الفصل 7 :
“أنتَ تُكره، أنتِ، أنتَ كيانٌ، لحمُ الوجودِ الخاصِّ بي–”
‘لا.’
كان اقتراب نهاية الكتاب يُثير داخلي شعورًا بأنّ أمرًا لا يُمكن التّراجع عنه سيحدُث إن أنا أتممتُ القراءة.
أصابعي المرتعشة، عيناي التّين لا تكفّان عن الاهتزاز، دماغي المُبلَّلُ بالرُّعب والنّشوة كان يصرخُ بلا توقّف.
…وفي النّهاية، وصلتُ إلى الصّفحة الأخيرة.
وجدتُ نفسي، لا أدري كيف، قد دفنتُ وجهي في الكتاب.
وفي تلك الصّفحة الأخيرة الّتي كنتُ أهابها إلى هذا الحدّ، لم يكن مكتوبًا فيها سوى كلمةٍ واحدة.
<الوصول.>
“الوصول؟ ما هذا…؟”
في تلك اللّحظة، وضع أحدهم يده على كتفي.
“سيّدتي، هل أنتِ بخير؟”
“……!”
بمجرّد أن سمعتُ ذلك الصّوت، استعدتُ السّيطرة على جسدي.
أسقطتُ الكتاب الّذي كنتُ قد وصلتُ إلى آخر صفحاته على الأرض، وتراجعتُ على الفور.
“هاه… هاه…!”
“ما الأمر؟”
كان ينظر إليّ بتعجُّب بينما ألهثُ بشدّة. وحين همّ بالتقاط الكتاب، دفعتُ يده بشدّة.
“لا تلمسه!”
“أ، أهه؟”
ثمّ أسرعتُ بالتقاط الكتاب بدلًا عنه، وأغلقتُه، وأعدتُه إلى رفِّه الأصليّ.
ذاك الكتاب كان كتابًا محرّمًا لا ينبغي قراءته مرّة أخرى.
لا تزال الأصواتُ الغريبةُ والكلماتُ المجهولةُ تُزعجُ عقلي.
ويبدو أنّ ملامحي لم تكن طبيعيّة، إذ سألني بصوتٍ مرتبك:
“هل رأيتِ شيئًا غريبًا؟”
“ذاك…”
حاولتُ أن أشرح شيئًا، لكنّني أغلقتُ فمي وهززتُ رأسي في النّهاية. مع شخصٍ مثله، لو أثرتُ فضوله حتى قليلًا، سيكون ذلك كارثة.
“لا شيء.”
“حسنًا إن كان كذلك…”
في تلك اللّحظة، دقّ جرسُ الظّهر. كان صوتًا صادرًا عن برج السّاعة القريب من بوّابة القصر.
“إنّها ساعة الغداء. هل نخرج؟”
“…لنخرج.”
لم أرغب في البقاء داخل المكتبة أكثر. تبعتُه خارج المكتبة، ويبدو أنّ خطواتي كانت متعثّرةً لدرجة أنّه ساعدني على المشي.
وقبل أن أخرج، التفتُّ إلى رفّ الكتب الّذي كان فيه الكتاب.
“…لقد اختفى.”
لقد أصبح المكانُ الّذي كان فيه الرفّ خاليًا تمامًا. كأنّه لم يكن موجودًا أصلًا، لا الكتاب، ولا الرّف.
ما كان ذاك الكتاب؟ لماذا كان كتابٌ مصنوع بأسلوبٍ حديث في هذا المكان؟ ما تلك المشاعر الّتي شعرتُ بها أثناء قراءته؟ ومن كتب تلك الجملة المرعبة…؟
عصفتْ في رأسي تساؤلاتٌ كثيرة، لكنّني أدرتُ وجهي عنها.
ورغم أنّني قضيتُ يومًا واحدًا فقط في هذا القصر، فقد ترسّختْ داخلي قاعدة واضحة: لا تقترب من الأشياء الّتي لا يجب أن تقترب منها.
“آه، بالمناسبة يا سيّدتي.”
“نعم؟”
وأثناء توجّهنا نحو غرفة الطّعام، قالها بصوتٍ فيه شيءٌ من المرح.
“أعتقد أنّنا لم نتبادل التّعريف بأنفسنا. رغم أنّني حارسُكِ الشّخصيّ.”
“لكنّنا نعرف أسماء بعضنا، أليس كذلك؟”
ناهيكِ عن أنّني قدّمتُ نفسي بالفعل في أوّل لقاء. هل نسيَ ذلك؟
“هل فعلنا؟ سيّدتي، هل تعرفين اسمي؟”
“نعم، إنّه رواز، أليس كذلك؟”
“صحيح، رواز.”
