الفصل 11
كان ذلك في الحديقة القريبة من القصر الرئيسي حيث مكتب الكونت.
فإن كانت أرجاء الجناح الذي أعيش فيه مملوءةً بالزهور، فقد امتازت هذه الجهة بحديقةٍ تنتشر فيها الأشجار الضخمة والصخور الكبيرة والصغيرة.
وبينما كنتُ أمشي ببطء باحثةً عن مكانٍ أجلس فيه، لمحت رجلًا ممدّدًا تحت شجرةٍ كبيرة.
‘شخص؟ من يكون؟’
وحين رأيت وجهه، اتّسعت عيناي دهشة.
كان ذلك الكونت نفسه.
‘هل هو نائم؟’
كان الكونت مستندًا إلى جذع الشجرة وعيناه مغمضتان. وبدا من حركة صدره المنتظمة أنّه غارق في نومٍ عميق.
بمجرد النظر، كان أشبه بأميرٍ نائم وسط الغابة، حتى إنّي سُحرت للحظة ووقفتُ أحدّق فيه.
وحين استعدت وعيي، التفتُّ على عجل إلى لواز. كان هو الآخر مذهولًا إلى حدٍّ جعل فمه مفتوحًا دهشة.
“يا إلهي، أيفتح بوابةً هنا؟”
“بوابة؟ ماذا تعني؟”
“إنّه يستريح بربط عقله بالكون.”
“يعني نائم؟”
“لا تُقارني بالبشر. إنّه يترك الجسد هنا، بينما يرسل روحه إلى الفضاء.”
“……لو قلتُ إنّ الجسد ينام والروح تحلم، ألن يكون كلامًا متشابهًا؟”
ربما؟
مال لواز برأسه كأنّه اقتنع بكلامي.
“على كل حال… هذه أول مرّة أرى هاستر في هذه الحال. مهما كان القصر آمنًا، فهذا الوضع مكشوف جدًا.”
بدا الكونت وكأنّه في سبات عميق. وقال لواز إنّه حتى لو طُعن بسيف فلن يشعر بالألم، ثم نقر بلسانه.
“……هل ستهاجمه الآن؟”
“لا. حتى لو قتلته هكذا، فسيعود للحياة بلا شك. فما الفائدة؟”
‘إذن لديه نيّة في قتله فعلًا.’
بالنسبة لي، كان كلٌّ من لواز الذي أعلن أنّه سيقتله إن سنحت الفرصة، وهاستر الذي سيعود للحياة حتمًا، مخلوقاتٍ خارج حدود فهمي.
تجاهلتُ كلمات لواز الموحية بالعنف، واقتربت ببطء من الكونت.
“ماذا تفعلين؟”
“قلتَ إنّه لن يستيقظ. فقط أريد أن أتأكد.”
“أنا لن أقترب. لا أريد أن أرى فضاءه عبثًا.”
لم أفهم قصده، لكن لم يكن في نيّتي إجباره.
حين وصلتُ إلى جانبه، نظرتُ في وجهه بحذر.
لم تظهر عيناه القرمزيتان المميّزتان، لكن فمه المطبق كان لا يزال جميلاً.
ولو لم يكن حاجباه معقودَين قليلًا، لظننتُه مشهدًا من حكايةٍ خيالية.
“يبدو متعبًا.”
“……طبعًا. لم يسترح طوال أسبوع كامل.”
“ماذا؟ حقًّا؟”
ففي الأيام الأخيرة، لم أره إلا وقت العشاء. وكان يعتذر بانشغاله من الصباح حتى المساء.
“جزءٌ منه بسببك، وجزء بسبب كثرة الأعداء حولنا. لو أعلن حربًا لكان الأمر أسهل، لكنّه يُصرّ على الحفاظ على هيئة البشر فيُرهق نفسه أكثر.”
كان بوسعه إنهاء كل شيء إن كشف عن حقيقته، لكن تمسّكه بهيئة الإنسان جعله يتعب أكثر.
ركعتُ بجوار رأسه وهمست:
“ولماذا يُصرّ على هيئة البشر؟”
“ماذا؟ لا تعلمين؟”
“……؟”
قطّب لواز جبينه كأنّه يستغرب جهلي.
“طبعًا بسببك. إنّه يخفي هويّته عنك.”
كنت أعلم ذلك. فمهما كان هدفه، فقد عاملني كزوجٍ مثالي.
“لكن ألا يبالغ؟ بإمكانه أن يغيّر هيئته سرًّا ويُنهي الأمر. لمَ كل هذا العناء؟”
“قلتُ لك، بسببك.”
تمتم لواز بضيق، وكأنّ الشرح يزعجه.
“هاستر حين يعمل ككونت، يصرّ دائمًا على هيئة البشر. لأنّه يعتبر نفسه ‘زوج دليانا’.”
“……لا أفهم.”
ما علاقة كونه زوجي بالحفاظ على هيئة البشر؟
عندها ضرب لواز صدره بقبضته، تصرّف بدا إنسانيًا جدًا.
