1
عندما نعجز عن وصف حالة نعيش بها فلنعلم أننا في مرحلة مهمة وفارقة جداً في حياتنا.
وعندما نجد الوصف الأدق لهذه المرحلة سوف نجد أن الوقت قد حان لانتهائنا.
حياتنا أمامنا نفعل بها ما نشاء فيجب أن نغتنمها بكل ما أوتينا من قوة لعل الله يستجيب لندائنا فيرشدنا إلى الطريق وينوره لنا حتى ولو كان في حلم في منامنا.
أسرد هذه الكلمات من موقعي هذا و بعد ما مررت به من مصاعب و مناقب و كل ما لا يستطيع انسان أن يتحمله.
أم… أم من الممكن أن يكون هناك أشخاص يستطيعون التحمل! أنا لا اعلم… لربما كان هناك من هو أسوأ مني…
حسنا… حسنا
لا داعي لهذه الكلمات التي بلا معنى و لأبدأ قصتي بهدوء و بساطة، بالمناسبة هذه قصتي فأنا قررت أن اكتبها على شكل قصة او رواية أو… لا يهم… المهم أن أكتب.
أنا… أنا حسن
عمري ٣٤عام، معلم بيولوجي أحياء يعني في مدرسة حكومية بسيطة، اممممم تبدأ حكايتي عندما تم تعيني بهذه المدرسه منذ ١٠سنوات.
فانا قد تخرجت من الكلية و بقيت عاطلا عن العمل لفترة من الوقت ، حتى حصلت على واسطة، تجعلني أعمل بتلك المدرسة، رفضت في بداية الأمر رفضا تاما فهذه مدرسه بنات، و انا كنت طالبا أزهريا حافظا للقرآن الكريم و أتقي الله، و في الحقيقة لا استطيع تحمل دلع البنات، بالأخص انني وسيم، ليس غرورا و لكن ثقة بالنفس،
رغم أني عندما اخبرت أمي أنني أخاف أن تقوم الفتيات بعمل أي مشكلة بسبب وسامتي ضحكت و ضحكت و قهقهت حتى كادت ان تختنق و لا اعرف السبب حتى الان.
على اي حال، أجبرت أن أقبل بالوظيفة، فأنا عاطل عن العمل منذ تخرجي من الجامعة و لا يصح ان اكون رجلا تخطى ٢٢عام من عمره و يأخذ المصروف من والده، هذا شيء مهين بالنسبة لي.
بصراحه أول يوم في المدرسة كان يوم رائع جدا -بالطبع أكذب- ولكن مر بسلام
و الجميل ان الفتيات استوعبن ما أقوله بشكل جيد جدا جدا، و هذا أسعدني بعض الشيء، فأجمل لحظة في حياة المعلم هو رؤية نتائج تعبه امام عينيه، من أجمل لحظات حياتي التي أشعر بها أن رسالتي قد وصلت بنجاح و انني قد أرحت ضميري.
مر شهر بنفس الشكل، روتين ممل، حضور شرح امتحانات فسحة رحلة شيء طبيعي، جميع المدارس تسير بنفس النهج وما الجديد؟
ولكن كما توقعت الفتيات لا تكف عن مضايقتي حتى و إن كان الرجل قبيح الشكل و لكنه صغير السن و العمر متقارب إلى حد ما بيني و بين الفتيات و لكن أكثر ما أصابني بالجنون هو قول إحدى الفتيات:
“مستر هو حضرتك معندكش واتس؟ أصل في حاجات مش ببقى فهماها و لو ندردش شوية مع بعض”
لم ارد و لكني كنت سأجن “ندردش مع بعض؟!” فتاة قليلة الحياء.
مر ثلاث ايام و مازالت تلك الفتاة المستفزة تضايقني مع العلم أنها هي زوجتي حاليا
حسنا حسنا لن أستبق الاحداث…
لم اتحمل اكثر من هذا
وقلت لها “أنتي قليلة الأدب” و أمسكتها من يدها بقوة و ذهبت للمدير و طلبت استدعاء ولي امرها، لكن الغريب أن المدير انتفض و قام بالصراخ و قال
“انت مجنون يا استاذ ازاي تعمل كده”
قلت في عدم تصديق: “أنا؟! دي بنت قليلة الادب”
ارتجف المدير و قال متصنع الابتسام “روحي انتي يا حبيبتي على فصلك و أوعدك إنها مش هتتكرر”
نظرت الفتاه لي بتكبر و ذهبت.
