174
في خضم هذه الأزمة، كانت إيف، بلا شك، محور الجدل الأعظم.
طفلةٌ من العائلة الإمبراطورية، تلقت، ولو لفترةٍ وجيزة، معاملة الأميرة المؤقتة. لكن تبيّن أنها ابنة غير شرعية للإمبراطور المخلوع. هذا الاكتشاف أشعل نقاشاتٍ محمومة بين الوزراء، الذين قضوا أيامهم من الفجر حتى المغيب في اجتماعاتٍ متواصلة لتحديد مصيرها.
لو أنها بقيت في زاويةٍ نائية من الريف، لربما مرّ الأمر مرور الكرام. لكنها اتُهمت بالتواطؤ مع المتمردين والنبلاء لزعزعة استقرار العرش الإمبراطوري مجدداً.
حتى لو كانت من العائلة الإمبراطورية، كان الحديث يدور حول إمكانية إعدامها كعقوبةٍ قصوى. وإيف، في مواجهة هذا الاتهام، لم تفعل سوى أن تتكوّر على نفسها، تذرف الدموع في صمت.
لم تفهم كل ما قاله الوزراء، لكن شيئاً واحداً كان واضحاً كالشمس: كلويس لم يكن والدها. ووالدها الحقيقي، كما اكتشفت، هو من تسبب في موت والدة إيفي. هذا الإدراك وحده جعلها ترتعد خوفاً، عاجزة عن النطق طوال اليوم.
ضغط الوزراء على كلويس ليتخذ قراراً سريعاً بشأن عقوبة إيف. ابنة أخيه، وعدوه في الوقت ذاته، بما انها طمحت إلى عرش الأميرة. في نظرهم، كانت مذنبة بأعظم الجرائم.
“فليُسمح للطفلة بالبقاء في القصر الجانبي مؤقتاً.”
قرر كلويس أن تبقى إيف داخل القصر الإمبراطوري، تحت مراقبة أشخاصٍ مكلفين بذلك، لكنه لم يحبسها في غرفةٍ ضيقة. على مدى أسابيع، ظل يفكر في مصيرها. وأخيراً، قبل أيامٍ قليلة، اتخذ قراره.
“أبي.”
اقتربت إيفي من كلويس، فابتسم ابتسامةً مريرة وهو يرتب خصلات شعرها المبعثرة بحنان.
“ها قد أتيتِ.”
“نعم. هل حان وقت رحيل إيف؟”
“…أجل. أظن أن الوقت مناسب الآن لتوديعها.”
أومأت إيفي برأسها، ثم اقتربت من إيف، التي لم تكن وحدها. على بُعد خطوات، وقف زوجان في منتصف العمر ينظران إليهما بقلق: فيكونت سورون، أقرباء بعيدون للعائلة الإمبراطورية، يحكمون إقليماً نائياً في أطراف الإمبراطورية.
كانت إيف صغيرة السن، وقد أُقر بأنها استُغلت في هذه الأحداث. لكن، بما أنها ابنة الإمبراطور المخلوع، لم يكن بإمكانها الهروب من العقوبة.
وسط نقاشاتٍ مرعبة عن الإعدام أو السجن المؤبد، ظل كلويس يفكر في مصيرها. وطوال تلك الفترة، كانت إيف تقيم بمفردها في القصر الجانبي، تنتظر الحكم.
حتى لو كانت ابنة الإمبراطور المخلوع، فهي من العائلة الإمبراطورية، وكان ينبغي أن تُعتنى بها.
لكن لم يتقدم أحد ليكون وصياً عليها. من كان ليرغب في خدمة طفلة قد تواجه الموت قريباً؟ لكن في تلك اللحظة، تقدمت فيسكونتة سورون.
كانت تقيم مع زوجها في القصر، وعندما رأت إيف ترتجف خوفاً، شعرت بالشفقة عليها. فقررت، رغم كل شيء، أن تتولى رعايتها مؤقتاً كوصية.
لم تكن لديها ارتباطات كبيرة في العاصمة، ولا أقرباء في مناصب عليا، فلم تخشَ تبعات قرارها. وبعد فترةٍ وجيزة، أصبحت إيف متعلقةً بها كثيراً.
