** 132**
**فشيش… فشيش.**
مع كل صوت مدوٍ، كانت النيران تتأجج وترقص. كانت تتوهج فوق سلة ضخمة تتسع لعدة أشخاص، بينما بدأ بالون هائل بجوارها ينتفخ رويدًا رويدًا.
ما إن وقعت عيناها عليه حتى عرفت إيفي على الفور ما هو.
«منطاد!»
في اليوم الأول من العطلة، عندما ركبت العربة مع آيرين متجهة إلى العاصمة، رأته يعانق السماء. كانت كلما رصدت منطادًا يتهادى في فضاء العاصمة، لا تستطيع إلا أن تلتصق عيناها به.
والآن، ها هو أمامها مباشرة.
لم تكن إيفي الوحيدة التي استولى عليها الحماس.
ما إن نزلوا من العربة، حتى هرع الأطفال نحو المنطاد.
«واو! إنه ضخم!»
دار لوسكا حول المنطاد مرة، وهو يصيح بانبهار. حتى أرسيل، الذي نادرًا ما يُظهر انفعالًا، بدا متحمسًا وهو يقترب ليتفحص المنطاد عن كثب. لقد تبددت كل آثار النعاس التي كانت تملأ عيونهم طوال الطريق، كأنها لم تكن.
«لقد وصلتم، آنسة آيرين. سنكون جاهزين للانطلاق قريبًا.»
أومأ العاملون الذين يجهزون المنطاد إلى آيرين بتحية مهذبة. شكرتهم آيرين على جهودهم منذ الفجر، ثم استدارت، مشبكة ذراعيها بثقة، وقالت بنبرة مزهوة:
«حسنًا، هذا ما أعددته للاحتفال بعطلتنا!»
رد لوسكا من جانبها، بنظرة متعبة:
«أليس هذا مكلفًا جدًا؟»
«ومن تظنني؟ أنا آيرين تي. ري. نس! هذا لا يتجاوز ميزانية مصروفي.»
قالت آيرين وهي ترمي شعرها خلف كتفها بحركة أنيقة، مبتسمة. ضحك لوسكا بسخرية:
«من؟ أنتِ أميرة الجنوب القوية، بالطبع!»
«…لا تركب معنا إذن.»
«آسف، أميرة الجنوب! يبدو أن لساني لم يستيقظ بعد.»
ضحكت إيفي بهدوء وهي ترى لوسكا يتحول إلى الخضوع في لحظة، بينما تسللت عيناها إلى البالون الذي انتفخ أكثر. من بعيد، بدا كبيرًا، لكن من قرب، شعرت بضخامته بشكل حي ومذهل. كيف يمكن لشيء بهذا الحجم أن يطير في السماء؟ كان ذلك يثير الدهشة.
—
عندما انتفخ البالون بما فيه الكفاية، جمع العاملون الأطفال ليشرحوا لهم التعليمات:
«السلة متينة بما يكفي لتحمل ثورًا، ومتصلة بالبالون بإحكام. لكن يُمنع القفز أو هز السلة من الداخل. إذا هبت رياح قوية فجأة، قد تتأرجح السلة وتتسبب بإصابات. إذا شعرتم بدوار أو صعوبة في التنفس، أخبرونا فورًا.»
«حسنًا!!!»
رد الأربعة بحماس، كأنهم يقسمون أن شيئًا كهذا لن يحدث أبدًا.
صعد الأطفال إلى السلة مع عاملين، بينما تحرك من بالخارج بسرعة. فوق رؤوسهم، زأرت النيران بصوت أعلى، مشتعلة بقوة. مع اكتمال انتفاخ البالون، فك العاملون الحبال التي كانت تربطه بالأرض.
«واحد، اثنان، ثلاثة!»
مع الصيحة، بدأ المنطاد يرتفع.
«إننا نطير!»
في لحظة، تجاوز المنطاد ارتفاع الرجال. أمسكت إيفي بحافة السلة، محدقة إلى الأسفل.
