الفصل 08
كان مساءً عاديًّا، وكنتُ جالسةً وحدي في غرفة المعيشة، أُركّب مجموعة ليغو.
وفجأةً، سمعتُ صوتًا من الطابق العلوي. وحين التفتُّ، رأيتُ أمي واقفةً هناك.
كان قد مضى نصف عام على آخر مرةٍ رأيتُها فيها.
نحلت كثيرًا، وصار جلدها شاحبًا كالورق، وكان كاحلاها مليئَين بجروحٍ ممزّقة، لكن دون سلسلة.
وقفتُ، وما إن خرجت من فمي كلمة ‘أمي’، حتى تجمّدتُ في مكاني.
كنتُ قد نسيتُ أنني الطفلة السيئة التي كادت تودي بحياتها.
لم أعد أعلم إن كانت ما تزال تُحبّني.
بدت مرتبكة، ولم تنطق بكلمة. أمسكت بذراعي وسحبتني نحو السطح.
سألتني إن كنتُ مستعدة للذهاب معها. سألتُها إلى أين، لكنها لم تُجب.
ثم سألتُها إن كان بإمكاننا اصطحاب جي يان شي معنا.
تأمّلتني للحظة، ثم، كما اعتادت سابقًا، مرّرت يدها برفق على رأسي.
قالت، “من يملك صديقًا جيدًا، لا يمكنه الذهاب. يان يان، عليكِ أن تتعلمي الاعتناء بنفسكِ من الآن فصاعدًا.”
هززتُ رأسي بالإيجاب، رغم أنني لم أفهم.
لكنها بدأت تبكي.
“آسفة، يا صغيرتي. لم أعد أحتمل أكثر.”
ثم طلبت مني أن أُدير وجهي إلى الجدار، وأُغمِضَ عينيّ، وأعدَّ حتى المئة، وقالت إنها ستتحوّل إلى نسمة ريحٍ، وتبقى معي إلى الأبد.
فعلتُ ما طلبته.
وكان الثمن، أنني فقدتُ أمي إلى الأبد.
شعرتُ وكأنني عدتُ الطفلة السيئة من جديد.
مرضتُ مرضًا شديدًا، وبعد أن أُفقت، لم أتمكن من الكلام لوقتٍ طويل.
رأيتُ جي يان شي مرارًا يقف خارج نافذتي. لكني لم أجرؤ على الخروج إليه. كنتُ أختبئ تحت الغطاء، وأبكي.
تساءلتُ آلاف المرات. لو لم يكن لي صديقٌ جيد، فهل كنتُ ذهبتُ مع أمي دون تردّد؟
أو، لو لم تخشَ أمي أن أكون وحيدة، فهل كانت ستغادر أصلًا؟
ما كان يجب أن أملك صديقًا. ما كان يجب أن أكون شخصًا محبوبًا.
كنتُ أواسي نفسي بهذه الأكاذيب كلّ يوم.
في تلك الفترة، كنتُ أُصاب بالحُمّى باستمرار، وأهذي بكلمات غير مفهومة.
وحين أفاقت روحي من جديد، لم أتذكّر سوى أنني فقدتُ أمي، ولم أكن أملك صديقًا.
كنتُ قد نسيت جي يان شي.
عندما عدتُ إلى المدرسة، حاول أن يكلّمني مرارًا، لكنني كنتُ أعامله ببرودٍ كأنه غريبٌ تمامًا.
كان يخبرني كلّ يوم أنه يريد أن يكون صديقي، وكنتُ أرفضه ببرود.
وفي اليوم التالي، كنتُ أنساه مجددًا.
لم يترك له وجوده أثرًا في ذاكرتي.
ومع الوقت، استسلم للواقع. صار يتبعني كل يومٍ بعد المدرسة، يمشي خلفي بصمتٍ، ويراقبني حتى أصل المنزل.
المرّة التالية التي انتبهتُ فيها إلى جي يان شي كانت في حفلة عيد ميلاد تشاو وان الخامسة عشرة.
في قاعة الحفلة المزدحمة، كان الجميع يتملّق تشاو وان ووالدتها، لكن جي يان شي تسلّل إلى الحديقة الصغيرة، ليبحث عني.
