13
كانت ردهة المهجع تعج بالأطفال الذين نزلوا إليها، يتبادلون الأحاديث في ضجيج خافت. لكن، بمجرد نظرة عابرة، كان من الواضح أن أكثر من نصف الطلاب لم يصلوا بعد.
“لمَ هذا التأخير؟ إنها تقترب من الثامنة والنصف!”
“ولمَ؟ إنهم النبلاء، أليس كذلك؟ سيظهرون بعد وقت طويل، كما يفعلون دائمًا.”
كان أبناء العائلات الثرية من عامة الشعب يقفون متشابكي الأذرع، يحدقون نحو السلالم.
النبلاء، كعادتهم، كانوا يتأخرون دائمًا. كانوا يصلون إلى الاحتفالات الرسمية متأخرين عن الوقت المحدد، وكلما ارتفع شأن صاحب النسب، ازداد تأخره.
حتى الآن، ظل الأمر كذلك. أصحاب النسب العالي يحبون الظهور في النهاية، كأن التأخير تاج يزين هيبتهم.
“لكن يبدو أن الموظفين لن يتسامحوا مع هذا.”
“بالطبع، هكذا هم. قال لي والدي إنه عندما كان صغيرًا ودرس في هذه الأكاديمية، كانت القواعد صارمة للغاية.”
“إذن، هل سيُعاقب النبلاء فعلًا؟ نقاط جزاء، أو حتى طرد؟”
“أظن ذلك.”
سمعت إيفي هذه الأحاديث من الأطفال المحيطين بها، فتسلل القلق إلى قلبها.
الساعة الآن الثامنة وثمان وعشرون دقيقة. لم يبقَ سوى دقيقتين حتى الثامنة والنصف.
لحسن الحظ، رأت إيرين تنزل السلالم. وخلفها، كان هناك طالباط اخريات يتبعنها على عجل، كأنهن يتسابقن مع الزمن.
تأملت إيفي المشهد وهي تميل برأسها في حيرة.
“هل… تشاجروا؟”
مهما نظرت، بدا واضحًا أن إيرين ليست على وفاق مع هؤلاء الفتيات. دليل ذلك أنها كانت تمشي ووجهها منحرف إلى الجانب، لا تنظر إليهن أبدًا.
على النقيض، كن الفتيات يحاولن باستماتة إلقاء كلمة أو اثنتين لإيرين، كأنهن يتوسلن اهتمامها.
في تلك اللحظة، التقت عينا إيفي بعيني إيرين. ترددت إيرين للحظة، ثم بدت وكأنها ستقترب من إيفي خطوة، لكن…
دق جرس قصير.
“حسنًا، لقد أصبحت الساعة الثامنة والنصف. جميع الطلاب الموجودين داخل القاعة، انتقلوا إلى الخارج من فضلكم.”
وقف الموظفون كالسد أمام السلالم، يمنعون أي تأخير إضافي، وسمحوا فقط للطلاب الذين وصلوا إلى الردهة في الوقت المحدد بالخروج من المهجع.
سارت إيفي مع الطلاب الآخرين إلى الخارج. في تلك اللحظة، سمعت أصوات الطلاب الذين تأخروا وهم ينزلون السلالم متأخرين.
“ما هذا التصرف؟ أفسحوا الطريق!”
“نقاط جزاء؟ كيف تجرؤون على قول هذا لنا؟”
“لقد نزلت بقدميّ! هل تعتقدون أن الاستعداد بدون خادمة أمر سهل؟”
كان الطلاب المتأخرون يحتجون بشدة على فكرة تلقي نقاط جزاء. وعلى الرغم من تأخرهم، كانوا يتحدثون بثقة مطلقة.
“من نحن حتى يجرؤ أحد على معاملتنا هكذا؟”
طوال حياتهم، لم يضطروا أبدًا إلى التودد لأحد. كل من التقوه كان يكفيه سماع اسم عائلاتهم أو أسماء آبائهم لينحني ويحترم.
اعتقدوا أن الأكاديمية لن تكون مختلفة كثيرًا.
لكن، بعد يوم واحد، بدأ هذا الاعتقاد يتزعزع قليلًا.
“لم أكن أتوقع أن يمنعونا فعلًا من إحضار الخادمات!”
لكنهم ظنوا أن هذا لن يدوم طويلًا.
