04
“أرسيل؟ لوسكا؟”
نظرت إيفي إلى الشخصين اللذين ساعداها.
لم تكن تعلم، لكنهما كانا من أبناء أعرق العائلات في الإمبراطورية حاليًا.
كان أرسيل كايلرن الابن الثالث لعائلة دوق كايلرن، التي دعمت الإمبراطور كلويس دعمًا كاملاً، وساهمت بجدارة في ارتقائه إلى العرش.
منذ طفولته، أظهر أرسيل عبقريةً فذةً في جميع المجالات، ولم يكن هناك قلق بشأن وراثة العائلة، إذ كان لديه أخوان أكبر منه.
ولأنه كثيرًا ما التقى بالإمبراطور منذ صغره، كان الناس يقولون إن الإمبراطور قد يتبناه.
فضلاً عن ذلك، كان أرسيل الطالب صاحب أعلى الدرجات بين الملتحقين بمعهد النخبة هذا العام.
من الأدب إلى الرياضيات، والفيزياء، وحتى التكتيكات وفنون السيف.
كان أرسيل حقًا فتىً لا تكفي كلمة “عبقري” لوصفه.
وكذلك كان لوسكا. الابن الرابع لعائلة ماركيز لاغسيلب، إحدى القوى الأخرى التي دعمت الإمبراطور إلى جانب عائلة كايلرن.
على عكس أرسيل الهادئ والمهذب دائمًا، كان لوسكا معروفًا بنزقه وحدة طباعه، وكثيرًا ما كان يتفوه بكلمات خشنة.
لكنه كان يغضب فقط عندما يدافع عن الضعفاء نيابةً عنهم.
لذا كان ماركيز لاغسيلب، المشهور بنزاهته، يفخر كثيرًا بشخصية ابنه التي تشبهه تمامًا.
قد يكون لوسكا أقل من أرسيل في الجوانب الأكاديمية، لكن قدراته البدنية كفارس كانت متميزة.
فقد كان يتفوق بشكلٍ ساحق على أقرانه، بل ويستطيع مبارزة فرسان القصر الإمبراطوري.
كانا الطفلين الأكثر احتمالاً ليصبحا ابنَي الإمبراطور بالتبني، وأبناء العائلات الأقوى نفوذًا في الإمبراطورية.
لذلك، كان كل من يلتحق بمعهد النخبة يطمح إلى التقرب من هذين الفتيين.
لكن أن يُعادَى أحدهما منذ البداية!
“ما الذي يحدث هناك؟”
لاحظ أحد الموظفين الذين كانوا يتقدمون الجلبة في الخلف، فاقترب.
فقال أرسيل للفتى الذي كان قد سقط:
“لا شيء يُذكر، أليس كذلك؟”
أومأ الفتى برأسه بقوة لكلام أرسيل.
لقد فهم أن أرسيل يريد تجاوز الأمر بهدوء.
“نعم، نعم! لا شيء! لقد تعثرت فقط!”
نظر الموظف إليه بشكٍ قليلاً، لكنه كان مضطرًا لنقل الطلاب إلى معهد النخبة بسرعة، فاستدار عائدًا إلى مكانه.
ما إن ذهب الموظف، حتى وقف لوسكا بجانب الفتى، ووضع يده على كتفه، وهمس:
“اعلم أنك محظوظ اليوم.”
كانت كلماته تحمل تهديدًا واضحًا، لكن الفتى أومأ برأسه بقوة مجددًا، ثم هرب إلى حيث كان الأطفال الآخرون.
بعد أن اختفى الفتى، انحنت إيفي للاثنين.
“شكرًا لمساعدتكما.”
حين كان أرسيل يهم بالرد على تحية إيفي، رحّب الموظفون المنتظرون أمام معهد النخبة بالأطفال القادمين.
“إيفي! إيفي ألدين! أين هي؟”
عندما نُودي اسمها، نظرت إيفي إلى الاثنين مرتبكة.
نظر أرسيل نحو الموظف، وقال لها:
“يبدو أنهم ينادونك، اذهبي.”
عند كلام أرسيل، انحنت إيبي مرة أخرى شاكرة، ثم هرعت إلى الموظف.
اقترب لوسكا من أرسيل وقال:
“أمرٌ غريب؟ أراك تهتم بشخصٍ ما؟”
كان لوسكا مندهشًا حقًا.
من هو أرسيل؟
يُفتن الناس بمظهره الجميل ويصفونه بالملاك أو الكمال، لكنهم لا يعرفون طباع أرسيل الحقيقية، التي لا تعرف الرحمة.
شابٌ لا يهتم إلا بما يجب عليه فعله.
الكلمات الرقيقة مثل الرأفة واللطف لا مكان لها في حياة أرسيل.
فكيف لهذا الشخص أن يساعد فجأة فتاة فقيرة لم يرها من قبل؟
نظر لوسكا إلى إيبي التي ذهبت إلى الموظف، ووضع ذراعه على كتف أرسيل.
“هل هذه الصغيرة تروق لك؟ لو علمت الفتيات اللواتي يتعلقن بك، لارتدين مثلها وأحدثن ضجة.”
“كف عن هذا الهراء.”
قال أرسيل ببرود، وأزاح ذراع لوسكا عن كتفه.
“إذن، لماذا ساعدتها؟”
“فضول.”
“فضول بشأن ماذا؟”
“…”
صمت أرسيل عند سؤال لوسكا.
في اليوم الذي أُعلن فيه قبوله في معهد النخبة، استدعاه والده، دوق كايلرن، وقال:
“لقد حصلت على المركز الأول.”
“حسنًا.”
لم يفرح أرسيل. كان يرى ذلك نتيجة طبيعية.
