5
“أجب! من أنت؟!”
كررت المرأة سؤالها لكلويس بإلحاح.
في كل مرة كانت فيها شعيراتها الحمراء المنسدلة بحرية تتماوج كموج البحر.
كأنما اختارت من الغروب أعمق أشعة الشمس الحمراء وحملتها، فكانت تلك الومضات المشتعلة تجعل كلويس يرمش بعينيه دون وعي.
ثم استفاق متأخرًا.
هل أنا الآن ممسك من ياقتي؟
أنا؟
أنا ولي عهد الإمبراطورية؟
كان مندهشًا من قوة يدها التي أمسكت ياقته وهزته بشدة. ففي كل الأوقات، كان الجميع، باستثناء الإمبراطور، ينحنون له.
حتى أصدقاؤه المقربون، مثل إدغار وكورتيس، قد يمزحون معه، لكنهم لم يجرؤوا على الإمساك به بهذه الجرأة. حتى في التدريبات القتالية، قلة قليلة تجرأت على الإمساك بياقته.
وبالطبع، لم يكن ذلك لأنه ولي العهد، بل لأن كلويس كان يكره أن يُمسك به، فيرد بضربة سريعة.
“أنا…؟”
تحت وطأة يدها القوية التي هزته بعنف، خرج منه صوت أخرق.
“أنا… كريس.”
من شدة ارتباكه، كاد أن ينطق باسمه الحقيقي، كلويس.
“كريس؟ لم أسمع من قبل باسم كهذا في الجوار.”
ردت المرأة وهي تميل رأسها متعجبة.
ثم حدقت في وجه كلويس بنظرات ثاقبة. كان من المفترض أن يكون التحديق في وجه الآخر بهذه الطريقة أمرًا وقحًا، لكن كلويس لم يستطع الاعتراض.
كأن سحرًا خبيثًا في عينيها قد أسره، فبقي ساكنًا.
بعد لحظات، أفلتت ياقته ونقرت بأصابعها كمن اكتشف شيئًا.
“فهمت من تكون. أنت الشاب النبيل القادم من العاصمة، المقيم في الإقطاعية المجاورة.”
ثم ربعت ذراعيها وتفحصته من رأسه إلى أخمص قدميه.
“من رئيسة الخادمات إلى خادمات المطبخ، كلهن في حالة هياج طوال اليوم، والآن أفهم السبب.”
لم يسبق لكلويس أن تعرض لمثل هذا التقييم العلني، فبقي صامتًا. لكنه استرد وعيه بعد لحظة.
“أهذه هي الأخلاق في هذه الإقطاعية؟ تحديق كهذا في وجه غريب؟ يا للوقاحة!”
ظن أن كلماته ستجعلها ترتبك ولو قليلاً، لكنها ردت:
“وقاحة؟ كلامك جميل! هذا بالضبط ما أردت قوله. أفي العاصمة من الأدب نصب الفخاخ في إقطاعية الغير دون إذن؟”
ارتفع صوتها تدريجيًا.
“من تظنون أنفسكم لتنصبوا الفخاخ دون إذن؟! ماذا لو داسها الأطفال؟!”
“الأطفال؟ لا أفهم كيف يأتي الأطفال إلى هنا. أليست هذه غابة تسكنها الذئاب؟”
“عندما يكونون معي، يستطيعون التجول!”
صاحت المرأة بنفاد صبر، وهي تمرر يدها في شعرها بغضب.
ثم تمتمت بصوت خافت:
“لو لم تخبرني الأشجار، لكان قد حدثت كارثة…”
حين هم كلويس بسؤالها عما تقصد، رمت نحوه فخًا كان موضوعًا جانبًا. كان فخًا مثبتًا بعصا خشبية ليصبح غير فعال.
“خذ هذا! وهذا! وهذا! خذهم جميعًا!”
رمت المرأة الفخاخ أمام كلويس. سبعة فخاخ. يبدو أنها عثرت على كل الفخاخ التي نصبها بالأمس.
“ولا تعودوا أبدًا!”
قالت ذلك ثم استدارت وغادرت إلى أعماق الغابة.
ظل كلويس يحدق في ظهرها المختفي مذهولاً، حتى استفاق بعد أن توارت عن الأنعين.
“مهلاً، انتظري!”
ناداها بسرعة، لكنها اختفت في الغابة كأنها تبخرت. لم يعد يراها.
هبت الرياح، فتمايلت أوراق الأشجار منتجة صوتًا كضحكة خافتة.
* * *
“ذئاب؟ بدلاً من منعها بالسحر، أليس حرقها أسهل بكثير؟”
كان صوت سيرافينا ينبعث من حجر مربع صغير.
إدغار وكايلرن، اللذان كانا يجلسان بوجه ينم عن بقايا سكرة، نظرا بدهشة إلى الحجر الصغير على الطاولة.
“أقصد، هذا الشيء صُنع لأغراض عسكرية… ألا يمكنكم استخدامه لشيء أكثر أهمية من سؤال عن الذئاب؟ كم هو… معقد… الذئاب… لماذا… الحجر السحري… الشحن…”
توقف صوت سيرافينا متقطعًا، ثم سكت تمامًا.
