رافائيل، لماذا فعلت ذلك؟.
لماذا وهبتَ قلبك للمرأة التي قابلتها لأول مرة يوم زفافك؟
في يومٍ ما، عندما ينتهي كل هذا…
هل سيأتي اليوم الذي أسمع فيه السبب منك مباشرةً؟.
❈❈❈
بعد خروجي من المكتبة، ركضتُ بجنون متجهةً إلى المبنى الرئيسي لمقر إقامة الدوق الأكبر.
المطر الذي لم يتوقف كان قد أغرق جسدي بالكامل.
في برودة الفجر التي تخترق العظام، فكرتُ في رافائيل مرة أخرى.
لا بد أنه كان يعاني ويشعر بألمٍ أشد في كل مرة يهطل فيها المطر.
حتى لو لم يستطع عقله تذكّره، فإن الألم منقوشٌ بعمق في روحه. هل كان لموتي وقعٌ كبيرٌ عليه إلى هذا الحد؟
لذلك، في كل مرة، كان الألم شديدًا…
هل ظل يتحمل هذا الفراغ في قلبه منذ ولادته بلا سبب؟
رافائيل.
كلما خطَر اسمه في ذهني، يخفق قلبي بقوة، وكأنه يسقط في الهاوية.
لم أستطع نسيان صورة ذلك الرجل وهو راكعٌ أمام الدائرة السحرية الضخمة.
—دوِيّ.–
فتحتُ باب الغرفة على عجلٍ وركضتُ نحو السرير حيث كان مستلقيًا.
رغم أنه لم يستعد وعيه بعد، كنتُ أريد فقط أن أرى وجهه.
كنتُ ألهثُ من شدة الركض، لكن أنفاسي بدأت تهدأ تدريجيًا.
ثم اقتربتُ منه ببطءٍ وأصغيتُ جيدًا.
“إنه يتنفس… أسمع صوته.”
شعرتُ أن هذا وحده كان كافيًا في الوقت الحالي.
الآن، كل ما أردتهُ من رافائيل هو أن يظل على قيد الحياة، حتى أتمكن من سداد دينٍ لن أستطيع سداده أبدًا طوال حياتي.
–تَقطّر، تَقطّر…–
بضع قطراتٍ من الماء انزلقت من ملابسي المبللة، لتبلل الأرضية تحتي.
رفعتُ يدي بحذر، ثم مررتُ أصابعي بلطفٍ في خصلات شعره السوداء.
مجرد النظر إليه جعل صدري ينقبض من الألم.
“حينها… كنتَ تتمنى لي السعادة.”
تمتمتُ بصوتٍ خافت.
كان بإمكانك أن تتمنى إنقاذ حياتي… أو العودة بالزمن إلى الوراء.
ومع ذلك، من بين كل الخيارات، اخترتَ فقط أن تتمنى لي السعادة…
“أنا الآن…”
ما إن فتحتُ فمي، حتى خرج صوتي مرتجفًا دون أن أدري.
“أنا سعيدةٌ جدًا الآن، رافائيل.”
جاءتني دفعة واحدة كل الذكريات من قبل أن يعود الزمن إلى الوراء، مما جعل رأسي يدور.
لكنني تذكرتُ بوضوح تلك الأيام المؤلمة، والشعور بأن العيش لم يكن عيشًا.
حياةٌ لم أتمكن فيها حتى من إشباع احتياجاتي الأساسية من الطعام أو النوم بشكلٍ سليم.
خلال أوقات الطعام، كنتُ أتصنّع الشك تجاه الدوق، وفي الليل كنتُ أعاني من الأرق بسبب ذكريات الإساءة اللفظية والجسدية.
لكن الآن…
كل شيء تغيّر.
أصبح هناك أشخاصٌ حولي.
أصدقاء مثل سارة وصوفيا، بل وحتى حبيبٌ مستعدٌ لأن يهب قلبه من أجلي.
كنتُ أستيقظ كل صباحٍ متشوقةً لوجبة الإفطار في قاعة طعام الدوق الأكبر.
وأستلقي على سريرٍ دافئ في نهاية اليوم، مستمتعةً باستعادة الذكريات الجميلة.
لولا وجوده، لما عرفتُ أبدًا أن مثل هذه المشاعر موجودةٌ في هذا العالم.
تذكرتُ آخر محادثة جمعتني برافائيل قبل أن يفقد وعيه.
ماذا قلتُ له حينها؟
“رافائيل، أنا أكرهك كثيرًا.”
الكلمات التي تفوّهتُ بها وكأنها شكوى، عادت إليّ الآن وطعنتني في صدري كخنجر.
كنتُ أريد أن أخبرك أنني لا أكرهك.
كنتُ أريد أن أعترف لك مجددًا، بروحٍ أكثر صفاءً من أي وقتٍ مضى، أنني أحبك.
وأنا أنظر إلى رافائيل النائم وكأنه لن يستيقظ أبدًا، تذكرتُ مزاحه ذات مرة.
