“أنا الدوق الأكبر كرونهارت.”
كايل، لا. وفقًا لما سمعته للتو، لا بد أنه رافائيل كرونهارت.
كان تعبيره جادًا، ولم يكن يبدو وكأنه يمزح على الإطلاق.
لكن مهما كان الأمر، مثل هذا الهراء…
لا، هذا لا يعقل.
لابد أن هذا حلم. يجب أن يكون حلمًا.
نعم، أشعر بارتباك شديد.
بسبب السعال الذي استمر لعدة أيام، كان صدري مشدودًا في كل مرة أتنفس فيها. وربما لأن الوقت كان لا يزال مبكرًا في الصباح، بدأت حرارتي ترتفع ببطء.
شعرت بالوهن وكأنني سأفقد وعيي في أي لحظة.
سقط جسدي إلى الخلف بهدة، ولمس رأسي وسادة ناعمة.
“إنري؟ إنري!”
رنّ صوت كايل وهو يناديني في أذني.
اليوم هو اليوم السابق للزفاف. إنه مجرد حلم كبير.
غدًا سيكون يومًا أفضل.
❈❈❈
هاه…
بعد بضع ساعات، استيقظت وأنا ألهث بشدة.
بينما كنت أدير رأسي بسرعة، كان أول شيء رأيته هو وجه سارة.
نظرت إليّ باستغراب وسألت،
“ما بكِ، آنستي؟”
لم أستطع قول شيء، واكتفيت بالرمش ببلاهة.
عندما نظرت حولي، أدركت أن الوقت كان لا يزال في الصباح الباكر. كانت النسمات الباردة تتسلل عبر شقوق النوافذ.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي بسبب البرودة التي لامست بشرتي، واستعدت وعيي من حالتي النصف نائمة.
“لماذا كنتُ مندهشة إلى هذا الحد قبل قليل؟”
هذا غريب… لا أذكر حتى كيف غفوت.
هززت رأسي عدة مرات ثم رويت عطشي بالماء الذي قدمته لي سارة.
ومع عودة ذهني إلى صفائه، فتحت فمي وتحدثت،
“أظن أنني رأيت حلمًا غريبًا جدًا… لا أذكره، سارة.”
قطّبت حاجبيّ وواصلت الحديث،
“هل تعرفين ذلك الشعور وكأن شخصًا ضربكِ على مؤخرة رأسكِ بهراوة صلبة؟”
عبست وأنا أفرك مؤخرة رأسي بيدي رغم أنني لم أشعر بأي ألم.
“لقد كان وكأنني تلقيتُ صدمة هائلة.”
رغم علمي بأن كلماتي ستبدو غريبة، لم أستطع التوقف عن سرد تفسيرات متتابعة.
هل كان مجرد كابوس بسبب البرد؟.
شعرت بعدم الارتياح الشديد لأنني لم أتمكن حتى من تذكر تفاصيله بوضوح.
نظرت إليّ سارة بتعبير يوحي بالأسف، لكنها لم تملك شيئًا تفعله حيال ذلك.
“سيدتي، حتى لو كنتِ لا تشعرين بأنكِ بخير، عليكِ النهوض أولًا.”
“ما الأمر؟”
“علينا التحضير للزفاف!”
لم يكن هناك مرآة، لكن عندما نظرتُ إلى وجه سارة، بدا وكأنني كنتُ أتساءل إن كان الزفاف اليوم. هزّت سارة رأسها وأمسكت بكتفي لتساعدني على النهوض.
“هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به.”
قادتني بلا تردد، رغم أنني كنتُ لا أزال مشوشة، إلى الحمام.
كان هناك بالفعل خمس أو ست خادمات بانتظاري هناك.
لم يكن لدي أي وقت لاستيعاب الموقف قبل أن يغرق جسدي في حوض الاستحمام. جعلني البخار المتصاعد من الماء الساخن أشعر بالدوار مرة أخرى.
سألتني إحداهن بلطف بينما كنتُ على وشك النعاس،
“هل درجة الحرارة مناسبة؟”
“أوه… إنها دافئة ولطيفة.”
مع ارتخاء جسدي، نسيتُ ذلك الحلم المجهول.
‘نعم، بما أنني لا أتذكر حتى تفاصيله، فلا بد أنه لم يكن شيئًا مهمًا.’
بما أنه اليوم السابق للزفاف، فلا شك أنني كنت متوترة جدًا لدرجة أنني وجدت صعوبة في النوم.
وبحلول نهاية الاستحمام، شعرت بأن جسدي المتعب قد انتعش كثيرًا، وتحسن مزاجي.
ثقة عمياء غريبة…
في ذلك الوقت، كنتُ واقعة في حبه لدرجة أن فكرة الابتعاد عنه لم تخطر ببالي حتى.