عائلاتهم، وكذلك عائلات الطلاب الآخرين، كانت ترسل الشكاوى باستمرار إلى الأكاديمية.
حتى لو كانت هذه مؤسسة تابعة للقصر الإمبراطوري، فإنها، في النهاية، تخضع لإدارة النبلاء.
قد تبدو صلبة في البداية، لكنها ستضطر عاجلًا أم آجلًا إلى مراعاة النبلاء.
وأكثر من ذلك…
نظرت إحدى الطالبات إلى الموظف الذي يقف أمامها بحدة وقالت:
“هل تعتقدون أنكم ستكونون بخير بعد أن تُهينوا عائلة غريدن بهذا الشكل؟”
عائلة غريدن، التي حققت إنجازات لا بأس بها خلال حرب الخلافة، لم تكن من المقربين للإمبراطور كعائلة راغسلب، لكنها، بفضل دهائها وحسن تصرفها، حصلت على إقطاعية جيدة.
ربما، إذا سارت الأمور على ما يرام، قد ينضم أخوها الأكبر إلى الحرس الإمبراطوري القادم.
لذا، خارج هذه الأكاديمية، كان مجرد ذكر اسم عائلة غريدن كافيًا لجعل الناس ينحنون احترامًا.
بالتأكيد، حتى هنا، سيكون لاسم العائلة بعض الثقل…
“عائلة غريدن؟”
أومأ الموظف برأسه كأنه فهم، لكن صوته لم يكن يحمل الاحترام أو الإعجاب الذي توقعته الطالبة.
كان صوتًا ساخرًا، كأنه يستهزئ بها.
تراجعت الطالبة خطوة إلى الوراء، مصدومة.
لم يسأل الموظف المزيد، بل استدار ومضى إلى مكان آخر.
“ما هذه الوقاحة؟ لن أتركها تمر هكذا!”
لكن، في الحقيقة، لم يكن بإمكان الطلاب فعل شيء.
“الطالب التالي، قل اسمك.”
أمام صلابة الموظفين الذين لم يتزحزحوا رغم ذكر أسماء العائلات، بدأ زخم النبلاء يخفت. تراجعوا بخطوات مترددة، بينما سجل الموظفون أسماء الجميع.
لم يُسمح للمتأخرين بالخروج من المهجع إلا بعد خصم نقاط الجزاء الخاصة بهم.
* * *
خارج المهجع، تحرك الطلاب بسرعة أكبر مما كانوا عليه قبل الخروج. لقد أدركوا أن الموظفين لا يتهاونون أبدًا.
قاد الموظفون الطلاب إلى الساحة. لم يُطلب منهم الاصطفاف، فتوزع الطلاب في مجموعات صغيرة، يسيرون مع من تعرفوا عليهم أو أصبحوا أصدقاء لهم.
كان بعضهم قد أقام صداقات قبل الالتحاق بالأكاديمية، لكن الأغلبية كانوا برفقة زملائهم في الغرف.
نظرت إيفي إلى هؤلاء الطلاب بعينين تحملان شيئًا من الحسد، ثم أشاحت بوجهها.
هناك، في الزاوية، كانت إيرين محاطة بحشد من الطلاب.
كان العديد من الطلاب يزورون غرفتها، لكن خارج المهجع، ازداد عدد من يتوددون إليها.
حتى أن الموظف المسؤول عن الإشراف اضطر إلى طلب خفض أصوات الطلاب حول إيرين مرات عديدة.
ومع ذلك، ظلت الفتيات يحاولن بشتى الطرق تحية إيرين أو تبادل كلمة معها، كأنهن لا يردن التخلي عن هذه الفرصة.
نظرت إيفي إلى هذا المشهد، ثم أشاحت بنظرها بنوع من الأسى.
فجأة، اقتربت فتاة غريبة ووقفت إلى جانب إيفي.
“مرحبًا؟ أنتِ إيفي آلدن، أليس كذلك؟ أنا ريمورا إيسيل.”
ابتسمت الفتاة التي عرّفت عن نفسها باسم ريمورا ببريق مشرق ومدت يدها.
“آه، مرحبًا!”
كانت هذه المرة الأولى التي يقترب فيها أحدهم من إيفي بهذا الحماس، فسارعت إلى مصافحتها مرتبكة.
