20
إيبي ألقت نظرة على المكان، فوجدت إطارًا كبيرًا معلقًا على الحائط، لكن دون لوحة بداخله.
بدلًا من ذلك، كُتب على لوحة صغيرة أن رسام البلاط الإمبراطوري يعمل حاليًا على إنهاء اللوحة، وأنها ستُعرض في الخريف، تزامنًا مع عيد ميلاد الإمبراطور.
“كنتُ أتساءل كيف يبدو جلالة الإمبراطور الحالي.”
كان الإمبراطور، بالنسبة لها، بمثابة مُنعم اختارها لتكون في معهد العباقرة، فكانت تريد رؤيته. لكن غياب اللوحة أثار فيها شعورًا بالأسف.
ابتلعت إيفي خيبتها وانتقلت لتتأمل اللوحات الأخرى.
كان هناك شخص آخر، إلى جانب الإمبراطور الحالي، لم تُرسم له لوحة.
كان ذلك الإمبراطور السابق، الذي تسبب في حرب الخلافة.
هل لأنه قتل والده وإخوته؟ لم يُكتب سوى اسمه، وترك المكان الذي كان يُفترض أن تُعلق فيه لوحته خاليًا، دون حتى إطار، كأنه فراغ يحكي قصة صامتة.
شعرت إيفي وكأن هذا المكان يحمل تعقيدات عالم الكبار، فتركته خلفها وتوجهت إلى غرفة أعمق داخل المعرض.
“يبدو أن هنا تُعرض لوحات العائلة الإمبراطورية.”
أطلقت إيفي تنهيدة إعجاب وهي ترى الجدران مكتظة باللوحات.
أول ما لفت انتباهها كانت لوحات الإمبراطريات، يتألقن بتيجانهن الفاخرة.
في الماضي، كان معظم الحكام إمبراطورات ذكورًا، لكن مع مرور الزمن، ظهرت إمبراطريات، وازداد عددهن.
لذا، كانت لوحاتهن تتخلل لوحات الاباطرة الذكور.
بالطبع، كانت لوحاتهن أصغر حجمًا مقارنة بلوحات الإمبراطورات.
لم تكن اللوحات مقتصرة على أزواج الإمبراطورات فقط. تحتها، كانت هناك لوحات أصغر لأطفال.
بين لوحات الكبار ذوي الوجوه الجادة، كانت لوحات الأطفال تبرز بابتساماتهم العفوية.
بعضهم كان يحمل دمية مفضلة أو لعبة، وآخرون يعانقون كتبًا بأذرع صغيرة.
أمام لوحات الأطفال الذين بدوا في مثل عمرها، شعرت إيفي بمتعة أكبر وهي تتفحص اللوحات.
“لا أسماء مكتوبة تحتها.”
كما أخبرها أحد العاملين، بدا أن المعرض لم يُجهز بالكامل بعد، إذ كانت العديد من اللوحات تفتقر إلى أسماء أصحابها.
ثم، عندما وقفت أمام اللوحة الأخيرة على الجدار، توقفت خطوات إيفي فجأة.
كل اللوحات التي رأتها حتى الآن كانت تفصل بين الكبار والأطفال.
لكن هذه اللوحة كانت مختلفة.
امرأة شابة ذات شعر أحمر وعينين خضراوين، تبتسم بسعادة غامرة، تحتضن طفلة صغيرة في حضنها.
ربما لم تمر على ولادتك سوى أيام قليلة.
كانت الطفله ملفوفة بقماش، ووجهها بالكاد يظهر.
ظلت إيفي تنظر إلى اللوحة مذهولة لوقت طويل.
كانت المرأة غريبة عنها. لكن، بما أن اللوحة هنا، فلا بد أنها إحدى رفيقات الإمبراطورات.
هرعت إيفي لتتفقد ما بجوار اللوحة، لكن، كما توقعت، لم يكن هناك اسم ولا شرح.