بعد أن طمأنتُ نفسي، استسلمتُ للنوم قليلًا بينما كنتُ جالسة أمام طاولة الزينة، حيث قادتني الخادمات إلى هناك.
حاولتُ تجاهل الشعور بأن زاوية صغيرة من قلبي كانت تهتز بقلق.
“يجب أن نزين الرموش.”
“هل يجب أن نترك هذا الشعر المجعد كما هو؟”
سمعتُ أصوات الخادمات وهنّ يجربن شيئًا مختلفًا. بدا أنهنّ بذلن جهدًا خاصًا مع بشرتي الشاحبة بعد أن بقيتُ في غرفتي لعدة أيام.
اخترقت أذني كلمات غريبة كان يصعب عليّ التفوه بها.
“إذا جعلنا وجنتيها أكثر احمرارًا قليلًا، فستبدو مثل جنية غابة تحضر زفافًا في عالم البشر.”
“هذا صحيح. لأنها كانت تحمل في قلبها مشاعر حب قوية منذ البداية.”
هل كانت الخادمة الصامتة والباردة عادةً تفكر بي بهذه الطريقة؟
كان وجهي يحمرّ بما يكفي حتى دون الحاجة إلى وضع أحمر الخدود.
والنتيجة… كانت رائعة حقًا.
“…”
عندما أُزيلت اللمسات الأخيرة، تراجعت الخادمات اللاتي كنّ يعملن على وجهي خطوة إلى الوراء، ونظرن إليّ بصمت قبل أن يفقدن الكلمات تمامًا.
وفي تلك الأثناء، وبينما كنتُ مستغرقة في النعاس، شعرتُ بجو غريب يحيط بي، ففتحتُ عينيّ. وعندما نظرتُ إلى المرآة المقابلة لي مباشرة، اتسعت حدقتاي على الفور.
“أنتِ جميلة، سيدتي.”
للحظة، كانت المرآة أمامي غريبة جدًا لدرجة أنني لم أستطع حتى التفكير فيها كمرآة. لكن عندما أمعنتُ النظر، أدركتُ أن الشخص المنعكس فيها لم يكن سوى نفسي.
كما وصفتني الخادمة سابقًا، كنتُ جميلة كجنية، لكنني شعرتُ بنقصٍ ما في وجنتيّ النحيفتين.
لكن، لسبب ما، شعرتُ أن ذلك يتناسب مع الفستان الذي كنتُ أرتديه اليوم.
شعري الوردي الطويل، المتموج قليلًا، كان ينسدل إلى خصري. أما عنقي الأبيض، فقد كان مزيّناً بالمجوهرات التي قدمها لي كايل كهدية قبل الزفاف. كانت عدة ماسات وردية تتلألأ بجمال، لكنني شعرتُ بأنها تبدو ثقيلة قليلًا على عنقي النحيل.
وفي اللحظة التي انحنيتُ فيها للخلف لأتفحص شكلي عن كثب، التقت عيناي بعينيّ سارة التي كانت تنظر إليّ من خلفي عبر المرآة.
لسبب ما، حدّقت إليّ سريعًا ثم صرفت نظرها.
لقد رأيتُ بوضوح تعبيرها المرتبك والمرتجف في المرآة.
سارة، التي تلاقت عيناها بعينيّ، ضغطت على شفتيها كما لو أنها شعرت بشيء غريب.
كان لا يزال لدي بضع دقائق لأسألها عن الأمر، لكنني فقط أدرتُ رأسي بعيدًا.
“هل ترغبين في النهوض الآن، آنستي؟”
“أوه… نعم.”
أجبتُ ببطء على سؤال الخادمة الأخرى، واستعددتُ للذهاب إلى غرفة الانتظار.
حتى عندما استرجعت ذكرياتي السابقة لاحقًا، لم أتمكن من فهم سبب تصرفي بذلك الشكل.
حسنًا… ربما كنتُ حينها عمياء بسبب الحب حقًا.
❈❈❈
وصل جميع الضيوف، وأصبحت قاعة الاحتفال في قصر الكونت صاخبة للغاية.
وبعد المراسم، تم تجهيز حفل استقبال فاخر في الهواء الطلق.
راجعتُ الجدول الزمني بأكمله مرة أخرى، ثم ذهبتُ لرؤية كايل.
ومن مسافة بعيدة، استطعتُ رؤية رجل له هيئة مختلفة عن المعتاد.
كان كايل، مرتديًا زيه العسكري الرسمي بزاويته الحادة.
اقترب كايل أكثر فأكثر، واسترخت ملامحه عندما رآني.
دون أن يدرك ذلك، بدأ في تسريع خطواته نحوي.
كما هو متوقع، أنا أحبه كثيرًا.
“إنري.”
بمجرد أن اقترب، همس باسمي بلطف وعانقني. لم يستغرق الأمر سوى لحظة حتى احتوتني ذراعاه الكبيرتان وأنا مرتدية فستان الزفاف.
