الفصل 6 :
رفعتُ الكأس وأخذتُ رشفةً أخرى من الشاي، فقال فاليوس بصوتٍ مفعم بالإعجاب والرهبة.
“لكنّكِ مذهلةٌ فعلًا، سيّدتي.”
“بِمَ تحديدًا؟”
“لقد أطْعمتِ السيد الفاكهة بكلّ هدوء وهو في تلك الحالة. للحظةٍ ظننتُ أنّكِ تحاولين الانتحار.”
“…….”
كما توقّعت، لستُ الوحيدة الّتي فكّرت بهذا الشكل.
عادت إليّ ذكريات تلك اللّحظة الحرجة، وتصبّب العرق البارد من جبيني.
“لكن أنتَ، هل كنتَ تراقب كلّ ذلك رغم معرفتك أنّني في خطر؟”
قائد الفرسان هذا، ولم يخطر بباله أن يساعد؟
لم أضف ذلك بصوتٍ عالٍ، لكن يبدو أنّ فاليوس فهم مقصدي رغم ذلك، فابتسم ابتسامةً محرجة وهو يحكّ رأسه.
“طبعًا. ماذا لو تدخّلتُ فمتُّ أنا أيضًا؟ واحدٌ يكفي أن يموت، أليس كذلك؟”
“……أيّها الأخطبوط الأبله.”
حتّى أنا لم أستطع تمالك نفسي هذه المرّة.
أيعقل أنّه ظنّ أنّني أطعمته كما لو كنّا زوجين جديدين في لحظة حبّ؟
عندها أسرع فاليوس يحمي رأسه وهو يصيح:
“ر، رأسي ليس رأْسَ أخطبوط!”
أخطبوط أو غيره، فكلّ الوحوش بالنّهاية واحدة.
تنفّستُ بعمق ونهضتُ من مكاني.
“ثمّ إنّني لا أريد أن أُكمل حياتي كنصف إنسان فقط…… لحظة، إلى أين تذهبين؟”
“في نزهة. تناولتُ طعامي، وأفكّر بالتجوّل قليلًا في القصر.”
“دعيني أرافقك! فالأمر خطير!”
لحسن الحظّ، لم يغضب فاليوس عند نعتي له بالأخطبوط. لا أعلم إنْ كان لا يغضب أصلًا، أم أنّ وصف أخطبوط لا يُزعجه.
‘على كلّ حال، المهمّ أنّ الدوق ليس إنسانًا.’
بطني كانت سعيدة لأوّل إفطارٍ لي منذ زمن، لكن رأسي ظلّ غارقًا في الأفكار.
فكما هو حال فاليوس، الدوق ليس إنسانًا. وإن كان سيد الأسرة نفسه وحشًا، فربّما لا يوجد إنسانٌ واحد في هذا القصر.
أشعر وكأنّ سرًّا ما لا يجب أن أعرفه أُجبر على الدخول في عقلي.
‘الزّواج… لا يمكنني التراجع عنه، أليس كذلك؟’
لم أكن أتوقّع الكثير من هذا الزّواج، لكن لم يخطر ببالي يومًا أنني سأعيش في خطرٍ دائم.
أفضل ألف مرّة أن أعيش حياةً بسيطةً وفقيرة، من أن أكون مهدّدةً بأن يُلتهمني وحشٌ في أيّ لحظة.
‘الطلاق؟ لكن عائلتنا غارقةٌ في الدّيون.’
هل سيهتمّ والدَيّ لو أخبرتهما عن وضعي؟ لا أعتقد حتّى أنّ جفنًا من جفونهما سيرفّ.
بل على العكس، قد يأمراني ألّا أعود أبدًا.
‘وفوق ذلك، لا أظنّ أنّ الدوق سيسمح لي بالعودة.’
لسببٍ ما، أظهر نيّةً في قتلي ما إن ذكرتُ فكرة الرّجوع إلى المنزل.
ما لم أجد سببًا وجيهًا أو مبرّرًا واضحًا، فالطلاق مستحيل.
لكن البقاء في قصرٍ مليءٍ بالوحوش ليس حلًّا كذلك.
