شمس اليوم التالي كانت باهتة، كأنها تخاف أن تشرق فوق قصر أنستي بعد ليلةٍ سال فيها الدم. الحديقة الشرقية التي كانت تعجّ بالخدم عادة بدت خالية. لكن بين الأشجار، حيث غابت العيون، كان الإمبراطور كايروس دالن واقفًا بصمتٍ ثقيل، يراقب الأرض بعينيه الزرقاوين اللتين لم يفُت عليهما شيء.
ركع على ركبته ليتفحّص أثرًا خفيفًا في الطين: نقطة دمٍ صغيرة… ثم أثر خفٍّ صغير الحجم. تحسس مكانها بأصابعه، وعيناه ضاقتا كمن يعيد رسم مشهدٍ في ذهنه.
قال أحد حراسه بصوت خافت: “جلالتك، هل تريد أن نستدعي حرس أنستي للتحقيق؟”
رد كايروس ببرودٍ لاذع: “لا. إن أخبرناهم… سيُمحى الأثر قبل أن نفهم شيئًا. ابقوا الأمر سريًا تمامًا.”
وقف ببطء، نظر إلى الغابة الممتدة أمامه وقال بصوتٍ منخفض: “هناك من سال دمه هنا… والسؤال ليس من، بل لماذا.”
استيقظت إيفانجلين متأخرة لأول مرة منذ أسابيع. ذراعاها تؤلمانها، وثوبها الذي خبأته الليلة الماضية ما زال ملطخًا ببقعٍ لم يزلها الماء. جلست على حافة السرير، تنظر إلى يديها المتقرحتين.
دخلت ماري بهدوء، تحمل صينية صغيرة فيها بعض الشاي والعسل. “لم أركِ بهذه الشحوب من قبل يا صغيرتي.”
إيفانجلين تمتمت: “ربما… لم أنم جيدًا.”
لكن ماري لم تُصدقها. جلست بجانبها، وضعت يدها على كتفها وقالت: “أنا لا أسألك ماذا حدث… فقط أريد أن أعرف إن كنتِ ما زلتِ تنوين الاستمرار في طريقك.”
نظرت إليها إيفانجلين، بعينيها اللتين اختلط فيهما الخوف بالعزم، ثم همست: “لقد هاجموني يا ماري… في الغابة. كانوا ثلاثة رجال. لم أتعرف عليهم، لكني نجوت.”
شهقت ماري بصوتٍ خافت، وضمتها إلى صدرها. “اللعنة على هذا القصر! حتى حدائقه لم تعد آمنة!”
رفعت إيفانجلين رأسها وقالت بهدوء: “لا تخافي. لن أهرب. لو أردتُ البقاء ظلًا، لبقيتُ كما كنت. لكن الآن… عليّ أن أعرف من أراد موتي.”
👑 مجلس القصر
في ذلك الوقت، كان مجلسٌ صغير قد عُقد بطلب من الملك والملكة لاستقبال الإمبراطور. كانت فانيسا جالسة إلى جانب الملكة، وجهها المشرق يخفي اضطرابها الداخلي.
دخل كايروس ببطء، يده خلف ظهره، عيناه تلمعان بشيء لم يفهمه أحد. قال الملك شون مبتسمًا: “هل استمتعتَ بالاحتفالات يا جلالتك؟”
أجاب كايروس ببرود: “كانت جميلة… لكن الغابة الشرقية أبهرتني أكثر.”
تبدلت ملامح فانيسا للحظة، لكنها سرعان ما أخفتها بابتسامة صغيرة. قالت متصنعة الهدوء: “الغابة؟ أوه، إنها موحشة بعض الشيء… لا أحد يزورها عادة.”
رد كايروس وهو ينظر إليها مباشرة: “حقًا؟ غريب… لأن آثار أقدام كثيرة كانت هناك الليلة الماضية، وبعضها ملوّث بالدماء.”
ساد صمت ثقيل. الملكة تبادلت النظرات مع زوجها، بينما بدت فانيسا شاحبة للحظة قبل أن تقول بسرعة: “ربما أحد الحراس أصيب أثناء التدريب؟ سأستفسر.”
ابتسم كايروس ببرود، تلك الابتسامة التي تُشبه سيفًا مسلولًا. “ربما. لكنني أفضّل أن أستفسر بنفسي. الخيوط تتشابك
بعد المجلس، تبعت فانيسا إحدى وصيفاتها إلى الحديقة الخلفية، وجهها متجهم. “هل عدوا إلى القصر بعد ما حدث؟” أجابت الوصيفة بخوف: “لا يا مولاتي، لم يرجع أحد منهم.”
ضربت فانيسا بقبضتها على الجدار الرخامي وقالت بغضب مكتوم: “حمقى! لم يستطيعوا حتى إصابة فتاة ضعيفة؟”
ثم نظرت إلى الوصيفة بعينين متقدتين: “اسمعيني جيدًا… إذا علم أحد بما حدث، سننتهي جميعًا. افعلي ما يلزم. لا أريد أن يبقى أثر واحد منهم.”
🌑 في الظل الآخر
في تلك الليلة، كان كايروس يسير وحده في ممر طويل يطل على الحديقة. حين مرّ بجانب النافذة، لمح شيئًا من بعيد: ظلٌ يتحرك بخفة بين الأشجار.
وقف بلا صوت، وعيناه تتابعان الحركة. كانت إيفانجلين هناك، ترتدي ثوبًا أسود، تمسك سيفها وتتمرن ببطء تحت ضوء القمر، كما لو كانت ترقص مع الظلال.
راقبها طويلًا، لم يقاطعها، لم يتحدث. لكن في ذهنه، كانت تتشكل خيوط جديدة من الأسئلة:
“من درّبكِ على القتال يا فتاة؟ ولماذا تتدربين خفية؟”
ثم رفع بصره إلى القمر، وقال في نفسه: “ربما النبوءة لم تكن مجرد أسطورة بعد كل شيء.”
في عمق الغابة، حيث لم يصل أحد، كانت هناك عين أخرى تراقب كل شيء من فوق شجرة عالية. رجل غامض يرتدي عباءة رمادية، يحمل قلادة عليها نفس الرمز المنقوش على الكتاب القديم الذي اختار إيفانجلين.
ابتسم لنفسه وقال بهمسٍ غامض: “أخيرًا… ظهرت وريثة الدم الملكي. اللعبة بدأت.”
التعليقات لهذا الفصل " 13"