1
المقدّمة
كان ذلك في رحلةٍ مدرسيةٍ حين ازدهرت الدنيا بالكرز المتفتّح، والسماء ترفرف فوقها فراشات وردية تُشبه الأحلام. هناك بالتحديد، بدأ همسٌ يتعقّب “يانغ دام-هي”، فقط لأنها حملت قلبها على كفّها، وأُغرمت بالطالب الجديد “ميونغ هيون-كي”.
“ألم يمضِ زمن طويل منذ أن بدأت تُظهر إعجابها به؟”
“أظنّ ذلك… مذ انتقل إلينا العام الماضي. يا للعجب.”
“وماذا جنى ميونغ هيون-كي المسكين ليُبتلى بها؟”
لم تكن دام-هي بحاجةٍ لتفاصيلٍ كي تفهم. الكلمات لم تكن سوى سهامٍ مغلّفةٍ بابتساماتٍ صفراء. كانوا يلمّحون إلى أنها تُطارد قلبًا لا يلتفت إليها، وأن جرأتها تبدو فاضحةً أكثر مما يُحتمل. بل أضافوا في استهزاء: (أترونه يبادلها هذا الجنون أصلًا؟).
ومع ذلك… تجاهلت. أجل، هي تُحبّه، وأجل، هو لا يُبدي أي اهتمام. لكن قلبها كان يؤمن أن لحظة الاعتراف أشبه بحدّ السيف: إمّا أن يفتح لها باب الاستمرار، أو يقطع أوتار الرجاء. ولهذا آثرت أن تُحبّه بصمتٍ، بدلًا من أن تُخاطر وتُهزم.
لكن… كيف تُسكت كلماتهن؟ كيف تسمح لهنّ أن يحكمن على قلبٍ لا يعرفه سوى صاحبه؟ (أنتم لا تعرفون قلب هيون-كي… قلبه له وحده!).
هل كان ما أشعل نيرانها هو وخز الكرامة؟ أم أن دفء الربيع أزاح عنها عقلها؟ مهما يكن، فقد أدارت ظهرها لهم، وبدأت تبحث عنه.
وبينما تضاءلت الضوضاء شيئًا فشيئًا، هبط السكون. وهناك، تحت شجرةٍ أسطوريةٍ قيل إنها صمدت سبعمئة عام، رأته. واقفًا خارج السور، عينيه معلّقتان بفروعٍ خضراء تتلوّى نحو السماء.
“ها أنت ذا…”
اقتربت حتى صارت بجانبه. هو يرفع عينيه نحو الشجرة، أمّا هي فكانت تنظر إليه. خطّه الحاد، ملامحه الواثقة… بدا وكأنه مرسوم بفرشاة حلمٍ لا ينتهي.
هم يقولون إنها تندفع بتهوّر، لكن الحقيقة؟ لقد بَذلت روحها لتقترب منه. كم لحظةً اصطادتها بشقّ الأنفس؟ كم خدعةً صغيرة نسجتها لتلتقيه؟
تعثّرت لتستجدي مساعدته… ثم ردّت الجميل بطعامٍ اشترته. مدت له المظلّة حين هطل المطر، وقدّمت له شرابًا باردًا حين أذابه التعب. كانت تخوض معركةً لا يراها أحد، سوى قلبها.
أليس الآن وقت الاعتراف؟ أليس هذا هو الامتحان الأخير؟
بلعت ريقها بصعوبة.
“… ميونغ هيون-كي.”
نادته. العجيب أنّها لم تشعر بالانفجار المعتاد حين يوشك القلب على الفرار. توتّرها كان وديعًا، كفراشةٍ مُرتعشة.
التفت إليها، التقت عيناهما. صافيةٌ، عميقة. فجأة جفّ حلقها، وكأن الكلمات صارت سكاكين.
“هل… نُصبح حبيبين؟”
خرج صوتها مرتعشًا، كأنّه وريقَة تهتزّ في الريح.
“هكذا فجأة؟” رفع حاجبه.
“ليست فجأة… لقد أحببتك منذ زمن.”
