“إنري، استيقظي. لقد اقتربنا.”
“همم…هل وصلنا بالفعل؟.”
كانت الشمس قد بدأت بالغروب خارج النافذة.
‘ يا إلهي، هل نمت بهذه الطريقة الفوضوية؟. ‘
مسحت فمي وأنا أستعيد الحلم الغريب الذي رأيته للتو.
كان حلمًا عجيبًا حقًا.
حلمٌ يتشاجر فيه الدوق الأكبر والشريرة، اللذان كانا صديقين في القصة الأصلية، وكأنهما على وشك التهام بعضهما.
“أين نحن…؟”
ألقيت نظرة لا إرادية إلى الجانب، فرأيت مبنى فخمًا يخطف الأبصار.
“لا، لا يمكن أن يكون هذا المكان…”
واصلت العربة سيرها بمحاذاة الجدار، حيث تتابعت المباني واحدة تلو الأخرى بلا نهاية.
كان المكان أضخم من قصر الدوق، والزخارف الفاخرة كانت تخطف الأنظار.
“واو…”
خرجت شهقة دهِشة من شفتي دون وعي.
وبينما كنت أحاول التغلب على شكوكي المؤقتة، توقفت العربة أمامنا مباشرة.
رمشت عيناي بدهشة وسألت، متوجسة من أن يكون هذا مجرد مزحة طفولية:
“هل كان قصر الكونت فخماً وبهذه الروعة إلى هذا الحد.؟”
“همم ، بما أن المال لاينفذ فهذا هو الحال.”
‘ يا لهذه الجملة الرائعة! لطالما تمنيت سماع شيء كهذا! ‘
خرج كايل سريعًا من العربة وتحدث إليّ بلطف:
“لننزل ، دعيني أمسك يدك.”
هذه المرة، أمسكت بيده دون تردد كما فعلت من قبل. كانت يده كبيرة، لكنها باردة على نحو غريب.
“لماذا يداك باردتان هكذا؟.”
“إذا كان ذلك يزعجكِ، يمكنكِ تركها.”
“لا بأس، إذا أمسكتها، فستصبح دافئة.”
نزلنا من العربة وما زلنا نتحدث، دون أن نترك أيدي بعضنا البعض.
“كايل، سمعتُ شيئًا عن ذلك من قبل… هل تعرف لماذا تكون الأيدي باردة؟ أليس بسبب ضعف الدورة الدموية؟”
نظرت إليه بعينين تشفقان عليه للحظة، ثم قلت:
“ربما لأن قلبك دافئ.”
“تفسيرٌ مختلف تمامًا ، يداي باردتان لكن قلبي دافئ جدًا. ويداكِ دافئتان، لذا لا بد أن يكون قلبكِ باردًا جدًا، صحيح؟.”
“آه، لماذا تحطم الأجواء الرومانسية بهذه الكلمات؟!”
عندما رفعت صوتي أخيرًا، انفجر ضاحكًا.
وفي تلك الأثناء، كنا قد اقتربنا من بوابة قصر الكونت.
سارة، التي نزلت من على الحصان وتبعتنا، ألقت نظرة حولها وقالت:
“ليس سيئًا.”
كان الداخل بنفس مستوى روعة الخارج. الأرضية نظيفة لدرجة أنها كانت تعكس الضوء، والزخارف واللوحات كانت تبدو وكأنها هدايا من العائلات الأرستقراطية.
قادنا كايل إلى الطابق الثاني، بينما كان يتلقى التحيات المعتادة من الخدم.
“اعتبري هذا المكان كله ملكًا لكِ.”
كان الشعور بالرهبة عند سماع تلك الكلمات، بينما أقف بالفعل أمام هذا المكان الفخم، لا يوصف.
فتحت فمي بوجه شاحب.
“أنا فقط بحاجة إلى غرفة صغيرة. هذا المكان… إنه كثير جدًا…”
أثناء تجوالي بنظري، لاحظت شيئًا غريبًا فجأة فتحدثت:
“لكن الأثاث يبدو جديدًا تمامًا؟ وكأنه قد تم ترتيبه للتو.”
