227

“أه، آنسة آشيه؟”
انقطع صوت ديفان وهو مرتبك.
كان قد استيقظ هذا الصباح وهو في غاية التوتر، بعد ليلة مليئة بالأحداث.
‘لقد حدث الكثير الليلة الماضية…’
تذكر ديفان أحداث الأمس، فامتلأ قلبه بالقلق من جديد.

—

أمرت الكونتيسة  الخادمات بمرافقة آشيه، معتقدًة أنه بعد ذلك ستتيح لنفسها بعض الراحة.
لكن، على عكس توقعه، لم يكن الأمر كذلك.

“…لذلك، ولتخفيف حرارة شمس الصيف قليلًا، قمت بتركيب مظلة زرقاء داكنة هنا. أما في الشرفة فقد وضعت أثاثًا من العنبية جاء من الجنوب، ويختلف عن أي أثاث إمبراطوري آخر، إذ يمنح شعورًا بالانتعاش. وهذه المنطقة…”

استمرت الكونتيسة  في الشرح بلا توقف، حتى بدا لديفان وكأن الأمر لن ينتهي أبدًا.
في الوقت ذاته، لاحظ ديفان أن رائحة البخور في الغرفة كانت تزعجه بشدة.
‘تشبه ما كان في العربة…’
لكنه تميز فيها اختلافًا بسيطًا، مزيج غريب جعل رأسه أكثر خمولًا وارتباكًا.
ومنذ اللحظة التي شمَّ فيها الرائحة، شعر ديفان باضطراب داخلي واضح.

حاول التركيز على ما تقوله الكونتيسة ، متظاهرًا بالاهتمام الشديد، مع الحفاظ على نظرة ضبابية في عينيه للتمويه.
استمرت الكونتيسة  في شرح تفاصيل القصر وأركانه، حتى لم يستطع ديفان السكوت أكثر.

“شكرًا على الشرح المفصل. يسعدني أن أتمكن من رؤية هذه الفيلا الجميلة عن قرب. وأنا واثق أنه أثناء التجول سأكتشف جماليات جديدة أيضًا.”

كان جوابه مهذبًا بطريقة دبلوماسية، وكأنه يقول: “سأرى كل شيء بنفسي، فلا حاجة لمزيد من الشرح.”
ابتسمت الكونتيسة ، وبدت وكأنها فهمت الرسالة، لكنها عادت للحديث مرة أخرى:
“أردت أن تعرف كل شيء لأنك ستأتي هنا كثيرًا، وأردت أن تشعر براحة أكبر.”

شعر ديفان بالدهشة.
هذه زيارته الأولى، ولم يعد يُتوقع منه أن يأتي هنا كثيرًا، فكيف للكونتيسة  أن تتصرف وكأنها متأكدة من تكرار زياراته؟
يبدو أنها تعتبر هذا أمرًا بديهيًا.

بل وأكثر من ذلك…
“ربما تقيم هنا لفترة طويلة.”

كانت عبارة بسيطة من الكونتيسة ، لكن ديفان شعَر بالقشعريرة.
فحدسه أخبره أن في كلمات الكونتيسة  معنى خفي أعمق.
‘لماذا؟’
لماذا تىيد الكونتيسة  أن يبقى هنا طويلاً؟ ما هي غايتها؟

مهما كان السبب، فهو من العائلة الملكية، وزائر للأكاديمية الغربية.
أي غياب طويل سيصل خبرُه فورًا إلى مملكة سيردينا، وسيكون عميد الأكاديمية منشغلًا جدًا بمتابعة الأمر.
لا يمكن للكونتيسة  خداع كل الإمبراطورية، فالأمر سيخلق مشاكل حتمًا.

بينما كان ديفان يفكر في سبب رغبة الكونتيسة  في إبقائه طويلاً، فاجأته الأخيرة بسؤال غير متوقع:
“هل هناك أي خطوبة مرتبة لك في بلدك؟”

“خطوبة؟”
مفاجأة كبيرة، الحديث عن الزواج!

“ليس هناك شيء محدد حتى الآن…”
انكسر صوت ديفان عند الإجابة.

