الفصل 3 :
لأنني لم أشأ أن أتصرف برعونة، فقد تولّيت الدفاع عن فالوس بهدوء.
“نعم، لقد أرشدني جيدًا. ولم ألاحظ… أي شيءٍ غريب.”
باستثناء كونهِ يتناول الكبد النيء.
ويبدو أن تركيزي على أذرع الأخطبوط جعل الدوق لا يهتم كثيرًا بحقيقة أن ملابس فالوس كانت مضرجة بالدماء.
“حقًا؟ هذا مريح للغاية.”
ابتسم الدوق مرةً أخرى بابتسامةٍ مشرقة. كان وجهه مُحببًا لدرجة أن مجرد النظر إليه كان كفيلاً بإنعاش الروح.
وهذا ما جعله يبدو أكثر غرابة.
وكأنني عثرتُ على دوامةٍ ملوّنة وسط قبر، لم أستطع التآلف مع هذا المشهد غير المتناسق.
“أعتذر مرة أخرى، ديليانا. آسف لأنني جعلتكِ تسلكين هذا الطريق الصعب بمفردكِ. سأحميكِ… بأمان مهما كلف الأمر.”
“آه، نعم.”
كانت نظرته جادة للغاية لدرجة أنني وجدت نفسي أومئ دون وعي.
“آه، بالمناسبة، تأخرت في التعريف بنفسي. كنت أنوي أن أرحب بكِ بحفل استقبالٍ فاخر، لم أكن أتوقع أن نتقابل بهذا الشكل.”
تنحنح خفيفًا، ثم قام بانحناءة أنيقة وقال:
“تشرفت بلقائكِ، ديليانا. أنا هاستر آكايم. أرحبُ بكِ في قصر عائلة آكايم.”
“تشرفت بلقائك، أيها الدوق آكايم. أنا ديليانا…”
كدت أن أضيف اسم عائلة لويد كالعادة. فبعد الزواج، كان من الطبيعي أن أتبع اسم عائلته. ويبدو أن الدوق لاحظ ارتباكي فابتسم بلطف.
“ليس عليكِ استخدامه الآن. عندما تُصبحين جزءًا حقيقيًا من عائلتنا، يمكنكِ حينها حمل اسم العائلة.”
بالنسبة لزواجٍ أشبه بعملية بيع، كان هذا نوعًا من الاهتمام الكبير.
ومع ذلك، عندما سمعتُ اسم آكايم، تزايدت شكوكي.
حتى مع ضعف سمعي، لم أسمع قط عن وجود نبيلٍ رفيع المستوى في الإمبراطورية يحمل اسم آكايم.
‘لا يبدو كأسمٍ لعائلة نبيلة حديثة النشأة… هل كان بعيدًا جدًا عن الأنظار حتى لم أسمع به؟’
تراكمت الشكوك داخلي. إضافة إلى ذلك، وبعد رؤية حالة الغرفة قبل قليل، تأكدت أنه ليس شخصًا عاديًا. ومع ذلك، لم أستطع الجزم بأنه وحش…
على أية حال، ما كان يشغلني الآن هو سلامتي.
“أمـ… أيها الدوق.”
“تفضلي بالكلام.”
“كنت أرغب في العودة إلى المنزل لفترة قصيرة.”
“…ماذا؟”
اختفت الابتسامة من وجه الدوق، وشعرت وكأن حرارة الغرفة قد انخفضت.
سارعت بإضافة توضيح.
“في الحقيقة، تركت بعض الأشياء هناك… ولم أودع جدّي وجدّتي بعد، لذا كنت أود الذهاب لفترةٍ قصيرة فقط…”
نظرًا لوضعي كعروس تم بيعها تقريبًا، لم يكن بإمكاني التصريح برغبتي في عدم العودة.
استمع الدوق بهدوء إلى حديثي، وأحسست أنني أبرر لنفسي، فخفضت رأسي قليلًا.
“أفهمكِ، ولكن قد فات الأوان الآن، ما رأيكِ أن نؤجل ذلك إلى الغد؟”
“لكن…”
“المنطقة هنا نائية، وتُصبح خطيرة في الليل. حتى جنودنا لا يخرجون بعد حلول الظلام.”
بمعنى آخر، لن يستطيع تخصيص قوة لحمايتي.
“داخل القصر آمن. لذا، لنتحدث عن هذا الأمر غدًا، ما رأيكِ؟”
بفضل الحوار الهادئ الذي دار بيننا، بدأت أستعيد بعض صفائي الذهني.
وكان الدوق محقًا.
لم يكن من الحكمة المخاطرة بالعودة وسط هذه الأراضي القاحلة لمجرد أنني رأيت وحشًا.
أضف إلى ذلك أن الليل كان قد انتصف، وبدأت أشعر بالنعاس الشديد. حتى إضاءة الغرفة الخافتة بدت لي بلونٍ أصفر.
أومأت برأسي ببطء إشارة إلى موافقتي.
