الفصل 2 :
عندما حدّقتُ به بملامحٍ مذهولة، تنحنح الرجل الأخطبوط وأخفى قطعة اللحم التي كان يحملُها خلف ظهره.
“لا، سمعتُ سابقًا أنْ هُناك شخصًا تناول كبدًا نيئًا وأُصيب باضطرابٍ معوي.”
“في هَذهِ الأيام، أحشاء البشر أصبحت فاسدة.”
لكنني تظاهرتُ أنني لَمْ أسمع شيئًا. لَمْ يكُن حديثًا مفيدًا لصحتي النفسية على أيِّ حال.
“صحيح، عليّ أنْ أتعلم الطهي أيضًا. إلى متى سأظلّ… لا! ليس هَذا ما أقصده!”
وأثناء حديثه، بدا وكأنَّ وعيه قد عاد فجأةً، فخطا خطوةً واسعة للأمام وحدّق بي بعينينٍ جاحظتين.
‘هل يجبُ أنْ أقول إنه خطا للأمام أم زحف نحوي؟’
لَمْ أستطع منع نظري مِن التوجّه نحو أرجل الأخطبوط خاصته.
“على أيِّ حال، أنتِ مُتسللة! أنْ تعبر أرض الموت في هَذا الوقت ، هَذا يتطلبُ جرأةً كبيرة!”
“كبدٌ نيئ؟”
“آه، ليس هَذا الكبد… هل ستواصلين مُقاطعتي!”
بدا أنْ كلامه يزدادُ اضطرابًا مع تلاشي رشدهِ بسبب الخوف.
رغم علمي أنْ إثارة غضبهِ ليست فكرةً جيدة، فإنَّ لساني تحرك دوّن إرادتي.
“على أيِّ حال، لا يُمكن لقائد الفرسان أنْ يتجاهل وجود متسلل!”
“أنا لستُ مُتسللةً.”
“آه؟ حقًا؟”
“أنا صاحبة هَذا المكان. اسمي ديليانا لويد، ألا تعرفني؟”
أخيرًا كشفتُ عن اسمي.
غير أنْ علامات الاستفهام ارتسمت فوق عيني الرجل الأخطبوط، وكأنه يسمعه لأول مرة.
“تزوجتُ مِن الدوق قبل نصف شهر. بل إنكم أرسلتم هدية مِن طرفكم أيضًا…”
“آه، حقًا؟”
“كيف لا تعرف وأنتَ قائد فرسان القصر؟”
“أنا دائمًا مشغولٌ بدوريات الحراسة… ولا يسمحون لي كثيرًا بحضور الاجتماعات.”
ليته فقط كفّ عن التظاهر بملامح جرو حزين بينما كان لا يزال يحمل آثار دماء اللحم حول فمه…
كدتُ أنفجر مِن الضيق الذي تصاعد داخلي، لكنني أجبرتُ نفسي على كتمه.
فلو أظهرتُ مشاعري أكثر مِن اللازم، قد يعتبرُني وقحةً وينتهي بي الأمر كوجبة كبدٍ إضافيةٍ له…
” هناك بوّابًا عند المدخل، ذَلك الشخص ذو العين الكبيرة.”
“آه! إذًا التقيتِ بلاكي!”
يبدو أنْ اسم ذَلك الوحش الحارس هو بلاكي.
“لقد سمح لي بالدخول. ولو كنتُ متسللةً حقًا، لما تركني أمرّ بسلام.”
“صحيح، بلاكي يتمتعُ ببصرٍ أفضل مني…”
‘طبعًا، فحجم عينيهِ يكفي وحده.’
بينما كان يجهل ما يدور في داخلي، أومأ برأسهِ مراتٍ عدة، ثم أعتذر.
“إذًا أنتِ بالفعل صاحبة المكان؟”
“نعم، رسميًا. وإنْ كنتَ تشك، يُمكنكَ أنْ تسأل الدوق بنفسك.”
“لا داعي لذَلك. لا يبدو أنكِ تكذبين.”
“لكن لماذا وصلتِ في هَذا الوقت المتأخر مِن الليل؟ إنه خطرٌ بالخارج.”
“خطر؟”
“نعم، لقد عبرتِ أرض الموت، أليس كذلك؟”
“….”
لَمْ أكُن أعلم حتى أنْ هَذهِ الأرض تُدعى بهَذا الاسم.
ارتجف جسدي عند التفكير بأنني كنتُ قاب قوسين أو أدنى مِن أنْ ألقى حتفي على يد مخلوقٍ غريب مجهول.
“كان هُناك ظرفٌ خاص. وعلى كل حال، هل يُمكن أنْ ترشدني إلى الدوق؟ أو، إنْ أمكن، ساعدني في العودة إلى منزلي…”
حاولتُ بلطافةٍ أنْ أُلمح إلى رغبتي في العودة، لكنه تجاهل تعليقي الأخير تمامًا.