“لم يضعوا الاسم بعد…”
شعرت إيفي بخيبة أكبر مما شعرت بها عندما لم ترَ جوهرة ثمينة. عادت لتقف أمام اللوحة.
كان يُفترض أن تجعلها الابتسامة الدافئة للمرأة وهي تعانق طفلتها بحنان تشعر بالسعادة.
لكن…
فجأة، شعرت إيفي بحلقها يضيق.
“من تكون؟”
لم تشعر بهذا الإحساس أمام أي لوحة أخرى رأتها.
صحيح أن هذه اللوحة كانت فريدة، إذ رسمت الأم مع طفلها، لكنها في النهاية شخصية غريبة عنها، مثل الآخرين.
دون وعي، تقدمت إيهي خطوة أقرب إلى اللوحة.
أصبحت المرأة المبتسمة في اللوحة أوضح الآن.
ظلت إيهي تنظر إليها بانبهار، غافلة تمامًا عن صوت الباب وهو يُغلق في غرفة اللوحات البعيدة.
—
“…؟”
“…؟”
بينما كان الطلاب الآخرون يستريحون ويتحدثون بمرح، كان أرسيل وروسكا يجلسان صامتين على كرسيين، ينظران إلى الخارج.
في البداية، حاول بعض الطلاب الاقتراب والتحدث إليهما دون جدوى.
لكن عندما لاحظوا قلة استجابتهما، قالوا: “يبدو أن هناك شيئًا ما يشغلهما”
وابتعدوا تدريجيًا.
بعد صمت طويل، كان روسكا أول من تكلم.
“سمعتُ أن لوحة ليليان قد اكتملت وعلقت. هل تريد أن نذهب لرؤيتها؟”
“…؟”
تردد أرسيل للحظة، ثم هز رأسه.
“لا، سأعود لاحقًا. اليوم لا أريد.”
في الأيام العادية، كان روسكا سيصر، يسأله متى سيعود، ويحثه على الذهاب الآن.
لكن اليوم، اكتفى روسكا بإيماءة واحدة ولم يضف شيئًا.
“حسنًا. سأذهب أولًا إذن.”
“هل ستذهب لرؤية اللوحة؟”
سأل أرسيل، فضحك روسكا.
“لا، لن أذهب اليوم أيضًا. أشعر أنني إذا رأيتها الآن، سأبكي كطفل صغير.”
ابتسم روسكا ابتسامة متكلفة ونهض من مكانه.
غرز يديه في جيوبه، وسار بخطوات متثاقلة خارج قاعة العرض.
لم يكن يمزح عندما تحدث إلى أرسيل. ربما بسبب حلم راوده في الصباح جعله يشعر بالاكتئاب، لكنه كان متأكدًا أنه إذا رأى لوحة ليليان الآن، سينهار باكيًا كطفل.
“فضلًا عن ذلك، قال والدي إن الأميرة إيفبيان رُسمت في اللوحة أيضًا.”
ربما لأن أحدًا لم يرَ وجه الأميرة إيفبيان من قبل، سمع أن وجهها لم يُرسم.
بما أنه قرر عدم الذهاب، كان من الأفضل أن يتجول في مكان آخر، لكن، بشكل غريب، لم يستطع تحريك قدميه بسهولة.
فظل روسكا يدور حول المعرض دون هدف، وكأنه لا يجد ما يراه.
ربما لأنه انفصل عن أرسيل، بدأ الطلاب يقتربون منه مجددًا بحذر.
“آه، هذه شعبيتي المزعجة.”
تمتم روسكا وهو يهز رأسه.
يبدو أن غياب أرسيل، الذي كان يصعب التحدث إليه، جعله يبدو أكثر سهولة في عيون الآخرين.
“يجب أن أذهب إلى مكان آخر بسرعة.”
تظاهر باللامبالاة، واتجه نحو مدخل المعرض. إذا خرج تمامًا، فلن يتبعوه.
في تلك اللحظة، خرج شخص ما فجأة من الممر المؤدي إلى قاعة اللوحات.