ابتسمت ريمورا وقالت:
“قد لا يبدو الأمر واضحًا، لكنني من عامة الشعب مثلكِ. لذا، رغم أن الأمر قد يكون صعبًا، أتمنى أن تعامليني ببساطة.”
قالت ذلك وهي تمرر يدها بفخر على دبوسها المرصع بالجواهر، والذي كان يتلألأ تحت أشعة الشمس ببريق مبهر.
على الرغم من طلبها التعامل ببساطة، جعل ذلك البريق إيفي تشعر بمزيد من الحذر.
“سمعت أنكِ من دار للأيتام، أي دار بالضبط؟ ترايدين؟ ربما تكون هي، فهي الأقرب إلى العاصمة، وقد زارها جلالة الإمبراطور عدة مرات.”
“ماذا؟”
لم تستطع إيفي فهم كلام ريمورا بسهولة. أن تسأل عن دار الأيتام ببساطة، هذا مقبول، لكن لمَ ذكرت فجأة اسم مدينة قرب العاصمة؟ ولمَ الإمبراطور؟
“هل قررتِ بالفعل إلى أي عائلة ستنتقلين بعد التخرج؟ أم أن…”
نظرت ريمورا حولها بحذر، ثم همست بصوت خافت:
“هل أنتِ، ربما، ابنة غير شرعية لعائلة ما؟”
“ماذا؟”
اتسعت عينا إيفي دهشة عند سماع كلمة
“غير شرعية”.
كانت تعرف معنى هذه الكلمة، وتعرف كيف يتردد الناس عادة عند نطقها.
لكن أن تُطرح عليها هكذا فجأة؟
تسمرت إيفي في مكانها، لا تعرف كيف تجيب. اقتربت ريمورا أكثر، وكأنهما صديقتان حميمتان، وأمسكت بذراعها وهي تواصل الهمس:
“لا بأس، يمكنكِ قول كل شيء لي. نحن صديقتان، أليس كذلك؟ على أي حال، لا داعي لإخفاء مثل هذه الأمور. إن كانت عائلة جيدة، قد نستفيد منها لاحقًا، أليس كذلك؟”
صديقتان؟
لقد تبادلا التحية للتو!
كانت ريمورا هي من تحدثت وطرحت الأسئلة من جانب واحد.
وها هي الآن تدعوها صديقة؟ شعرت إيفي بالحيرة التامة.
وأكثر من ذلك…
“لو كنا صديقتين، لما طرحتِ مثل هذه الأسئلة بتهور.”
تذكرت إيفي أصدقاءها في دار الأيتام.
كان عدد الأطفال هناك كبيرًا، ولم يكن من السهل أن تصبح صديقة للجميع.
كان هناك من تعرفهم بالاسم فقط، وآخرون لم تكن علاقتها بهم جيدة.
لكن من بين كل هؤلاء، كان هناك أصدقاء حقيقيون. تذكرت إيفي جيدًا كيف كانوا يعاملونها.
كانوا دائمًا يراعون مشاعر بعضهم، لا يقولون كلامًا جارحًا، ولا يذكرون ما قد يحزن الآخر.
لذلك، لم يكونوا ليتصرفوا كما تفعل ريمورا الآن، يطرحون أسئلة فضولية ويستخدمون كلمات قاسية دون مراعاة.
بعد تفكير قصير، هزت إيفي رأسها.
“لا… كل هذا غير صحيح. أنا من مدينة إلرام في شرق الإمبراطورية. وبالطبع، لم أرَ جلالة الإمبراطور أبدًا. ولا أعرف من هم والداي، لا أحدهما ولا الآخر.”
ردت إيفي بحزم، فأفلت ريمورا ذراعها مرتبكة.
“ماذا؟ لا يمكن… لكن الإشاعات تقول بوضوح…”
تمتمت ريمورا بشيء لنفسها، ثم تركت إيفي واتجهت نحو الطلاب الذين كانت معهم سابقًا.
عندما أصبحت إيفي وحيدة مرة أخرى، ارتفع ضجيج الطلاب فجأة.
نظرت إيفي لترى ما يحدث، وفي تلك اللحظة، رأت وجهًا مألوفًا.
من بين الطلاب القادمين من مهجع الذكور، كان أرسيل وروسكا يقفان في المقدمة.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 13"