رأى كلويس ذلك، فاستدعى الفيسكونتة سورون وسألها بهدوء:
“مهما كانت ابنة الإمبراطور المخلوع، لا يمكنني أن أقتل طفلة في السابعة من عمرها. لكن لا يمكنني الاحتفاظ بها في القصر، ولا أن أتركها قريبة من العاصمة. لذا، أفكر في إصدار أمر نفي.”
“…أفهم، جلالتكم.”
“إذاً، إن لم يكن ذلك يشكل عبئاً، هل يمكن لإيف أن تقيم في إقليمكِ؟ سأوفر أي دعم تريدينه…”
قفزت فيكونت سورون من مقعدها، وانحنت بعمق.
“أرجوكم، يا جلالة الإمبراطور!”
قالت بصوتٍ مرتجف:
“الجميع يشيرون إليها كابنة الإمبراطور المخلوع، لكن بالنسبة لي، هي مجرد طفلةٌ جُرحت بسبب طمع الكبار. و… إن سمحتم…”
ترددت لحظة، ثم أضافت بحذر:
“أتمنى أن أتبناها كابنة لي.”
“أن تتبنيها؟”
“نعم. جئت أنا وزوجي إلى العاصمة لأننا لم نُرزق بأطفال، وكنا نبحث عن وريث لعائلتنا. لكن لم نجد بين أقربائنا من يناسب، وكنا على وشك العودة.”
تذكر كلويس طلبهما السابق. لقد أرادا تبني طفلٍ من الأقرباء الجانبيين ليكون وريثاً لهما. لكنهما يريدان الآن تبني إيف؟
“إنها طفلة تُطالب الجماهير بمعاقبتها. ومع ذلك، تريدان قبولها كابنة لكما؟”
“نعم، أرجو أن تسمح لنا بذلك.”
كانت إيف من العائلة الإمبراطورية، ووجود شخصٍ يقبلها كان أمراً يخدم كلويس وإيف على حدٍ سواء.
لم يكن هناك حاجة لسؤال إيف عن رأيها، فقد رأى كلويس كيف كانت تبكي وتتشبث بفيكونت سورون، ظناً منها أنها ستتركها.
بعد اتخاذ قرار التبني والعقوبة، تقدمت الأمور بسرعة. واليوم، حان موعد سفر إيف إلى إقليم سورون.
“إيف.”
اقتربت إيفي منها، فنظرت إيف حولها بحذر، ثم انحنت كما علمتها فيسكونتة سورون:
“أتشرف بلقاء سمو الأميرة إيفبيان.”
نطقت بالاسم الذي لم يُسمح لها بحمله، وأطرقت رأسها. لاحظت إيفي أعين المحيطين، فأمسكت بيد إيف وسحبتها خلف العربة، وهمست:
“هنا لا بأس. اتفقنا ألا نتبادل التحية الرسمية عندما نكون وحدنا.”
أضاء وجه إيف بابتسامة.
“حسناً… لكنني وعدت أمي أن أحيي بشكلٍ صحيح…”
كانت إيف تدعو فيكونت سورون “أمي” بسهولةٍ وأريحية. ابتسمت إيفي وقالت:
“إذاً، لنجعلها سراً عن أمك. وأنا سأخفيها عن أبي.”
“حسناً، اتفقنا!”
أومأت إيف برأسها بحماس. خلال إقامة إيف في القصر الجانبي، لم يكن زوجا سورون الوحيدين من زاراها يومياً. في المساء، كانت إيفي تتسلل مع هيلدا لزيارتها، حاملةً كتباً جديدة، أقلام تلوين، أو دمى، فتلعب معها قبل أن تعود. الطفلتان اللتان هربتا من الموت معاً أصبحتا، دون أن يدركا، أعز الصديقات.
أزالت إيف قبعتها، كاشفةً عن شعرها القصير المرتب بعناية.
“أليس جميلاً؟ أمي وأبي قصّاه لي مرةً أخرى الليلة الماضية.”
“نعم! رائع! ربما أقص شعري هكذا في الصيف!”