رواز، الفارس الّذي عيّنه للدوق، ابتسم ابتسامةً خاليةً من الضّرر.
“ناديني رواز من الآن فصاعدًا أيضًا.”
وما العيب في ذلك؟
أومأتُ برأسي.
***
لقد تسلّل شيءٌ خبيث.
وفي الوقت نفسه، أدرك هاستر أنّ ثمّة تغيّرًا قد طرأ على قصره.
“ما هذا الكيان؟”
كان تحصين القصر مثاليًّا.
الحماية الماديّة كان يتولّاها بلاكي، والثّغرات البُعديّة أُغلِقت بإحكام.
لم يُترَك أيّ احتمال لتدخّل كيانٍ خارجيّ يُزعج ديليانا.
لكنّ أحدًا قد تسلّل دون أن يمسّ تلك التّحصينات.
دون تردّد، أوقف هاستر كلّ أعماله واتّجه فورًا إلى ديليانا. نسيَ قاعدته الخاصّة الّتي تنصّ على أن يحتفظ دائمًا بشكلٍ بشريّ داخل القصر، واندفع بأحد أشكالِه الحقيقيّة.
كانت السّاعة تشير إلى الظّهر، وقد كان قد أمر فاليوس سابقًا بمرافقتها إلى غرفة الطّعام في هذا التّوقيت، لذا توقّع مكانها.
وصل إلى غرفة الطّعام، وتحوّل مجدّدًا إلى هيئة الإنسان، ثمّ فتح الباب.
“ديليانا!”
لحسن الحظّ، كانت ديليانا هناك.
يبدو أنّها فزعت من صرخته المفاجئة، فغطّت فمها الّذي كانت تضع فيه الطّعام.
“ال، الدوق؟”
لم يكن هناك أيُّ أثرٍ لكيانٍ آخر. كانت جالسةً وحدها في الغرفة الواسعة.
‘ألم تكن هي الهدف؟’
راح هاستر يتفحّصها بصمت. هل تعرّضتْ لأذًى من الكيان الغريب؟
لا جروح، ولا تلوّث عقليّ. هي نفس الشّخص الّذي رآه صباحًا.
“ما الأمر؟”
لم يلحظ أيّ أثرٍ لكيانٍ غريب.
حسنًا، كيانٌ قادرٌ على التسلّل إلى القصر لن يترك خلفه دلائل واضحة.
بما أنّه تأكّد من سلامة ديليانا، كان عليه أن يواصل التّحرّي، لكنّ عيناه ظلّتا مُعلّقتَين بها.
“سيّدي الدوق؟”
‘جميلة.’
لا سبب واضح.
فقط، كانت ديليانا الّتي تملأ وجنتيها بالطّعام جميلةً فحسب.
هاستر، الّذي لم يسبق أن شعر بهذا تجاه فانية، بدأ لأوّل مرّة يشعر بانكماش أصابعه وتصلّب جسده أمام لطافة مشهدٍ كهذا.
“هل… طعمه لذيذ؟”
كان يُفترض أن يُلقي عليها تحيّة طعامٍ طبيعيّة، لكنّ ما خرج منه كان جملةً غريبة.
أومأت ديليانا، الّتي كانت لا تزال تغطّي فمها، برأسها ببطء.
“نَـ، نَعَم، إنّه لذيذ.”
بالطّبع.
فوجبتُها كانت خاصّة.
ففي هذا القصر، لا يوجد من يستطيع إعداد طعامٍ بشريّ. لذا حوّل أحد خدّامه بنفسه إلى طاهٍ ماهر.
وكانت الوجبة من نوع الطّعام الّذي تُفضّله.
“هل تودّ مشاركتي؟”
أن تُقدّم له الطّعام رغم مجيئه المفاجئ بهذه الوقاحة…
كلماتُ ديليانا الدّافئة جعلت هاستر يضغط على صدره ويهزّ رأسه.
تذكّر حين أطعمتْه فاكهة في الصّباح، فخفق قلبه بشدّة.
“لا، لا داعي. لديّ عملٌ يجب أن أُنجزه… أكملي طعامكِ.”
“آه، حسنًا.”
لو كانت قد دعته للمرّة الثّانية، لربّما فكّر في الأمر، لكنّها اكتفت بهزّ رأسها ببساطة.