«استمتعوا!»
«الرياح قوية، فكونوا حذرين!»
«الرياح؟»
مدت إيفي يدها. لم تكن هناك رياح تُذكر، فلماذا يحذرون منها؟
لكن الجواب جاء سريعًا.
كلما ارتفع المنطاد، بدأت الرياح تهب بقوة أكبر.
«ماذا لو سقطنا؟»
قال لوسكا، فمه مفتوح وهو يتفرج. لم تتردد آيرين لحظة، وداست على قدمه بقوة. كانت الدعسة سريعة وحادة لدرجة أن السلة اهتزت قليلًا.
«ما هذا الكلام السيئ؟!»
«آنسة، اهدئي، اهدئي!»
«آخ! آخ! أخطأت! اتركي أذني!»
بينما كانت السلة تموج بالفوضى، استمر المنطاد في الصعود بسرعة.
«وداعًا! سنعود قريبًا!»
اختفى الناس الذين كانوا يلوحون من الأسفل. لم تَعُد مباني العاصمة مرئية، ولم يبقَ سوى الأضواء المتلألئة هنا وهناك.
ومع تلاشي تلك الأضواء تدريجيًا، شعرت إيفي برعشة خوف.
«آيرين، لماذا نركب المنطاد في هذا الظلام قبل الفجر؟»
«سألتُ، فقالوا إن رؤية شروق الشمس هي الأجمل. لكن…»
ارتجف جسد آيرين.
«أشعر بقليل من الندم…»
في البداية، ظنت أن ركوب المنطاد لن يكون صعبًا. أليسوا مجرد ركاب، بينما يتحرك المنطاد من تلقاء نفسه؟ لكن مع الارتفاع، بدأت آيرين تشعر بالندم.
«الرياح قوية! الجو بارد! والأسوأ… الظلام!»
على عكس الأرض، كلما ارتفعوا، انخفضت الحرارة، وأصبحت الرياح أكثر قسوة. لكن الأصعب كان ظلام الليل الحالك. نعم، النجوم موجودة، لكن السماء كانت أكثر عتمة مما كانت عليه في بداية المساء.
«إيفي، إذا كنتِ خائفة، هل ننزل؟»
سألت آيرين، وهي تمسح أنفها. إذا كانت هي، الأكبر سنًا، تشعر بهذا الخوف، فكم سيكون الأمر مخيفًا لإيفي الصغيرة؟ ربما كانت قد أصرت على هذه الرحلة بدافع الطمع لرؤية الشروق.
هزت إيفي رأسها.
«لا، أريد رؤية الشروق.»
في اليوم الأول، لاحظت آيرين فرحتها بالمنطاد، فأعدت هذه المفاجأة. لم تكتفِ آيرين، بل انضم أرسيل ولوسكا منذ الفجر. وهناك أيضًا العاملون الذين استيقظوا مبكرًا لتجهيز المنطاد.
إذا كان الجميع قد عمل من أجل هذه اللحظة، فمن الواجب أن تشاهد أجمل مشهد قبل العودة.
—
استمر المنطاد في الصعود، أعلى وأعلى.
الآن، كانت السلة تتأرجح مع كل هبة ريح. حتى لوسكا، الذي لم يتوقف عن المزاح، صمت أخيرًا.
رفعت إيفي رأسها إلى السماء. النيران فوق المنطاد كانت تتوهج، لكنها حجبت النجوم. لم تكن تتخيل أن سماء بلا نجوم يمكن أن تكون بهذا الإحساس بالضياع.
خوفًا من السماء المظلمة، أنزلت عينيها، فرأت أضواء العاصمة، التي تقلصت إلى حجم أظافر.
شعرت إيفيت وكأنها تُسحب إلى الظلام، فرجفت. أمسكت بحافة السلة بقوة، لكن أرسيل اقترب من الخلف وأمسك بها.
«هل أنتِ بخير؟»
أرادت أن تقول إنها بخير، لكن الكلمات لم تخرج.
