148
حتى الصباح، كانت إيف تطير فرحًا وكأن قلبها يحلّق في السماء.
كان ذلك جزئيًا بفضل إيزرييلا، التي لم تكفّ عن تمجيدها ومدحها لعودتها أخيرًا إلى أكاديمية النخبة، وجزئيًا بسبب الثوب الفاخر الذي ارتدته من تصميم مدام كريبيل، والذي كان يختلف تمامًا عن الملابس العادية التي اعتادت ارتداءها.
لكن، فوق كل ذلك، كان السبب الأكبر هو موكب فرسان الإمبراطورية الذين رافقوها إلى الأكاديمية، مرتدين زيّهم الرسمي المهيب.
عربة فخمة ومزركشة، عشرات الفرسان يحيطون بها لحمايتها،
ثوبٌ رائع، وإيزرييلا التي تنحني لها بإجلال، مع وصيفاتها اللواتي يتبعنها في طاعة.
في القصر الإمبراطوري، لم تكن تشعر بهذا تمامًا، لكن الآن، وهي تخرج إلى العالم، شعرت للمرة الأولى أنها حقًا أميرة الإمبراطورية.
“لو كان أبي معي، لكان الأمر أروع.”
لو كان الإمبراطور إلى جانبها، لكان هؤلاء الذين ينحنون لها الآن أكثر تواضعًا وخشوعًا.
على أي حال، كانت رحلتها إلى الأكاديمية مفعمة بالبهجة… حتى تلك اللحظة.
—
“سيدة إيف، هذا المكان، إذا جاز لي القول، هو أهم مبنى في أكاديمية النخبة، بُني منذ حوالي 350 عامًا على الطراز المعماري لتلك الحقبة…”
“ألم توقلي منذ قليل إن المبنى الذي رأيناه هو الأهم؟”
نظرت إيف إلى العميدة سيرافينا بنظرةٍ ممتعضة، مملوءة بالتذمر.
لكن سيرافينا كانت لا تُبالي، بل واجهتها ببرودٍ وقح.
“تحت ظلال جلالة الإمبراطور، هل ثمة مكان في هذا المعهد لا يحمل أهمية؟ كل ركن هنا عزيز على قلب جلالته. وأنا متأكدة أن سيدة إيف، بذكائها الوقّاد، ستتفهم إرادة جلالته. لذا، ربما طال شرحي قليلًا.”
“…”
كأنها تقول: “إن كنتِ ذكية، فافهمي ما أقول. الإمبراطور يرى هذا مهمًا، فاحفظيه وكأنكِ تُسطّرينه بخطٍ عريض!”
أمام هذا المنطق المتعجرف من سيرافينا، لم تجد إيف سوى أن تعض شفتيها بصمت، عاجزة عن الرد.
“قالت إيزرييلا إنني لا يجب أن أتعامل مع هذه المرأة بتهور.”
تبدو سيرافينا، للوهلة الأولى، مجرد امرأة شابة ذات ملامح باردة، لكنها تُعتبر أقوى ساحرة في الإمبراطورية.
لذا، كان عليها أن تترك انطباعًا جيدًا لديها بأي ثمن.
فضلاً عن ذلك، هي من أكدت هويتها كأميرة من العائلة الإمبراطورية.
ماذا لو قالت سيرافينا فجأة: “آه، يبدو أن السحر كان خاطئًا. أنتِ لستِ من العائلة الإمبراطورية، لأنكِ لا تعجبينني!”؟
“وسيدة إيف، الآن، إذا تحدثنا عن ذلك المكان، فهو المبنى الرئيسي الأهم في الأكاديمية…”
لم تعد إيف تسمع كلام سيرافينا بعد الآن.
القبعة الفاخرة التي ارتدتها عن عمد بدت ثقيلة ومزعجة، وحذاؤها الجديد جعل المشي غير مريح.
وعلاوة على ذلك…
“بعد انتهاء جولة المباني، سيقدم الأساتذة المسؤولون شرحًا عن جميع الدروس في الأكاديمية. أتمنى أن تولي سيدة إيف اهتمامًا كبيرًا.”
عند سماع هذا، لم يبقَ في ذهن إيف سوى فكرة واحدة:
“أريد العودة إلى القصر!”
أيًا كان هذا المكان، كل ما أرادته هو العودة بسرعة إلى سريرها الناعم لتغفو في قيلولة مريحة.
فجأة، لمحت إيف شخصًا جذب انتباهها.