“آه، صحيح! أبقيتُكِ واقفةً كل هَذا الوقت وأنتِ صاحبة المكان، أنا آسف. تفضلي، اتبعيني!”
رغم أنْ لقب ‘سيدة القصر’ كان أنسب من ‘صاحبة المكان’، لَمْ أكلف نفسي عناء تصحيحه.
يبدو أنْ التعامل مع هَذا الرجل يتطلب مني التخفيف قليلًا مِن الجدية.
“على الأقل، محظوظةٌ أنكِ التقيتِ بي. لو التقيتِ بشخصٍ آخر، لكان قد… حسنًا…”
توقف فجأةً وكأنه كان على وشك أنْ يقول ‘إنسان’ ثم تراجع.
“آه، انتظري. لقد طلب مني كبير الخدم أنْ أرتدي الحذاء أثناء التنقل في الممرات.”
انحنى فجأةً، وبدأ يلمس أرجله الأخطبوطية، ليبدأ تحوّل ساقيه تدريجيًا إلى ساقين بشريتين.
لَمْ أعد أعرف عدد المشاهد الخارقة للعادة التي شهدتُها اليوم.
ضحكتُ بخفّةٍ، وقد تبلدت مشاعري.
أخرج الرجل مِن جيبه حذاءً قديمًا وانتعله وهو يبتسم مثل صبي متهور.
“سمعتُ أنْ آثار أقدامي اللزجة تجعل تنظيف الأرضيات صعبًا.”
لَمْ أدرِ إنْ كان عليَّ أنْ أتعاطف معه أم أتفهمه، فاكتفيتُ بهزّ رأسي في حيرة.
“هيا، غرفة الدوق مٍن هَذهِ الجهة!”
وهَكذا، دخلتُ القصر بصحبته.
كان القصر أضخم مِما بدى مِن بعيد، وكأنه متاهة.
والأغرب أنْ هُناك عدة مبانٍ مُتشابهة التصميم داخله.
بدا وكأنه سكنٌ داخلي ضخم أكثر مِن كونه قصرًا لنبيل.
‘بل، لو فكرتُ في الألوان القاتمة… يشبه السجن إلى حدٍّ ما…’
أسرعتُ بهزّ رأسي لطرد هَذهِ الأفكار المخيفة.
لَمْ أكُن بحاجةٍ إلى المزيد مِن المخاوف؛ فوجودي هُنا مع دوقٍ غامض يكفي لإرعابي.
“هل أنتِ بخير؟ تبدين شاحبة.”
“أنا بخير. يبدو أنني مرهقةٌ فقط. هيا بنا.”
بصراحة، تمنيتُ لو أنْ كل ما حدث كان مُجرد حلمٍ بسبب الإرهاق.
رغبتُ بالفرار والعودة إلى المنزل، لكن بعدما علمتُ أنْ الصحراء تعجّ بالوحوش، لَمْ يعد أمامي سوى طلب العون مِن الدوق.
وأخيرًا، اقتربتُ مِن باب غرفة الدوق، الذي كان بمثابة رعبٍ واقعي.
“ها قد وصلنا.”
“شكرًا لكَ على الإرشاد.”
‘حسنًا، سأحاول أنْ أخبره إنني نسيتُ شيئًا في المنزل وأطلب العودة… نعم، هَذا أفضل.’
بينما كنتُ أُهندم ملابسي وأُحكم عزيمتي، مُتخيّلًا كيف يجبُ أنْ أتحدث، إذا بالرجل الأخطبوطي يفتح الباب فجأة.
“م-مهلًا!”
“سيدي ! لدينا ضيف!”
هَكذا، ما إنْ فُتح الباب فجأة، حتى… لَمْ تظهر غرفة فاخرة تليق بغرفة نوم الدوق.
‘ظلام.’
كانت الغرفة مظلمة.
لا، بل يجب وصفها بأنها هاويةٌ مِن الظلام. غرفةٌ مربعة، امتلأت بظلامٍ مربع.
ما وراء العتبة، لَمْ يكُن بالإمكان الشعور بأيِّ ضوءٍ أو صوت أو إحساس، مِما منح شعورًا بالرهبة كأنَّ الليل الحالك أُحضر أمام ناظري.
سُلب بصري أمام ذَلك الظلام الكثيف، الذي بدا وكأنه سيبتلع جسدي بأكمله لو أدخلتُ إصبعًا فيه.
“آه، بحق السماء.”
في تلكَ اللحظة، سارع الرجل الأخطبوطي إلى إغلاق الباب.
ما إنْ اختفى الظلام وعاد الباب إلى مجال رؤيتي، حتى استعادت حواسي اتزانها.
“ما كان ذَلك…؟”
“آه، لا شيء! فقط… يبدو أنْ سيدي كان يشعرُ بالنعاس.”