بوم!
اصطدم الشخص بروسكا بقوة كافية لإحداث صوت مرتفع.
“آه! ما هذا؟”
تمايل الشخص الآخر ورفع حاجبيه بنزق، لكنه، عندما رأى روسكا، اتسعت عيناه بدهشة.
“آسفة، آسفة جدًا!”
لم يعجب روسكا أنها لم تعتذر إلا بعدما عرفت من هو.
لكنه قرر عدم المبالاة. كان شعوره بالإزعاج أكبر من رغبته في الجدال.
“لا بأس.”
توقع أن تمر بعد ذلك، لكن الطالبة، وهي مبتسمة، انحنت قليلًا وقالت:
“أم، أنا ليمورا إيسيل. إذا لم يكن لديك مانع، أود أن أعتذر لاحقًا في معهد العباقرة…”
“هاه…”
تنهد روسكا أمام هذا الأسلوب الواضح جدًا.
كاد يتجاهلها ويغادر، لكنه تذكر أنها خرجت من قاعة اللوحات.
“ربما رأت لوحة ليليان.”
بدافع الفضول، سألها:
“بالمناسبة، أنتِ قادمة من قاعة اللوحات، أليس كذلك؟ هل رأيتِ بداخلها…”
في تلك اللحظة، تجمدت ملامح ليمورا، وهزت رأسها.
“آه، لا. كنتُ سأذهب لأرى، لكنني غادرت. سأذهب الآن…”
على عكس حماسها السابق، غادرت ليمورا بسرعة بعد تحية سريعة بالكاد.
“ما الذي يجري؟ لمَ هي هكذا؟”
بدت كمن يهرب بعد ارتكاب خطأ ما.
نظر روسكا إلى الممر المؤدي إلى قاعة اللوحات.
كانت القاعة، التي لا تحتوي على سقف سوى في الأعلى لحماية اللوحات، تبدو مظلمة بعض الشيء.
ما الذي يمكن أن يُرتكب خطأ في مكان كهذا؟
بينما كان يتأمل الممر الهادئ، شعر روسكا بشيء مقلق وهمّ بالتوجه إلى قاعة اللوحات.
في تلك اللحظة، صاح أحد العاملين عند المدخل:
“حان وقت الانتقال! يرجى من جميع الطلاب داخل القاعة الخروج الآن!”
توقف روسكا عن السير.
كان قد قضى وقتًا طويلًا مع أرسيل في الخارج، لكنه لم يتوقع أن يحين وقت الانتقال بهذه السرعة.
نظر إلى داخل الممر لوقت طويل بأسف، ثم استدار ليغادر.
بشكل غريب، شعر وكأنه نسي شيئًا خلفه، شعور مزعج لم يستطع تفسيره.
—
كانت إيفي تنظر إلى اللوحة بهدوء.
فجأة، انتبهت ونظرت حولها.
“كم هو هادئ.”
عندما دخلت، كانت أصوات الطلاب وخطواتهم تصلها من بعيد، لكن الآن لم تسمع شيئًا.
فضلًا عن ذلك، بدت القاعة أكثر ظلمة مما كانت عليه عند دخولها.
“يجب أن أعود.”
هرعت إيفي نحو الباب، لكن عينيها ظلتا تعودان إلى اللوحة.
“إذا عدتُ إلى هنا يومًا ما، سأتأكد من معرفة الاسم.”
بهذا الفكر، اقتربت من الباب، لتجد أن الباب، الذي كان مفتوحًا عند دخولها، مغلق الآن.
“لهذا كان المكان هادئًا.”
أمسكت إيفي بالمقبض وحاولت تدويره بقوة. كان يُفترض أن ينفتح ويكشف عن الطلاب في الخارج…
“ماذا؟”
ظهر الذهول على وجه إيفي.
المقبض لم يتحرك. حاولت دفع الباب بجسدها، لكن الباب السميك لم يتزحزح.
كان مغلقًا من الخارج.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 20"
ال#$$###@.@