30
تَسَرَّبَ صوتُ خطواتٍ ثقيلةٍ بطيئة.
نظرت سيرافينا إلى ظهر ليمورا الذي يدور بعيدًا بلا حياة، وكتفاها متدليتان بانكسارٍ واضح.
«لا، لا أريد ذلك! أفضّل أن أتلقى عقوبةً أخرى حتى لو كانت بنقاط جزاء!»
«بالتأكيد ظنَّتْ أنها تتصرف بذكاءٍ على طريقتها.»
لكن ليمورا لم تكن حقًا تلك الفتاة الماهرة التي تملك دهاءً حقيقيًا.
لو كانت كذلك، لأومأت برأسها موافقةً على تعليمات سيرافينا، ولقالت إنها ستزور إيفي يوميًا حتى تُسامحها، وهي تخفض رأسها بخضوع.
لكن ليمورا، بدلاً من ذلك، رفضت بصراحةٍ واستدارت مغادرةً إيفي دون تردد.
كان ذلك التصرف وحده كافيًا ليكشف الحقيقة.
لم يكن لدى ليمورا أدنى نيةٍ للاعتذار لإيفي بصدق.
أصدرت سيرافينا صوتَ استياءٍ خفيف من لسانها، ثم عادت إلى الغرفة. وبمجرد دخولها، خاطبت إيفي التي كانت هناك:
«لقد حرصتِ على مراعاة مشاعر الآخرين حتى لا تجذبي انتباه الأطفال الآخرين، لكن الأمر انتهى بأسفٍ شديد.»
عند ذكر كلمة «مراعاة»، رسمت إيفي ابتسامةً محرجة.
في الحقيقة، عندما أرادت سيرافينا استدعاء ليمورا، كانت تنوي أن تقول للموظف إن لديها ما تتحدث عنه يتعلق بإيفي، وأن عليها الحضور.
لكن في تلك اللحظة، أمسكت إيفي بثوبها وهزَّت رأسها نافيةً.
«لا يجب أن تفعلي ذلك. إذا فعلتِ، سيعرف الجميع…»
ثم أضافت إيفي أن تطلب من الموظف استدعاء ليمورا بحجةٍ أخرى، لتأتي إلى هنا دون أن يعلم الطلاب الآخرون أن ليمورا متورطة في هذا الأمر.
عندما أثنت سيرافينا عليها، ضحكت إيفي بخجل.
«هكذا كانت تفعل المديرة دائمًا.»
في دار الأيتام، كان هناك العديد من الأطفال، ولهذا لم تتوقف الخلافات أبدًا.
ومن بينهم كان هناك أطفالٌ يرتكبون «أفعالًا سيئة» في الخفاء.
خاصةً سرقة الأغراض، أو إتلاف ممتلكات الأصدقاء الآخرين.
وعندما كانت مثل هذه الحوادث تقع، كان الأطفال يبحثون عن الجاني بعيونٍ مشتعلة.
في تلك الأوقات، كانت المديرة أحيانًا تستدعي بعض الأطفال بحجة أنها بحاجة إلى مساعدتهم في عملٍ ما.
كانت إيفي تظن حقًا أن هؤلاء الأطفال استُدعوا لمساعدة المديرة.
حتى اللحظة التي نسيت فيها طرق الباب وسمعت بالصدفة حوارًا داخل الغرفة.
عندها، صُدمت عندما اكتشفت أن الأطفال الذين استُدعوا كانوا في الواقع الجناة.
لاحقًا، عندما كانت بمفردها مع المديرة، سألتها إيفي لماذا كذبت واستدعتهم بهذه الطريقة.
«لأن هذا هو العقاب الأكبر، والتوبة الحقيقية.»
لم تفهم إيفي إجابة المديرة.
وإذ رأت المديرة وجهها المحيَّر، ربتت على رأسها وقالت مرةً أخرى:
«الخطأ يجب أن يُكفَّر عنه بالتوبة الذاتية. الاعتذار القسري الذي يأتي خوفًا من أعين الآخرين لا قيمة له. أن تعيش دون أن تتمكن من البوح بما في قلبك، وأن تخاف دائمًا من أن يُكتشف خطؤك، هو أمرٌ مؤلمٌ ومقلقٌ للغاية. حتى وأنت ترى أصدقاءك يضحكون ويلعبون، فإن من أخطأ لا يستطيع أن يضحك بصدق.»