“لأنّك إنسانة! ورفيق الإنسان يجب أن يكون إنسانًا! ألا تفهمين الفرق؟ الآن، هو يقدّمك على هويته الحقيقية أكثـ…!”
وفجأة اختفى لواز كما لو تبخّر في الضباب.
كان ذلك ما يفعله كلّ مرّة يظهر الكونت.
وقبل أن أناديه لأسأله، أدركت أنّ أنفاس الكونت الهادئة قد توقّفت.
“……!”
التفتُّ، فإذا بالكونت يحدّق بي بصمت.
كانت عيناه لا تزال ضبابية كمن لم يستفق كليًّا، وترتعش بخفّة.
“آه… سيّدي الكونت؟”
“هذه المرّة.”
“نعم؟”
“أكثر كثافة.”
“ماذا تعنـ… آه!”
قبض فجأة على معصمي وهو ينهض، ثم جذبني نحوه ليضمّني، وعاد ليستلقي بي إلى الأرض.
وجدتُ نفسي بين ذراعيه بلا حول ولا قوّة.
لحسن الحظ كنتُ مسندةً على صدره وظهري إليه، لا وجهًا لوجه.
“هُوْ…”
“سيدي الكونت، ذراعك…”
“دافئة.”
‘طبعًا دافئة، إنّه إنسان.’
لكن يده كانت باردة كالثلج. فهل تُصاب الوحوش ببرودة الأطراف أيضًا؟
وبينما كان يهمس خلفي، دغدغ نفسه أذني حتى أردتُ أن أبتعد، لكنه تمتم مرة أخرى.
“رائحتك طيّبة.”
“……أنت تهذي في نومك، أليس كذلك؟”
“رائحة الدم.”
“لا بدّ أنّك تهذي.”
عليّ أن أعتبرها هذيانًا.
فكيف يقول عن خفقان قلبي إنّه “رائحة دم جميلة”؟ لا بدّ أنّي لم أسمع شيئًا.
‘ما هذا، أهي مانغا رومانسية؟’
أن يلتفّ في نومه فيحضنني… مشهد يبعث على الخجل. لقد صرتُ كبيرة على مثل هذه اللحظات الساذجة.
لم أكرهه، لكنّه كان حلوًا أكثر من اللازم، طفوليًا حدّ جعل قبضتي تنغلق توترًا.
‘يجب أن أتحرّر أولًا.’
وضعت يدي على ذراعه التي تطوّق بطني محاوِلةً دفعها.
لكنّه كان يُمسكني بقوّة حتى شعرتُ بالاختناق.
‘لواز!’
لم أجرؤ أن أناديه بصوت، فاكتفيت بعيوني. لكنّه لم يظهر في أيّ مكان من الحديقة.
إذن لا مفرّ إلا أن أتصرف وحدي.
“أوه…”
جرّبت دفع ذراعه والتمرّغ للخلاص، لكن جسده لم يتحرّك قيد أنملة.
كنتُ على وشك قرصه لإيقاظه، حين شعرت ببرودةٍ متجمّدة خلفي.
بدأ جسده، الذي كان باردًا أصلًا، يصير كالجليد.
رفعت رأسي بذهول لأتفقّد. لم أستطع رؤية وجهه، لكن رأيت كتفيه وذراعيه.
“سيدي…؟”
لم تكن هناك ذراع.
أو بالأحرى، كان مكانها ممتلئًا بضبابٍ أسود.
شكلَ الضبابُ ذراعًا يطوّقني، بلا أثرٍ لزيّه الأنيق أو ذراعه القويّة أو أصابعه الطويلة.
وبينما كنتُ أحدّق، لمحتُ أشياءً مختبئة داخله: عيون، أصابع، أسنان، أشواك، وعضلات ودماء… مجرد النظر جعل رأسي يطنّ بالجنون.
ماذا لو اندفع ذلك نحوي؟ لم أستطع حتى تخيّل.
تجمّدت أطرافي خوفًا.
“هُوْ…”
فتح الكونت فمه مرة أخرى.
“دليانا.”
كان صوته لا يزال صوته.
“لا تهربي.”
حينها أيقنت.
كدتُ أصرخُ شتيمة.
‘هذا ليس هذيانًا! إنّه بكامل وعيه!’
لكن لم أجرؤ أن أنطق.
فقد لمست أصابع الضباب السوداء، المكوّنة من عيون وأسنان، ذقني.
وفور أن لامست جلدي، شعرتُ وكأنّ جسدي شُلّ كليًا، وكأنّني خضعت للتخدير.
‘هذا خطر.’
كنتُ أُمازح نفسي قبل قليل عن رومانسية الموقف، لكن الآن فقط أدركتُ كم هو خطير.
الرجل خلفي ليس إنسانًا، بل وحش غامض.
لم أستطع حتى طلب النجدة.
الأصابع السوداء التي أمسكت بفكي وعنقي بدأت تلوّث عقلي نفسه.
‘يا رب…’
لأول مرّة في حياتي، لجأت إلى الله.
فمن دون ذلك، لم أكن لأحافظ على عقلي وسط هذا الجنون الذي كان يتضخّم شيئًا فشيئًا.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"