فالزواج من واجبات جميع أفراد العائلات الملكية والنبلاء، ومن الطبيعي أن تكون عليه عروض وخطط منذ الطفولة.
ومع وجود أشقاء أكبر، فهو بعيد جدًا عن وراثة العرش.

علاوة على ذلك، لم يكن ديفان طموحًا إلى العرش، وشخصيته بعيدة عن التنافس على السلطة، كما أن أفراد العائلة الملكية في سيردينا على علاقة جيدة نسبيًا مع بعضهم البعض.
وبالتالي، زادت العائلات التي أرادت الزواج من ديفان.
لم يكن هناك تعقيد في مسألة الوراثة، لكنه كان محاطًا بحب والدي الملك، ويمتلك مؤهلات سحرية واعدة تجعل منه مستقبليًا حائزًا على لقب “الكبير الساحر”.
إضافة إلى ذلك، كانت ملامحه الوسيمة وشخصيته الودودة تجعل منه زوجًا مرغوبًا ليس فقط في سيردينا، بل في القارة بأكملها.

ومع ذلك، لم يسبق لديفان أن تبادل أي خطوبة مع أي شخص.
والسبب بسيط: لأنه لم يرغب بذلك.

“هل تفضل الأشخاص من نفس الجنس؟”

عندما سأله والده، ملك سيردينا، بجدية، تكتم ديفان عن الأمر بطريقة أدت إلى رشقه بالماء، فلم يُساء فهم ميوله الجنسية.

“إذن، هل هناك شخص آخر في قلبك؟”
“……”

كان سؤال الملك عفويًا، لكنه جعل ديفان عاجزًا عن الإجابة.
فقد أدرك أخيرًا سبب عدم اهتمامه بكل عروض الزواج المتدفقة.
هناك شخص واحد فقط يتبادر إلى ذهنه فورًا.
مهما كان برفقة نساء جميلات، أو نساء متعلمات ومثقفات، لم يشعر تجاههن بأي شيء سوى الإعجاب البشري العادي.

لكي يتطور شعور بين شخصين، يجب أن يكون هناك فضول نابع من الإعجاب.
وديفان يعرف جيدًا لمن يتوجه فضوله هذا.

عاد ديفان إلى قصره، وتوجه إلى الخزانة وفتح أحد الأدراج.
كان مليئًا بالرسائل التي وصلته.
بوصفه أميرًا وواحدًا من أبرز الشخصيات في سيردينا، يتلقى عشرات الرسائل يوميًا.
وبالطبع، لم يكن بالإمكان الاحتفاظ بكل هذه الرسائل.
عادةً ما تُحفظ الرسائل المهمة لفترة معينة ثم تُحرق، لكن الرسائل في هذا الدرج كانت محفوظة بعناية، دون حتى تجاعيد واحدة.

أخرج ديفان الرسالة الأبعد داخل الدرج.
كانت مكتوبة بخط دائري وطفولي، يعكس البراءة في كل حرف.

[إلى الأمير ديفان من سيردينا. شكرًا جزيلًا على الدمية! كانت مذهلة للغاية! عندما أخذتها بيدي، تحركت بشكل لطيف جدًا، لم أصدق كيف صنعت هذا السحر! الآن فهمت كيف… الأستاذة سيرافينا…]

لم تظهر أي مراعاة للبروتوكولات المعتادة عند مراسلة عائلة ملكية أجنبية، ما جعل الرسالة أكثر دفئًا بالنسبة لديفان.
كان يشعر وكأن صوت الإمبراطورة الصغرى إيفيبيان ينبعث من وراء الكلمات، فرحة صادقة لا يعرفها سوى هو.
كانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها بحرية مطلقة مع شخص بعيد عنه، دون أي مراعاة للبروتوكولات، مجرّد متعة صادقة.

منذ ذلك الحين، بدأ ديفان يرسل الرسائل إلى الإميرة إيفيبيان كثيرًا، وكانت ترد عليه بالمثل.
في البداية، كانت الرسائل مليئة بالحديث عن السحر، ومع مرور الوقت، بدأ كلاهما يشارك الآخر قصصًا عن حياتهما المحيطة.
وبذلك، اكتشف ديفان أن الإميرة لديها أصدقاء مقربين، هم أرسيل، وآيرين، ولوسكا.