لم يكن هناك من يفوق درجات أرسيل بين أبناء النبلاء من عمره، بل وحتى من هم أكبر منه بسنوات.
لذا كان قبوله الأول في معهد النخبة أمرًا متوقعًا.
ثم تابع دوق كايلرن:
“لكن عليك أن تظل متيقظًا. هناك من قد يتفوق عليك لو كان في نفس ظروفك.”
“من؟”
“طفلة من دار الأيتام، حصلت على المركز الثاني بعدك.”
“من هي؟”
“لا أعرف اسمها. سمعت أنها من عامة الشعب. يقال إن جلالة الإمبراطور اختارها بنفسه في اختبارات القبول هذا العام.”
“جلالته؟”
“نعم. لم يخترها بعناية، بل كان تحذيرًا للوزراء بسبب تصرفاتهم المخيبة، لكنها بلا شك طفة ذكيه.”
ابتسم دوق كايلرن لأرسيل وقال:
“يبدو أنها أصغر منك… أظن أنها تيكون صديقة جيدًا لك.”
“لا تعتقد أنها ستكون منافسًا جيدة لي؟”
“الأمر سيان. ألستَ تتعامل جيدًا مع لوسكا؟”
“ذلك الفتى مجرد إزعاج.”
“يا للأسف. لو سمع ماركيز لاغسيلب، لقفز غاضبًا يتساءل عن هذا الافتراء على ابنه.”
لم يرد أرسيل على مزاح والده.
لم يسأل أكثر، لكن منذ ذلك اليوم، أصبح يفكر في الطفلة الني اختارها الإمبراطور.
“من عامة الشعب، ومن دار أيتام. ومع ذلك، نجحت في اختبار المدرسة العليا في سن السابعة، بدرجات شبه مثالية؟”
حصل أرسيل أيضًا على الدرجة الكاملة، لكنه أدى الاختبار في مدرسة عليا بالعاصمة، بينما أدت تلك الطفلة الاختبار في مدرسة عليا بمدينة ريفية.
لذا، رغم تساوي درجاتهما، حُسبت درجة أرسيل أعلى، فحصل على المركز الأول بمفرده.
كلما فكر أرسيل في الأمر، ازداد فضوله تجاه تلك الطفلة.
هل كان بإمكانه تحقيق النتيجة ذاتها لو عاش في دار أيتام ودرس هناك؟
لذا قرر أنه عندما يلتحق بمعهد النخبة، سيبحث عن تلك الطفلة.
واليوم، لم يحتج إلى البحث، فقد عرف تلك الطفلة من أول نظرة.
فتاة صغيرة، تعانق حقيبة قماشية بقوة، تنظر حولها بوجه متوتر.
كان مظهرها مختلفًا بوضوح، فكان الأطفال الآخرون يبتعدون عنها قليلاً أثناء المشي.
لذلك، استطاع أرسيل الاقتراب منها بسهولة أكبر.
“هل هي حقًا في السابعة؟”
أصغر سن للالتحاق بمعهد النخبة هو سبع سنوات، لكن الفتاة بدت أصغر من ذلك.
تحت كم قميصها القماشي الخشن، لكن المكوى بعناية، ظهر معصم نحيل كأنه هش.
تنهد أرسيل دون وعي عند رؤيتها.
قيل إنها من دار أيتام في مدينة ريفية، ويبدو أن ظروف معيشتها لم تكن جيدة.
حين اقترب أكثر ليرى بوضوح، حدث ذلك الأمر.
“يا أرسيل؟”
استغرب لوسكا سكون أرسيل، فناداه.
“هل أنت مهتم حقًا بتلك الصغيرة؟”
“لقد منعتُ فتاة اختارها جلالة الإمبراطور من الوقوع في مشكلة في أول يوم لها.”
بنبرةٍ صلبة، رد أرسيل، فضحك لوسكا بعدم اهتمام، وضم يديه خلف عنقه.
“حسنًا، حسنًا. يبدو أنك أصبحتَ وفيًا منذ الآن.”
حينها، نادى الموظف أسماء أرسيل ولوسكا.
“كف عن الثرثرة، وهيا بنا.”
“حسنًا. بالمناسبة، سمعت أن غرف معهد النخبة لشخصين. هل يمكننا مشاركة غرفة؟”
هز لوسكا كتفيه، ثم ركض متحمسًا نحو الموظف.
بينما كان أرسيل يتبعه، التفت دون وعي لينظر إلى حيث تجمعت الفتيات.
رأى إيفي تقف وحيدة، لا أحد يقترب منها.
“بهذا الشكل، سيكون من الصعب عليها التأقلم.”
أدار أرسيل رأسه.
إذا انتشر خبر أن الإمبراطور اختارها، ستتعرض للغيرة والحسد من الأطفال الآخرين طوال فترة بقائها في المعهد.
وهي صغيرة جدًا، فهل ستتحمل تجاهل النبلاء؟
“ومع ذلك…”
تمنى أرسيل أن تظل إيفي في معهد النخبة طويلاً.
ثم تفاجأ بنفسه بهذا التفكير.
“لماذا أنا؟”
متى رأى هذه الفتاة حتى يقلق عليها هكذا؟
“إن غادرت مبكرًا، سيبدو الأمر كأن إرادة جلالته أُهملت، وهذا سيغضبني. إنه لا يتماشى مع مبادئ معهد النخبة أيضًا.”
هكذا أقنع أرسيل نفسه، مستحضرًا حتى مبادئ المعهد.
الآن، هي فتاة لا علاقة له بها.
لكن في ذهنه، ظل طيف الفتاة الصغيرة التي تحمل حقيبة بحجمها، وتنحني شاكرة، يتراقص دون توقف.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 4"
لا تخاف حتى انا صدقتك ماعليك~