توقّف العالم. لم يبقَ سوى اثنين: هو وهي. قبضت يديها، تحدّق فيه وكأن وجودها اختُصر في عينيه. وفجأة، هبّت الريح… فأقلعت بتلات الكرز إلى السماء. لم يكن الوهم ورديًا، بل الحقيقة نفسها.
“انظري… البتلات تصعد! مدهش.”
قالها مأخوذًا، فارتجف قلبها أكثر. أيّ مشهدٍ أعظم من هذا؟ تحت وابلٍ من الورد الطائر، يقف هو كأميرٍ من لوحةٍ خيالية.
ثم التفت إليها.
“هناك بتلة فوق رأسكِ.”
وأشار إلى تاجها. (يا إلهي… أهذا ردُّه بعد اعترافي؟!).
“ألستَ تنوي الإجابة؟” ضغطت الكلمات من شفتيها المرتجفتين.
“الإجابة… على ماذا؟”
اقترب منها، يده امتدّت لتنزع البتلة بلطف. في تلك اللحظة، قلبها قفز حتى ظنت أنه سيُسمع للسماء. وجنتاها، دون وعي، احمرّتا كحُمرة الفجر.
اندفعت يدها، أمسكت كمّه. تمنعه من الابتعاد. لكنّه ظلّ هادئًا، مُستفزًا. كأنه لا يُدرك أنّه المتلقّي لاعترافٍ يُشبه الزلزال.
“فلنكن معًا… فقط.”
نظراتٍ متشابكة. يده أمسكت بمعصمها، حرارة بشرته تغلغلت في أعماقها. لحظة ذهولٍ قصيرة، قبل أن يُبعد يدها عن ثوبه ببرود.
“فقط؟ ولماذا عليّ أن أكون معكِ… هكذا ببساطة؟”
لم يكن رفضًا… ولا قبولًا. كان سيفًا جديدًا يجرح دون دم. تجمّدت. (ماذا؟… ماذا قال للتو؟!).
“ألم تقولي إنّكِ تُحبّينني؟ لكنّني، وببساطة… لا أُحبُّك.”
“…….”
“كلمة (ببساطة) تبدو مثيرةً للسخرية، أليس كذلك؟ ففي مثل هذه العلاقة، لن تُثمر السعادة إلّا في كفّيكِ وحدكِ.”
في الدراما، حين يُقابَل اعترافٌ بالحبّ بالرفض، يحرصون على وضع وسادةٍ من الكلمات المُسكّنة تمنع الانفجار وتُخفّف وقع الصدمة… عبارة مألوفة مثل (آسف، لكن…). غير أنّ هذا الرّجل لم يعرف لغة التخفيف، ولم يملك من التردّد ذرّةً واحدة، فاندفعت كلماته الحادّة كالصواعق، لتضرب صدر “دام-هي”، فتُحطّمه من الدّاخل، وتُعوجّ روحها اعوجاجًا لم يكن ليخطر لها على بال.
“هل كان لا بُدّ أن تقولها بهذا الشكل القاسي؟”
“ماذا؟ لقد سألتِني جوابًا، وقد أجبت. لا أظنّ أنّني قلتُ شيئًا مُسيئًا.”
كان معصمها لا يزال مُتوهّجًا بحرارة لمسته العابرة، وكأنّ أثر يده نارٌ لا تنطفئ. ارتجفت أصابعها ارتجاف طفلةٍ صغيرة، بينما عضّت على شفتها بقسوة، وكأنّ قلبها ماءٌ بلغ الغليان.
‘إذا كنتَ ستفعل هذا… فلماذا أزحتَ عن رأسي تلك الورقة الذابلة الساقطة من الشجرة؟ كان بإمكانك أن تُشيح بصرك عنها ببساطة. لكنّك أزلتَها، لا لأنّك تهتمّ بي، بل لأنّها أزعجت عينيك. كنتَ تعلم أنّني أحبّك، وتُدرك أنّ قلبي سيرتجف من تلك الإيماءات الصغيرة. كنتَ تُدرك أنّ رفضك الصارم سيجرحني حتى نخاع العظم… ومع ذلك فعلت.’