“آه، آه!”
كمن يشعر بالضجر من الضجيج حوله، مرّ صبيٌ دون أن يلتفت إليها، متجهًا مباشرة إلى المبنى الرئيسي.
“إنه ذلك الشخص!”
كان الصبي نفسه الذي قابلته في متجر مدام كريبيل، حيث انساقت دون وعي لتتحدث معه عن أمور شتى.
كان هو، بلا شك!
“سيدة إيف!”
تجاهلت إيف صيحات المرافقين المذهولين، واندفعت راكضة نحو المبنى الرئيسي.
لكنها لم تكد تقطع خطوات قليلة حتى وقفت هيلدَا أمامها فجأة، كمن يحول دون تقدمها.
“إلى أين تذهبين، سيدة إيف؟”
سألت هيلدَا بدهشة من تصرفها المفاجئ، لكن إيف، بنظرة ممتعضة، دفعتها بيدها بعنف وواصلت ركضها نحو المبنى.
تنهدت هيلدَا بصمت وتبعتها.
“كلانا في السابعة من العمر…”
دون قصد، تذكرت هيلدَا فتاة أخرى، إيفي.
تلك الفتاة التي، ما إن رأتها، ابتسمت بحيوية وانحنت بأدب.
عندما أمسكت بيدها بخفة، ضغطت إيفي على يدها بثقة، كمن يشعر بالأمان.
كانت تسأل عن أشياء كثيرة، لكن بحذر، خشية أن تكون أسئلتها وقحة.
كانت هيلدَا تتساءل أحيانًا إن كانت إيفي حقًا في السابعة من عمرها.
وعندما رافقتها إلى المهجع، شكرتها إيفي بحرارة وانحنت مرة أخرى.
بالمقارنة مع إيفي، كانت إيف هي من يفترض أن تكون هيلدَا ملتزمة بحمايتها وخدمتها، لكن، لسبب ما، كانت إيف تثير تنهداتها فقط.
إن أحسنت الظن، قد تُعتبر إيف طفلة بريئة ومحببة، لكن هيلدَا وجدت نفسها تقارنها بإيفي باستمرار.
“ربما لأن جلالة الإمبراطور يعزّها.”
تذكرت الإمبراطور، فكادت تتنهد مجددًا.
في القصر الصيفي، بدا الإمبراطور مرتاحًا للغاية مع إيفي.
رأى الفرسان الإمبراطور نائمًا على أرجوحة شبكية، وإيفي نائمة في حضنه بطبيعية تامة.
حرص الفرسان على خفض أصواتهم لئلا يوقظوهما.
في تلك اللحظة، تساءلت هيلدَا إن كان الإمبراطور سيتبنى إيفي يومًا ما.
“لكن ذلك أصبح مستحيلاً الآن.”
حتى لو كان ممكنًا، فسيثير ذلك انتقادات لاذعة.
وعلى أي حال، حتى لو قرر الإمبراطور تبني إيفي، لم يبدُ ذلك في مصلحتها.
“لكن، بالنسبة لمستقبل إيبي، ربما يكون ذلك أمرًا جيدًا.”
في هذه الأثناء، اقتحمت إيف المبنى الرئيسي وبدأت تفتح الأبواب واحدًا تلو الآخر.
دهش الطلاب والأساتذة الذين كانوا يستعدون للدروس من ظهورها المفاجئ، فانحنوا بسرعة.
أما الموظفون، فقد بدوا في حيرة، لا يعرفون كيف يتعاملون مع إيف التي تجول في كل مكان.
أخيرًا، وجدت إيف ما كانت تبحث عنه.
“وجدته!”
في اللحظة التي فتحت فيها الباب، رأت أرسيل، فابتسمت وصاحت بفرح.
لكن سرعان ما تقطبت ملامحها.
“أنتِ هنا أيضًا؟”
لم يكن أرسيل وحده في الغرفة، بل كانت إيفي معه أيضًا.
جالت إيف بنظرها في الغرفة.
كانت قاعة دراسية صغيرة لكنها مريحة ودافئة.
ولم يكن هناك فقط الصبي الذي تبحث عنه، بل كان هناك صبي آخر وسيم للغاية يبدو مندهشًا،
وإلى جانبه فتاة جميلة لدرجة أنها بدت كدمية.
“سيدة إيف.”
خاطبها أرسيل بهدوء.
