34
كان يعلم جيدًا طباع الأطفال الذين التحقوا بمعهد النخبة هذا العام.
«لقد أثار النبلاء ضجة كبيرة لإرسال أبنائهم إلى هنا»، فكر في نفسه.
كان يرى سخافة في تهافتهم لجذب انتباه الإمبراطور بأي وسيلة.
«كلهم يتزاحمون لتكوين شبكات علاقاتهم الثمينة، أليس كذلك؟»
لكنه كان متأكدًا أن مثل هؤلاء الأطفال لن يلتحقوا بدروسه.
«أكره هذا النوع من الأمور بشدة»، قال في نفسه.
في الأكاديمية، اشتهر بصعوبة دروسه وطباعه القاسية.
ولم يكن له أي صداقات عميقة مع النبلاء الآخرين.
لذلك، كان مالِس واثقًا أن أحدًا لن يسجل في درسه.
لكن، على ما يبدو، كان هناك طفلٌ أخطأ في حكمه، فقد تلقى إشعارًا بأن طالبًا واحدًا سجّل في درسه.
«يا لها من مشكلة!»
كان قد خطط لقضاء العام في معهد النخبة بهدوء، منغمسًا في أبحاثه، ثم يتقاعد براتبٍ سخي.
لكنه لم يكن ليسمح لطفل نبيل متعجرف أن يسرق وقته.
«لذلك، تعمدت إعطاءه مهمة مستحيلة»،
فكر.
طلب من الطالب حل خمسين مسألة رياضية متقدمة في غضون يومين.
لو كان الطفل عاقلاً، لصرخ قائلاً: «الأستاذ مجنون!» وهرب على الفور.
بالتأكيد، كان يفترض أنه التحق بدروس أستاذ آخر الآن.
بينما كان مالِس يتخيل قاعة دراسية خالية وهادئة، مبتسمًا، فتح الباب.
«أوه…؟»
أفلتت منه صرخة ذهول.
كانت القاعة التي حصل عليها قاحلة وبائسة.
مكتب أستاذ عادي، منصة تدريس، وخمسة مكاتب وكراسي للطلاب، لا أكثر.
بضع كتب جلبها بنفسه كانت كل ما يحتويه ذلك المكان البالي القاتم.
تراكم الغبار فيها، ولم يطلب تنظيفها عمدًا ليطرد ذلك الطالب الوحيد.
«لكن، لماذا تبدو نظيفة هكذا؟»
كانت القاعة لامعة، خالية من أي ذرة غبار.
المكاتب التي كانت مبعثرة أُعيد ترتيبها في صفوف منتظمة، والسبورة التي كانت مغطاة بغبار الطباشير أصبحت نظيفة تمامًا.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.
على مكتب الأستاذ، كانت هناك مزهرية تحتوي على زهور متفتحة حديثًا، ومن النافذة المفتوحة كانت نسمات الربيع المنعشة تداعب المكان.
«هل مرّ أحد المسؤولين عن التنظيف؟»
حتى لو كان الأمر كذلك، لم يتوقع أن يُنظف المكان بهذا الإتقان.
صحيح أنه اختار عمدًا مكانًا قديمًا ومنعزلًا، لكنه، كإنسان، يفضل النظافة.
بينما كان يتفحص القاعة بارتياح، سمع صوتًا:
«مرحبًا!»
«…؟»
نظر إلى الأسفل حيث جاء الصوت.
كانت هنآك طفلة صغيرة ترتدي زي معهد النخبة تنظر إليه.
«من أنت؟»
«أنا إيفي آلدن. هل أنت الأستاذ مالِس؟»
كان صوتها واضحًا ونقيًا، ونظرة الإعجاب التي ألقتها نحوه جعلته، دون وعي، يومئ برأسه ويجيب:
«نعم، أنا الأستاذ مالِس. لا تقولي لي… هل أنت الطالبة التي سجلت في درس الرياضيات المتقدم؟»
«نعم، أستاذ!»
أجابت إيفي بحماس وهي تبتسم.
شعر مالِس بالارتباك.
تساءل من يكون ذلك الأحمق الذي سجل في درسه، لكنه لم يتوقع أن تكون طفلة صغيرة كهذا.
كان متأكدًا أن الطفلة ستهرب بعد رؤية المهمة الأولى ولن تظهر اليوم.
لكنه، بدلاً من الهروب، جاءت لتحييه!
«هذا ليس صحيحًا!»
في ارتباكه، لاحظ خط يده المتبقي على السبورة، فاستعاد رباطة جأشه.
«اهدأ. يجب أن أطرد هذه الطفلة لأضمن عامًا هادئًا.»
كانت الطفلة صغيرة ونحيفة بشكل غير معتاد بالنسبة لأبناء النبلاء في المعهد.
لم تظهر أيًا من الغطرسة التي تميز أطفال النبلاء.
لكنه لم يسمح لنفسه بالتأثر. في هذه المرحلة من حياته، قبيل التقاعد، لم يكن لديه وقت للاعتناء بطفلة.
بصوت جاف، قال لإيفي:
«حسنًا. هل أحضرت المهمة؟»
كان مستحيلاً أن تكون قد أنجزتها.
كانت المسائل صعبة للغاية، تستغرق ساعة أو اثنتين لكل واحدة.
حتى لو كان طالبًا في معهد النخبة، لا يمكنه حل مسائل الرياضيات المتقدمة بسهولة.
لاحظ توترًا طفيفًا على وجه إيفي عند سماع كلامه.
الرياضيات المتقدمة كانت تُشكل تحديًا حتى للطلاب المتخصصين.