“لقد أحسنتِ الاختيار. سأرشدكِ إلى غرفة النوم.”
في تلك اللحظة، كان فالوس الذي كان يستمع بصمت إلى حديثنا، قد مال برأسه متسائلًا:
“هاه؟ ألن تناموا معًا؟ أليست السيدة زوجة السيد؟”
“هذا…”
كان الدوق يلمح إليّ بطرف عينه مرارًا، بحركةٍ عصبية لا تناسب جمال وجهه.
“همم. بالطبع، إذا كانت ديليانا موافقة، يمكنني تخصيص مكانٍ لها في غرفتي. آه! بالطبع، إذا لم تشعري بالارتياح، يمكنكِ الرفض…”
“أفضّل الرفض.”
“…”
لم يكن الأمر متعلقًا بهويته الحقيقية فقط، بل لقد شاهدت الغرفة تغمرها العتمة من قبل. لم أكن شجاعة إلى الحد الذي يسمح لي بالبقاء في مثل ذلك المكان.
وبفضل هدوئي الذي استعدته، استطعت التعبير عن موقفي بوضوح.
ويبدو أن الدوق لم يكن يتوقع رفضي القاطع، إذ بدأ يتحدث بتردد:
“ذلك… غرفتي مزينة بأثاثٍ يعد من أندر وأثمن الأثاث الإمبراطوري.”
“نعم، تبدو رائعة حقًا.”
“والسرير واسع، لذا لن نضطر للنوم متلاصقين.”
“أُقدّر ذلك.”
“ومع ذلك…؟”
“ومع ذلك، أفضّل الرفض الآن.”
كنت قد اتخذت قراري بالفعل. بالطبع، لو أصر الدوق وأجبرني على الموافقة، لما كان أمامي خيار آخر، لكنه لحسن الحظ كان محترمًا وتقبل قراري.
‘ثم إنه من المبالغة أن نتشارك الغرفة منذ اللقاء الأول.’
نحن لم نقم حتى بحفل زفاف؛ كنا مجرد زوجين على الورق. كان من الضروري أن يمر وقت نتقارب فيه.
سواء أفضى ذلك إلى بناء مشاعر حقيقية أو إلى فضح هويته.
“…سأستدعي الخادمة إذًا.”
قال الدوق بصوت منخفض مستسلم وهو يستدعي الخادمة.
لا تزال لدي الكثير من الأسئلة حول تاريخ عائلة آكايم وهوية الدوق وفالوس، لكنني تبعت الخادمة نحو غرفة النوم دون أن أسأل شيئًا.
كان النوم هو أكثر ما أحتاج إليه الآن.
بعد كل ما مررت به، كانت طاقتي النفسية قد نفذت بالكامل.
‘فلأنم أولًا، ثم أفكر بعد ذلك.’
من العجيب أنني بمجرد أن ابتعدت عن عائلتي الفقيرة لكنها آمنة، وجدت نفسي أعيش في وكر للوحوش.
لكن، سأؤجل التفكير في المستقبل إلى ما بعد أن أنام.
تثاءبت مرارًا بينما كنت أتبع الخادمة.
***
بعد مغادرة ديليانا، أخذ فالوس يتفقد خلسة ملامح سيده، هاستر.
كان هاستر قد عاد بوجهٍ بارد في لحظة، محدقًا بصمت نحو الرواق الذي غادرته ديليانا.
“فالوس.”
“ن- نعم؟”
“أمتأكد أنك لم تُكشف أمام ديليانا؟”
شعرت بقشعريرة قاتلة تسري في عمودي الفقري. بدا الجو ثقيلًا وكأن سيده سيقطع رأسه لو نطق بكلمة خاطئة. أجاب فالوس بتلعثم:
“ل- لم تُكشف أمري. السيدة لم تقل شيئًا، أليس كذلك؟”
“… صحيح.”
يبدو أن شهادة ديليانا كانت أوثق من إجابة فالوس غير المطمئنة.
بفضل ذلك، شعر فالوس ببعض الارتياح وتنهد داخليًا.
[يُمنع كشف الهوية أمام الضيوف البشر.]
كان ذلك أول قانون وُضع عندما اجتمع سكان هذا القصر.
أما البشر الذين لم يكونوا ضيوفًا، فغالبًا ما كانوا يُعتبرون فرائس، لذا لم يكن هناك اهتمام خاص بهم، لكن مع بشر مثل ديليانا، كان ينبغي توخي الحذر الشديد.
بالطبع، لا يمكن القول إن جميع سكان القصر التزموا بهذا القانون، لكن بالنسبة لفالوس، التابع المباشر لهاستر، كان القانون صارمًا ومخيفًا للغاية.
‘وفوق ذلك، يبدو أن السيد يولي السيدة… اهتمامًا بالغًا.’
لم يسبق أن رأى هاستر يظهر مثل هذا الجانب لأي إنسان من قبل. بل إنه نادرًا ما كان يبتسم. عندما ابتسم لديليانا بوجهٍ مشرق، خُيّل لفالوس أنه يحلم كابوسًا.