أومأت إيفي بحماس، فضحكت إيف بفخر. لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها، وترددت قبل أن تهمس:
“إيفي… ماذا حدث لإيزرييلا والكونت؟”
لم تستطع سؤال زوجي سورون عن الأمر، خشية أن يتراجعا عن اصطحابها. ولم يكن بإمكانها سؤال الخادمات. كانت تفكر أن تترك الأمر، لكن الفضول والقلق دفعاها للسؤال.
“عائلة كونت أرادمان… سُحبت منهم ألقاب النبالة، وصودرت قصورهم في العاصمة. لكنهم سُمح لهم بالاحتفاظ بإقليمٍ بعيد، وسيعيشون هناك.”
“أها…”
ارتاحت إيف قليلاً عندما سمعت أنهم لم يُقتلوا وأنهم سيبدأون حياةً جديدة. ثم سألت بحذر:
“وماذا عن سابينا؟”
تغيّر وجه إيفي.
“سابينا…”
سابينا، المربية التي هربت مع إيفي، لكنها، تحت مطاردة الذئاب، أفلتت يدها عند الهاوية. هربت من رعب الموت، لكنها عادت لتبحث عن إيفي، وعندما لم تجد حتى جثتها، أصيبت بالذنب ففقدت صوابها.
لكن بعد عودة إيفي، استعادت سابينا، كأنها معجزة، وعيها. روت لدوق كيلرون كل ما حدث، وكل ما تتذكره عن سيرين. ثم ركعت أمام إيفي، تطلب السماح.
“في آخر لحظاتها، همست السيدة ليليان وهي تحتضن سمو الأميرة: ‘أنا آسفة جداً، لكنني سأبقى معكِ إلى الأبد.'”
بينما كانت تنقل وعد والدتها الأخير، ذرفت إيفي الدموع. وبعد أن كشفت سابينا كل شيء، فقدت وعيها في اليوم التالي ولم تستيقظ.
قال طبيب القصر إنها لن تستعيد وعيها، وأن عليهم الاستعداد لنهايتها. نظر الجميع إلى سابينا بشفقة، لكن وجهها، وهي مستلقية على الفراش، كان هادئاً، كأنها أنهت مهمتها أخيراً.
“حان وقت الانطلاق.”
قاطعت هيلدا حديث الطفلتين. أومأتا برأسيهما، وهمستا لبعضهما:
“ستأتين إلى سورون العام القادم، صحيح؟ وعد.”
أومأت إيفي بحماس: “بالتأكيد سأزورك!”
قالت إيف إنها لن تتمكن من مغادرة الإقليم طوال حياتها. إذاً، على إيفي أن تزورها. ثم أخرجت إيف ظرفاً صغيراً من حقيبتها وسلمتها لإيفي.
“اقرئيه بعد أن أغادر.”
ثم هربت مسرعةً إلى العربة. اقترب زوجا سورون، أمسكا بيد إيف، وصعدا معها إلى العربة. مع صيحة السائق، بدأت العربة بالتحرك.
“قالت إن أفتحه بعد رحيلها.”
نظرت إيفي إلى العربة وهي تبتعد، ثم فتحت الظرف. بداخله، وجدت رسالة مكتوبة بخطٍ متعرج:
[إلى إيفي. مرحباً، كيف حالكِ؟ أنا ذاهبة إلى سورون، وقال أمي وأبي إن لي اسماً جديداً. اسمي الجديد بيلا. لذا، عندما نلتقي المرة القادمة، ناديني بيلا. إلى اللقاء!]
كانت مليئة بالأخطاء الإملائية، لكن الخط كان مكتوباً بعناية. وتحت النص، كان هناك رسمٌ لإيف ذات الشعر القصير، تمسك بيد إيفي التي تسير أمامها. كان الرسم متقناً بشكلٍ لا يُقارن برسومات إيفي.
طفلتان تحملان أسماء متشابهة، وملامح متقاربة، لكنهما مختلفتان تماماً. وهكذا، افترقتا، منتظرتين لقاءهما في العام القادم.
—
بعد أسبوع.
“يا إلهي، ما الذي يحدث، أيها الفرسان؟”
في نزلٍ ريفي في إحدى قرى الإمبراطورية، كان صاحب النزل وزوجته في حالةٍ من الذهول، وهما ينظران إلى الفرسان الذين اقتحموا المكان فجراً وسحبوهما إلى الخارج.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 174"