رفرفت قدماي في الهواء للحظة قبل أن تلامسا الأرض مجددًا.
ارتبكت الخادمة بجانبي، قلقة من أن يفسد ذلك زينتي، لكنه لم يتردد في احتضاني بإحكام.
“هل أبدو بخير؟”
“… أنتِ جميلة لدرجة أنني أرغب في إلغاء الحفل فقط لأتمكن من تأملك.”
إنه كايل المعتاد، كما توقعت.
تلاشت كل مخاوفي، سواء كنتُ مدركة لها أم لا، وابتسمتُ بفرح.
‘ بعد كل شيء، لم يكن سوى حلم.’
في اللحظة المناسبة، نادى علينا صوتٌ، فبدأنا نسير معًا.
أؤكد لكم، كنت اليوم أكثر العرائس سعادةً في العالم.
هل لأنني تزوجت من شخص أحبه؟ أم لأنني أصبحت أميرة بعدما وقع الأمير في حبي؟ . لا شيء من هذا يهم. الحفاظ على حياتي هو الأهم.
الحياة الثانية التي حصلت عليها كانت ببساطة الأسوأ.
لقد وُلدت كـساحرة، وعشت طوال حياتي مُستغلة من عائلتي، وعندما نفذت قوتي السحرية وأصبحت بلا فائدة، تم بيعي وتزوجت و كأنني مجرد شخصية ثانوية في إحدى الروايات.
بل والأسوأ من ذلك، في الليلة الأولى من زواجي، قُتلت على يد زوجي الدوق الأكبر كرونهارت، الذي كان الشرير في الرواية الأصلية.
آه، بمجرد أن تذكرت مستقبلي في الرواية الأصلية، بدأ جسدي يرتجف.
فتحت فمي تحت الحجاب وهمست بصوت منخفض.
“لحسن الحظ، التقيت بكايل في ذلك الوقت. لو لم يكن الأمر كذلك، لربما أصبحت عروس الدوق الأكبر دون فرصة للهروب، أو كان يجب علي الهروب قبل أن يحدث ذلك.”
حينما ارتديت فستان الزفاف، إبتسم الرجل الذي إستقبلني بشفاهه المترهلة.
كان مظهره رائعًا بشكل مدهش، على الرغم من أنه كان مجرد شخصية ثانوية لم تذكر في الرواية الأصلية.
لكنني حاولت تهدئة قلبي الذي بدأ يخفق بسرعة، وأخذت نفسًا عميقًا.
على الرغم من أن زواجي كان مجرد زواج عقدي للهروب من الدوق الأكبر، إلا أنني كنت متأكدة بأننا سنكون زوجين جيدين في الوقت الحالي.
في تلك اللحظة، إرتفعت أصوات الخدم معلنةً دخولنا.
“إبنة دوق وينترسوار الكُبرى، العروس إينريكا وينترسوار تدخل!”
بعد تقديمي السريع، لاحظت أن الخادم بدا متوترًا وهو يحاول التحدث.
” و سيد أراضي لين، وكالوسي، وليومي، وباتينا، وإيروس، …”
إنتبهت فجأة، وكان هنالك شيء غريب قد تغير في الجو.
نظرت إليه بتقاطع حواجبي، ثم همست إليه بإستفهام:
“هل كانت لديك كل هذه الأراضي؟”
إبتسم الرجل دون أن يقول كلمة، وإستمر الخطاب في تقديم الألقاب.
” و لوتشيو كَانِيا و ليرِيو فوبونِت و روفولي تانس ، و دوقية راينر وكانارد..”
بدأت نظراتي تتسع خوفًا، وتوجهت بنظري نحو الرجل الذي كان من المفترض أن يكون مجرد “كونت عادي.”
لم يكن هناك أي ذكر لهذا مسبقًا.
“سيف الإمبراطورية، مالك عائلة كرونهارت.”
إنتظرت قليلاً وأنا أحاول فهم ما سمعته.
ثم، فجأة، دخل الإسم الذي كنت أهرب منه طوال الوقت إلى أذني.
“العريس الدوق الأكبر كرونهارت رافائيل، يدخل!”
قبل أن أتمكن من الصراخ بأن هناك خطأ ما…
في النهاية، كانت هناك عيون مفترسة مثل عيون الوحش التي أمسكت بفريستها.
“لنذهب، عروستي.”
إبتسم رافائيل بإبتسامة بطيئة وهو يمسك بيدي المتصلبة وأخذني معه.
كان ذلك الوجه الذي لطالما إعتقدت بأنه وسيم بطريقة غريبة، بنفس التعبير.
كُنت بحاجة لبعض الوقت لفهم الوضع وأنا ثابتة في مكاني.
لكن في النهاية، كانت النتيجة واحدة.
كنت احاول تجنب الأسد ولاكن انتهى بي الأمر إلى عرينه.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 78"