219

أومأت إيفي برأسها وهي لا تزال على وجهها علامات الجدية لحديث ديفان.
إذا كان هذا سحرًا، فهذا حدث ضخم.

لكن إذا كان ما يحدث سببه دواء، فالأمر يصبح مشكلة خطيرة.

السحر يحتاج إلى طاقة سحرية، وخصوصًا السحر الذي يتدخل بعقل الإنسان، فهو صعب جدًا ويستنزف كثيرًا من الطاقة.
حتى لو كان السحر خطيرًا، لا يمكن استخدامه على العديد من الأشخاص مرة واحدة بسهولة.

أما الدواء، فالأمر مختلف.
اعتمادًا على نوع المادة، يمكن إنتاج الدواء بكميات كبيرة، أي أنه قادر على التأثير بسرعة على عدد كبير من الناس.

أدرك أرسيل هذا أيضًا، فظل الثلاثة صامتين، يتبادلون النظرات فيما بينهم.

“مستحيل أن يكون دواء!”
صرخت هاتي وهي تكافح بعصبية.

“لكن حتى الأطباء والصيادلة هزوا رؤوسهم عندما رأوا حالة أختي! لم يقل أحد منهم أي شيء!”

“بالطبع، ألا تعرفين كم هو صعب الحصول على دواء يسبب هذه الحالة؟ لو كان سهل المنال، لكان العالم فوضى بالفعل.”

شدد أرسيل قبضته على يد هاتي، مما جعل وجهها يتغيّر إلى العبوس.
فصعوبة الحصول على الدواء تعني صعوبة معرفة طريقة علاجه أيضًا.

“إذاً… ماذا نفعل بأختي؟”

“حسنًا… علينا فحصها أكثر لنقرر…”
همست إيفي وهي تراقب أخت هاتي مرة أخرى.
“ليس أنه لا يوجد حل على الإطلاق.”

هذه مشكلة لا يمكنهم التعامل معها بمفردهم.
رغم أن إيفي درست بعض أساسيات صناعة الأدوية، إلا أن هذا ليس تخصصها.
“نحتاج إلى خبير.”

وفجأة، خطر شخص في ذهن إيفي.

—

كان الأستاذ ماليس يشعر بالكآبة.
“إيفي، هل تكونين بخير… هل تتصرفين كما ينبغي…؟”
تمتم الأستاذ وهو يتفقد الصور التي تركتها إيفي له، بصوت شبه مختنق.

جلست سيرافينا على المقعد المقابل، تراقب المشهد بعيون مليئة بالدهشة.
“حقًا، هل طلبت الإجازة لهذا السبب؟”

“نعم، أيها الغبية التي لا تملك دمًا أو دموعًا! ماذا أفعل هنا في الأكاديمية إذا لم تكن إيفي هنا؟ لا طائل من تدريسي، فالصف بلاها بلا معنى. لذا سأغادر الآن.”

“واو… إنك عنيد بطريقة لا تصدق. أحترمك!”
كانت سيرافينا، التي لم تعرف يومًا معنى الهزيمة أمام الإصرار، عاجزة عن الرد على الأستاذ ماليس.

“على أي حال، لا. عليك حضور الدروس بعد الظهر كالمعتاد.”
“أيها الغبية الذي لا تملك دمًا أو دموعًا، ألا يقلقك الأمر على إيفي؟!”

أومأت سيراڤينا برأسها، وكأن الأمر بديهي.
“لن يحدث شيء، سيدتي الأميرة تعمل بذكاء وكفاءة. أفضل من أي شخص آخر في القصر. إذا حدثت مشكلة، ستتواصل معنا فورًا، فلا داعي للقلق…”

في تلك اللحظة، أصدر أحد الزينة السحرية على مكتب سيراڤينا صوتًا حادًا.
تجمدت ملامحها على الفور.
كان هذا أحد الأدوات السحرية التي صنعتها مع إيفي قبل رحيل الأخيرة، مصممة لتنبيههم عند حدوث أي طارئ، حتى عن بعد.

