرها الهش.
لكن في أعماقها، كانت جنوبية خالصة.
كانت تفقد صوابها أمام كل ما هو صغير، تشتاق لحمايته والاعتناء به. لكن، بما أنها كانت الأصغر دائمًا، لم تكن هي من تحمي، بل كانت دومًا محاطة بالحماية المفرطة.
حتى أتى هذا اليوم أخيرًا…
“زميلة غرفة! طفلة أصغر مني!”
لو لم يكن هناك أحد حولها، لكانت قد شهقت من الفرح.
بينما كانت إيرين ترتجف من السعادة، سمعت الطالبات بجانبها يرفعن أصواتهن وهن ينظرن إلى داخل الغرفة:
“يا إلهي، من هذه التي تجرأت على اختيار الغرفة قبل الآنسة إيرين؟ من تكون؟”
“ماذا؟ هل هناك من تجرأ على اختيار غرفتها قبل الآنسة إيرين؟”
عند سماع أصواتهن، تجمدت ملامح إيرين وتحولت إلى برود قارس.
“هؤلاء مزعجات حقًا.”
منذ وصولها إلى العاصمة، لم تكن إيرين وحيدة أبدًا.
خاصة عندما بدأت الاستعداد للالتحاق بالأكاديمية وأقامت في منزل بالعاصمة، تدفق الناس إليها، يزعمون أنهم يريدون التقرب منها لأنهم سيصبحون زملاء في الأكاديمية.
لكن، بالطبع، كان هدفهم الحقيقي هو نسج علاقات مع عائلة تيرينس.
“لو كنا في الجنوب، لما تجرأ أحد على الاقتراب مني حتى.”
لم يكن ذلك بسبب كونها ابنة عائلة نبيلة عظيمة فحسب.
في الجنوب، كان الأطفال يخافون من إيرين.
رغم أن أطفال الجنوب كانوا معروفين بطباعهم الجريئة، إلا أنهم كانوا يهربون مذعورين بمجرد ظهور إيرين.
كان لذلك علاقة كبيرة بحادثة سابقة، عندما ضربت إيرين طفلاً حتى أصبح في حالة يرثى لها.
في ذلك اليوم، عندما أرسلت إيرين صبيًا إلى المستشفى، صرخ والدها وهو يضرب صدره:
“بسببك، أغمي على زوجتي!”
“من يسمعك يظن أنني لست ابنتكما!”
ردت إيرين ببرود، متجاهلة كلام والدها. لكن الكلمات التالية جعلتها تتجمد:
“أختكِ الكبرى شعرت بخيبة أمل كبيرة عندما سمعت بالأمر!”
“أختي؟”
رغم أن والدتهما مختلفتان، كانت أخت إيرين الكبرى الشخص الذي تحبه إيرين أكثر من أي شيء في العالم.
وكانت أيضًا الشخص الذي تخافه أكثر. في تلك اللحظة، دخلت أختها الغرفة وقالت:
“إيرين، أخبريني ما الذي حدث؟ لماذا ضربت ابن عائلة رومان الثاني على وجهه؟ بل ورفستِه بين ساقيه؟”
عندما نادتها أختها بهدوء، خفضت إيرين رأسها وقالت:
“لقد ركلني أولاً.”
“حسنًا، لذا ضربتِه. لكن لماذا وطئتِ على منطقته الحساسة؟ بسبب ذلك… والداه في حالة قلق كبيرة.”
كان والدا الصبي من عائلة رومان يبكيان ويصرخان خوفًا من أن يصبح ابنهما عقيمًا. ترددت إيرين قليلاً ثم قالت بصعوبة:
“لقد حاول لمسني دون إذن ورفع تنورتي. أردت فقط أن أجعله يندم بحيث لا يفكر في فعل ذلك مجددًا. لا ينبغي أن يفعل هذا بأي فتاة أخرى، أليس كذلك؟”
عند سماع ذلك، تغيرت تعابير والدها وأختها.
“أحسنتِ.”
هكذا قال والدها.
“ذلك الوغد تجرأ على فعل ذلك بكِ؟”
هكذا قالت أختها، التي كانت تتحدث بهدوء حتى تلك اللحظة.
تناوبا على الحديث فيما بينهما، تاركين إيرين جانبًا:
“… فلنفعل ذلك. لنجعله يختفي تمامًا…”
“… مثل هذا النوع من الأوغاد لا يستحق أن يكون جزءًا من عائلته…”
تبادلا كلامًا ينذر بالخطر، ثم عادا إليها وهما يبتسمان. تكلم والدها أولاً:
“حسنًا، إيرين. حتى لو تركنا هذا الأمر جانبًا، لا يمكننا إنكار أنكِ تسببتِ في الكثير من المشاكل مؤخرًا.”
“…”
أغلقت إيرين فمها.
“العالم ليس عدوكِ. يجب أن تتعلمي كيف تتعاملين مع الآخرين.”
