الفصل 5 :
‘إنّه ليس إنسانًا.’
في تلك اللّحظة، أدركتُ أنّ الدوق ليس إنسانًا.
هذا العالم عالمٌ خياليّ، لكن السّحر فيه ليس شائعًا كالحكايات الخرافيّة. لم أسمع يومًا عن سحرٍ يُوقع النّاس في التّنويم المغناطيسي.
وفوق ذلك، فإنّ الهالة الغامضة المنبعثة منه كانت تبعث رهبةً كأنّني أواجه وحشًا ضخمًا.
لا يُمكن لمن يملك هذه القوّة أن يكون إنسانًا. لا يجب أن يكون إنسانًا.
كما تستشعر الحيوانات العشبيّة وجود ملك الضواري من بعيد، شعرتُ في أعماقي أنّه ليس إنسانًا، بل وحشٌ مُقنَّع.
“……فلماذا إذًا؟”
بما أنّه مالكُ قلعةٍ تسكنها الوحوش، فقد توقّعتُ أن لا يكون إنسانًا.
ولذلك كان الأمر أكثر غرابة.
ما الذي يدفع وحشًا إلى التّظاهر بأنّه إنسان؟ ولماذا يتزوّج من الأصل؟…… ولو أردتُ أن أختصر كلّ تلك الشّكوك بصيغة واحدة صارخة ومباشرة:
‘لماذا هذا الوحش يتصرّف بلُطفٍ تُجاهي، حتّى أنّه يتنكّر؟’
كانت شكوكًا فظّة لا يُمكن البوح بها علنًا.
“سيّدي الدوق، أنت…….”
حاولتُ أن أسأل بطريقةٍ مُوارِبة، لكنّي صمتُّ ما إن نظرتُ إلى عينيه.
من عينيه الّلتين تشعّان بالأصفر الكامل شعرتُ بخوفٍ لا يُقاوَم.
‘لحظة، ما هذا……؟’
هل تجاوزتُ الخطّ؟
بدأ ناقوسُ الخطر يُدوّي في رأسي بشكلٍ هستيريّ، في الوقت ذاته الّذي فتح فيه الدوق فمه.
الغريب أنّ صوته بدا وكأنّه يأتي من خلفي.
كأنّ أحدهم يضع يده على كتفي، ويهمس في أذني.
“هل هذا يعني أنّ ديليانا لا تزال غير قادرةٍ على نسيان ماضيها في ذلك المنزل؟”
“…….”
“هل الماضي أهمّ عندكِ منّي، ومن مستقبلنا الّذي نبنيه معًا؟”
أردتُ أن أُبرّر بأنّ الأمر ليس كذلك، لكن لا لساني تحرّك ولا شفتاي.
الهالة الغريبة الّتي تسلّلت من كتفي إلى باقي جسدي كأنّها قيدتني بالكامل.
إنّه أمرٌ مختلف عن التّنويم الّذي شعرتُ به قبل قليل.
إن كان السّابق يحاول التّأثير بلُطفٍ على عقلي، فهذه المرّة كانت كمثل حيّةٍ تُغلّف جسد فريستها كي لا تهرب.
“أنا على استعدادٍ لفعل أيّ شيء من أجل ديليانا. من أجل منزلكِ، وسعادتكِ، وفرحكِ، يمكنني أن أُـឝ أو أقتل Ψвψ أو أيّ شيءٍ تطلبينه.”
عندها فقط أدركتُ الحقيقة.
في هذه القلعة، لستُ السيّدة.
يمكن لوجبة إفطارٍ هادئة أن تنقلب في لحظة إلى مشهد موتٍ مُحقَّق.
كان الدوق يبدو كمُفترسٍ حقيقيّ، وهو يتفوّه بكلماتٍ ليست من لغة البشر.
“لكنّني لا أستطيع تحمُّل فكرة أن تتركيني…… لا أستطيع تحمُّل أن تُحِبّي ذلك المكان أكثر منّي.”
“لقد قلتَ البارحة، بأنّك ستُطلِق ستسمح لي بالذهتب في الصّباح…….”
“قلتُ إنّنا سنتحدّث صباحًا، لكنّني لم أقل إنّني سأدعكِ ترحلين، ديليانا.”
يا له من أسلوبٍ حقير. عضضتُ على شفتي من شدّة الخوف.
“لقد تزوّجنا، أليس كذلك؟ نحن زوجان، أليس كذلك؟ إذًا، إن كنتِ لا تستطيعين نسيان الماضي، وإن كنتِ تنوين تركي، فالأفضل أن…….”
حدسي الغريزيّ للصّراع من أجل البقاء بدأ يصرخ داخلي كي أُنهي هذا الموقف فورًا.