كان لا يزال كما عهدتُه. صامتًا، متحفظًا، يشبه الكبار في هيبته.
لاحقًا، أهداني إطارًا خشبيًّا صغيرًا يحتوي على عينة فراشة.
ومنذ تلك اللحظة، اخترتُه.
فكرتُ مرارًا، لماذا كان يجب أن يكون جي يان شي، بالتحديد؟
ولم أجد إجابة.
لأن جي يان شي، هو الجواب.
ومع ذلك، ظللتُ أظن دائمًا أنه لا يُحبّني، وأن زواجنا لم يكن سوى صفقة مفروضة.
إلى أن جاء العام الماضي، حين حضرنا حفلةً معًا.
كانت تشاو وان متنكّرةً في زي نادلة، تُخفي سكينًا تحت الصينية.
خطّطت لقتلي.
وسط كل أولئك الناس، لم يكن غير جي يان شي من عرف مكاني بدقّة، ودفعني بعيدًا قبل أن تصل السكين.
غاصت السكين في قلبه.
ورغم سقوطه أرضًا، نظر إليّ وقال بصوتٍ خافت، “يان يان. لا تخافي.”
كاد جي يان شي يموت في تلك الليلة.
ربما لأن ما حدث كان صادمًا جدًّا، فقد عادت إليّ ذاكرتي فجأةً.
تذكّرتُ فارسي، الذي نسيته بأنانية.
في كل تلك الأيام والليالي المضطربة، كان هناك، واقفًا بثبات، يحميني، ويرتدي درعه في صمت.
فارسي.
وقفتُ أنظر إلى جسده الشاحب في غرفة العناية المركزة، عاجزةً، فيما الألم ينتشر في كل كياني.
بدا وكأنني كنتُ دائمًا عبئًا، على من أحبّني.
حين كنتُ صغيرة، كنتُ عبئًا على أمي. رغم الألم الذي كانت تعانيه، بقيت في عائلة تشاو من أجلي.
كنتُ أفكر فقط في رغبتي في رؤيتها، لكنّي لم أفهم أبدًا الحُزن الكامن وراء كل ابتسامة رقيقة منها.
وعندما كبرتُ، أصبحتُ عبئًا على جي يان شي. كان طيبًا جدًا، استثنائيًا، ومع ذلك كاد أن يفقد حياته بسببي.
ولم أستطع حتى أن أتذكر شيئًا جيدًا واحدًا عنه.
أنا عبء.
***
كانت إصابات جي يان شي تتحسن يومًا بعد يوم.
لقد انتقلتُ عمليًّا إلى غرفة المستشفى معه. كان دائمًا يودّ رؤيتي، ولم أكن أريد أن أتركه.
لم يسأل يومًا لماذا نسيتُ، ولا كيف تذكّرتُ فجأةً.
قال إنه لا يهمّه. ما يحبّه هو أن أكون كما أنا.
خلال السنوات الخمس الماضية، قال لي ‘أحبكِ’ مرات لا تحصى، لكنني كنتُ أنسى ذلك في اليوم التالي.
وكانت تلك أطول فترة تذكرتُه فيها، استمرت حتى بعد تعافيه وخروجه من المستشفى بأسبوع.
ثم، نسيتُ مجددًا.
وهذه المرة، بدا الأمر أسوأ.
راودتني فكرتان متناقضتان.
إحداهما كانت أن أنسى كل شيء، وأن لا أهتم لأي شيء، طالما بقيتُ مع جي يان شي.
والأخرى أن أتذكر كل شيء، وأشعر بأنني عبء، وأن أريد فقط الهروب.
كنتُ أُصارع بين هاتين الفكرتين، بعض الأيام كانت جيدة، وأخرى سيئة. كان ذهني يتأرجح دائمًا بين الوضوح والارتباك.
رأيتُ جي يان شي يُنهَك، يُتعب من كل المعاناة التي سببْتها له، ورغبتُ بشدّة أن أحرره.
ربما أستطيع أن أصبح كالريح، أرافقه بطريقة مختلفة.
لكنه لم يكن مستعدًا لأن يتركني أذهب.
يُتبع….
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"