عندما رأى اسم أرسيل لأول مرة، لم يسرّه.
كان شخصًا كان يُحتمل أن يصبح ابنًا بالتبني للإمبراطور، وربما كان سيحل مكانه في المستقبل.
وكان ديفان يتساءل: هل سيحمل ضغينة تجاه الشخص الذي ظهر فجأة واستولى على هذا المقعد الذي كان قد يكون له؟

حتى لو كان ذلك الشخص هو المالك الأصلي؟
ربما لهذا السبب، لم يعجب ديفان باسم “أرسيل كايلن” منذ أن سمعه أول مرة.

“ومع ذلك، يجب عليّ الآن أن أضحك وأتظاهر بالمرح معه؟”
فكرته عن أرسيل جعلت شعور ديفان بالغضب يتفجر، وكأن ذلك الغضب أعاد إليه وعيه المبعثر.
لقد كان شعورًا بالعداء يتجاوز أي تأثير يمكن أن تحدثه أي مادة أو سحر.

بينما كان على وشك أن يطلب من الجميع السماح له بالانسحاب، بدأت الكونتيسة  بالكلام أولاً:
“ماذا عن الآنسة آشيه؟”

“……!”

شعور يقشعر له بدنه اجتاحه بالكامل، وكأنه يريد خدش ذراعيه من شدة الانزعاج.
تجمع كل صبره لمحاولة الحفاظ على وجهه المبتسم، رغم أن داخله كان يشعر بالغثيان وكأنه يعيد تذكر ما حدث منذ أسبوع كامل.

وربما بسبب تمثيله المتقن، لم تلاحظ الكونتيسة  شيئًا، واستمرت في كلامها:
“إن الآنسة آشيه ستكون شريكة مناسبة لك. من المؤكد أنها ستنجب أطفالًا أصحاء.”

حينها، شعر ديفان بقشعريرة حقيقية.
فعيون الكونتيسة ، وهي تتحدث عن الأطفال، كانت تتلألأ بجنون.

—

“لحسن الحظ، عادت الكونتيسة  بعد ذلك دون أي مشكلة……”
بالطبع، كان هناك عطر آخر في الغرفة، ومياه أعدتها الخادمات تحتوي على شيء ما، لكن ديفان كان مستعدًا لذلك، فلم يتفاجأ.

وكان ينوي اليوم صباحًا أن يلتقي بأرسيل مرة أخرى ليخبره بما حدث بالأمس ويناقش خطة مواجهة، لكنه توقف عند تلك اللحظة.

“حقًا… هذا الشعور… لم أشعر به من قبل في حياتي……”
رأى أرسيل يحرج وجهه ويحول رأسه، فشعر ديفان وكأن أكبر أزمة في حياته قد وُضعت أمامه.
“هل يعقل أن يكون هذا بسبب عقار ما؟!”

والكونتيسة ، الذي لا تعلم شيئًا عن مشاعر الاثنين، كان تبتسم بسعادة، وكأن الأمور تسير تمامًا وفق ما أرادتها.

—

في نفس الوقت، كانت إيفي تجوب بسرعة الممرات الخلفية.
على الرغم من أن كل شيء في القصر كان مرتبًا بعناية، إلا أن الغابة خلف الشرفة كانت مليئة بالأعشاب الكثيفة، كأنها تُركت عن قصد.

كان من الممكن لأي شخص آخر أن يكتفي بتجاوز المكان، لكنه لاحظ عند وصول أشعة الشمس الصباحية كيف تتلألأ الدفيئة الزجاجية خلف الأعشاب.

“مؤكد أن هناك شيء ينمو داخل تلك الدفيئة.”

بينما كانت إيفي تقترب من الدفيئة وتشق طريقها عبر الأعشاب، خرج خادم فجأة من الداخل ورآها.
“أه؟ من أنت؟”

ترددت إيفي للحظة، مترددة في كيفية التعامل معه، وعيونها كانت صارمة، بلا أي لطف أو وداع معتاد.

ترجمة : 𝚂𝚊𝚢𝚘𝚖𝚎