“ميونغ هيون-كي”… رجلٌ لا يضع مشاعر الآخرين في حسبانه. كانت تعرف ذلك جيّدًا، ومع ذلك… في غمرة يومٍ مُشرقٍ تفيض سماؤه دفئًا، ارتفع الدوبامين في دمها، فأفقدها عقلها، ودفعها دفعًا إلى الاعتراف. تبًّا!
ولمّا لمح دموعها المتجمّعة، أطلق تنهيدةً قصيرةً مُستفزّة. سارعت بخفض رأسها، وقالت بصوتٍ مرتجف:
“أنا… لستُ أبكي، صدّقني.”
“لكنّ الدموع توشك أن تنهمر.”
“ليست دموعًا… إنّما هو انعكاس صفاءٍ في عيني. لا تُخدع.”
لكن في اللحظة التالية، انهمرت دموعها كحبّات مطرٍ خجولة، تسقط في توقيتٍ بائس، وسقوطٍ فاضح لا مفرّ منه.
“أنظري إلى نفسكِ… تبكين لمجرّد أنّني لم أقبل اعترافكِ. بالنسبة لكِ، هذه ذروة الألم، أقصى لحظة وجع. لا أكثر.”
كان وجهه ساكنًا، ميتًا من أيّ ارتجافٍ أمام انكسارها.
“مجرّد…؟”
“نعم، مجرّد. بالنسبة لي، هذا كلّ شيء. أمّا بالنسبة لكِ، فالأمر يختلف تمامًا. ألا تدركين بعد؟ نحن عالمان متوازيان لا يلتقيان. لا شيء يجمعنا.”
‘وما الذي يُفرّقنا أصلًا؟ سوى أنّني أحبّك… وأنتَ لا.’
عضّت على شفتها بعنف، ثم رفعت عينيها المتّقدتين غضبًا وقالت:
“ميونغ هيون-كي… أنت حقًّا رجل بغيض! أتمنّى أن تلقى يومًا إنسانًا يُشبهك حتى التماثل… ليُذيقك نفس المشاعر، نفس الجراح، لتدرك كم هو موجع!”
“هل آلمكِ الأمر إلى هذا الحدّ؟”
“تبًّا لك…!”
وعند جذع الشجرة، لاحت لافتة صغيرة كتب عليها: (شجرة الأمنيات). التفتت نحوها بعينين دامعتين، وضمّت كفّيها المرتجفتين في هيئة دعاء.
شعرت بحرقة الجرح المُلصَق على راحتها، لكنّها لم تُبعد يديها، بل أغمضت عينيها وردّدت أمنيتها بصوتٍ متحشرج كالدعاء الأخير. وعلى تلك الهيئة الهشّة، أطلق هو ضحكة قصيرة ساخرة.
‘تضحك؟ الآن؟ حقًّا؟’
“يا للعبث… يا للمهزلة. حسنًا، استمع إليّ جيّدًا: أنا لم أعُد أحبّك! هذه هي الحقيقة!”
خفضت يديها بعنف، واستدارت مُغادرة. سكبت في كلماتها آخر قطرةٍ من قلبها، ثم سارت مُبتعدة. يا لغرابة كيف ظلّ صدرها يخفق بجنون، وكيف استعصت دموعها على التوقّف.
“آه… كم أشعر بالغباء. لماذا اعترفت؟”
لو أنّها لم تفعل، لاستمرّت قصّة حبّها الصامتة… لظلّت على الأقل حيّةً في قلبها، تعيش داخلها كحلمٍ مؤجّل. ضغطت على أنفها محاولةً كبح شهقاتها.
هبّت نسمة قويّة، فتمايلت أوراق الشجرة العتيقة الخضراء، كأمواج بحرٍ مترامي.
وهكذا… انتهت أوّل قصّة حبٍّ بدأت عند الخامسة عشرة، لتُزهق عند السادسة عشرة. حبٌّ لم يُكمل عامًا، سُحق في خمس دقائقٍ فقط تحت ظلّ شجرةٍ جاوز عمرها السبعمائة عام.
وكان ظلّها العميق قد انحنى على جسدين صغيرين: “دام-هي” التي تبتعد مكسورة، و”هيون-كي” الذي يراقبها بصمتٍ باردٍ لا مُبالٍ.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"