“هاها، شكرًا على الإطراء.”
ضحك كايل بنبرة هادئة.
“ليس إطراءً… أمم، لا بأس.”
كنت على وشك التعمق أكثر في الأمر، لكنني توقفت.
‘ من الذي قد يشتري أثاثًا جديدًا بالكامل لمجرد إحضاري؟. ‘
بينما كنت أهز رأسي لهذه الفكرة السخيفة، بدأ كايل في إرشادي عبر المكان.
“هذه غرفة الاستقبال، لكن نادرًا ما يزورها أحد. يمكنكِ المجيء متى أردتِ لشرب الشاي.”
“هل يُعقل أن تكون غرفة استقبال التي نادرًا ما تُستخدم بهذه الضخامة؟”
“هذه المكتبة. صغيرة، لكنني سأكون سعيدًا إن زرتها كثيرًا.”
“صغيرة؟ لا أظن أن مكتبة القصر الإمبراطوري تفوقها حجمًا.”
“وهنا مكان مناسب ليكون مكتبكِ…”
“آه، توقف!”
لم أكن معتادة على هذا الكم من الفخامة، لذا حاولت إيقافه قبل أن يصيبني الدوار.
“أين غرفتي؟ ، أريد مجرد غرفة نوم عادية.”
“إنها هنا.”
فتح الباب بسلاسة، دون أن يصدر أي صوت. وفي اللحظة التالية، اتسعت عيناي بصدمة.
“كايل، هذا…”
“نعم؟”
“هل أنا مُهددة؟.”
“هاه؟”
سأل بذهول لم يكن معتادًا عليه، لكن هذا لم يكن ما يهمني الآن.
“ألست تفعل كل هذا لأنك تريد شيئًا مني؟ وإلا، كيف يمكن أن يكون المنزل بهذه الفخامة!!”
فقدتُ أي مظهر من مظاهر اللباقة وقفزتُ مباشرة إلى السرير العاجي.
“واو، إنه ناعم جدًا.!”
كايل، الذي كان يراقبني، ردّ بصوت يملؤه الضحك:
“لقد كنتِ تسرحين بخيالك في أماكن غريبة منذ المرة الأخيرة.”
“دوق وينترسوار مشهور بالتجارة أيضًا، لكن ليس لهذه الدرجة. أعلم أن الكونتات العاديين لا يعيشون في أماكن كهذه.”
كانت ورق الجدران يلمع كما لو أنه قد أُعيد تجديده حديثًا، وكانت المساحة واسعة بما يكفي للركض فيها.
السجاد بدا موضوعًا بعناية فائقة، وهناك العديد من اللوحات الفنية الرائعة، وطاولة صغيرة أنيقة.
كان الفرق بين هذه الغرفة وغرفتي في قصر الدوق كالفارق بين السماء والأرض.
“بعضها كان ميراثًا، لكن معظمها جُمع من خلال أعمالي واستثماراتي الخاصة.”
كانت قصة رجل ثري صنع نفسه بنفسه.
لكن… هل من المقبول إنفاق كل هذا عليّ؟.
أخذتُ أفكر بعينين متحيرتين، لكنني أدركتُ أنه سؤال بلا إجابة.
“سأطلب تجهيز العشاء قريبًا. انزلي ببطء.”
قال كايل تلك الكلمات، ثم غادر الغرفة دون تردد.
في تلك المساحة الواسعة، لم يبقَ سواي وسارة.
تمتمتُ بشرود:
“سارة، الحياة تتغير بسرعة و كأنها حلم.”
“أجل. حتى أكثر المسرحيات شهرة في العاصمة لن تتطور بهذه السرعة.”
سحبت سارة الكرسي أمام طاولة الزينة وأشارت لي بالجلوس.
“سأمشط شعركِ قبل أن تنزلي إلى غرفة الطعام.”
