الفصل 8 :
في طريقي من غرفة المكتب إلى غرفة الطعام، بدأ رواز يُحادثني دون انقطاع، وكأنّه رأى في ملامحي الملل.
في البداية، ظننتُ أنّها محاولةٌ لطف منه، فاستجبتُ له، لكن شيئًا فَشيئًا، بدأت محتويات الحديث تصبح غريبة.
“سيّدتي، هل لديكِ أيّ نوعٍ من الأوهام عن الفُرسان؟ أعني، هل تتخيّلين أنّ الفارس يجب أن يكون بطريقة ما؟”
“لا أدري… لا أظنّ.”
“حقًّا؟ إذًا ما الذي تأملينه من الحارس الشّخصيّ؟”
“أن يُبقيني آمنة، لا أكثر.”
ربّما لأنّني كنتُ أجيب بتراخٍ، بدأت أسئلته تتّخذ طابعًا أكثر تحديدًا.
“الآن وقد لاحظتُ أنّ طعام الغداء سمك… هل تحبّين الأخطبوط؟”
“لا أحبّه، ولا أكرهه.”
“ليس من ناحية الأكل، أقصد رؤيته مباشرةً. مثلًا، وحشٌ يشبه الأخطبوط في الشّكل، هل سبق أن رأيتِ شيئًا من هذا القبيل؟”
“لا، لم أرَ.”
كانت مواضيع حديثه غريبة لا تُستخدم في الأحاديث العاديّة، ومع ذلك، بدا وكأنّ رواز يسعى بشدّة للحصول على إجابة منِّي، وكأنّ شيئًا ما يُطارده.
هل كان ذلك بسبب دخولي قصر الوحش؟ لا نهاية للشّكوك عندما تبدأ. تلك الشّكوك تحوّلت إلى يقين عندما ظهر الدوق فجأة أثناء الطّعام.
“…أكملي طعامكِ.”
قالها بعد حديثٍ قصير، ثمّ غادر وأغلق الباب خلفه.
طَق.
عندما أُغلق الباب، قلتُ بصوتٍ منخفض:
“لقد غادر، الدوق.”
“آه، شكرًا لكِ.”
شكرني رواز وهو يخرج من الخزانة.
ثمّ بدأ يُنظّف الغبار عن ملابسه وهو ينظر إلى الباب، وكأنّه يتأكّد من أنّ الدوق قد ابتعد.
ابتلعتُ اللقمة التي في فمي وسألت:
“لماذا تتجنّب الدوق؟”
“لا شيء… فقط، إن قابلته، سيُلقي عليّ محاضرة.”
ضيّقتُ عينيّ وأنا أُراقب تصرّفاته المريبة، فابتسم بخجل وأشاح بنظره عنّي.
“هل خرج لتوّه من تلك الخزانة الضيّقة؟!”
أدركتُ حينها فقط أنّ رواز صغير الجسد. لا، الأمر لا يتعلّق بحجمه، بل بكونه يبدو كصبيٍّ في العاشرة من عمره، وليس فارسًا.
كيف لم أستغرب من قبل أنّ طفلًا بهذا العمر هو حارسي؟! من الواضح أنّ هناك خطبًا ما.
بل والأغرب، أنّ هذا الفارس يتجنّب سيّده. في ذاكرتي، كان رواز يتحدّث مع الدوق بسهولة دون تردّد…
‘إذًا، ذاكرتي هي الخطأ.’
تيقّنتُ في تلك اللحظة أنّ هناك خللًا في ذاكرتي.
حتى لو امتلأ القصر بالوحوش، فلا يُمكن أن أنسى شيئًا شاذًّا مثل كون الفارس طفلًا صغيرًا.
‘لكن وجود فارس حقيقةٌ مؤكّدة. لأنّ الحوار بيني وبين الدوق لم يكن غريبًا… هذا يعني أنّ رواز لم يكن الفارس الأصلي.’
بعد تحليل الموقف، توصّلتُ إلى نتيجة: رواز قد سرق مكان الفارس الأصلي.
لقد تمّ التّلاعب بذكرياتي.