لو كتشفت ديليانا أنه كشف ساقيه أمامها، لم يكن لينجو من عقابٍ مروع، حتى بصفته تابعًا له.
‘ولكن، ألم تلتقِ بالسوداء (بلاكي) بالفعل؟’
بلاكي، التي تعيش عند أسوار القصر، لم تكن تملك القدرة على التحول إلى إنسان مثل فالوس. ومع ذلك، بدا أن ديليانا التقت بها بالفعل. إذا كان الأمر كذلك، فما جدوى الإخفاء الآن؟
‘… من الأفضل أن أتظاهر بالجهل.’
بدا أن إثارة الموضوع لن تجلب إلا المتاعب. قرر فالوس أن يتجاهل الأمر حفاظًا على سلامته.
“فالوس، من الآن فصاعدًا ستقوم بحراسة الجناح المنفصل حيث تقيم ديليانا. لا تسمح لأولئك الذين لا يستطيعون الحفاظ على شكلهم البشري بالاقتراب.”
“الجناح المنفصل… بجوار البحيرة؟ لكن هناك عدد لا بأس به من السكان.”
“ديليانا تحب البحيرة. لقد طردتهم جميعًا.”
رمش فالوس بدهشة. فمنذ أن تولى هاستر حكم القصر، لم يتدخل أبدًا في أماكن إقامة السكان.
لم يكن ذلك بدافع مبدأ خاص، بل لتجنب النزاعات المزعجة مع السكان. أن يقوم بتغيير هذا النهج الآن، دليل على مدى أهمية ديليانا له.
‘قد تهُب عاصفةٌ من الدماء قريبًا.’
صحيح أن فالوس تابعٌ مباشر ويمكنه تفهم الأمر، لكن بقية السكان لن يتقبلوا ذلك بسهولة.
ورغم ذلك، شعر فالوس بالحماس لأنه أخيرًا أُوكل إليه عمل مهم.
“بالمناسبة، لماذا لم يكن السيد يعلم بمجيء السيدة؟ كنت أعتقد أنه سيستقبلها بنفسه.”
“التوقيت لم يكن مناسبًا. علاوةً على أن عائلة لويد لم ترسل حتى رسولًا لإبلاغنا. وبالصدفة، كنت مضطرًا للخروج لأمر طارئ خارج القصر…”
حتى مع ذلك، كان من اللافت تجاهل عائلة لويد لابنتهم بهذا الشكل.
ظهر بوضوح مدى اعتبار عائلة لويد لديليانا.
أن تنجو بشريةٌ وتعبر صحراء الموت وحدها، كان معجزة بحد ذاتها.
لو لم تصل إلى القصر، وحدث لها مكروه، لما كان سكان الصحراء أنفسهم لينجوا بسهولة.
“السيدة ستقيم في القصر دائمًا من الآن فصاعدًا، صحيح؟”
“نعم.”
“إذًا، أصبحت جزءًا من عائلة السيد؟”
“… عائلة؟”
تجهم هاستر وهو يكرر الكلمة، بينما أمال فالوس رأسه كأنه يسأل: أليس ذلك بديهيًا؟
“الزوجان يشكلان عائلة، أليس كذلك؟”
“… صحيح، عائلة.”
ردد هاستر الكلمة وكأنها غريبة عنه.
فبالنسبة لأمثالهم، كانت فكرة العائلة غريبة.
قد يوجد نسل يحمل دماءهم ولحومهم، لكن اتخاذ شريك بدافع المودة كان أمرًا نادر الحدوث.
“تُرى، هل ستعتبرني عائلتها أيضًا؟”
“أعتقد ذلك.”
وإلا، لما دخلت القصر مدعية أنها زوجته.
صحيح أن زواجها تم قسرًا، لكنها لم تُظهر رفضًا لهاستر.
سواء كان ذلك قبولًا أم استسلامًا، فلا أحد يعلم.
“عائلة… عائلة، هاه.”
بدا هاستر مستغرقًا في ترديد الكلمة لنفسه وكأنها لأول مرة تخطر بباله.
ولدهشة فالوس، بدأ ركن فمه بالارتفاع تدريجيًا وكأنه يستمتع بالفكرة.
كان من الصعب تصديق أن هذا هو هاستر ذاته، الذي كان لا يرمش عينًا عند إعدام أتباعه.
“فالوس.”
“نعم؟”
“أريد أن أكون عائلتها الوحيدة.”
“آه…”
رغم أن الزواج يكفي لذلك، إلا أن مفهوم العائلة عند هاستر بدا مختلفًا.
“ستعتبر هذا المكان وطنها الوحيد.”
قال هاستر ذلك وهو يغطي فمه بيده، محاولًا كتم ابتسامة لا يستطيع السيطرة عليها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
هههههههه الله يعين البطله
تحمس اعجبتنيي