‘هل أهرب؟’
فكرة الهروب وبدء حياة جديدة مرّت في بالي، لكنها ما لبثت أن اختفت.
لم يكن هناك أحدٌ لمساعدتي، والخروج من هذه المنطقة بحدّ ذاته مهمّةً مستحيلة.
لا مبرّر، ولا شخصٍ يمكن الوثوق به. لا شيء ممّا أحتاجه متوفّر.
لو حظيتُ بأحدهما فقط، لتغيّر وضعي قليلًا.
“…….”
فيما كنتُ أمشي بلا هدفٍ غارقةً في أفكاري، سألني فاليوس بصوتٍ حذرٍ وقد لاحظ شرودي.
“إلى أين تذهبين، سيّدتي؟”
“……لماذا؟”
“لأنّ المشي أبعد من هنا قد يُسبّب لنا المتاعب.”
يبدو أنّ المنطقة التالية هي ما نبّهني الدوق أنّها خطيرة.
ولأنّني لم أكن أرغب أصلًا في معرفة ما يوجد هناك، عدتُ أدراجي بهدوء.
“إن لم يكن لديكِ مكانٌ للذهاب إليه، فماذا عن المكتبة؟ أليس البشر يحبّون الكتب؟”
بالفعل، لا شيء أفضل من القراءة لتهدئة النّفس.
أومأتُ له، مشيرةً أن يدلّني.
وبدا عليه الحماس لمجرّد كونه نافعًا لي، فأومأ بحيويّة وقال:
“من هذا الطّريق!”
سرتُ خلفه حتّى وصلنا إلى المكتبة.
وكانت أضخم بكثيرٍ ممّا توقّعت.
على عكس بيتنا الّذي نسمّي فيه غرفةً صغيرة فيها ثلاث رفوف مكتبة، كانت هذه أقرب إلى مكتبةٍ عامّة ضخمة، بما تحويه من كتب.
“سأبقى قريبًا. نادي عليّ إن احتجتِ شيئًا.”
بدا أنّه لا يريد دخول المكتبة، فوقف عند الباب.
أنا أفضّل الوحدة، لذا أومأت بالموافقة.
“لنرَ…”
عشراتٌ من رفوف الكتب، لا تُحصى ولا تُعد.
تمّ تصنيفها نظريًّا، لكن بدا أنَّ لا أحد يهتمّ بتنظيمها،
فالغبار يغطي بعضها، وكتبٌ من مواضيع أخرى تتخلّل المواضيع المصنّفة.
مددتُ يدي إلى رفٍّ كان أقلّ غبارًا.
“هممم؟ يبدو أنَّ أحدهم قرأ هذا مؤخرًا.”
سحبتُ كتابًا كان خارجًا قليلًا من مكانه.
كان قديمًا إلى حدٍّ ما، وعنوانه:
<طريقة بناء زنزانةٍ آمنة.>
……لا يبدو كتابًا مخصّصًا للبشر.
أغمضتُ الكتاب بهدوء حين قرأت العبارة الأولى من الفصل الأوّل:
<أزِلْ الجثّة الموضوعة عند المدخل!>
لنُعتبرْ أنّني لم أره.
“هل يوجد شيءٌ آخر؟”
وجدتُ عدّة كتبٍ أُخرى كانت مفتوحةً مؤخرًا.
سحبتُ واحدًا منها كان غلافه عاديًّا، فتبين أنّه رواية:
<الوحش والجميلة.>
بدا من السّرد أنّها قصة حبّ بين وحشٍ يأكل البشر، وجميلةٍ كرهتْ هذا العالم.
كان يشبه إلى حدٍّ كبير قصّة الجميلة والوحش،
لكنّه بدا قديم الطّراز ومليئًا بالأحكام المسبقة.
وبينما كنتُ أتصفّحه بلا اهتمام، لفتت نظري بقعةٌ مبلّلة في أحد المواضع.
كانت بقايا شيءٍ لزج، لا أعلم أهو دمعٌ أم لعابٌ أم ماذا.
