“قالت إنها ستأتي لزيارتك.”
هل أفهم من ذلك أنها كتبت رسالة تطلب فيها تأجيل موعد لقائنا؟
“متى؟”
“الآن”
خرج صوت غريب، لم أسمعه من قبل، من فم فيرمونت.
طرفت بعيني في حيرة، ثم خطرت لي فكرة فجأة.
قد تبدو صوفيا جريئة للوهلة الأولى، لكنها ليست متهورة إلى حدّ عدم احترام ظروف شخص يتألم.
إذا قررت أن تأتي للزيارة، فلا بد أن لديها سببًا وجيهًا.
“ما الذي جاءك ردًا على رسالتها؟”
“هذا هو…”
تردد فيرمونت، وكأنه متردد بشأن شيء ما.
شعرت بأن في سلوكه أمرًا غريبًا، فهززت القطة سريعًا.
“لا يمكنك إخباري الآن!”
“في الأصل، كان ينبغي أن أتركك ترتاح، لكن بعد أن رأيت خط اليد في الرسالة، شعرت بقلق شديد لم أستطع تحمله.”
تحدث القط بنبرة ناعمة، وهو يتأرجح في قبضتي.
“ماذا؟ ماذا بشأن الخط؟”
“أنت لا تزال حديث العهد بالتطور. يبدو أنك حتى لا تملك القوة الكافية للإمساك بريشة، لذا كان لا بد لي من التحقق من حالتك شخصيًا.”
عندما سمعت تلك الكلمات، نسيت أمر الصداع، وخفضت صوتي وصرخت.
“كنت أظن أنه من الغريب أنك تستمر في كتابة الرسائل على هيئة قط!”
“حسنًا، الأمر هو…”
توقف قلبي للحظة عندما رأيته يمدّ لسانه.
صحيح، السبب في أن فيرمونت لم يتحول إلى شكله الحقيقي هو شعوره بالأسف بسبب الأذى الذي تسبب لي به.
“أيها الأحمق، ما الفائدة من زيارتك لي إذاً؟”
في اللحظة التي كنت على وشك أن أعتذر له بصدق، فتح القط فمه.
“لقد كان الأمر مزعجًا وحسب.”
“ماذا؟”
ذيل متدلٍّ، وشوارب منخفضة.
كان ذلك دليلًا واضحًا على الحقيقة.
لكن بسبب الأفكار التي راودتني للتو، لم أستطع أن أغضب بهدوء.
“آهغ.”
في النهاية، أطلقت أنينًا غريبًا، دون أن أتمكن حتى من الصراخ.
كان وجهي منتفخًا من النوم طوال اليوم، ولم أكن أشعر بأنني على ما يرام بعد.
كما أنها كانت أول مرة أستقبل فيها زوارًا في المنزل، لذا كنت قلقة بعض الشيء.
“ماذا عن كايل؟”
“سمعت أنه مشغول أو أنه خرج إلى مكان ما.”
كانت تلك أخبارًا سيئة، فالشخص الذي أثق به أكثر لم يكن في المنزل.
“وماذا عن سارة؟”
“ذهبت لتتحقق مما إذا كان معلمها لا يزال مقيمًا في قصر الدوق. وقالت إنها آسفة لعدم بقائها إلى جانبك أكثر.”
واو، كان هذا أمرًا كبيرًا حقًا.
الشخص الوحيد الموجود حولي الآن هو قطة تبدو مفيدة ولكنها عديمة الفائدة في مثل هذه المواقف.
أخذت نفسًا عميقًا، فكرت قليلًا، ثم اتخذت قرارًا كبيرًا في النهاية.
“هل ميلوا موجود في قصر الكونت؟”
“آه، نعم.”
“إذًا يمكنك الذهاب الآن.”
غادر فيرمونت الغرفة وهو يبدو مكتئبًا بعض الشيء بعدما طُرد منها.
سحبت الحبل بسرعة، ثم تحدثت إلى الخادمة التي بدت على وجهها نظرة متفاجئة.
“هل يمكنكِ أن تجلعيني أبدو على الأقل بمظهر مقبول؟ وأرجو أن تستدعي المساعد ميلوا إلى الغرفة.”
“حاضر، آنستي.”
أمرت الخادمةُ مساعدتَها بإحضار ميليوا، ثم بدأت في تجهيزاتي.
ربما كانت شخصًا ذكيًا وسريع البديهة بطبيعتها، ففي غمضة عين، بدّلتني إلى هيئة أفضل مما توقعت.
اختاروا ملابس مناسبة للارتداء داخل المنزل، لكنها لم تكن خفيفة للغاية، لذا تمكنت من تبديل ملابسي بسرعة.
