الفصل 9 :
في الوضع الطبيعي، كنتُ لأستهزئ بتفاخرٍ كهذا، لكنّني لم أعد أستطيع تجاهل أيّ شيء بسهولة منذ أن تمكّن إنسانٌ عاديٌّ من كسر التّلاعب بذكرياته.
قد يكون هاستر قد جهّز لها نوعًا خاصًّا من الحماية.
وإن كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنّ كلّ ما يجري هنا هو مجرّد فخّ.
‘إن مُتُّ في هذا المكان، فلن أستطيع العودة للحياة.’
ارتجفَ ظهرُ رواز عند التفكير في أنّ مصيره قد يُصبح كمصير فاليوس الأصلي.
“……هذا كذب. لو كان ذلك ممكنًا، فلماذا لم تُمسكني عندما جاء إلى هنا؟”
كلامُهُ هذا كان بمثابة اعترافٍ بأنّه ليس الفارسَ الحقيقيّ المُكلّف بالحماية، لكنّ أعصاب رواز كانت مشدودةً كلّها إلى هاستر.
بدت ديليانا وكأنّها بدأت تُدرك أنّ جميع فرضيّاتها كانت صحيحة، فقالت بابتسامة باهتة:
“لأنّني منعتُه. بيني وبين السيد إشارةٌ سريّة. أخبرتُه أنّ كلّ شيء على ما يرام.”
هذا مستحيل. من غير المعقول أن هاستر يتبادل إشاراتٍ سريّةً مع بشريّ. ألا يكفي أنّك تُصاب باللعنة لمجرّد مناداته باسمه بشكلٍ مباشر؟ أيلعب مع البشر ألعاب الأطفال إذًا؟
‘……لكن، ألم يتزوّجها فعلًا؟’
تذكّر رواز المشهد حين اقتحم هاستر قاعة الطعام.
نظرة الحبّ التي غمرته، وكيف قبض على صدره وكأنّه يرى مخلوقًا لطيفًا جدًّا… كلّها دلائل على أنّ هذا الوضع غير طبيعي إطلاقًا.
رغم أنّه لم يكن يملك دليلاً، فإنّه لم يستطع دحض ذلك الادّعاء.
وبهدف نفي حقيقةٍ لا يريد تصديقها، قال رواز بحدّة:
“لم تكن تلك الذكريات في رأسك.”
لم يُدرك أنّه، دون أن يشعر، قد توقّف عن مناداتها بـ سيّدتي.
“هذا هو الكذب بعينه.”
نهضت ديليانا من مكانها، واقتربت من رواز بخطًى بطيئة.
كان أمرًا غريبًا.
فالّتي أمامه مجرّد بشريّةٍ عاديّة، ويمكنه حرقُها حتّى العظم بإشارةٍ واحدة من يده، لكنّ المتراجعَ إلى الخلف كان رواز نفسه.
امتدّ ظلّ ديليانا العميق كعمق الفضاء وكأنّه سيبتلعه.
“لو أنّك رأيتَ جميع ذكرياتي، فلماذا سألتَني مثل تلك الأسئلة؟”
أسئلة عن الوحش الأخطبوطي، فاليوس، وعن صورة الفارس الّذي ترغب به… كلّها أمورٌ لا يمكن أن تصدر إلا من شخصٍ لم يرَ ذكرياتها.
عندما حاول رواز الاطّلاع على ذكرياتها، كانت ديليانا قد لاحظت الثغرات لديه بالفعل.
“لقد دخلتَ إلى رأسي، لكنّك لم ترَ كلّ شيء. أليس كذلك؟”
لم يستطع الرّد.
لو كانت إنسانةً عاديّة، لكان فعل ذلك.
فهاستر الّذي في ذكرياتها كان مرتبطًا بلعنةٍ ما، ولو لمسها، فلن يكون بخير. لذلك تلاعب رواز فقط بذكريات فاليوس.
‘أتعرف هذا أيضًا؟’
بدأ الشّك يتسلّل إلى قلبه حول ماهيّة ديليانا.