كان ذلك في اليوم الذي وصلتُ فيه إلى مقر إقامة الدوق الأكبر لأول مرة، بينما كنتُ أعتقد أنه مجرد قصر الكونت.
“أحتاجُ إلى قبلة منكِ لأكسر اللعنة، إينري.”
“حسنًا، هذه مجرد كذبة، أليس كذلك؟”
“نعم.”
حتى عندما فكرتُ في الأمر مجددًا، لم أستطع سوى الضحك على تلك المزحة السخيفة.
وفي الوقت نفسه، امتلأت عيناي بالدموع.
الآن، أتمنى بشدة لو كانت حقيقية.
أتمنى أن تكون لعنة يمكن كسرها بقبلةٍ واحدة فقط. أو بالأحرى…
أتمنى لو يفتح عينيه على الفور، كما في القصص الخيالية.
سقط ضوء القمر على وجه رافائيل الشاحب، مما جعله يبدو أكثر شحوبًا.
لكن شفتيه ظلّتا حمراوين بما يكفي ليبدوان جميلتين.
تقدمتُ نحو السرير وكأن شيئًا ما جذبني إليه.
ركعتُ على الأرض، وأسندتُ مرفقيّ على السرير، ونظرتُ إليه.
أريد أن أرى عينيه مجددًا، عميقتين وزرقاوين كالبحر.
وفي نهاية نفسٍ مرتجف، لامستُ شفتيه الدافئتين.
كان قبلةً سرية وأحادية الجانب.
رائحته كانت تُشبه الشتاء البارد، تمامًا كما تخيلته دائمًا.
أغمضتُ عيني كما لو كنتُ أغوص في برودةٍ لا نهائية.
لم أستطع معانقته أو الإمساك بيده، لذا اكتفيتُ بحبس شفاهنا معًا لبضع ثوانٍ.
كانت قبلة بريئة وخجولة، وكأنها لم تكن سوى وسيلةٍ لتبادل الدفء.
لكنني ما إن ابتعدتُ عنه، وكأنني أهرب، حتى بدأت دموعي تتساقط بلا سبب.
“أنا أحبك…”
خفضتُ رأسي، متمنيةً أنه عندما أرفع نظري مجددًا، سيحدث معجزة ويفتح عينيه.
لكن ذلك لم يحدث.
سكن الصمت الجحيمي طويلًا.
ثم في تلك اللحظة—
فجأة، ارتفعت يدٌ باردةٌ وأحاطت بمؤخرة عنقي.
شهقتُ، واتسعت رؤيتي لتكشف عن عينين زرقاوين تتوهجان في الظلام.
“راف… تبًا.”
قبل أن أتمكن من إنهاء اسمه، امسكني بقوة مرة أخرى.
أمسك رافائيل بيدي التي كانت تتحرك في الهواء، وضغطها على الملاءة.
بدأت قبلةٌ عميقة دون أن ينطق أحدنا بكلمة.
كانت مختلفةً تمامًا عن تلك التي سرقتها منه قبل قليل.
شعرتُ بتيارٍ دافئٍ يسري في صدري، وكأنه يخترقني ببطء.
ثم، بدأ رافائيل برفع جسده تدريجيًا.
ثم أدخل ذراعه بين ساعديّ، ورفعني من مكاني على الأرض، ليضعني برفقٍ على السرير.
“م-ما هذا؟ أُغ… أُغ…”
وقبل أن أتمكن حتى من الاحتجاج، قبلني مجددًا.
وكأنه شعر بجسدي يفقد توازنه، لفّ يديه الكبيرتين حول خصري.
عندما لامس بروده جسدي الساخن، ازداد توتري بشكلٍ غريب.
سمعتُ صوت احتكاك ساقيّ بالسرير، وكأن نبيذًا قُدِّم لشخصٍ كان جائعًا منذ زمنٍ طويل.
كانت خشنةً، لكنها في غاية الرقة…
وكانت شعورًا غريبًا… لكنه جميل.
“هاه…”
بمجرد أن انفصلت شفاهنا، أطلقتُ النفس الذي كنتُ أحتبسه طوال الوقت.
كانت نظرات رافائيل لا تزال تحمل ذلك الحزن العميق.
لم أعرف ماذا أقول في هذه اللحظة، وبينما كنتُ أبحث عن الكلمات المناسبة، كان هو من بادر أولًا.
“هل هذا صحيح؟”
“م-ماذا؟”
“هل تحبيني حقًا؟”
كان صوته يضغط على كل كلمة وكأنه يريد إجابةً حاسمةً على الفور.
شعرتُ بحرارةٍ تتصاعد إلى وجهي.
تلعثمتُ، وأخرجتُ إجابات لم تكن إجابات.
“واو، منذ متى كنتَ مستيقظًا؟ ظننتُ أنني قد لا أراك مجددًا…”
“إذًا، اعترفتِ وقبّلتِني… لأنني فقدتُ وعيي؟”
في الواقع، كان هناك سبب آخر، لكن لم يكن بإمكاني إخباره به الآن.
عندما بقيت صامتةً ولم أنطق بكلمة، ابتسم رافائيل بمكر.
“إذًا، أنا سعيدٌ حقًا. أعتقد أن هذا أفضل شيءٍ فعلته في حياتي.”
“هل أنت مجنون حقًا؟”
كان الأمر سخيفًا لدرجة أنني رفعتُ يدي بشكلٍ غريزي وصفعته.
حتى وهو يتلقى الضربة مني، لم يتمكن من إخفاء الجدية التي ارتسمت على شفتيه.
شعرتُ وكأنني قد نسيتُ تمامًا كم كنتُ قلقةً عليه قبل لحظات.
“بمجرد أن سمعتُ صوتكِ، شعرتُ بأن قلبي ينبض بقوة.”
“…”
“بفضلكِ، فتحتُ عيني. إنري، أنتِ دائمًا ساحرة.”
عندما نظرتُ إليه فجأة وهو يتحرك، شعرتُ بالارتباك، ولم أدرِ كيف أتعامل معه.
قلبي ظلّ يخفق بجنون.
شعرتُ بالحيرة حول أين أضع يدي، لذلك وبشكلٍ لا واعٍ، وضعتها على فخذي، وأطلقتُ أنينًا خافتًا.
كانت الندوب التي خلفتها نيران السحر الأسود على جلدي تؤلمني بشدة.
“ما بكِ؟”
رافائيل لم يكن من النوع الذي يتجاهل شيئًا كهذا.
لم يسحب طرف تنورتي، احترامًا لحساسية الموقف، لكنه وضع يده بعناية فوق الموضع الذي لامسته يدي.
لم يكن هناك جرحٌ واضح، لكن جلدي كان متورمًا وأحمر وساخنًا.
“ماذا حدث؟”
سأل بعينين مليئتين بالقلق.
ثم قفز من مكانه فجأة دون تردد.
“استدعوا الطبيب فورًا…”
بينما كان رافائيل على وشك المغادرة، أمسكتُ بطرف ملابسه بسرعة وأوقفته.
“ليس الأمر كما تظن. أنا بخير.”
“لكن، إنري…”
“إنها إصابةٌ حصلتُ عليها أثناء تدريبي على السحر. ستشفى قريبًا.”
رغم قولي ذلك، لم يختفِ التجهم عن وجه رافائيل.
وفي النهاية، حاولتُ التخفيف عنه بمزحة خفيفة.
“على أي حال، إنه فخذي فقط… لن يكون من اللطيف أن أرى أي ندوب هناك.”
“هذا لا يهم.”
قاطعتني كلماته الحاسمة، وكأنه لا يفهم كيف أفكر.
ارتسم القلق العميق على ملامحه، وشفتاه ضغطتا على بعضهما، وكأن هناك شيئًا يُزعجه بشدة.
وعندما رأيتُ ذلك، بدأت دموعي تتساقط مجددًا.
حتى عندما لا أريد البكاء، لا يسعني إلا أن أفعل ذلك حين يهتم بي رافائيل بهذه الطريقة.
“كما توقعت، يجب أن نستدعي الطبيب الآن…”
اعتقد أن عينيَّ المحمرتين كانتا بسبب الألم، فحاول النهوض، لكنني عانقته فجأة.
رغم أننا قد تبادلنا القُبل من قبل، إلا أنني لم أكن معتادةً على العناق، لذلك شعرتُ بعموده الفقري يتصلب للحظة.
“…”
ساد الصمت طويلًا، ثم تحدثتُ بصوتٍ مرتجف.
“ألا يمكنكَ فقط البقاء بجانبي؟”
سمعتُ صوت ابتلاعه وهو يحرك عنقه.
ركع بجانبي تمامًا كما فعلتُ من قبل.
وحين تلاقت أعيننا، هبطت شفتيه على خدي الرطب بالدموع.
رغم الألم الخفيف، إلا أن درجة حرارة جسده المنخفضة شعرتُ بها باردةً ومنعشة على مكان الحرق.
في تلك اللحظة، امتلأ الجو بتوترٍ غريب.
كنا كلانا نفسر هذه الأجواء بنفس الطريقة.
“… حتى الصباح؟”
خرجت كلماته بصوتٍ منخفضٍ وخافتٍ بالكاد يُسمع، وهو يهمسها على بشرتي.
كان يسأل، وكأنه يطلب إذنًا، ولاكن بدلًا من الإجابة، لففتُ ذراعيّ حول كتفيه القويين.
لم تستمر ترددي طويلًا.
تنهد رافائيل وكأنه يطلق أنفاسًا مكبوتة.
ثم التقت شفاهنا مجددًا.
ترنحتُ للخلف، ولم يستطع جسدي تحمل قوة المشاعر.
وحينها، رفع رافائيل جسده من الأرض وصعد فوقي على السرير.
رأيتُ ظلًا يتحرك على السقف، بدا وكأنه ذئبٌ ضخم ينقضُّ عليّ.
كانت ليلةً طويلة، طويلةٌ جدًا، وكأنها لن تنتهي أبدًا.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 95"