بعد ذلك، بينما كنت أمشط شعري المتشابك بالكامل وأحاول تخفيف الانتفاخ عن وجهي ، و دخل ميليوا.
“ما الأمر، آنستي؟”
“أنا آسفة، لكن انظر إلى هذا.”
رغم أنني كنت أتصرف بوقاحة حين أريته رسالة ردّ صوفيا، إلا أن ميليوا قرأها بهدوء.
بعد ذلك، صار تعبيره جادًا مثل تعابيري، وأصدر صوتًا متأملًا: همم، همم، همم.
“في الوقت الحالي، آنستي، استقبلي ضيفتكِ كما أنتِ. سأقوم بنقل الطاولة والكراسي بجانب السرير وتقديم الشاي.”
“أوه، حسنًا.”
“سأخبر الخدم بتنظيف الغرفة، ثم أخرج لمقابلتها.”
سرعان ما قيّم الموقف وتعامل معه بكفاءة لمساعدتي في الاستعداد.
لو كنت أنا، لكنت تصرفت بفظاظة واستقبلت الضيفة بطريقة غير لائقة.
كما هو متوقع، كان إرسال إشارة استغاثة إليه خيارًا صائبًا.
“رائع. لكن، هل من اللائق استقبال الضيوف وأنا جالسة على السرير؟”
“إنها تزور مريضة، لذا سيكون الأمر على ما يرام. وإن سمحتِ لي بالحكم—”
قال ميليوا بابتسامة طفيفة بعد أن قرأ الرسالة.
“يبدو أن هذه الفتاة تهرع إليكِ حقًا لأنها قلقة عليكِ. لا أعتقد أنها ستُعير الكثير من الاهتمام لآداب الضيافة.”
هدأت كلماته ذهني المتوتر فجأة.
“أعلم.”
لماذا كنت قلقة هكذا؟!.
هذه أول مرة أدعو فيها ضيوفًا إلى منزلي، لذا لم أكن أريد ارتكاب أي خطأ.
ورغم أنني لم أكن مريضة بقدر ما كانت صوفيا قلقة، إلا أنني لم أكن في أفضل حالاتي.
لكن صوفيا لم تأتِ لتُعامَل كضيفة، بل جاءت لأنها قلقة عليّ.
لأنها صديقتي.
“شكرًا لك.”
ابتسمتُ وأنا أخاطب ميليوا، بعدما كنت قد نسيت أمرًا مهمًا.
“أتيت إليّ رغم انشغالك وساعدتني كثيرًا.”
“لا بأس، تحسّني قريبًا. آه! كحم! عظيم. يبدو أن سعادة الكونت ليس الوحيد القلق عليكِ.”
“أظن أن ميليوا يسعل أكثر مني. هذا يحدث في كل مرة أراك فيها.”
سمعتُ أن السعال الطويل ليس جيدًا للصحة.
“آه، هذا… لا، لا. إذن، سأذهب للاستعداد لاستقبال الضيوف.”
عندما نظرتُ إليه بعيون قلقة، أحدث ضجة وغادر الغرفة على عجل. لم أكن أعلم أن القلق على خطيبة رئيسه كان عبئًا عليه.
“الآن بعد أن فكرت في الأمر. لا بد أن ذلك مزعج له أيضًا.”
في المرة القادمة التي اراه فيها، يجب أن أشاركه بعض الأعشاب التي أرسلها لي تريستان أمس على الأقل.
بعد تناولها، شعرتُ حقًا أن طاقتي السحرية تتراكم بشكل أسرع.
هل مرّت ساعة منذ ذلك الحين؟
وصلت صوفيا، التي بدت وكأنها كانت تجري لمدّة شهر، إلى قصر الكونت.
❈❈❈
“إنريكا!”
“واو، صوفيا. مرحبًا.”
“يا إلهي، وجهك لا يزال منتفخًا بعض الشيء. هل تشعرين بآلام شديدة في جسدكِ؟”
“هل أبدو بهذا السوء؟”
قال لي كايل ألا أقلق بشأن أي شيء، لكن في أعماقي كنت قلقة من أن يتضرر وجهي قبل الزفاف.
بدت صوفيا متجهمة قليلًا ولمست خدها، ثم أجابت بإحراج.
“لا، لا! لقد بالغتُ بسبب قلقي عليكِ. ما زلتِ جميلة.”
أحرجني جوابها الذي كان يحاول طمأنتي، فانتهى بي الأمر بالضحك.
ضحكت صوفيا معي، ثم سألت.
“هل أنتِ قلقة بشأن الزفاف؟”
“نعم، يجب أن أكون بحالٍ أفضل بحلول ذلك الوقت.”