“لا حاجة لأن تخدعني، رواز. أستطيع أن أكون في صفّك.”
“في صَفّي……؟”
“لا تُريد أن يكتشفك سموّه، صحيح؟ سأُخفيك. لكن في المقابل، أُريد منك وعدًا واحدًا.”
الصفقة نفسها الّتي تحدّثت عنها من قبل.
صورة الفارس الّذي ترغب به ديليانا، وعرضٌ لا يستطيع رواز رفضه وهو على هذه الحال.
“إن لم تكن ستُخلص للدوق، فأخلص لي.”
توقّفت ديليانا أمامه. كانت تنظر إليه وذراعاها مشبوكتان، بهيئةٍ تليق بسيدة المنزل.
“لا بأس أن يكون الأمر شكليًّا فقط. يكفيني أن تحميني، في أيّ وقتٍ كان.”
إن كنتَ قد قتلتَ الحقيقيّ، فكن أنت الحقيقيّ.
كُن الفارسَ القادر على حمايتي أكثر من فاليوس.
عندها فقط، سأدعك تعيش.
“إن كان من الصعب الرد، فاصمت. سأعتبر ذلك موافقة.”
……فصمتَ رواز.
***
نظرتُ بطرف عيني إلى ىواز، فارسي المطيع الجديد. بعد أن أنهينا الطّعام، كنّا نتجوّل معًا في الحديقة.
لا أدري إن كانت تهديداتي في قاعة الطعام قد أرعبته، لكنّه ظلّ صامتًا لفترةٍ طويلة.
رغم كلّ شيء، مظهره لا يزال لطفل، مما جعلني أشعر بذنبٍ غير مبرّر.
‘كان الأمر سهلًا للغاية.’
تفنيد ادّعاءات رواز كان في غاية السهولة. لم أملك أدلّة، لكنّه لم يكن بارعًا في تمثيل دور الإنسان، وكان يُظهر الثغرات مع كلّ سؤالٍ أطرحه.
لذا قدّمتُ عرضًا فيه بعض المبالغة. كنتُ أتوقّع بعض المقاومة، لكنّه قبل به بسهولة غير متوقّعة.
رغم أنّ توقّعاتي كانت صحيحة، فإنّ أكثر ما أدهشني لم يكن رواز نفسه، بل مهاراتي في الإقناع والقوة الّتي شعرتُ بها.
‘هل يُمكن اعتبار هذا قوّة؟’
رواز لم يُدرك ذلك، لكنّني شعرتُ وكأنّني تحوّلتُ إلى شخصٍ آخر أثناء محادثتنا.
سبق أن شعرتُ بشيءٍ مماثل عندما تحدّثتُ مع بلاكي أو الدوق.
كلّما بدأتُ أشعر بهيبة وجودهم، تغيّر أسلوبي في الكلام تلقائيًّا وكأنّ شخصيّةً أخرى تظهر في داخلي.
في البداية، اعتقدتُ أنّها صحوةٌ تحدث عند الإحساس بالموت الوشيك. قوّةٌ هائلة تظهر في اللحظة الأخيرة.
لكنّني أدركتُ الآن أنّ الأمر مختلف.
هذه ليست قوّةً طبيعيّة.
‘ظلّي… لقد طال.’
حين كشف رواز عن هالته وحاول خنقي كهاستر، رأيت ظلّي على الأرض يتحرّك نحوه.
في اللحظة الّتي لامس فيها ظلّي قدمه، بدأتُ أرى ما سيفعله، وما يجب أن أردّ به.
هذا ما جعل ارتباكه يزداد، وسرعان ما فقد هدوءه.
كانّ ظلّي قد مزّق الغلافَ البشريّ عنه.
وبينما كان في ذروة ارتباكه ونسيَ كيف يُجيد التمثيل، ظهر وجهه الحقيقي، وظلّي قيّد قدمه أكثر.
‘كان أشبه بالتّنويم.’