لما انطق من الصدمة و نظرت للمدير بتعجب فقام من مكانه ووضع يده على كتفي و قال “بس يا بني انت لسه صغير و مش قد البنت دي، البنت دي ابوها لواء في مباحث أمن الدولة، عارف يعني ايه امن دولة، يعني مش هتشوف نور الشمس تاني طول حياتك ، بلاش يا بني بلاش ”
خرجت من غرفة المدير في حالة صدمة و لكن لم و لن استسلم. إما أنا أو هي.
******
دخلت الفصل في اليوم التالي و بدأت الشرح و انتهت الحصة و لكن قبل أن أذهب:
“مستر…مستر”
نظرت لها و قلت: “نعم”
ردت: “أنا عايزة أخد درس عند حضرتك”
قلت في برود “مبديش”
–“ليه بس”
-“حرام”
–“طيب أنا مش بفهم غير في البيت و أنا قاعدة بمزاج”
قولت في برود “معلش” و ذهبت.
أعلم جيدا أن أسلوبي قد أغضبها و لكن هذا يعجبني، بعد ما حدث لن أسمح لها بأن تتعدى الحدود.
في اليوم التالي
في طابور الصباح…
بصراحة لم اهتم قط بالاذاعة منذ صغري ممل جدا.
كنت افكر في الجزء الذي سأشرحه في الحصة الأولى حتى أفقت على…
“مستر حسن… مستر حسن… ممكن آخد عندك درس… مستر حسن… مستر حسن… بليززززز”
أغنية في الاذاعة المدرسية.
قلت في صدمة “يا بنت المجانين”
لم ينطق احد فالكل يعلم بنت من هي و ما الذي تسطيع ان تفعله. انتهت من الغناء و جاءت ووقفت في اول الصف و قالت في دلال “عجبت حضرتك الاغنية؟”
نظرت في الفراغ دون ان أنطق.
دخلت الفصل و بدأت بالشرح و لكن قد قطع الشرح صوت المدير و هو يقول “اتفضل يا سيادة اللواء”
بصراحة خفق قلبي جدا بعد تلك الكلمة و اصبح العرق يتصبب من رأسي مثل المطر
لم اتحرك من مكاني. قفزت تلك الفتاة و هي تقول:
“بابا حبيبي”
قبلها على رأسها و قال: “عاملة ايه؟”
ثم نظر لي بطرف عينه و قال: “في حد مزعلك؟”
قالت في دلع مقزز: “لا يا حبيبي مفيش لو حد زعلني هقولك”
تقدم سياده اللواء و قال “مستر حسن ممكن حضرتك تدي تدرس لسوسو في البيت ”
وقبل ان انطق
قال”يوم الجمعة كويس!”
حاولت أن أتكلم ولكنه أكمل قائلا:
“تمام يبقى بعد الصلاة ، يلا اشوفك الجمعة سلام”
لم أتكلم لأنه قد ذهب دون ان ينظر لي حتى.
نظرت لها و هي تبتسم في انتصار و قلت في نفسي “ماشي يا… سوسو هنشوف مين اللي هيضحك”
جاء يوم الجمعة و بالطبع سوسو كانت تنتظرني ، مع العلم اني لم أكن أعلم اسمها
في بداية الأمر و لم اهتم ان اعرف”
لم اذهب ببساطة لأن الاحد و الاثنين و الثلاثاء اجازة لذلك قررت ان اذهب لاستجم في الاسكندرية و والدها لن يستطيع أن يجدني و ليبحث كما يشاء عني.
لم أحضر إلى المدرسة يوم الاربعاء و الخميس أيضا و ذهبت الأحد بالطبع قد اكملت ٩ايام متواصل دون أن يجدوني.
ذهبت للمدرسة و لكن يوجد شيء غريب الجميع ينظر لي بخوف. ماذا حدث في غيابي؟!
جاء احد المدرسين و قال: “المدير عايزك في المكتب”
ذهبت لغرفة المدير و لكن قبل حتى أن ألقي السلام وجدت الألم يتساقط علي كالمطر
من جميع الجهات، و أصوات سباب و ألفاظ خارجة.