شعرَ بخيبة أملٍ بسيطة، لكنّه استعاد تركيزه وخرج من غرفة الطّعام، وهو يهمس لها بتمنّيات طعامٍ شهيّ.
“إن لم يكن الهدف ديليانا، فلماذا حدث التسلّل؟”
لا أحد يجهل أنّ هذا القصر هو مجالُ هاستر.
والدّخول إليه دون إذن يعني إعلان حرب.
لكنّ أعداءه ليسوا أغبياء لهذه الدّرجة.
تراكمت الأسئلة في رأسه.
“على أيّ حال، سلامة ديليانا هي الأولويّة القصوى.”
بمجرّد أن علم بوجود متسلّل، لم يعُد بإمكانه ترك ديليانا وحدها.
رغم تعيينه لفاليوس حارسًا لها، إلّا أنّ ذلك لم يكن كافيًا أبدًا.
“لحظة، فاليوس؟”
بسبب انشغاله بديليانا، لم ينتبه إلى أنَّ فاليوس لم يكن هناك.
وسّع هاستر إدراكه ليفتش في الأرجاء، لكنّه لم يشعر بذاك الأثر اللزج الّذي يُميّز فاليوس.
صحيح أنّ فاليوس قليل الذّكاء، لكنّه لم يسبق أن أهمل أمرًا بهذه البساطة.
تقطّب جبين هاستر، وبدأ في البحث عنه.
حين كان يوشك على التّوجّه إلى الأماكن الّتي يُحتمل أن يكون فيها، شعر بحركةٍ قريبة من الممرّ المقابل.
توجّه بسرعة نحو ذلك الاتجاه، ليُصدم بمنظرٍ لم يكن يتوقّعه.
“……!”
أوّل ما لفت نظره كان الدّماء.
دماءٌ لطّخت جدران الممرّ، كأنّها قد أُنفجرت في جميع الاتجاهات، راسمةً أشكالًا غريبة.
لو نظرت إليها بعين الفنّ، لظننت أنّها رسمت زهورًا بالدماء.
وتحتها، وُجدت الجثّة الّتي يبدو أنّها كانت مصدر الدم.
جثّة بلا رأس، أطرافها مثنيّةٌ بطريقةٍ بشعة، وجسدها مغطّى بمادّةٍ لزجة مجهولة.
مشهدٌ كدميةٍ مكسورة، لكنّ ملامح هاستر لم تكن مذعورة، بل ممتلئة بالضّيق.
فمن خلال الدّرع الّذي كان يرتديه، والطّاقة الّتي لا تزال تنبعث من الدم، أدرك هويّة الجثّة.
“فاليوس.”
لقد قُتل فاليوس بطريقةٍ بشعة.
وبدل أن يشعر بالحزن، شعر هاستر بالاشمئزاز من عدم كفاءة فاليوس. فتقدّم إلى الجثّة متجهّم الوجه.
“مع هذه الكميّة من الآثار، لا يُعقَل أنني لم ألحظ شيئًا.”
كلّما اقترب، اشتدّت رائحة الدماء والطّاقة السّحريّة، حتّى بات من الغريب أنّه لم يشعر بها من قبل دخوله غرفة الطّعام.
في الواقع، لو كانت معركةً حقيقيّة، لاهتزّ القصر بأكمله.
وهذا يعني أحد أمرين: إمّا أنّ فاليوس قُتل فورًا دون مقاومة…
أو أنّه، لم يُقاوم أصلًا.
أمسك هاستر طرف عنق الجثّة، ووضع إصبعه في حافّة القطع.
كان مقطوعًا بحدّة، كأنّما بشيءٍ حادّ.
“لقد أُزهقتْ روحُه تمامًا.”
كان لفاليوس قدرةُ شفاءٍ مدهشة تثير دهشة هاستر نفسه.
حتى لو قُطِع رأسُه، كان ليستعيد حياتَه مجدّدًا.
لكنّ العدوّ المجهول يبدو أنّه منع تلك القدرة.
“لو كان الهدف قتله، ما الحاجة لقطع أطرافه؟ يبدو أنّه كان يحمل ضغينةً كبيرة نحوه.”
قوّةٌ تكبحُ الشّفاء، مهارةٌ في الإخفاء تصل حدّ خداع هاستر، وعداءٌ كافٍ لتشويه الجثّة…
استطاع هاستر التوصّل إلى المتّهم بسرعة.
“رواز.”
كلّ الأدلة كانت تُشير إليه.
كيانٌ خفيّ في الظّلال، رسول الخُدع…
…وشظيّةٌ من هاستر نفسه.
لقد كان رواز هنا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات