الفصل 09
كانت يان يان مريضة.
كنتُ أظنُّ أن تذكّرها لكل شيء يعني أنها تتحسَّنُ.
لكنني لم أتوقع أن الأمر كان على العكس، أنها كانت تزداد سوءًا.
في السابق، كانت فقط لا تتذكّرني، لا تتذكّر أنني أحبها.
لكن منذ ظهور تشاو وان، بدأت تظهر عليها سُلوكِيّاتٍ لا واعِيَةً بشكل متكرر تدفعها إلى الإيذاء الذاتي.
خلال النهار، لم تظهر عليها أي علامات غير طبيعية، وكان عليّ فقط أن أتبع دور الزوج في زواجٍ مُرتّب، غير حنونٍ ولا متجاهلٍ.
صارم وجاد، بلا مشاعر تجاهها.
لكن في الليل، بعد أن تغفو، كانت كثيرًا ما تنهض في منتصف الليل وتتجوّل بلا وعي في أماكن مختلفة.
وكان السطح هو المكان الأكثر تكرارًا.
في مثل هذه اللحظات، كانت تحظى بفترات قصيرة من الوضوح، تتذكّرني، تتذكّر والدتها، وتتذكّر كل شيء.
لكن دائمًا بطريقة مليئة بالحزن العميق.
أول مرة اكتشفتُها وهي تذهب إلى السطح في منتصف الليل، كانت جالسة على الحافة، تواجه الريح.
استدارت وابتسمت لي قائلةً، “إنها أمي، لقد عادت لتراني.”
لم أقل شيئًا، فقط احتضنتها برفق من الخلف.
ظلت صامتة طويلًا قبل أن تسألني فجأةً، “آه شي، لا بد أنك متعب جدًا، أليس كذلك؟”
“لو لم أكن موجودة، لما كنتَ تعاني كل هذا التعب.”
“ليتني كنتُ نسمة ريحٍ.”
في تلك اللحظة، شعرتُ بقشعريرة تعتريني من رأسِي حتى أخمص قدمي.
لم أكن أعرف ماذا أفعل، ولا كيف أجعلها تفهم أنني لستُ متعبًا.
سواء تذكّرت أم لم تتذكر، طالما كانت بجانبي، كان ذلك يكفيني.
لم يكن بوسعي سوى جمع كل الأشياء الحادة، وإغلاق الطريق إلى السطح.
أحيانًا، كنتُ أجدها جاثية بجانب باب العلية، فلا أجد خيارًا سوى فتح الباب وأصطحبها إلى السطح لتشعر بالريح.
كانت تلتف في ذراعيّ وتقول، “لو أستطيع أن أتذكرك غدًا فقط.”
استمر هذا الحال لما يقرب من عام، مع تكرار متزايد.
أحدث حادثة كانت قبل شهرين فقط. وقفت أمام رف الكتب، تحدق في عيّنة الفراشة.
قالت، “آه شي، أنتَ مثل تلك الفراشة التي أسرتها.”
“كيف يمكنني أن أطلق سراحك؟”
احتضنتها من الخلف، أردت أن أضمها بكل قوتي.
“يان يان، أنا هنا طوعًا. مستعدٌ أن أكون فراشةً في راحة كفكِ.”
لم يكن أمامي خيار سوى المكوث معها كل ليلة.
نقطة التحول جاءت قبل أكثر من شهر بقليل، عندما عادت إحدى أخواتي الكبرى من الجامعة إلى البلاد، وهي تعمل في مجال البحوث النفسية.
أخبرتُها عن حالة يان يان، فقالت إن يان يان تُظهر علامات اضطراب الهوية التفارقي.
جانبٌ منها يريد البقاء معي بأي ثمن، والجانب الآخر يبحث يائسًا عن التحرر.
أوصت بعلاج عبر زرع شريحة ذاكرة مع التنويم المغناطيسي.
ستعزز الشريحة رغبة يان يان في البقاء معي، مع قمع شخصيتها الهدامة.
ولكن لأن يان يان الواعية لا تتذكر حبي لها، ولا تؤمن أنني أستطيع أن أحبّها، كان علينا أن نعطيها سببًا لِمَ أحبّها.
عن طريق التنويم، صنعنا لها ذكرى مزيفة، جعلناها تصدّق أنني أنا مَن زُرِعت فيه الشريحة.
صدّقت.
وبدأت حالتها تتحسّن.
في السابق، لم أكن أجرؤ على التعبير عن مشاعري تجاهها كثيرًا، لأنها كانت تصرخ وتغلق باب غرفتها.
كان ذلك، بحسب الطبيب، ردّ فعلٍ على الضغط النفسي.
لقد عانت من صدمة نفسية شديدة، فبنَت آلية حماية ذاتية قوية جدًا. أي شيء لم تستطع تقبّله أو فهمه، لم تكن تستطيع معالجته بشكل سليم، فتنساه في اليوم التالي.
لكن مع شريحة الذاكرة، ظنّت أن كل مشاعري تجاهها نابعة من الشريحة.
فصدّقت وقبلت ذلك.
وفي كلِّ مرّةٍ أعترف لها بحبي، كانت تتذكّر ذلك.
رؤيتها سعيدة في داخلها، بينما تتظاهر بالبرود خارجيًا، كانت تُشعرني بسعادة جارفة، حتى كدتُ أفقد عقلي.