رمش إدغار بعينيه وسأل كلويس:
“ما هذا؟ سيرافينا في أكاديمية العاصمة، فكيف…؟”
“هذا شيء وجدته سيرافينا في مستودع قديم بالأكاديمية. صُنع من قبل ساحر قديم أراد إيجاد وسيلة للتواصل عن بُعد، لكنه لم يكتمل. سيرافينا أصلحته جزئيًا. نجح في مسافات قصيرة، فأحضرته على أمل أن يعمل، ويبدو أنه نجح حتى على هذه المسافة.”
رد كلويس، فنهض كايلرن وقد بدا كأن السكرة تبددت.
“هذا شيء مذهل! إذا كان بإمكاننا التواصل بالسحر بهذه الطريقة…”
“نعم، سيكون رائعًا، لكن المشكلة أنه لا يعمل الآن.”
تذكر كلويس كلمتي “الحجر السحري” و”الشحن”.
“يبدو أن قوته السحرية نفدت. لن نستطيع استخدامه حتى يصلح في العاصمة.”
رد كلويس بهدوء، فنظر إليه إدغار بعينين متشككتين.
“ألم تحضره للطوارئ؟”
“بالضبط.”
“واستخدمته لتسأل عن سحر يمنع الذئاب؟”
“يبدو كذلك.”
رد كلويس بهدوء، فوضع إدغار يده على جبهته التي لا تزال تعاني من آثار السكرة. استخدام شيء بتلك القيمة لسؤال تافه! في تلك اللحظة، أدرك إدغار مجددًا أن كلويس ولي عهد عاش حياته دون نقص أو قيود.
“على أي حال، إدغار، هل تحققت مما سألتك عنه؟”
“نعم. استعرت قانون الإمبراطورية من لورد الإقطاعية. كما تذكرت، لولي العهد الحق في استخدام سلطة المراقبة المؤقتة على جميع إقطاعيات الإمبراطورية.”
مالك الإمبراطورية هو الإمبراطور. وكابن الإمبراطور، يملك ولي العهد جزءًا من سلطاته بموجب القانون.
“جيد. إذن، باسمي، أصدر تصريحًا يسمح لنا جميعًا باستخدام هذه الإقطاعية. جهز الأوراق.”
خلع كلويس قفازه، فظهرت على ظهر يده وشم واضح، وتألق خاتم في إصبعه. كان ذلك الخاتم أحد الأغراض السحرية النادرة التي تمتلكها العائلة الإمبراطورية، لا يمكن تزويره، ويظهر وشمًا متوهجًا.
صُنع منذ زمن بعيد، ولا يمكن استخدامه إلا من يحمل وشم العائلة الإمبراطورية. ظل في خزائن القصر حتى ولادة كلويس، فعاد ليستخدم.
أخرج إدغار ورقًا رسميًا من ممتلكاته وبدأ يكتب بسرعة. بجانبه، كان كورتيس يتساءل بدهشة: “كيف تكتب مثل هذا دون توقف؟”
بعد قليل، قدم إدغار وثيقة مثالية لكلويس. كتب فيها أن الثلاثة معينون من ولي العهد لتفقد الإقطاعيات، وعليها تعاون كل لورد معهم.
تفحص كلويس الوثيقة بارتياح، ثم وضع يده على مكان التوقيع. توهج خاتمه، فظهر وشم متوهج على الورق، يمنحها الصلاحية التي لا يمكن لقلم أو حبر أن يمنحها.
“حسنًا، إذن.”
نهض كلويس ممسكًا بالوثيقة.
“غدًا، سنزور قصر لورد سوليم.”
تذكر كلويس المرأة التي حدقت به. لا بد أنها ليليان، ابنة لورد سوليم. تطابقت ملامحها وسلوكها مع ما سمع عنها.
“لا تعودوا أبدًا!”
حتى لو لم تكن تعلم أنه ولي العهد، كان يفترض أن تعلم أنه ضيف من الإقطاعية المجاورة، فكيف تصرفت بتلك الجرأة؟ كان ينبغي أن يشعر بالإهانة، لكن عينيها الخضراوين اللتين حدقتا به ظلتا تتراءيان أمامه.
“كانت بمفردها في الغابة.”
امرأة وحيدة تجول غابة تعج بالذئاب، وهو، الذي لا يقل مهارة عن فرسان القصر، كان يشعر بالتوتر في تلك الغابة.
“وقالت إن الأشجار أخبرتها.”
ثم ألقت أمامه السبعة فخاخ التي نصبها. كيف وجدتها في يوم واحد دون أن تراه ينصبها؟
“هناك شيء غريب.”
إذا كانت تملك قوة خاصة كما يقال، فقد تكون مفيدة للإمبراطورية.
تذكر مرة أخرى نظراتها الحادة. شعر بجفاف فمه وتوتر غام عنه.
“ليليان شيل…”
تمتم كلويس باسمها. رغم أنه سمعه لأول مرة بالأمس، إلا أن شفتيه نطقتا به بنعومة، كأنه اسم يعرفه منذ زمن.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 181"