“هذا المكان ليس مناسبًا لمقامكم، فلمَ لا تخرجين إلى الخارج؟”
أمام تحيته المهذبة، شعر لوسكا بالذعر.
قد يبدو كلامه وكأنه يقول إن مكانًا متواضعًا كهذا لا يليق بشخصية رفيعة مثلها.
لكن لوسكا، الذي يعرف طباع أرسيل جيدًا، فهم مقصده الحقيقي.
“أيها المجنون! كيف تقول لها إنه ليس مكانها وتطلب منها الرحيل؟”
“أوه؟ أنت تعرف اسمي؟”
لحسن الحظ، لم تلحظ إيف النبرة الحادة في كلامه.
“نعم.”
بدت إجابة أرسيل قصيرة، كمن يكره الرد، رغم ابتسامته المصطنعة.
“بالمناسبة، ما اسمك؟ لم تخبرني به في المرة السابقة!”
“أرسيل كايلرن.”
تأفف لوسكا داخليًا على إجابته.
“يا للعند، يبدو أنه يتحملها بصعوبة!”
“كايلرن؟”
تذكرت إيف هذا الاسم.
كان اسم عائلة الدوق الذين يحمون الإمبراطور.
“لقد كرهه الكونت وإيزرييلا.”
عندما شرحا لها عن العائلات النبيلة، تحدثا بسوء عن دوق كايلرن.
قالا إن عليها أن تتجنبهم، وإذا أصبحت إمبراطورة يومًا ما، فعليها طردهم.
لكن في اللحظة التي رأت فيها أرسيل، ألقت إيف بكل تلك النصائح بعيدًا.
“حتى لو ارتكبوا أخطاء، يمكنني أن أسامحهم، أليس كذلك؟”
شعرت إيف بالرضا لمعرفتها باسمه، ثم التفتت إلى لوسكا وإيرين وقالت:
“ومن أنتما؟”
في النهاية، الأميرة هي الأميرة.
تقدم الاثنان إلى الأمام وانحنيا بأدب.
“لوسكا راغسلب.”
“إيرين… تيرينس.”
بين تردد إيرين، كان هناك صوت طقطقة أسنان خافت، لكن إيف، لحسن الحظ، لم تلحظه.
لكن لوسكا، الذي وقع بين أرسيل وإيرين، كان يتصبب عرقًا باردًا.
“مجانين اثنان في مكان واحد!”
لمَ يجب أن يكون هو الوحيد الذي يشعر بهذا الرعب؟
بينما كانت إيفي تتردد فيما إذا كان عليها أن تحيي أيضًا، دفعتها إيف بيدها فجأة.
“لا حاجة بكِ.”
ماذا يعني لا حاجة؟
في اللحظة التي احتدت فيها نظرة إيرين، هزّ لوسكا رأسه بيأس.
“لا، لا، تحملي!”
قبل أن تقول إيفي شيئًا، جلست إيف على مكتبها وقالت:
“اليوم، سأدرس معكم هنا.”
تجهمت وجوه هيلدَا وسيرافينا وإيزرييلا الذين تبعوها.
لم يكونوا وحدهم. حتى أرسيل وإيرين، بل وحتى لوسكا، تجمدت تعابيرهم عند سماع هذا.
في وسط هذا الجو، كانت إيفي، التي لا تزال جالسة في مكانها، حائرة تمامًا حول كيفية التعامل مع إيف.
“لكن هذا مكان إيفي.”
لم يعد أرسيل قادرًا على الصبر، فتدخل.
“نعم، لكن من اليوم سيكون مكاني.”
ردت إيف بلامبالاة.
ثم دفعت قلم الرصاص الموجود على المكتب بيدها، فأسقطته على الأرض.
“نظفي هذا.”
“…”
في اللحظة التي ضيّقت فيها أعين الجميع أمام تصرفات إيف الفجة والمفاجئة،
“من هذه؟”
ظهر الأستاذ ماليس، المالك الحقيقي للغرفة.
“آه، أستاذ، هذه السيدة هي إيف، التي جلبها الكونت أرادمان…”
“لا يهمني من تكون.”
تقدم ماليس، وضع إيفي خلفه كمن يحميها،
ثم لوّح بيده نحو إيف كمن يطرد ذبابة، وقال بصوتٍ خالٍ من العاطفة:
“لدي درس لأقوم به، فاخرجي.”
أمسك لوسكا جبهته.
أصبح هناك ثلاثة مجانين الآن.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 148"
يعجبوني المجانين دول تحفة