لو أردتُ وصف تأثيره، فهو يمنح كلماتي قوّة إقناعٍ تُدمّر منطق الطرف الآخر.
لم تكن قوّةً أملكها عندما كنتُ إنسانةً عاديّة.
لا أعلم إن كنتُ قد حصلتُ عليها هنا، أم أنّها كانت نائمة في داخلي.
وإن كنتُ سأتحوّل إلى وحشٍ بسببها…
‘……لا، لا وقتَ للتفكير بذلك الآن. لديّ ما يكفيني من الهموم.’
هززتُ رأسي، وتخلّصت من تلك المخاوف.
على الأقل، نجوتُ بها. وذلك يكفيني في الوقت الحالي.
“رواز.”
“……ماذا.”
ربّما لأنّه كشف عن وجهه الحقيقيّ، صار يردّ بطريقةٍ أكثر حدّة.
ولأنّ هذا النوع من العلاقة أكثر راحةً بالنسبة لي، تابعتُ الحديث وكأنّ شيئًا لم يكن.
“رغبتُ بالذهاب إلى الحديقة، لكن هل أنت متأكّد أنّ هذا المكان آمن؟ لا يوجد مكان للاختباء هنا كما في قاعة الطعام.”
كنتُ أعني، ماذا لو رآنا الدوق أو أحد أعوانه؟
ضحك رواز بسخرية وقال:
“ما دمتُ أُقيم في داخلكِ، فلا أحد يستطيع رؤيتي. حتّى إن امتلك أحدهم نظرًا قويًّا، فلن يرى سوى شجرة.”
لم أفهم النظرية، لكنّ وجوده بقربي يعني أنّ الآخرين لن يروه بسهولة.
حين اختبأ وقت مجيء الدوق، كان ذلك لأنّ تركيزه كان منصبًّا عليّ.
“لكن دعكِ من هذا، ماذا ستفعلين؟”
“بشأن ماذا؟”
“ألستِ تخطّطين لقتال هاستر؟ ألم تطلبي مساعدتي لهذا السبب؟ فلماذا تتصرّفين بكلّ هذه الطمأنينة؟”
‘آه، إذاً تظنّ أنّني سأقاتل الدوق.’
نصفُ ما قاله صحيح، والنصف الآخر لا.
عرضي له كان نوعًا من التحالف؛ أن يُساعدني حين أحاول الهروب من القصر، أو حين يُهاجمني الدوق.
لكنّ ذلك قد يُفهم بأنّني أستغلّه كدرع، لذا أجبتُه بصيغةٍ ألطف:
“ليس الوقتُ مناسبًا بعد. ولا أنوي مواجهته وجهًا لوجه.”
“……أفهم. تخطّطين لشيءٍ ما. ستهاجمينه فجأة، أليس كذلك؟”
هزّ رأسه وقال كلماتٍ وقحة من نوع “يليق بكِ فعلًا”.
لا أعلم ما الّذي يجعله يقيّمني بهذه السرعة.
‘على كلّ حال، الآن لديّ فارس حقيقيّ، وهذا يُشعرني بالطمأنينة.’
لا أعرف من كان فارسي السّابق، لكنّه كان من أعوان الدوق، ولا يمكن الوثوق به تمامًا.
خاصّةً أنّه لن يُوقف الدوق إذا فقدَ صوابه مثلما فعل صباحًا.
“بالمناسبة، رواز، ما هدفُك الحقيقيّ؟”
أجاب رواز بوجهٍ متكبّر لا يليق بطفل:
“الاحتلال، بالطّبع. أحتاجُ إلى مكان هاستر.”
“تُريد أن تُصبح الدوق؟”
“ذلك مجرّد منصبٍ بشريّ. أنا لا أعني ذلك. بل أقصد مرتبته… دعكِ. لن تفهمي. فلتُفسّريه كما تريدين.”
لا بدّ أنّ لعالم الوحوش قوانينه الخاصّة. على أيّ حال، ما دام لا يُخطّط لخيانتي والتعاون مع الدوق، فلا مشكلة لديّ.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 9"