‘حسنًا، الآن، ماذا أفعل بشأن هذا الطفل؟’
تابعتُ طعامي وأنا أُراقبه.
رغم استيائي من تغيّر الذّاكرة، لم أكن ساذجةً لأُظهر ذلك على ملامحي.
بدلًا من ذلك، بدأتُ أبحث عن فرصة.
‘إخبار الدوق قد يكون خيارًا… لكنّي لن أرتاح لذلك.’
فالدوق نفسه لا يُعدّ شخصًا آمنًا بالنسبة لي.
حتى الآن، لا أعرف ما إذا كان هذا الصبيّ حليفًا أم عدوًّا.
لكن كان هناك شيءٌ واحد واضح: رواز يتجنّب الدوق.
‘عدوّ عدوي… قد يكون حليفي.’
إن لم يكن هدف رواز هو إيذائي، بل مواجهة الدوق… فقد يكون عنصرًا يمكنني الاستفادة منه.
أحد أدوات الهروب… والطّلاق.
فتحتُ فمي ببطء:
“رواز، فكّرتُ بالأمر… أعتقد أنّ لديّ شيئًا أريده من حارسي.”
“أوه؟ ما هو؟”
كانت مُقامرةً واضحة.
لكنّي كنتُ واثقةً، دون دليل، بأنّي سأربح.
ربّما لأنّ كلّ نردٍ رميتُه في هذا القصر حطّ على الرقم 6.
“أحتاجُ من يقف إلى صفي. حتّى لو اضطرّ لمعارضة الدوق، شخصٌ يظلّ وفيًّا لي.”
“…….”
تجمّد تعبير رواز للحظة.
كنتُ قد لاحظتُ من قبل، أنّ هذا الصبيّ لا يُجيد إخفاء مشاعره. بل بدا شديد الطّفولة، لا يُجيد التّظاهر.
فالوحوش لا حاجة لها لفهم البشر، لذا لا يتكلّفون بالتّظاهر والخداع.
مسحتُ فمي بالمنديل، وأخفيتُ ملامحي.
‘تظنّ أنّك خدعتني… لكن في نظري، لا تختلف عن الفارس الذي سبقك.’
الوحوش قادرةٌ على قتل البشر بإشارةٍ واحدة، وهي مخيفة لا شكّ.
لكنّ البشر، أحيانًا، يُصبحون أكثر ظلمةً من الوحوش.
‘ثمّ إنّني، بفضل الدوق، بدأتُ أعتاد هذا الرُّعب قليلًا.’
تابعتُ تمثيلي بهدوء:
“رواز، يبدو أنّك تُخفي الكثير… ما رأيك؟ ألا نعقد صفقة بيننا؟”
“……ما الذي أُخفيه برأيك؟”
“هل تُريدني أن أقولها صراحة؟ يا رواز… أو بالأحرى، أيّها الفارس الزائف.”
كَرَشَق!
تشقّق زجاج الخزانة خلف رواز.
رغم أنّها كانت محاولة تهديد، إلّا أنّها كانت بمثابة إشارة النّجاح بالنّسبة لي.
لو كان غاضبًا، فهذا يعني أنّ كلامي صحيح.
ولا شيء أسهل من التّعامل مع وحش بسيط.
***
كان رواز في حالة ذهول.
فبالنّسبة له، البشر لا يَعدون عن كونهم حشراتٍ تقتحم منزله.
حين يكشف عن حقيقته، يركعون له، وإذا تحدّث، يصرخون طالبين الرّحمة. هكذا هم البشر في نظره.
ولهذا، كانت ديليانا امرأةً غريبة في نظره.
‘قالوا إنّها إنسانةٌ عاديّة… فأين العاديّة في هذا؟!’
راح يُحدّق بها، وهي تُحدّق به بثبات.
أراد تخويفها ببعض الهالة، لكنّها لم تُبدِ أيّ ردة فعل.
‘هذا لم يكن في الخطّة.’
كانت خطّته لدخول قصر هاستر مثاليّةً من وجهة نظره.
فالقصر تحوّل إلى عالمٍ منفصل يصعب دخوله، حتى على رواز نفسه، لذا استخدم عقل ديليانا كنقطة عبورٍ مؤقّتة.
لا أثر لقوّته، ولا آثار جانبيّة على وعيها. كان يظنّ أنّ هاستر قد يشكّ، لكنّه دخل القصر بنجاح، وهذه كانت نصف المعركة.
كان ينوي استخدام ديليانا، التي ظنّت أنّه فارسها، ليهاجم هاستر لاحقًا…
لكنّها لم تتصرّف كما خطّط.
لم تُظهر ثغرات، بل شكّت فيه.
‘كيف أدركتْ هويّتي؟!’
رغم أنّ رواز لم يكن بارعًا في التّلاعب بالذّاكرة، إلّا أنّه لم يرَ إنسانًا يُفلت من تأثيره بهذا الشّكل من قبل.
كان أشبه بالمعجزة.
‘ثمّ إنّها، بدلًا من أن تخاف، تُفاوضني!’
الإنسان العاديّ كان ليهرب الآن باكيًا أو يُنادي هاستر طلبًا للنّجدة.
لكنّها، بثباتٍ غريب، قدّمت عرضًا.
بل ولم تُظهر أيّ توتّر.
حتى بعد أن كشف عن جزءٍ من وجوده، بقيت هادئة.
في البداية، أغضبه كبرياؤه، لكن سرعان ما تحوّل الغضب إلى فضول.
كأنّ نملة تنظر إليه بتحدٍّ… وهذا جعله يفكّر.
إظهار بعض الرّحمة للكائنات الحقيرة كان شيئًا اعتاد عليه.
“ما الذي تقولينه؟ هل لديكِ دليلٌ على كوني مزيفًا؟”
“دليلٌ، ها…”
…لكنّه لم يكن يعلم أنّ غروره سيُصبح سلاحًا ضدّه.
رؤية ديليانا لردّه البسيط ونبرته المتراخية جعلها تبتسم بهدوء.
الكيانات العظمى تُخضع البشر بكلمةٍ أو حركة، لكنّها تجهل خفايا البشر.
والسبب بسيط: لا حاجة لهم بمعرفتها.
فالعلاقة بين الكائنات العظمى والبشر كانت قائمة على الخوف والتّبعيّة.
لكن هذا المكان هو قصر هاستر.
ولم يعلم رواز أنّ ديليانا هي الإنسانة الوحيدة التي تُجاري كيانًا عظيمًا في المستوى نفسه.
“إن لم أُقدّم لك دليلًا، لن تُصدّقني؟”
ولذا، سقط بسهولةٍ في شباك كلماتها.
كما يسقط شابٌّ قرويّ في المدينة، ويبيع إرث عائلته مقابل حمارٍ هزيل.
غروره الممزوج بجهله كبّله.
“ما الذي تقصدينه؟!”
قطّب حاجبيه بغضب، وكأنّه يقول: “أنتِ من طرحتِ السؤال، فلماذا أُجيب أنا؟”
“ببساطة، لأنّك بحاجة إليّ، يا رواز.”
“أنا…”
انتظرها لتُكمل حديثها باستهزاء، لكنّ كلماتها التّالية كانت صادمة.
“لأنّ الدوق توقّع قدومك. الاستعداد للقبض عليك قد بدأ بالفعل.”
“……!”
“إن أردتَ ألّا يكتشفك الدوق… فأنت بحاجة إلى مساعدتي.”
تجمّدت حركة رواز.
كانت كلماتها كالسّهم في قلب خطّته.
علم أنّ هاستر قد يشكّ، لكنّه لم يكن يملك القدرة لرصده تمامًا، لذا شعر بالأمان.
لكن… أن يكون الدوق قد نصب له فخًّا؟
‘هل هاستر يمتلك تلك القوّة فعلًا؟!’
لقد خطّط لكلّ شيء، واثقًا من قدرته على الهرب إن لزم الأمر.
لكن، إن كان هاستر قد توقّع كلّ شيء، وزرع له شركًا… فربّما…
بلع رواز ريقه بتوتّر.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"