نظرًا لبُعد المسافة بين هذا المكان والغرب، وغياب تركيب ساحات سحرية متكاملة، حرصوا على أن يكون الاتصال ممكنًا حتى في هذه الظروف.

ومع أن هناك عيبًا واضحًا، وهو أن كل استخدام يحتاج لأكثر من أسبوع قبل إمكانية إعادة استخدامه، فقد نجحوا على أي حال في صنعه.

“سأضع واحدة عند والدي، وأخرى عند العميد.”
“حينها، ينبغي وضعهما في مكان واضح طوال الوقت، ويفضل أن يكونا مزينين بطريقة معقولة وجذابة.”

بهذه الكلمات، طلبت سيراڤينا من كلويس تصريحًا للاطلاع على مستودعات القصر.
وبعد ساعات قليلة، عادت حاملةً زينة على شكل طائرين جميلين بما يكفي ليبدوا أنيقين.

“بهذه الطريقة، لن يشك أحد إذا وُضعا على المكتب.”

وكانت كلمات سيراڤينا صحيحة.
رغم مرور الكثير من الناس في مكتب العميد، لم يلتفت أحد سوى إلى الزينة كأي تحفة عادية دون أي شك.
في الأيام القليلة الأولى، كانت سيراڤينا قلقة من أن تنطلق الإشارة، لكن بعد مرور شهر دون أي شيء، بدأ يساورها الشك أن الزينة صارت مجرد قطعة ديكور.
والآن، بدأت ترن.

“صاحبة السمو الأميرة!”
صرخت سيراڤينا وهي تمسك بالزينة بقلق.
حتى الأستاذ ماليس، الذي كان جالسًا قبل لحظات بملامح غير مبالية، أصبح متوترًا واقترب للاستماع.

[العميد، هل تسمعيني؟]
“نعم، أسمعك جيدًا! ما الأمر؟ هل يجب أن أتوجه إليكم فورًا؟”

بالرغم من الثقة في إيفي، لم يكن يعني ذلك أنها لا تشعر بالقلق على الإطلاق.
سيراڤينا بدورها، التي تعرف إيفي منذ الطفولة، كانت ترى فيها مجرد تلميذة صغيرة تحتاج للرعاية، حتى بعد أن كبرت.

[لا، الأمر ليس طارئًا للغاية. فقط هناك بعض المشاكل وأود طلب المساعدة.]

سمع كلاهما صوت إيفي الهادئ، فارتاحا إلى حد ما.

“حقًا، أنتِ بخير إذًا؟”
[نعم، أرسيل بجانبي أيضًا. أرسيل، هذا العميد.]

بعد لحظات، وصل صوت أرسيل العميق والغليظ:
[مرحبًا مرة أخرى، عميد سيراڤينا.]

فارتاحت سيراڤينا وماليس عند سماع صوته.
أرسيل، الذي كان يحيط بإيفي منذ الصغر كما تحمي الأم صغارها، يمنح الثقة بأن أي مشكلة لن تمس إيفي طالما هو موجود.

“أرسيل، من زمان….”
[أنت! أنت… رجل؟]
“…؟”

ثم سُمعت خلفهم صوت فتاة صغيرة بلكنة غربية قوية، مصحوبًا بصوت أرسيل وهو يوبخها لإخراج الضوضاء وإغلاق الباب.

[آسف، لا يوجد ما يدعو للقلق.]

“حسنًا، الحمد لله… صاحبة السمو، ما الأمر؟ ما الذي تحتاجينه؟”

رغم عدم رؤية ما يحدث في الطرف الآخر، بدا أن إيفي ليست مضطرة للهروب أو تحت تهديد من أحد.

“تمام! ماذا تحتاجين إذًا؟ سأركض إلى الغرب فورًا، حتى مع جسدي المتعب! قل فقط ما تريدين!”

سمع ماليس كلامها وكأنه مستعد لتقديم حياته على الفور.
ثم جاء صوت إيفي من الجهة الأخرى:
“آه، كنت سأستشيركم أيضًا، جيد أنه جاء الآن. ما أحتاجه في الوقت الحالي هو…”

استمع ماليس وسيراڤينا، ووجوههما اتسعت بالدهشة، قبل أن يتمتما:
“هل تقول إنك تحتاجين فريقًا من المختصين الطبيعيين؟”

—

وبعد عدة أيام، وصلت مجموعة من الأشخاص إلى تالوت.

الزينة على العربة التي وصلوا بها كانت تحمل شعارًا لم يره سكان هذا المكان من قبل.

“تلك العربة… أي عائلة هذه؟”
“أرستقراطية… ربما؟”
“لكن يبدو مختلفًا قليلًا…”

كانت فخامة العربة ورونقها لا تقل عن أي عربة عائلية نبيلة، لكن الأشخاص بداخلها كانوا مختلفين قليلًا.

“تالوت! هذا هو تالوت!”
“ههه، الأميرة قد أعلنت أنها ستدعم إعادة التطوير بالكامل!”
“ابتعدوا جميعًا. سأبدأ أولًا بجمع عينات الكائنات المحيطة هنا.”

على الرغم من المظهر المحترم، بدا أن هؤلاء الأشخاص يشوبهم شيء من الغرابة؛ كلٌ منهم يبتسم ابتسامة خبيثة ملؤها طموحاته الشخصية.

وبالفعل، بعد ساعات قليلة، بدأت الشائعات تنتشر بسرعة في مدينة تالوت: أعضاء “الاعداد الطبيعية” من العاصمة يتجولون في كل أرجاء المدينة.

“الاعداد الطبيعية؟”

ارتفعت عينا الكونتيسة هيليربوريس دهشة عند سماعها الخبر من مساعده.

“نعم، إنه اجتماع مشهور جدًا في العاصمة.”
“ليس مجرد مشهور… يمكن القول إنه أكثر المجموعات تأثيرًا في الإمبراطورية بأسرها.”

كان الكونتيسة على دراية جيدة بهذه المجموعة، فقد حاولت الأميرة نفسها التواصل معهم عند زيارتها للعاصمة خلال مراسم بلوغها السن القانوني.

“وماذا يفعلون هنا بالضبط؟”
“يبدو أنهم يتفقدون جميع أراضي تالوت. ووفقًا لما سمعته، الأميرة، بعد بلوغها سن الرشد، ستبدأ بالإشراف مباشرة على إدارة تالوت، وهم يريدون تجهيز المباني التي ستقيم فيها وفهم محيطها قبل الإعلان الرسمي من القصر.”

“حقًا؟ لكن أليس هذا من واجبات القصر مباشرة؟”
“هذا هو الأمر… من استمعوا لأحاديثهم في المقهى قالوا إنهم تحركوا قبل الإعلان الرسمي ليستفيدوا أولًا. ومن ثم، يبدو أنهم يخططون لزيارة الكونتيسة لتقديم تحية أيضًا.”

“همم…”
“على أي حال، يتجولون هنا وهناك ويبدو أنهم يطلبون المساعدة بشكل غير مباشر… ماذا نفعل؟”

بعد لحظة من التفكير، أجابت الكونتيسة هيليربوريس:
“لا حاجة لنا للمواجهة. هؤلاء علماء ومهندسون مشهورون، فالحفاظ على علاقة جيدة معهم أمر مفيد.”

حتى لو كان لديهم خطط أخرى، يكفي حماية قصرنا جيدًا، ولن تحتاج الأميرة للانشغال بأي شيء آخر.

“دعهم إذن يفعلون ما يشاءون.”

ترجمة : 𝚂𝚊𝚢𝚘𝚖𝚎