“أنا أتعامل معهم جيدًا. ألم تقل معلمة الآداب إنه لم يعد لديها ما تعلمني إياه؟”
“ذلك لأنكِ أتقنتِ الجزء الظاهري فقط. لكنها أخبرتني على انفراد أن علاقاتكِ الاجتماعية على وشك الانهيار.”
“…”
عندما صمتت إيرين، تحدثت أختها:
“لذلك، فكرنا أنكِ بحاجة إلى بيئة جديدة. انظري إلى هذا.”
“ما هذا؟ إشعار قبول في الأكاديمية؟”
أمسكت إيرين بالورقة التي ناولتها إياها أختها وقفزت من مقعدها مندهشة.
“لماذا يجب أن أذهب إلى هناك؟”
“لماذا؟ لأن درجاتكِ تؤهلكِ، فقد تقدمتُ بطلب نيابةً عنكِ.”
“أنتِ؟”
“نعم.”
نظرت أخت إيرين إليها بجدية وقالت:
“أنتِ بحاجة إلى أصدقاء.”
“…”
“وبعض العلاقات في العاصمة لن تكون سيئة.”
“أليس هذا هو الهدف الأساسي؟”
ضحكت أختها على نظرة إيرين المتشككة وقالت:
“كلاهما واحد. أليس الأصدقاء هم العلاقات؟ على أي حال، اذهبي إلى العاصمة والتحقي بالأكاديمية. حاولي تكوين بعض الأصدقاء حتى تتخرجين.”
عند سماع ذلك، انفجرت إيرين بالبكاء.
“ترسلينني إلى العاصمة وحيدة حيث لا أعرف أحدًا! أنتِ تتخلين عني!”
تعلقت الدموع الشفافة برموشها الفضية، وتلألأت عيناها البنفسجية بالحزن، مما جعلها تبدو هشة لدرجة تجعل أي شخص يرغب في مواساتها. لكن أختها كانت حازمة:
“البكاء لن يجدي نفعًا. أنتِ الآن في العاشرة، يجب أن تتصرفي كما يليق بأبناء عائلة تيرينس.”
“تف!”
جمعت إيرين دموعها بسرعة. أن تكون من عائلة تيرينس يعني أن تؤدي دوركِ على أكمل وجه.
عائلتها، رغم حبها الجارف، كانت قد بنت ثروتها ونفوذها من خلال التجارة. لذا، منذ طفولتها، كانت قدرات إيرين ومكانتها وما يجب أن تفعله في المستقبل محددة مسبقًا.
“ألم ترفضي فكرة أن تكوني زوجة ولي العهد؟ لكن يبدو أن الإشاعات بدأت تنتشر. اذهبي إلى هناك وأنهي هذا الأمر بنفسكِ.”
“حسنًا، هذا يجب أن أفعله.”
في العام الماضي، عندما ظهرت إيرين في المجتمع الراقي بالعاصمة، بدأ الناس يتكلمون عن رغبتها في منصب زوجة ولي العهد.
“من يريد مثل هذا المنصب المقيد؟”
لم تكن إيرين ترغب في منصب زوجة ولي العهد.
“أليس من الأفضل أن أصبح صديقة له فقط؟”
والصداقة مع من سيكون شريكه ستكون مكافأة إضافية. لذا، جاءت إلى الأكاديمية لتهدئة الإشاعات ولتكوين علاقات في العاصمة. لكن…
“أطفال الجنوب كانوا أكثر تهذيبًا.”
كانت إيرين قد سئمت من الأطفال الذين يتحدثون طوال اليوم عن عائلة فلان وعلان، وكيف أن فلانًا لا يرقى إلى مستواهم.
في الجنوب، كان هناك اختلاف بين النبلاء والعامة، لكنه لم يكن بهذا الحد. كيف يمكن أن يصبح قبولهم في الأكاديمية وعائلاتهم مصدرًا لمثل هذا الغرور؟
لكن، على عكس ما كانت تفعله في الجنوب، لم تستطع أن تصرخ فيهم وتطردهم.
“اصبري، يجب أن أتحمل.”
كان عليها أن تكبح جماح طباعها حتى تتخرج من الأكاديمية.
“صحيح أن بإمكاني التوقف والعودة، لكن…”
لكن كبرياؤها لن يسمح بذلك. كما قال والدها وأختها، كان عليها أن تبني شبكة علاقات جديدة في العاصمة، وكانت تعلم أنها الشخص المناسب لهذه المهمة.
وفوق ذلك…
“أريد أن أكون أصدقاء أيضًا.”
لذلك، كانت تأمل كثيرًا في زميلتها في الغرفة. كانت إيرين تتوق إلى الكثير:
حضور الدروس معًا، تناول الطعام معًا، الذهاب إلى المهرجانات…
في تلك اللحظة، دخلت زميلتها في الغرفة. انحنت بأدب وقالت إن اسمها إيفي ألدن.
في تلك اللحظة، كادت إيرين أن تغطي فمها وتصرخ.
“لماذا هي صغيرة جدًا؟ واسمها إيفي؟ يا لها من لطافة!”
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 41"
اععع لطيييفة😭💞💗💗