ماذا حدث لكل هذا؟!
فقدت الوعي و أفقت في المستشفى على ألم رهيب في جسدي، زراعي مكسور و جسدي كله مليء بالكدمات.
وجدتها أمامي تقول “مستر، حضرتك كويس؟ أنا آسفة والله. أصلي تعبت و جالي سخونية و بابا افتكر انها بسببك عشان مش جيت. والله آسفة متزعلش مكنش قصدي خالص.”
لم ارد اكتفيت بالصمت و أغمضت عيني
قالت بهدوء”مستر انت لسه زعلان طيب!”
وذهبت في نوم عميق
بقيت في المنزل طوال فترة الترم الاول و الاجازة، وبدأت في الذهاب إلى المدرسة من بداية الترم الثاني. ولم احاول الاختلاط بها بالرغم انها حاولت الاعتذار اكثر من مرة.
و أيضا أصبحت أذهب لمنزلها من أجل اعطائها درسا خاصا، ولكن كان ردي جافا باردا.
بعد شهر من بداية الترم التاني جاءت ميس آية
و عن الملائكة أتحدث…
فاطمة: “احم احم أنا قاعدة جنبك و انت بتكتب على فكرة”
“قصدي يعني قمة الاخلاق و الاحترام و الادب و الجمال بصراحة مواصفات البنت الجامدة. بصراحه يعني عشان اكون صادق.”
فاطمة: “طيب اخلص يا صادق بدل ما تكمل في المقبرة”
“المهم ميس آية مختمرة يعني بتلبس خمار، وكانت ملابسها فضفاض جميل. هادية أوووي”
“يا سلاااااام”
“بصراحة كنت بحاول اتقرب منها أي راجل لما يشوف بنت الحلال المناسبة بيحاول يعرف كل حاجة عنها. المشكله بقى إن سوسو تغيرت…
بالمناسبة انا لسه معرفش اسمها، وسوسو كانت بتعامل ميس آية بشكل وقح جدا”
بصراحة شعرت بالدم يغلي في عروقي عندما وجدت ميس آية تبكي لصراخ سوسو.
منذ متى و المعلمة أصبحت تبكي بسبب طالبة! هذه قلة ادب لا يمكن أن أسمح بها.
صرخت في سوسو: “بنت عيب”
صرخت بي وقالت “ايه يا مستر، اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي!”
نظرت لها بصدمة و لكنها تمالكت نفسها سريعا و قالت: “أنا… أنا آسفة بجد والله ما كان قصدي”
لم ارد نظرت لها باحتقار و قلت “ميس آية اتفضلي معايا”
ذهبت انا و ميس آية إلى غرفة المعلمين و جلست اتحدث معها و أقول لها أنها يجب أن تصبح أقوى من هذا… و كلام من هذا القبيل
تفهمت كلامي و ابتسمت، ابتسمت بهدوء و قلت “ايوه كده ،ايه يا ميس هنخاف كده من اولها ، لازم ننشف”
ابتسمت بخجل و قالت “شكرا يا مستر و آسفة لتعب حضرتك، بعد اذنك”
في اليوم التالي….
دخلت الفصل و تعجبت مما رأيت. سوسو ترتدي خمار؟!؟
قولت بتعجب “انتي ازاي والدك سمحلك تلبسي كده”
قالت “وحش يا مستر”
ردت “لا جميل طبعا بس انتي مش مسيحية!”
قالت بسرعة “لالا انا مسلمة. فاطمة ،اسمي فاطمة”
قلت: “طيب”
قالت: “شكلي حلو؟!”
قولت بعصبية: “انا مالي ، حلو ولا وحش”
ارتعشت من صراخي و جلست دون ان تنطق. بدأت في الشرح و انتهت الحصة و ذهبت دون حتى أن انظر لها.
مر اسبوع و كانت هناك حفلة لعيد الام وكان نظام الحفلة حضور كل الطلاب وأمهاتهم، ثم تغني الفتيات للأمهات ثم العكس.
وقد أعجبتني الفكرة جدا جدا.
و جاء يوم عيد الام و كنت متشوقا لهذا اليوم السعيد، كانت الحفلة في فناء المدرسة
يوجد بها كراسي لضعف عدد الطلاب بالضبط، بالطبع هذا لأن سيكون هناك كرسي للطالبة و كرسي للام.