وكانت الجملة المكتوبة هناك:
[“لم يعُدْ قادرًا على كبح شهوته الشّديدة. بدأ سيلان اللّعاب بلا توقّف، واهتزّ فكه من الجوع. وحين فتح فمه، ظهرت أنيابه المخيفة. حاول أن يعضّ داخل خدّه ليقاوم شهيته الشّريرة…”]
[“في النّهاية، الوحش يبقى وحشًا. من لم يصبح إنسانًا، يظلّ راغبًا في التهام من يحبّه، ليمضغ دمه ولحمه…”]
“أُوف…”
ظننتُ في البداية أنّها عبارةٌ جنسيّة، لكنّها كانت وصفًا دقيقًا لجوع الوحش نحو من يحبّه.
الوصف كان حادًّا لدرجة أنّني شعرت كأنّني أنا الوحش.
‘……أيمكن أن تكون البقعة على الصّفحة لعابًا؟’
ما إن بدأ الشكّ يتسرّب، حتّى صار بلا نهاية.
أغلقتُ الكتاب بيدٍ مرتعشة.
“ألا يوجد كتابٌ محترم هنا؟”
تنفّستُ بعمق وتوجّهتُ نحو رفٍّ آخر.
وجدتُ فيه كتبًا عن التّنسيق، والفنّ، والثقافة، والرّحلات… لا شيء يُثير اهتمامي.
اخترتُ بعضها بشكلٍ عشوائيّ لحشو الوقت، وحينها لفت انتباهي كتابٌ واحد.
كان هناك كتابٌ واحدٌ فقط في رفٍّ فارغ.
“غلافه يشبه كتب عصرنا؟”
لم يكن مصنوعًا من الجلد السّميك كغيره، بل من ورقٍ أنيق مثل الكتب الحديثة.
اتّسعت عيناي دهشةً أمام هذا الغريب الّذي لا يجب أن يكون موجودًا هنا.
أنزلتُ بقية الكتب، وأمسكتُ بالكتاب الحديث، أتفحّص غلافه.
لا عنوان، لا مؤلّف، لا رسم ولا رمز. مجرّد غلافٍ سادة بلونٍ أحمر قاتم.
مرّرتُ أصابعي على الغلاف، لأتأكّد من أنّه حديثٌ فعلًا.
“هل صنعه أحدهم؟ أم… أهو مثلي، عبر البُعد؟”
“…….”
كأنّ قوّةً خفيّة دفعتني لفتح الغلاف.
لم يكن هناك فهرس، بل صفحات ممتلئة بالكلمات مباشرة.
“ما هذا؟”
رغم أنّ الحروف مفهومة، إلّا أنّها ليست لغة الإمبراطوريّة تمامًا.
كانت كأنّها مزيجٌ من الكوريّة والإنجليزيّة ولغة الإمبراطوريّة.
[“السماء الحمراء، الجسد المثقوب بالرّماح، أنا رأيتك. اقتلْه. ابغضْه. الفطر البارد، الأجنحة، الجسد الغارق في البحر، ابغضْه. لقد وُلد. لقد وُلد. لنُبغضْه.”]
كأنّ صفحاتٍ من كتب مختلفة تمّ جمعها معًا بلا ترتيب.
جملٌ لا تُفهَم، كلماتٌ غريبة، ومضمونٌ غائب.
لا توجد فواصل، والكلمات متلاصقةٌ بشكلٍ متعب.
ومع ذلك، لم أستطع إزاحة بصري عنها.
شعرتُ وكأنّ الكلمات هي من تُمسك بعيني، لا العكس.
‘توقّفي عن القراءة!’
كان صوت عقلي يحذّرني.
لكنّ يدي كانت تتحرّك من تلقاء نفسها، تقلب الصفحة تلو الأخرى.
كلّما قلّبتُ، شعرتُ بالكلمات تتسرّب إلى عينيّ.
ثمّ إلى دماغي.
الكلمات صارت تُطبع على عقلي.
الجُمل تحوّلت إلى أصوات.
والأصوات أصبحت ذكرياتٍ راسخةً في روحي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات