**الفصل 3
9**تنهّد.
كان كلويس يربت برفق على ظهر إيفي، التي كانت لا تزال في أحضانه، تصدر أحيانًا صوت نشيج خافت.
هذه الطفلة التي كانت عادةً تثرثر بلا توقف في أذنه حين يحتضنها، كانت الآن شفتاها مغلقتان بإحكام.
بل وأكثر من ذلك، لم تتشبث بعنقه كعادتها، بل اكتفت بوضع وجهها على كتفه. كأنها تعلن بصمت أنها لا ترغب حتى في رؤية وجه والدها.
“آه…”
أدرك كلويس مجددًا عمق الجرح الذي سببه لقلب طفلته، فواصل السير بخطوات ثابتة.
أمام عينيه، امتد الطريق المؤدي إلى قبر ليليان. لقد تغير المكان كثيرًا عما كان عليه في السابق. أول ما لاحظه هو غياب الجندي الذي كان يحرس الموقع. لم يعد هذا المكان ملاذه السري الوحيد الذي يتوجب عليه إخفاؤه. بل أصبح المكان الذي ترقد فيه حبيبته، والذي ينبغي أن يكون إيفي قادرة على زيارته بسهولة وراحة في أي وقت.
كان الطريق في السابق غارقًا في الأعشاب البرية بسبب منعه أي يد من الاقتراب، لكنه الآن تحول إلى ممر واسع ومرتب، يعتني به بستانيو القصر الملكي يوميًا، ليكون متاحًا للجميع، وليسهل على إيفي الوصول إليه.
غرقت السماء الآن في ظلام دامس. ربما يكون المدعوون إلى الوليمة قد غادروا القصر بالفعل في هذه اللحظة. ربما لهذا السبب، بدا الطريق، الذي كان هادئًا أصلًا، أكثر سكونًا من المعتاد هذا اليوم. ونتيجة لذلك، كان صوت نشيج إيفي يتردد بوضوح أكبر.
بعد لحظات قليلة، ظهر قبر ليليان أمامهما. في تلك اللحظة، هبت نسمة دافئة بين رياح الليل الباردة، ملاطفة وجهيهما بلمسة رقيقة. توقفت إيبي، التي كانت قد كفت عن البكاء، عن الحركة فجأة، وبدأت تتحرك بعنف، كأنها تطالب بالنزول.
أنزلها كلويس إلى الأرض، فهرعت نحو قبر ليليان دون أن تلتفت إليه، كأنها ذاهبة لتشكو إلى أمها أن أباها قد أحزنها.
تأمل كلويس ظهر إيفي وهي تبتعد، ثم حول بصره ليتفحص المناطق المحيطة. تذكر فجأة جوزة البلوط التي كانت تتدحرج على الشرفة قبل مغادرتهما القصر الفرعي.
“من أين أتت؟” تساءل.
لا يمكن أن توجد جوزة بلوط في هذا الموسم، ولا توجد شجرة بلوط بالقرب من غرفة إيفي. ربما أسقطها طائر عابر أو حيوان صغير، لكن الشعور بالغرابة ظل يراوده.
في تلك الأثناء، اقتربت إيفي من شاهدة قبر ليليان وهمست:
“أمي، أنا غاضبة من أبي.”
حاولت ألا يسمعها، لكن الهدوء السائد جعل كلماتها تصل إلى أذني كلويس بوضوح تام. لم يستطع حتى أن يبتسم ابتسامة مريرة. كل ما شعر به هو تأنيب الضمير على خطئه.
بعد أن تحدثت إيفي مع أمها لفترة، التفتت لتتفحص المكان.
“هل تبحث عن الزهور؟” فكر كلويس.
كانت إيفي دائمًا تحمل باقة من الزهور عند زيارتها لهذا المكان. وإن جاءت فجأة دون زهور، كانت تجمع الزهور المنتشرة حولها لتصنع باقة. لكن المكان الآن خالٍ من الزهور، لا يحتوي سوى على أغصان يابسة.
جلست إيفي أمام الشاهدة بحزن، تطوي جسدها الصغير. بدت وكأنها تشعر بالبرد رغم معطفها، فخلع كلويس معطفه وغطاها به. انكمشت إيفي أكثر وتمتمت:
“أشتاق إلى أمي…”
كانت هذه أمنية طفلة بريئة وملحة، جعلت كلويس عاجزًا عن النطق. اجتاحته موجة أخرى من الشعور بالذنب.
“لو لم أغادر سوليم يومها… أو لو أنني، رغم كل شيء، أخذتك معي…”
هل كنتِ ستبقين على قيد الحياة؟ هل كنتِ ستظلين معنا حتى الآن؟
جلس كلويس أمام القبر، وضم إيفي إلى صدره. رغم قولها إنها غاضبة منه، بدا أن البرد دفعها للاستسلام في حضنه دون مقاومة. ساد صمت طويل بينهما.
تذكر كلويس كلمات إيفي الصارخة. قالت إنها كانت تود سماع المزيد عن ليليان لكنها كبحت رغبتها.
“إيفي، هل ترغبين في سماع المزيد عن أمك؟”
أومأت إيفي برأسها بضعف.
شعر كلويس بألم في قلبه وهو يتخيل مشاعر طفلته وهي تسأل الآخرين عن أمها.
“إذًا، لا تكبحي رغبتك وأخبري أباك. لا يزال لدي الكثير من قصص أمك التي لم أروها لك.”
“لكن…”
“أباك يستمتع بمشاركة قصص أمك معك.”
كان الحزن الذي يعقب تلك القصص شيئًا عليه تحمله وحده. قرر ألا يظهر ضعفه أمام طفلته مجددًا.
“ما الذي يجب أن أرويه لإيفي الصغيرة أولًا؟”
بينما كان يتحدث، شعر بحشرجة في حلقه. ظل شعور الأسف يطغى عليه. كان يحتفظ بذكريات لا حصر لها عن ليليان، لكنه عجز عن منح طفلته ولو جزءًا صغيرًا من تلك الذكريات.
“ليليان…”
تمتم كلويس باسم زوجته في قلبه. “أنا أيضا… أشتاق إليكِ.”
رفع رأسه ليخفي عينيه المتورمتين.
فجأة،
*طق!*
أصاب شيء جبهته. شعر بألم خفيف ونظر إلى جانبه.
كانت جوزة بلوط صغيرة تتدحرج على الأرض.
“لا يمكن أن يكون…”
كان قد شعر بالغرابة عندما رآها في غرفة إيفي، لكن هذه الجوزة بدت وكأنها استهدفته بدقة.
في تلك اللحظة، تذكر حادثة مشابهة وقعت في هذا المكان منذ زمن بعيد.
“متى كانت؟”
بالتأكيد… عندما ظهرت ايف مدعية أنها إيفي…
نعم، في تلك المرة أيضًا، سقطت جوزة بلوط.
لكن لم تكن واحدة فقط…
*وادادادادا*!
قبل أن يكمل تفكيره، انها كم من الجوز من السماء.
كانت الجوزات، بشكل عجيب، تسقط بدقة فوق رأس كلويس فقط، كأنها تعاقبه.
تلقى كلويس الضربات وتمتم دون وعي:
“ليليان؟”
كانت مجرد جوزات تسقط، لكن هذا الشقاء بدا مشابهًا لما كانت تفعله من رحلت عن هذا العالم.
في اللحظام التي نطق فيها اسم ليليان، هبت نسمة دافئة فجأة.
هزت جميع أشجار الغابة أغصانها، كأنها تلوح مرحبة.
كان ينبغي أن يصدر صوت احتكاك الأغصان اليابسة، لكن…
“آه؟”
فوجئت إيفي وهي تتظر حولها.
بدأت أوراق خضراء تنبت على الأغصان اليابسة.
تفالت الأوراق بسرعة، وسرعان ما ظهرت براعم زهور كبيرة على الأغصان.
كان المشهد مذهلاً.
رغم استحالة حدوثه، لم يشعر أي منهما بالخوف.
رفعت إيفي يدها لتشعر بالريح الدافئة التي تلف المكان.
لم تكن ريحًا عادية.
كانت مألوفة بشكل غريب، تحمل قوة مميزة.
لم تكن سحرًا ولا قوة ملكية.
كانت قوة قديمة، كانت تحيط بها منذ زمن طويل.
عندما كانت وحيدة في غابة مليئة بالذئاب، أو عندما كانت مدفونة في قش مخزن بارد في نزل.
في أصعب لحظاتها، شعرت بدفء خفيف.
بفضله، تمكنت من الصمود يومًا بعد يوم.
علمت لاحقًا من سيرفينا أن هذه قوة سحرية تنتقل من جهة أمها.
والآن، كانت هذه القوة تملأ المكان.
لم تكن قوتها الخاصة.
إذن…
نظرت إيفي إلى السماء وتمتمت:
“أمي؟”
في اللحظة التي استحضر فيها إيفي وكلويس الشخص ذاته، انفتحت براعم الزهور على الأشجار دفعة واحدة.
في لحظة، امتلأ الهواء برائحة الزهور المنعشة.
في تلك اللحظة، علمت إيفي ما يجب أن تفعله.
بقيت في أحضان كلويس، ورفعت يديها إلى صدرها.
تجمع ضوء ذهبي في راحتيها.
“إيفي!”
أدرك كلويس أنها تستعد لاستخدام السحر، فناداها مفزوعًا.
لكن إيفي هزت رأسها، إشارة إلى ألا يمنعها.
لم يمر وقت طويل منذ تعافيها، والآن تستخدم السحر مجددًا!
خشي أن تنهار، لكن وجه إيفي لم يبدُ متعبًا.
بل بدت أكثر راحة من أي وقت مضى.
شكلت إيفي كرة من الضوء بسرعة، ثم أطلقتها إلى الهواء.
طافت الكرة، ثم تنفجر، وانتشرت في كل اتجاه.
هطلت أضواء ذهبية حول قبر ليليان.
شكلت الأضواء صورة في الهواء.
في اللحظة التي اكتملت فيها الصورة مع الريح، أطلق كلويس وإيفي تنهيدة معًا.
كانت ليليان، بلا شك، تظهر وهي ترقص في الهواء.
“أم-ي … أنا.”
مدت إيفي يدها نحو الضوء.
ابتسمت ليليان بلطف، وأمسكت يد إيفي ببطء.
رغم أن أكانت صورة مصنوعة من الضوء، شعرت إيفي بدفء الريح من يدها.
قبلت ليليان جبهة إيفي.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "215"