كانت الحفله بعد المغرب و كان يوم اجازة من اجل استعداد الطالبات.
جاء الميعاد و جاءت كل الفتيات وجلسن. ترقبت الحفلة و غناء الطالبات و صوتهم العذب و وجه الامهات السعيدات لتلك الاناشيد.
ولكن لحظة… لماذا فاطمة مازلت جالسة و لم تغني مع صديقاتها؟
ناديت على إحدى صديقاتها و قلت “ازيك يا مريم. بقولك هي فاطمة مش هتغني معاكم؟”
ردت في حزن “اممم… لا يا مستر ، فاطمة والدتها ماتت من ٥سنين و حاولت تستأذن الدادا تيجي بس معرفتش عشان جوزها مرضاش”
قولت “الدادا!”
قالت “نعم… في داده بتخلي بالها من فاطمة بس الصبح بس و بعد كده بتروح لبيتها”
ابتسمت و قلت لها “طيب يلا عشان تلحقي البوفيه،قبل ما يخلص”
ذهبت مسرعة حتى تلحق بالاكل و لم تهتم باي شيء اخر.
قلت في نفسي “عشان كده مدلعة و باباها مش بيرفض لها طلب ، الست اللي في البيت دي الداده مش مامتها.”
افقت من شرودي علي صوت فاطمة:
“مستر حسن ، انا….انا قررت البس واسع ايه رايك؟ لبسي حلو؟!…عجبك!!!”
ابتسمت و قولت “حلو ، ياريت تستمري”
قالت “لو عجبك هستمر فيه”
عقدت حاجبي في تعجب ، فاكملت قائلة “قصدي يعني لو مناسب للشرع. ولا ايه؟”
هززت رأسي بالموافقة و لم اتحدث، تهللت اساريري عندما رأيت آية تدخل من باب المدرسة، و انتبهت لها ، كانت جميله ،بالرغم من انها لا تضع اي زينه لكن زيها رائع و هدوءها ايضا.
كانت فاطمة تقف بجانبي، وفي الحقيقة لم انتبه أنها تبكي ، كنت انظر لآية فقط ولم انتبه لاي شيء آخر.
لا المدرسة
و لا الحفلة
ولا المدير لا فاطمة
ولا أي شيء او أي أحد
آية فقط…
اتصلت فاطمة بوالدها و أخبرته بأن المعلمة آية تضايقها، و بالفعل لم يمر اكثر من ربع ساعة حتى قبض على آية دون سبب.
ذهبت لفاطمة و صرخت فيها “لماذا، ماذا فعلت لكي ، هل لانك تمتلكين السلطه ، كفاكي شر، لماذا كل هذا؟ لماذاااا؟”
صرخت بصوت عال امام الجميع “لأنك تحبها اكثر مني أنا احاول ان افعل ما تحبه أنت و ان اقول انني احبك و لكن انت لا ترى سواها من هي لتحبها هكذا؟”
لم انطق و لم استطع النطق المدرسة كلها بدأت بالتحدث، طالبة احبت معلمها
ليس الموضوع بالسهل، هذه فضيحة للفتاة حتى و ان كان والدها الرئيس و ليس رتبة في الشرطة.
لم تأتي فاطمة إلى المدرسة و خرجت ميس آية في نفس اليوم ، جاء ميعاد الدرس
لم اكن اعلم ماذا افعل، هل اذهب ام ابقى!
ذهبت بالفعل كانت فاطمة غريبة قليلا، لا تتحدث ، تكتفي بالاشارة و ترتدي نظارة شمس تخفي كفيها و تتعمد عدم الكتابة.
بالطبع فهمت ما حدث ، لقد ضربها والدها بل فعل معها اسوء مما فعله معي من قبل.
انتهى الدرس وذهبت فاطمة لغرفتها دون ان تتحدث.
قالت لي الداده: “شكرا يا مستر على تعب حضرتك بس دي اخر حصة”
قولت في هدوء “بس لسه المنهج مخلصش”
قالت “خلص عندنا، فاطمة مش هتروح المدرسة تاني و باباها هيسحب الدسيه، كفاية كده ،احنا مش عايزنها تتعلم”
و تركتني وذهبت و هي تقول “حضرتك عارف طريق الباب”
يتبع…
#اما_بعد
بقلم #عواطف_العطار