كنت قلقة من أن يكون وجهي متعبًا أو شعري في حالة سيئة بعد أن نمتُ في العربة.
أخرجت سارة المشط الذي أحضرته من قصر الدوق، ثم سألت فجأة:
“آنستي، هل ستلبّين لي أمنية؟”
“همم؟ نعم، ما هي؟”
في تلك اللحظة، تغير تعبير سارة في المرآة بشكل غريب.
أدركتُ حينها أنني أجبت بغباء ودون تفكير على سؤال طرحته “الشريرة” بنفسها.
مرت أسوأ السيناريوهات الممكنة في ذهني بسرعة.
“أ-أنا لا أملك المال!”
“هل تظنين حقًا أنني سأسرق منكِ المال؟”
“لم أقل ذلك!”
حينما رددتُ بصوت أعلى من اللازم، أطلقت سارة همهمة صغيرة.
‘ يا ويلي، لا يجب أن أستفزها. ‘
انكمشتُ قليلًا وسألتُ بحذر:
“إذن، ما هي أمنيتكِ الحقيقية؟.”
“سأخبركِ إذا وعدتِني بتحقيقها.”
“أعدكِ بأنني سأستمع إليكِ فقط إذا عرفتُ ما هي، لا. آه… حسنًا، قوليها.”
نظرتُ في عينيها الحادتين وكأنهما تستطيعان تمزيقي، وحاولتُ جاهدًة كبح دموعي.
لكن الكلمات التي خرجت من فمها كانت غير متوقعة تمامًا.
“ستغضبين مني.”
“لماذا سأغضب منكِ؟”
“قد يحدث شيء يجعلكِ غاضبة. ربما كذبتُ عليكِ، أو أخفيتُ عنكِ أمرًا في غاية الأهمية.”
“حسنًا، هذا ليس بالأمر الخطير كما تتصور.”
شعرتُ بالارتياح وقلتُ ببساطة:
“حسنًا، لن أغضب، مهما كان حجم الكذبة.”
تغير وجه سارة بشكل معقد.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟ ما الذي يحدث؟”
“لا، لا شيء.”
لو كنتُ أعلم ما سيحدث لاحقًا…
لو كنتُ أدركتُ خطورة الأمر في تلك اللحظة…
لربما كان عليّ أن أستجوب سارة وأعرف الحقيقة.
❈❈❈
نزلتُ إلى الطابق السفلي وجلستُ على الطاولة.
كان كايل يحدّق بي باستمرار، وبمجرد أن تلاقت أعيننا، ابتسم.
“لماذا تبتسم؟”
“أحب أن تكوني في منزلي.”
في العادة، من الطبيعي أن أشعر بالحماس عندما يقول رجل وسيم بهذا الشكل شيئًا كهذا. لكنني اعتدتُ على سماع كلماته تخرج من حين لآخر وكأنها عادة، فلم أشعر بالدهشة.
أخذتُ أنظر حولي إلى غرفة الطعام، التي كانت مزينة ببذخ مثل بقية قصر الكونت، لكنني لم أرَ أي خدم ينتظرون بالقرب.
‘ يا ترى، كم كلّف هذا؟ ‘
ومع ذلك، كانت الطاولة الكبيرة ممتلئة بالأطباق المصفوفة بعناية.
قطعتُ قطعة لحم كانت الأقرب إليّ ووضعتها في فمي. مضغتها ببطء، مستمتعة بقوامها الطري، ثم ابتلعتها وقلت:
“لدينا الكثير لنتحدث عنه.”
“أهكذا تظنين؟”
لقد انتظرتُ طويلًا لهذه اللحظة. كنتُ أخطط لطرح كل الأسئلة التي راودتني حتى الآن خلال هذا اللقاء.
“ما يثير فضولي أكثر الآن هو… لماذا يريد كايل الزواج مني؟.”
حدّق الرجل بي بعينيه.
“لقد كان حبًّا من النظرة الأولى.”
“كح!! كح!!”
سمعت سارة صوتي وأنا اختنق، فبحثت عن الماء بسرعة.