ما أحتاجه الآن ليس أسئلة تُحلّ بها الشّكوك، بل تعاويذ تُهدّئ غضب الوحش أمامي.
‘وماذا بعد!’
لكنّ عقلي لم يُعطني إجابة. ولساني الّذي لا يتحرّك كاد يجعلني أجنّ.
“أنا…… أُحبّك…….”
وبينما كنتُ أشعر أنّ هالته الصّفراء على وشك التّهام جسدي،
“الطّبق فارغ، أليس كذلك؟”
كما حصل عندما التقيتُ بـ بلاكي و فاليوس، بدأت شفتاي تتحرّكان من تلقاء نفسيهما.
“سيّدي الدوق، ألا تتناول شيئًا؟”
“……؟”
تردّد للحظة كأنّه لم يفهم كلامي. خفّت هالته فجأة.
نظرتُ إليه مباشرة، وأشرتُ بإصبعي المرتجف إلى طبقه.
“أنت لم تأكل شيئًا منذ قليل.”
“ذاك…….”
“إذا كان الأمر كذلك، فسأُطعِمك بنفسي هذه المرّة.”
قطّعتُ قطعة فاكهة من طبقي بسكّين إلى حجم مناسب للّقمة الواحدة.
ولحسن الحظ، كان الدوق قد قشّرها مسبقًا، لذا تمكّنتُ من تجهيزها بسهولة رغم ارتجاف يدي.
غرستُ الشّوكة فيها، ورفعتها أمامه…….
“اهه، افتح فمك.”
قرّبتُها من وجهه.
‘……هل جننتِ؟’
سألتُ نفسي، ولا أحد أجاب. بدلًا من ذلك، هاجمني شعورٌ مجنونٌ بالإحراج والنّدم.
خُطّتي لمنع الوحش من افتراسي كانت إطعامه فاكهة؟ حتّى طُلّاب المتوسّطة لن يصدّقوا هذا التّصرّف.
ارتفع حرجي أكثر ممّا شعرتُ به أمام فاليوس، واشتعل وجهي خجلًا.
‘انتهى كلّ شيء الآن.’
سيضرب الدوق الشّوكة بيده، ثمّ يقطع عنقي كما قطع تلك الفاكهة.
أغمضتُ عينيّ متوقّعةً الموت في أيّ لحظة.
“ها، آاا—”
لكنه فتح فمه.
وأصدر صوتًا مُحرِجًا وهو يقرّب فمه من شوكتي.
ثمّ التقط الفاكهة من طرف الشّوكة.
وفي الوقت نفسه، اختفت الهالة المهيبة تمامًا.
“لذيذة.”
نظرتُ إليه بدهشة وهو يهمهم بهذه الإجابة المتردّدة.
‘لِمَ تأكل هذا؟’
لم أكن أتخيّل أنّه سيُطيع بهذه السّهولة.
عيناه عادتا إلى لونهما القرمزيّ، وكأنّه شابٌّ خجول يُجري أوّل محادثةٍ له مع فتاة. بالكاد يُقابل نظراتي بعينيه، ويتكلّم بتردّد.
نظراته المرتبكة توجّهت فجأة إلى سلّة الفاكهة.
‘على أيّ حال، هذه هي الفرصة.’
بات واضحًا ما عليّ فعله. قبل أن يأمرني عقلي، امتدّت يدي تلقائيًّا إلى سلّة الفاكهة.
وأخرجتُ فاكهةً جديدة، قطّعتُها بسرعة.
“تفضّل، جرّب هذه أيضًا.”
فتح فمه وتلقّى القطع واحدة تلو الأخرى. كأنّه فرخٌ صغير يتلقّى الطّعام من أمّه الطّائر.
‘هذا شعورٌ ليس سيّئًا في الواقع.’
إطعام شخص لا تكنّ له أيّ ودّ يجب أن يكون شيئًا مزعجًا، لكن يبدو أنّ وسامته تُحسّن التجربة.
الدوق الّذي تلاشت منه الهالة المظلمة بدا كشخصيّة في دراما شبابيّة، مشرقًا وجذّابًا.
‘لنُكمِل هكذا.’
من يدري متى سينفجر غضبه من جديد.
لذلك، عليّ أن أضع الشّكوك والأسئلة جانبًا، وأحرّك يدي بذكاء.
“أيّ نوعٍ من الفاكهة تُفضّله؟”
سألتُه سؤالًا سطحيًّا كي أُخفي خوفي.
“أيّ فاكهة تُعطيني إياها، يا ديليانا، سأُحبّها.”
“……آه، نعم.”
جمدتُ للحظة من شدّة الجواب المليء بالرّومانسيّة.