روت إيفي لسيرافينا كلمات المديرة التي حفظتها.
فابتسمت سيرافينا وربتت على كتف إيفي وقالت:
«يا لها من معلمةٍ رائعة.»
في تلك اللحظة، انبعث صوتٌ من خلف حاجزٍ خشبي يفصل الغرفة.
«كل شيءٍ جميل، لكن هل يمكننا الخروج الآن؟»
«آه، آسفة، لقد نسيتكما تمامًا. تعاليا.»
ضحكت سيرافينا، فخرج روسكا من خلف الحاجز وهو يتذمر، وبالطبع كان أرسيل معه.
«الآن يمكنكما العودة. هذا المبنى مخصص للموظفين، لكنه تابع لمهجع الفتيات. حتى وإن كنتما تملكان امتيازاتٍ من جلالة الإمبراطور، فمن غير اللائق دخول مهجع الفتيات، أليس كذلك؟»
«لم ندخل لهذا السبب!»
صاح روسكا بصوتٍ مرتفع، كأنه يدافع عن نفسه ضد تهمة التحرش، ثم أغلق فمه بسرعة.
«أعني، بقينا هنا لأننا كنا قلقين أن تستمر ليمورا، أو ليموري، أو مهما كان اسمها، في الكذب إلى النهاية…»
كان ذلك صحيحًا.
بقي الاثنان للتأكد من أن ليمورا لن تنكر فعلتها حتى النهاية.
«من حسن الحظ أن الأمر انتهى قبل أن يصل إلى ذلك.»
خاطب أرسيل ايفي ، بينما كان روسكا يتمتم.
لاحظت إيفي سترته المستعارة كان مجعَّدة، فخفضت رأسها وقالت:
«آه، شكرًا لإعارتي الملابس. وشكرًا أيضًا لأنك جعلت ليمورا تتحدث أولاً.»
عندما دخلت ليمورا، كان إطفاء الأنوار عمدًا لإثارتها، ثم إظهار إيفي، فكرة أرسيل.
«ربما يكفي ذلك لجعلها تتحدث عن خطئها بنفسها وهي غاضبة.»
وكما توقع أرسيل، حدث ذلك بالضبط.
نظرت سيرافينا إلى أرسيل وهو يتحدث بهدوء، وفي داخلها أصدرت صوت استياءٍ خفيف.
«يا له من صغيرٍ يقترح شيئًا يشبه استجواب أسرى الحرب…»
لم تمنعه، لأنها، بصراحة، أرادت أن تُعاقب ليمورا على فعلتها بهذا الشكل.
«لا أحد يعرف الخوف إلا إذا اختبره بنفسه.»
على الأقل، لن تفكر ليمورا بعد الآن في حبس أحدهم في الظلام وحيدًا.
«على أي حال، لقد تأخر الوقت، فعودا إلى غرفكما. لن أرافقكما، ألا بأس بذلك؟»
«بالطبع.»
«طبعًا.»
«إذًا، لنؤجل تحياتنا إلى وقتٍ لاحق. اذهبا بحذر.»
عند كلمات سيرافينا، انحنى الاثنان تحيةً، ثم لوَّحا لإفبي.
«نراكِ غدًا!»
ضحك روسكا بمرح.
«كان يومًا صعبًا، أليس كذلك؟ استريحي الآن.»
تحدث أرسيل بصوتٍ هادئٍ ومؤدب.
انحنت إيفي للاثنين اللذين يلوحان لها وقالت:
«شكرًا جزيلًا على اليوم.»
استمر الاثنان في التلويح حتى أغلقا الباب.
نظرت سيرافينا إلى هذا المشهد وفكرت أن الأمور أصبحت غريبة حقًا.
«هؤلاء الاثنان ليسا من النوع الذي يهتم بالآخرين بهذا الشكل.»
بما أن سيرافينا كانت من المقربين لكلويس، فقد عرفت الاثنين منذ طفولتهما.
«كانا يبدوان وكأنهما لا يملكان سوى بعضهما كأصدقاء في العالم، فما الذي حدث؟»
ثم استقرت عيناها على إيفب التي كانت تجمع حقيبتها بهدوء.