نهض كايل من مقعده المقابل لي، وتقدم نحوي ثم قدّم لي كأسًا.
شربتُ جرعة من الماء البارد، ثم نظرتُ إليه بملامح متحيرة وسألته:
“هل أنت جاد؟”
“حسنًا، لأكون دقيقًا، سيكون أقرب إلى حبٍّ من النظرة الأولى.”
أي هراء هذا؟.
فتح كايل فمه ببطء بينما كنتُ أحدّق به وكأنني أنظر إلى شخص مجنون.
“في الواقع، أنا مصاب بلعنة.”
اتسعت عيناي.
لو كنتُ في عالمي الأصلي، لكنتُ ظننتُ أنه يملك خيالًا واسعًا وتجاهلت الأمر.
لكن في هذا العالم، حيث السحر موجود، فإن اللعنات أكثر شيوعًا مما قد يظنه المرء.
“لكي أُزيل اللعنة، أحتاج إلى قُبْلتِكِ، إنري.”
قال ذلك بوجه جاد.
أحسستُ بإحراج شديد.
لم أرغب في تصديق الأمر، فسألته:
“حسنًا… هذه كذبة، صحيح؟”
“نعم.”
” ا..ماذا؟.”
رمشتُ بعينيَّ في ذهول، وأخذ الأمر بضع ثوانٍ حتى أدركتُ ما يحدث.
بكل وقاحة، عاد إلى تعابيره المعتادة بسرعة وأخذ يدور حولي.
‘هذا الشخص…’
لم أعد أحتمله!!
نهضتُ فجأة، عازمة على إعطائه صفعة خفيفة.
“إنري، إنري، انتظري لحظة!”
“محتال! لا تنادِ بإسمي!”
صرخ الرجل بينما كنتُ أتقدم نحوه، غاضبة حقًّا.
“الأمر صحيح، أنا بالفعل تحت لعنة ، أنا لا أملك قلباً!”
توقفتُ في مكاني.
“كنتُ أمزح لأنني ظننتُ أن الأمر قد يفاجئكِ لو قلته فجأة. آسف.”
استغل كايل الفرصة لمواصلة الحديث.
“هذا زاد من دهشتي أكثر!”
رفعتُ عيني وجلستُ مجددًا.
اعتذر الرجل مرة أخرى، ثم تنحنح وبدأ يتحدث:
“لقد وُلدتُ ملعونًا بدون قلب. ماتت والدتي مبكرًا، ولم أستطع حتى أن أسألها لماذا.”
آه…
شعرتُ بالأسف، لأنني أدركتُ حينها سبب مزاحه في البداية.
وضع كايل كان أكثر تعقيدًا وجدية مما توقعت.
“تحققي بنفسك.”
كايل، الذي بدا وكأنه شعر بتوتري، نهض من مقعده واقترب مني.
مددتُ يدي ووضعتها على صدره القوي.
“آه! ما هذا… هاه؟”
كان من المفترض أن أشعر بنبض قلبه هناك.
لكن، كما قال، لم أتمكن من الإحساس حتى بأضعف نبضة.
“هل تصدقين الآن؟”
“نعم…”
يداه كانت باردة بشكل غريب، ولم يكن هناك نبض على الإطلاق.
كان هذا دليلًا لا يمكن إنكاره.
“كيف لا تزال حيًّا إذا لم يكن لديك قلب بالفعل؟.”
“كما قلتِ. جسدي بدون قلب هو في الأساس جثة.”
أجاب بهدوء، وكأن الأمر لم يكن مأساويًا بالنسبة له.
“لكنني تمكنتُ من إجباره على الحركة عن طريق ضخ السحر بداخله.”
“…”
“ولكن هذا على وشك الوصول إلى حدوده.”
في تلك اللحظة، جاءت كلماته كصدمة أقوى من كل ما قاله سابقًا.
“عام واحد. إن لم أُزِل اللعنة خلال هذه الفترة، سأموت.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 7"