هكذا كانت يان يان التي يجب أن تكون.
كان مقدرًا لها أن تعيش أسعد حياة، وأن تمتلك أنقى روح.
لطالما اعتقدت يان يان أن المرة التي أعطتني فيها المظلّة كانت أول لقاءٍ لنا.
لكن الحقيقة، أننا التقينا قبل ذلك بكثير.
كانت عائلتانا تسكنان بالقرب من بعضهما، فكنا غالبًا نسلك الطريق ذاته إلى المنزل.
في ذلك الوقت، كانت عائلتي على وشك الإفلاس، وانتقلنا من هايتشنغ إلى بكين. وكانت المدرسة جديدة عليّ أيضًا.
لم أكن أعرف الطريق جيدًا في البداية، فكنتُ أتبعها إلى منزلها، ولو تابعتُ السير قليلًا بعده، أصل إلى منزلي.
لاحظتُ أنها كانت دائمًا بمفردها، لكنها تجيد تسلية نفسها.
لم يكن الطريق طويلًا، لكنها كانت دائمًا تستغرق وقتًا طويلًا للوصول.
لأنها كانت مشغولة دائمًا بلعبِ حجرةِ ورقةِ مقصٍّ، مع القطط الضالة، أو تحمل مظلتها للكلاب المشردة، وتحادث الزهور والنباتات على جانب الطريق.
كانت مشغولة جدًّا.
كنتُ أكبر منها بعامين، في صفٍّ مختلف، لكنني سمعتُ الكثير من الشائعات عنها.
كانت تدور معظمها حول عائلتها ووالدتها.
وجدتُ الأمر مملًا، ولم أكن أهتم بأمور الناس الخاصة، لذا لم أتدخّل أبدًا.
حين أعطتني المظلّة في تلك المرة، كنتُ في الواقع أنتظر المربية لتجلب لي واحدة.
لكنها دفعت مظلتها في يدي وركضت.
لم يكن لدي خيارٌ سوى أن أحمل مظلتها المطرّزة بالدانتيل وأذهب لأبحث عنها.
ومنذ ذلك الحين، أصبحنا أصدقاء.
كانت دائمًا سعيدة، لا تكفّ عن الحديث، وتحضر لي شيئًا جديدًا كل يوم.
صاخبة قليلًا، لكنها لطيفة بطريقة ما.
ليت الأمور بقيت على هذا النحو.
لو أمكن، كنتُ أتمنى أن تبقى يان يان دائمًا تلك الفتاة الصغيرة. التي تلعب مع القطط، وتحمل المظلات للكلاب، وتحادث الأزهار.
ترتدي دائمًا أجمل فستانٍ أميريٍّ، وتبتسم أنقى ابتسامة.
وإن لم تكن قد امتلكت هذه الأشياء من قبل، فأتمنى أن تملكها من الآن فصاعدًا.
في رحلتنا إلى أوروبا، كانت يان يان سعيدة جدًا.
كل شيء رأته أدهشها.
لم تكن تعلم لماذا كنا نرتدي ملابس متطابقة. كنتُ أرغب أن أخبرها بأنني أردتُ تعويض الرومانسية التي فاتتنا.
أن أخلق لها اللحظة التي نُثبت فيها حبنا لبعض.
كنتُ أريد أن أمسك يدها في كل بلد، وأُقبّلها في كل شارع، وأتقدّم لطلب يدها مجددًا تحت ضوء الشفق القطبي.
لكنني لم أكن أتوقّع أن تأتي المفاجأة بهذه السرعة.
حين انهارت في أحضاني، كانت عيناها البنيّتان تعكسان الذعر على وجهي.
لكن نظرتها لي كانت مفعمةً بالسعادة والرضا.
قالت، “آه شي، هذه المرّة، جاء دوري لأحميك.”
***
كانت يان يان في غيبوبة منذ شهر.
قال الأطباء إن إرادتها في الحياة كانت ضعيفة للغاية.
خلال تلك الفترة، جاءت ون لان عدّة مرات، وأخبرتني أن شريحة يان يان قد تعطّلت بالفعل.
في ذلك اليوم، حين ركضت تجاهي في الشارع، طغت شخصيّتها الميّالة لتدمير الذات على كل البيانات التي خزّنتها الشريحة.
قالت ون لان إن يان يان، كانت تريد إنقاذي بشدة.
ومقارنةً بالمشاعر البشرية الحقيقية، يبدو أن التكنولوجيا المتقدمة تبقى هشّة للغاية.
كل يوم، كنتُ أجلس إلى جانبها، أُطوي النجوم الورقية، وأحكي لها قصصًا من الماضي.
أخبرتُها عن القطة الضالّة التي أنقذتها، والتي تبنّاها لاحقًا زوجان شابّان.
أخبرتُها أن مظلّتها المطرّزة التي أعطتني إياها، لا تزال محفوظة في خزانة العرض في المنزل.
أخبرتُها أن كل هديةٍ في ذكرى زواجنا، كنتُ أنا من اختارها بعناية.
أخبرتُها كم أحببتُ ضلوع اللحم الحلوة والحامضة التي كانت تُعدّها لي.
أخبرتُها أنني حقًا أريد أن يكون لي مستقبل معها.
يُتبع….
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"