عندها، أخرجت صوفيا شيئًا بحذر من الأمتعة التي جلبتها معها.
“عادةً لا أطلب أشياء كهذه بدافع الفضول، لكن… عزمتُ أمري وسألتُ سمو الأمير.”
بعد لحظات، كانت بيدها ورقة مجعّدة.
“هذا دواءٌ وصفه طبيب القصر. تناولي هذا لتتعافي سريعًا.”
“واو، صوفيا!”
تساءلتُ كم من التفكير والقلق كان عليها أن تمر بهما لتقديم هذا الطلب، رغم صعوبة وضعها مع الأمير الثاني.
لأنني كنت أعرف علاقتها به أكثر من أي شخص آخر، شعرتُ برغبة في البكاء.
“هل يمكنني حقًا أخذ شيء كهذا؟”
“بالطبع، لكن ليس بدون مقابل.”
لم أكن أعلم كم ستطلب، لكنني كنت مستعدة لإعطائها كل ما تريده.
لكن ما خرج من فمها كان طلبًا غير متوقع تمامًا.
“تعلمين، عباءات إنريكا أصبحت تظهر في الصحف هذه الأيام.”
أخرجت صوفيا مرة أخرى ورقة مجعدة من بين ذراعيها.
كانت قصاصة من صحيفة قديمة، قُطع منها تصميم فستان وتم لصقه على الورقة.
“لقد جمعتُ كل شيء هنا، لكن إذا كان لديكِ النسخة النهائية، أرجوكِ اسمحي لي برؤيتها.”
انفجرتُ ضاحكة من بساطة طلبها، رغم أنه كان مليئًا بالأنانية.
“بالطبع. لكن، ألا تفضلين رؤيته على أرض الواقع؟”
بعد سماع كلماتي، ترددت صوفيا مجددًا، فاستغللت الفرصة وسألتها بفضول.
“يبدو أن علاقتكِ مع سمو الأمير ليست سيئة هذه الأيام. أرى أن بينكما طلبات متبادلة.”
“أجل، لقد بذلتُ جهدًا كبيرًا.”
على عكس حماسها حين تحدثت عن الفستان، سرعان ما خيّم الظلام على ملامحها.
“يبدو أنه اعتاد على تعذيبي بطريقة مختلفة هذه الأيام.”
“واو، هل حقًا؟ كيف؟”
“رغم أن العمل أصبح أقل من قبل، إلا أنني أعاني نفسيًا. فحتى عندما لا يكون لدينا أي خطط، يستمر في دعوتي لتناول العشاء معه أو التجول في المدينة متنكرين.”
بينما واصلت صوفيا حديثها، بدأت ملامحي تأخذ تعبيرًا غريبًا.
“يواصل التحدث معي بلا داعٍ. أوه، ما الذي يجري؟ أشعر بالإرهاق! إذا كان يشعر بالندم لخداعي، فليتركني وشأني.”
كان من الواضح أن الوضع بات أكثر تعقيدًا بالنسبة لها.
“أي شخص يمكنه رؤية أن هذه حالة تطورت فيها مشاعر حقيقية خلال علاقة تعاقدية.”
“هل يقدم لكِ الهدايا أحيانًا؟ كنت أظن أن ذلك مجرد تصرف عابر، لكن إن لم يكن هناك سبب محدد؟”
“كيف عرفتِ؟”
أجابت صوفيا، وقد شحب وجهها.
“في كل مرة يرسل لي وجبات خفيفة، أشعر بالخوف من احتمال وجود سم فيها.”
“لـ.. لماذا تظنين ذلك؟”
“لأنه شخص يمكنه التخلص مني بلا رحمة بمجرد أن أصبح عديمة الفائدة له.”
أطلقت صوفيا صوتًا ساخرًا، ثم بدأت تضع فرضياتها واحدة تلو الأخرى.
أضافت قبل كل شيء أن هذا سر مطلق لا يعرفه أحد سواها في هذا العالم.
حتى الآن، كان الأمير الثاني، الذي لم يكن يتمتع بقوة كافية، يتصرف كأحمق غير ناضج مع صوفيا.
لكن السؤال كان: هل أصبحت صوفيا غير ضرورية له الآن، بينما يزداد نفوذه تدريجيًا لمنافسة الأمير الأول؟
“بعد حادثة تسميم خطيبته، يستيقظ، تتغير شخصيته، ويصبح أقرب إلى العرش. أليس هذا سيناريو مثاليًا؟”
“…”
رغم أنني كنت أجهز ردًا داحضًا، إلا أن ما قالته بدا منطقيًا بشكل مقلق.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 71"