—
الضوضاء في قصر أنستي كانت خانقة.
كلمات المجاملة الفارغة، نظرات النبلاء الطامعة، وأصوات الخدم المذعورة… كلها أزعجت **الإمبراطور كايروس دالن**.
ترك مجلسه متحججًا بالتعب، لكنه في داخله كان يبحث عن شيء آخر: **صمت حقيقي**.
خطواته أخذته إلى جناح جانبي نادرًا ما يُستعمل. عند نهاية ممر طويل، وجد بابًا ضخمًا من خشب داكن.
حين دفعه، استقبله هواء بارد ورائحة الورق القديم.
*”مكتبة…”* تمتم في نفسه.
المكان بدا مختلفًا عن باقي القصر… هادئ، مهيب، وكأن الجدران هنا تخفي أسرارًا لم يسمعها أحد.
—
لكن ما لفت انتباهه لم يكن رفوف الكتب.
بل الفتاة الجالسة وسط القاعة، وحدها، كأنها جزء من هذا السكون.
شعرها الأسود انساب على كتفيها، ودفتر صغير أمامها.
بدت غارقة في القراءة، حتى أنها لم تلحظ دخوله.
عيناها الرماديتان البنفسجيتان تابعت الكلمات بشغف غير مألوف عند بنات البلاط.
*”هذه… ليست مثل الأخريات.”*
فكر وهو يراقبها من بعيد، دون أن يتحرك خطوة واحدة.
—
### 📚 الانفجار
وفجأة، تغير كل شيء.
ارتجفت الأرضية بخفة، وارتعدت الشموع.
مرآة ضخمة على الجدار بدأت تتشقق ببطء، حتى انقسم زجاجها إلى خطوط عنكبوتية.
كايروس تجمد في مكانه، عيناه الزرقاوان تتابعان بصمت.
المرآة لم تعد تعكس الواقع… بل أظهرت صورة أخرى للفتاة:
تاج ملكي فوق رأسها. دماء على يديها.
وعيناها… تتحولان إلى لون ذهبي أحمر متوهج.
ثم اهتزت رفوف الكتب كلها دفعة واحدة.
الكتب انفتحت وحدها، أوراقها تتقلب بعنف، وكلمات قديمة بدأت تضيء كأنها تستجيب لقوة مجهولة.
كتاب واحد سقط عند قدميها، غلافه أسود تتخلله رموز فضية.
الفتاة لمست الكتاب، فاندفعت منها قوة حادة جعلت الهواء يرتجف، وعيونها تغيّرت فعلًا أمامه.
—
### 👁️ عين البحر
كايروس لم يتحرك.
لكنه شعر بالقشعريرة تسري في جسده، إحساس نادر لا يعرفه سوى في ساحة المعركة.
*”هذا… ليس سحرًا عاديًا. هذه قوة موروثة… خطيرة.”*
أخذ نفسًا عميقًا، عيناه الزرقاوان تلمعان وهو يراقبها.
كانت غارقة في دوامة قوتها، غير مدركة لوجوده.
*”من أنتِ يا فتاة؟”*
لم يقلها بصوتٍ مسموع، لكنه كان يعلم أن هذه اللحظة لن تُمحى من ذاكرته.
—
كما بدأ الانفجار، توقف فجأة.
الكتب سكنت، الشموع عادت لوهجها العادي، والمرآة لم يبقَ منها سوى زجاج مشقق يعكس وجهها المرتبك.
عيناها رجعت إلى لونها الطبيعي، والكتاب الأسود ظل بين يديها كأنه كائن حي.
هي سقطت على ركبتيها، أنفاسها متقطعة، تجهل أن أحدًا كان يراقبها.
كايروس بقي واقفًا في الظل، لم ينطق بكلمة، ثم استدار وغادر كما دخل.
—
### في أعماقه
بينما يسير في الممر الطويل، كان قلبه الصلب يضرب بإيقاع مختلف.
*”ابنة بلاط… لكنها تخفي سرًّا لا يعرفه أحد. عيناها… ذلك اللون، لم أره إلا في كتب الأساطير.”*
ابتسم ابتسامة خفيفة، باردة كالموج.
*”ربما لم آتِ إلى أنستي من أجل المفاوضات فقط… بل لأكتشف شيئًا أكبر.”*
—
التعليقات