الآن وهي تفكر في الأمر، شعرت أنها هي نفسها كانت مختلفة اليوم.
«تلاوة التعويذة كانت أسهل وأسرع مما توقعت.»
القصر الإمبراطوري بأكمله مشبعٌ بقوةٍ قديمة تجعل تلاوة التعاويذ صعبة.
لذلك، حتى عندما استعارت حجرًا سحريًا، لم تكن واثقة من أنها ستجد إيفي بسهولة.
لكن التعويذة لم تُلقَ بقوةٍ أكبر من المعتاد فحسب، بل بدا وكأن شيئًا ما يهديها، فقد عثرت على إيفي في لحظة.
«كان الأمر مشابهًا لما كنتُ أشعر به عندما كانت ليليان هنا…»
ثم، فجأة، تذكرت وجهي أرسيل وروسكا.
شعرت أن الطفلين، اللذين رأتهما بعد وقتٍ طويل، كانا غريبين ومألوفين في آنٍ واحد.
كانا يضحكان كما كانا يفعلان عندما كانت ليليان على قيد الحياة.
«لماذا؟»
هي نفسها، والطفلان أيضًا.
ما السبب الذي جعلنا مختلفين عن المعتاد؟
«حسنًا، سأذهب الآن. شكرًا جزيلًا لأنكِ استخدمتِ السحر لتجدينني. كان الضوء يهبط مثل النجوم، كان جميلًا جدًا!»
ابتسمت إيفي بحيوية وهي تتذكر تلك اللحظة.
«آه…»
في تلك اللحظة، أدركت سيرافينا شيئًا.
الطفلة النحيلة أمامها كانت تبتسم بابتسامةٍ مألوفة.
كانت تلك الابتسامة نفسها التي رأتها في صورة ليليان وهي تقود إيبي إلى الخارج.
تفحصت عينا سيرافينا إيفي.
شعرٌ ذهبيٌ باهت لكنه مشرق، وعينان خضراوان عميقتان.
«إنها تشبهها.»
«العميدة؟»
«آه، آسفة.»
استفاقت سيرافينا من أفكارها عندما نادتها إيهي.
الأميرة إيفبيان ماتت. شهد جميع من كانوا في القلعة موت الاثنين، وكلويس نفسه تسلم الجثتين.
على الرغم من علمها بذلك، استقرت عينا سيرافينا للحظة على ظهر يد إيفي.
ثم ابتسمت بمرارة عندما رأت يدًا نظيفة خالية من أي شيء.
«ما الذي كنت أفكر فيه؟»
لماذا بحثت عن ملامح الإمبراطور وزوجته في طفلة من دار الأيتام؟
أخذت سيرافينا إيفي وغادرت الغرفة.
* * *
«هاه…»
صعدت إيفي الدرج وفتحت باب غرفتها، رقم 305، بهدوء.
عرضت سيرافينا مرافقتها إلى الغرفة، لكن موظفًا من الأكاديمية ناداها من الخارج.
من شكواه، بدا أن لديها كميةً هائلة من العمل المتراكم.
اعتذرت سيرافينا مرارًا وقالت إنهما سيلتقيان لاحقًا، ثم غادرت ببطء، فعادت إيفي إلى غرفتها بمفردها.
كان عليها أن تستحم بسرعة وتستعد للغد.
«يجب أن أدخل بهدوء.»
كان الوقت متأخرًا جدًا، وربما كانت آيرين نائمة بالفعل.
بينما كانت إيفي تفتح الباب بحذرٍ شديد، لاحظت كيسًا ورقيًا موضوعًا أمام الباب.
«…؟»
فتحته بفضول، فوجدت بداخله شطيرة وفاكهة وكعكات وحلوى، من الواضح أنها من مطعم الأكاديمية.
«يبدو أن الموظفين أعدّوها لي.»
لو علمت بذلك مسبقًا، لكانت شكرتهم.
احتضنت إيفي الكيس ودخلت الغرفة.
بعد قليل من دخول إيهي، انفتح باب الغرفة المقابلة قليلاً، وأطلت آيرين برأسها.
تأكدت من أن أمام باب إيفي لم يعد هناك شيء، ثم أغلقت الباب بابتسامةٍ راضية.
وهكذا انتهى اليوم الثاني الصاخب.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 30"
ياعمري آيرين😭🤏🏻