فهم أرسيل شعورها، فربت على كتفها بلطف وقال:
«من الطبيعي أن تخافي. لقد صعدنا عاليًا جدًا.»
ثم أضاف، وهو يربت عليها بحنان: «كل شيء سيكون على ما يرام.»
مع لمسته الدافئة، استندت إيفي إلى صدره دون وعي. كأنها تختبئ، دفنت نفسها في أحضانه، فوضع أرسيل ذراعيه حول كتفيها، يجذبها أكثر إلى حضنه، كأنه يقول إن ذلك لا بأس به.
فجأة، هدأت الرياح العاتية التي كانت تعبث بشعرها، ولم تَعُد تشعر ببرودة الريح.
أمسكت إيفي بيد أرسيل وهمست:
«الظلام مخيف جدًا.»
كانت هذه أول مرة ترى فيها سماء بهذا السواد. النظر إليها جعلها تشعر وكأنهم لا يصعدون، بل يسقطون في الظلام.
شد أرسيل احتضانه وقال:
«يقولون إن أحلك لحظة تكون قبل الفجر. لذا… دعينا ننتظر معًا قليلًا.»
أومأت إيفي، ممسكة به. قد يكون مخيفًا، لكن مع وجود من يرافقها، يمكنها أن تتحمل.
«أرسيل، أنا… أنا أيضًا…»
فجأة، أمسكت آيرين بذراع أرسيل من جهة. ثم، كأنه لا يريد أن يُهزم، أمسك لوسكا بذراعه الأخرى.
«يا! أنا أيضًا… أمسك بي!»
تنهد أرسيل وهو يرى الاثنين، الأكبر من إيفي بكثير، يرتجفان ويتعلقان به. لكنه لم ينفضهما.
بينما كان الأربعة متشابكين، يتهادون في سماء مظلمة بلا وجهة، صرخ أحد العاملين الذين يتحكمون بالنار:
«انظروا إلى هناك!»
أشار إلى الشرق.
نظر الجميع إلى حيث أشار.
«آه…»
في السماء السوداء، ظهرت فجأة خيوط زرقاء رفيعة. اتسعت تدريجيًا، مغيرة لون السماء. تحول السواد إلى أزرق، ثم إلى برتقالي.
«واو…»
تبددت همهمة أحدهم مع الريح. لم يَعُد هناك صوت آخر.
بعد لحظات،
«انظروا هناك!»
«واو! هناك، هناك!»
فاضت ألوان زاهية في السماء كموجات متلألئة.
في تلك اللحظة، بدأت الشمس تشرق من خلف قمم الجبال البعيدة.
تغير كل شيء.
أصبحت الرياح الباردة تحمل دفئًا خفيفًا. السماء، التي كانت تخلو من النجوم، كشفت عن نجوم الفجر المتلألئة رغم الضوء المتزايد.
لم تكن السماء وحدها.
الأرض، التي كانت مجرد نقاط مضيئة بعيدة، كشفت عن مبانٍ متراصة وأناس يتحركون بينها.
تلاشى الخوف من التيه بين السماء والأرض.
مع ظهور الضوء، أصبح كل شيء واضحًا: أين هي، وماذا تفعل.
على الرغم من أنها رأت آلاف الصباحات في حياتها، إلا أن هذا الشروق كان الأول الذي شعرت به بهذه الحيوية.
رغم أن اليوم كان يومًا عاديًا، شعر الأربعة بانفعال غامر وهم يتشبثون ببعضهم، محدقين في الشمس المبهرة.
في أحضان الجميع، فكرت إيفي:
إذا شعرت يومًا بالوحدة أو الخوف، سأتذكر هذه اللحظة.
حينها، لن أخاف من أي شيء.
—
وهكذا، انتهت عطلة الأربعة.
صورة توضيحية فالفصل تجدونها على
حساب الانستا واليوزر : Annastazia__9
او على قناة التيلغرام فيكو تاخذو رابطها من حساب الانستا
التعليقات لهذا الفصل " 132"