“وما علاقة ذَلك بما حدث؟”
“على أيِّ حال، هُناك أمورٌ يجبُ انجازها! فقط انتظري قليلًا!”
ثم طرق الرجل الأخطبوطي الباب بلطفٍ، كما لو كان يُعلم مَن بالداخل أننا سندخل قريبًا.
لا أعلم كم مرةً طرق الباب، حتى سُمع صوت خافت قادم مِن الداخل.
“ادخل.”
“آسف، سيدي!”
فُتح الباب مُجددًا، ولكن هَذهِ المرة لَمْ يظهر الظلام، بل ظهرت غرفة نومٍ عادية.
ظهرت مظلةٌ سرير قانية اللون وسريرٌ ضخم، وأثاثٌ فاخر لا يليق مع كآبة القلعة.
كانت الغرفة أفخم حتى مِن غرفة الضيوف الملكية التي رأيتها مرةً واحدة فقط في طفولتي.
وفي وسط تلكَ الغرفة الرائعة، وقف رجلٌ، بدا مِن جماله وكأنه جزءٌ مِن المكان.
‘أنه إنسان… أليس كذلك؟’
شعره بدا وكأنه حُيك مِن الظلام الذي واجهته قبل قليل. بشرته شاحبةٌ كلون ضوء القمر لكنها تنبض بالحياة، وملامحُه بارزة وواضحة. على الرغم مِن حُسن ذقنه الممشوق، كان عنقه عريض، وجسده، الذي يظهر مُتماسكًا كجسد نمرٍ أسود حتى تحت ثياب النوم.
أتُراه مخلوقًا مثل الكوابيس الأسطورية، التي تتخذ شكل فريستها المثالي؟
لقد بلغ جماله غير البشري حدًّا جعلني أشك إنْ كان وحشًا.
“ديليانا!”
ابتسم لي ذَلك الرجل بابتسامةٍ مشرقة.
كانت ابتسامتُه مشرقةً لدرجة أنني ظننتُ أنْ إنارة الغرفة قد اشتعلت، فأطرقتُ أجفاني بلا وعي.
“فوجئتُ بظهوركِ المفاجئ. كنتُ أنوي الخروج لاستقبالكِ حين لاحظتُ تأخركِ، لكنني انشغلتُ فجأةً… أنا آسف.”
“لا، لا بأس…”
“بوجودكِ هُنا، هل يعني أنكِ اجتزتِ الأرض القاحلة بنفسكِ؟ ألَمْ تتعرضي لأيِّ صعوبةٍ أثناء الطريق؟ هل أُصبتِ بأيِّ جراح؟”
كنت أود سؤاله عن حقيقة الظلام الذي رأيتُه قبل فتح الباب، لكنه لَمْ يُتح لي الفرصة، إذ غمرني بوابلٍ مِن الأسئلة وكأنه يُحاول صرف انتباهي.
بنظرةٍ مرتبكة، أرسلتُ نظري نحو الرجل الأخطبوطي الواقف بجانبي.
أنتبه الرجل الأخطبوطي إلى نظرتي، فبدأ يتحدثُ بتردد.
“آه، وصلت منذ وقتٍ قصير فقط. وشرحت لي وضعها، لذا أحضرتُها إلى هُنا.”
“… بمفردكِ؟ مِن دوّن أيِّ حراسٍ أو خدم؟”
“نعم، كانت وحدها.”
في تلكَ اللحظة، انبعث ضبابٌ أحمر قاتم حول الدوق.
رغم أنه اختفى بسرعة، إلا أنني رأيتُ بوضوح أنْ الفضاء الذي لامسه الضباب قد انبعج.
نظرتُ مرةً أخرى إلى الرجل الأخطبوطي بنظرةٍ تسأله عن ذَلك، لكنه تصرّف وكأنه لَمْ ير شيئًا، وحوّل بصره بعيدًا.
“لو أنني فقط…”
كان الدوق يتمتم بكلماتٍ قاتمة لا أود سماعها، قبل أنْ يُحدق هَذهٍ المرة إلى ساقَي الرجل الأخطبوطي.
“إذًا، فالاروس، أنتَ مِن أرشد ديليانا؟”
“نعم. لولاي، لكانت في خطر.”
“أتأكدت بأنكَ أرشدتها بأمانٍ وأدب؟ … وانتعلتَ ‘حذاءك’ كما ينبغي؟”
أكد الدوق على كلمة الحذاء بوضوح.
وفهمت على الفور أنْ المقصود بها أطرافه الأخطبوطية.
[تَغافل!]
بفضل ذَلك، يبدو أنني أمسكتُ بنقطة ضعف فالاروس.
عندما ابتسمتُ له ابتسامةً ذات مغزى، بدا وكأنه أدرك فجأةً أنْ الأمور تسير على غير ما يشتهي، فانتفض قليلًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿《التليغرام》
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"