كيف لطفله صغيرة أن تنجزها بشكل صحيح؟
«كما توقعت، لم تنجزها بالتأكيد. لهذا حيتني بكل هذا التهذيب والابتسامات.»
لم تكن هذه المرة الأولى التي يرى فيها طلابًا يحاولون التملص من المهام بالضحك والمجاملات.
طفلة صغيرة تحاول التلاعب به بهذه الطريقة!
بينما كان مالِس يستعد لتوبيخها، قالت إيفي بصوت خافت:
«لقد أحضرتها، لكن كانت هناك مسائل صعبة فلم أستطع حلها كلها.»
أخرجت دفترها ووضعته أمامه.
تناول مالِس الدفتر وبدأ بتفحصه.
«من الواضح أنها لم تحل شيئًا جديًا.»
بعد سنوات في التدريس، كان يعرف جيدًا أساليب الطلاب: يحلون بضع مسائل بشكل سطحي ثم يشتكون من الصعوبة.
لكن عندما فتح الدفتر، اتسعت عيناه.
كانت الصفحة الأولى مكتظة بالمعادلات، مكتوبة بخط دائري ومنظم.
بدون وعي، بدأ يتتبع الحلول بعينيه.
«يا للعجب!»
خرجت منه كلمة إعجاب.
كانت الحلول نظيفة ومثالية، كأنها جاهزة للنشر في كتاب.
انتقلت عيناه بسرعة إلى الحل التالي، وكان مثاليًا أيضًا.
بعد عدة مسائل، وجد أخيرًا واحدة لم تُحل بشكل صحيح.
بدلاً من الشعور بالرضا لإيجاد خطأ، شعر بالأسف.
«لماذا لم تحلي هذه؟ إنها تستخدم نفس المعادلات مثل المسائل السابقة.»
«بدءًا من تلك المسألة، كان يجب استخدام معادلات فيثاغورس معًا… لكنني لم أتعلمها بعد. قرأت شرح الكتاب لكنني لم أفهمه جيدًا…»
أصبح صوت إيفي أضعف تدريجيًا.
كانت قد أمضت وقتًا طويلاً في حل المسائل السابقة، لكنها توقفت عند تلك النقطة.
«يا إلهي، هذا لن يصلح!»
ضرب مالِس صدره بنفاد صبر.
خافت إيفي من ردة فعل الأستاذ الضخم، ظنًا أنه سيغضب.
هل سينهرها لأنها لم تفهم ودخلت معهد النخبة؟
لكن مالِس اقترب من المكتب وقال:
«اجلسي هنا!»
* * *
بعد ساعة، كان مالِس يشرح لإيفي بلطف شديد:
«انظري، يا صغيرتي، الأمر هكذا…»
أمسك الطباشير وبدأ برسم الرسوم البيانية والأشكال على السبورة.
كانت إيفي تراقب وتنقل ما يرسمه إلى دفترها بعناية.
«هنا ينتهي الأمر. هل فهمتِ؟»
«نعم!»
أجابت إيفي بحماس، فارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه مالِس.
لو رآه من يعرفه، لفرك عينيه ظنًا أنه يرى وهمًا.
مالِس، الأستاذ المتجهم الذي اشتهر بجعل طلاب الأكاديمية يبكون، كان يشرح بلطف ويبتسم!
«إذا كان صعبًا، قولي لي، سأشرح مجددًا.»
«لا، ليس صعبًا! بالأمس، عندما قرأت الكتاب، كان الأمر معقدًا، لكن شرحك جعل كل شيء واضحًا!»
«حقًا؟ من ذلك الأحمق الذي كتب الكتاب…»
توقف مالِس فجأة، إذ تذكر أنه هو من كتب كتاب الرياضيات المتقدم.
«همم، ربما كتبته بطريقة معقدة بعض الشيء. لكنه كُتب لطلاب الأكاديمية البالغين. لو علمت أن طفلة مثلك ستقرأه، لكتبته بسهولة أكبر.»
بعد تبريره المتعجل، أمسك الطباشير مجددًا.
في تلك اللحظة، رن جرس برج الساعة البعيد، معلنًا نهاية الدرس.
«انتهى الوقت بالفعل.»
اعتلن نظرة أسف على محيٌ إيفي.
بدت هذه النظرة في عيني مالِس مثالية.
«هكذا يجب أن يكون الطالب!»
بدلاً من الاندفاع للخروج عند سماع الجرس، كانت تشعر بالأسف لعدم اكتمال تعلمها.
نظر إلى الكتاب وقال في نفسه:
«في يوم واحد، أكملنا تقريبًا الفصل الأول!»
كانت سرعة مذهلة. في الأكاديمية، كان إكمال فصل واحد يستغرق أسبوعين.
لكن هنا، اقتربوا من إنهائه في يوم واحد.
«فهمها سريع جدًا.»
على الرغم من أن الدرس استمر أكثر من ساعتين، لم تفقد إيفي تركيزها. بل كانت عيناها تلمعان كلما شرح شيئًا جديدًا.
هذا جعل مالِس يشعر بالحماس أيضًا.
«منذ متى لم أُدرّس بهذا الحماس؟»
كان معتادًا على رؤية طلاب متثاقلين، يجلسون بملل.
لكن الآن، وهو يرى طالبة تستمع باهتمام، تسأل عن كل ما لا تفهمه، وتبذل جهدًا للفهم، شعر بقلبه يمتلئ.
«هذا هو نوع الطالب الذي كنت أريد تدريسه!»
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 34"