لكنّه كان منشغلًا بالفاكهة، ولم يُلاحظ ردّة فعلي.
بعد أن أطعمتُه أربع أو خمس قطع، غيّر الموضوع بكلّ بساطة كأنّه نسي الحديث السّابق.
“فعلُ هذا يجعلنا نبدو كعائلةٍ حقيقيّة.”
“……نحن زوجان، في النّهاية. تبادلنا عهود الزّواج.”
“أليس كذلك؟”
ابتسم كأنّ إجابتي كانت مثاليّة، وأنا بدوري حاولتُ أن أبتسم ابتسامةً خفيفة.
‘ليس خاطئًا.’
بغضّ النّظر عن حقيقته، وُفْقًا لقانون الإمبراطوريّة، نحن متزوّجان فعلًا.
من المؤكّد أنّ اسمي في سجلّ النّبلاء تغيّر من لويد إلى اكايم.
الزّوجان هما عائلة، ولا يجب أن يكون إطعام أحدهما للآخر شيئًا مُحرِجًا.
عند التفكير بهذه الطّريقة، بدأت حرارة وجهي تهدأ قليلًا.
“……منذ زمنٍ لم أرَ ديليانا تبتسم هكذا.”
“أحقًّا؟”
رمقني الدوق بنظرةٍ أدفأ من قبل. مع أنّ ابتسامتي كانت شكليّة، بدا أنّها أعجبته كثيرًا.
شعرتُ بجفافٍ في حلقي، فشربتُ رشفةً من الشّاي إلى جانبي.
“هل انتهى التّوتّر حقًّا؟”
وضعْتُ الفنجان ونظرتُ حولي بسرعة.
لم أعد أشعر بتلك الهالة المقلقة ولا بالضّوء الأصفر في عينيه.
كلّ ما حولي بدا هادئًا، وكأنّ كلّ ما جرى كان مجرّد كابوسٍ عابر.
لقد نجوتُ.
شعرتُ بارتياحٍ لا يُوصف.
بعدها، استمرّ حديثنا بهدوءٍ كما لو كنّا زوجين حقيقيّين.
“سيتوجّب عليّ الغياب عن الغداء، لديّ أعمال إداريّة. ماذا عنكِ يا ديليانا؟”
رغم أنّني لم أعتد بعد على تغيّر الأجواء بهذه السّرعة، فإنّني لم أكن غبيّة لأُثير أمرًا جديدًا.
الحديث عن الماضي، أو مغادرة المكان دون سببٍ واضح أمامه يُعَدّ عملًا انتحاريًّا، وتعلّمتُ هذا جيّدًا الآن.
أخفيتُ توتّري، وأجبتُ بهدوء.
“هل هناك ما يجب عليّ فعله؟”
“لا. أُريدكِ فقط أن تعتادي على العيش في القصر براحة.”
يعني ذلك أنّه لا بأس بأن أستمتع بوقتي حتّى إشعارٍ آخر.
لكن لا يُمكنني البقاء في الغرفة طوال الوقت، فسألتُه عن أماكن مثل المكتبة والحديقة.
قال إنّه سيُرسل فاليوس كحارسٍ شخصيّ، وطلب منّي التصرّف بحذر.
“غريبٌ قليلًا، كلمة (بحذر) هذه.”
هو نفسه لم يُدرك غرابة كلامه، لكنّني لم أجد سببًا يجعل زوجة سيد القصر تتجوّل بحذرٍ في بيتها.
لا بدّ أنّ الخطر يكمن في مكانٍ ما داخل القصر.
وهكذا، انتهى الإفطار.
غادر قائلًا إنّه سيسبقني، وأنا بدوري قلتُ إنّني سأبقى لأتأمّل المنظر عند البحيرة.
أجاب ضاحكًا: “كما تشائين، يا ديليانا.”
“…….”
جلستُ على المقعد، مستندةً إلى ظهره، أنظر إلى البحيرة بشرود.
شعرتُ بحركةٍ قادمة من جهة الضفّة.
وحين التفتُّ، رأيتُ فاليوس يقترب نحوي، وجسده مغطّى بأوراق الأشجار.
وكأنّه خرج من بين الشّجيرات عند البحيرة.
“لا تقُل لي، كنتَ هناك طوال الوقت؟”
“نعم، قال سيّدي أن أظلّ منتظرًا حتّى ينتهي من الطّعام.”
“……كان بإمكانكَ الانتظار بجانبنا.”
“لو أزعجتُ وقتكم، قد أُقتَل.”
“لا تُبالغ كأنّك تعنيها فعلًا. أنت تُخيفني.”
بلعتُ ريقي. ازداد عطشي بلا سبب.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات