“كايل.”
سألته وأنا أحدق فيه بعينين متسعتين، إذ لم أتوقع ظهوره أبدًا.
“لماذا أنت هنا في هذا الوقت المتأخر؟”
“كنت قلقًا طوال اليوم.”
عندما وقعت عيناي على ملامحه المتناسقة، شعرتُ فجأة بأن جسدي، الذي كان على وشك الانهيار من الإرهاق، قد استعاد طاقته، وكأن التعب قد تلاشى تمامًا.
لكن ربما كان ذلك مجرد وهم، إذ سرعان ما بدأت رؤيتي تتشوش، وفي تلك اللحظة، خارت قواي وتعثرت، إلا أن كايل أمسك بي على الفور وسندني.
“كما توقعت، أنتِ مصابة.”
“لم أُصب، أنا فقط متعبة.”
من الصعب تصديق أن هذه الأعراض، التي لا تظهر إلا عندما تُستنزف الطاقة السحرية، بدأت تعود مجددًا.
بوجه محرج، أسندتُ رأسي على صدره والتقطتُ أنفاسي.
“سيكون الأمر أكثر صعوبة على سارة. حتى متعاقدي تعرّض للإصابة.”
ذكرتُ ذلك لأنني شعرتُ أنني الوحيدة التي تقلق بشأن من عانوا أكثر مني.
لكن كايل هزّ رأسه ببطء، والتقت عيناه بعينيّ مباشرة.
“أنا قلق عليكِ أنتِ.”
ارتفعت يده الباردة إلى وجنتي، تلاشت سخونتي قليلًا تحت لمسته الباردة.
حتى أنه أبعد بعض خصلات شعري المتناثرة خلف أذنيّ.
لكن كلما لمسني، ازداد احمرار وجهي، وكأنه يفعل العكس تمامًا.
“…”
أنا أحبه حقًا.
إنه شعور أستطيع أن أعيشه من جديد.
ثم تحدث كايل بصوتٍ منخفض وهادئ بالقرب من أذني.
“أتمنى ألا تضغطي على نفسكِ بسببي.”
وفي تلك الحالة، أمسك ذراعي وساعدني على الوصول إلى السرير.
“يبدو أنني اقتحمتُ المكان دون سابق إنذار وأزعجتُ راحتكِ. أنا آسف، إنري.”
“لا، لقد كان حضورك مفيدًا.”
وبينما كنتُ أقول ذلك، أمسكتُ بطرف كُمّه وهو على وشك المغادرة.
لكنّه تفاجأ من حركتي العفوية وسحب يدي بلطف.
وبعد بعض التردد، فتحتُ فمي وبدأتُ أُخرج ما في داخلي.
“رأيتُ شيئًا مروعًا اليوم.”
كلما أغلقتُ عينيّ، كان المشهد الذي رأيته في المزاد يعود لي بوضوح.
لكنني لم أخبره بتفاصيل ما مررتُ به هناك، بل اكتفيتُ بالتعبير عن امتناني له.
“كنتُ أشعر أنني سأرى كوابيس إن نمتُ هكذا… شكرًا لمجيئك.”
“إذن، سأبقى هنا حتى تنامي.”
أمال رأسه قليلًا وقال ذلك بعد سماع كلماتي التي على ما يبدو حركت شيئًا داخله.
“لم أقصد أن أطلب منكِ ن تُرهقي نفسك لهذه الدرجة.”
“لماذا تظن أن ذلك مستحيل؟”
“الوقت متأخر… بالتأكيد ستكونين متعبة غدًا.”
“من اللطيف أن أرى وجهك الشاحب بعد أن سهرتُ لتمريضك طوال الليل قبل أيام قليلة.”
رغم أنني لا أعتقد أنني سهرتُ لتمريضه، بل استلقيتُ بجانبه ونمتُ بعمق.
لكن قبل أن أتمكن من قول شيء، أحضر كايل كرسيًا ووضعه بجوار السرير.
جلس في زاوية يستطيع من خلالها رؤية وجهي بوضوح، ثم غطّاني بالبطانية.
“ألستِ تشعرين بالبرد؟ الصيف يقترب من نهايته الآن.”
“همم… لا بأس. الجو مناسب تمامًا.”
لم أشعر أنني أستريح فعلًا إلا بعد أن غُمرتُ بالبطانية الدافئة.
والآن، عندما أفكر في الأمر، كان صيفًا حارًا عندما التقيتُ به لأول مرة.
كان الهواء باردًا حتى في الليل، لذا كنت أرتدي فستانًا مصنوعًا من قماش خفيف.
وكأن الزمن يثبت مروره، أصبحت الملابس التي أرتديها الآن أكثر سمكًا من ذي قبل.
‘ أنا سعيدة جدًا لأنني التقيت بك. ‘
كانت هذه الفكرة تتردد في ذهني بينما كنت أتأمل تعاقب الفصول.
“أنا متحمسة لحفل الزفاف القادم. قد لا تفهم ذلك.”
فتحت عيناي بصعوبة، وقد غشيهما النعاس، ونظرتُ إليه.
“صحيح، كايل. آسفة لأنني لم أناقش معك مسبقًا. لقد أحضرتُ الصبي الذي التقيتُ به في المزاد إلى هنا…”
“لابد أن لديكِ سببًا لذلك. سأمنحه غرفة إذا احتاج إليها.”
“شكرًا لك دائمًا.”
تمتمتُ بصوتٍ ناعس.
“آه. لا يزال لدي فضول بشأن هذا. هل تفعلين ذلك بدافع الشفقة أم الضرورة؟”
سأل كايل وكأنه يريد سماع إجابتي، بينما كنتُ نصف نائمة.
“حسنًا… أعتقد أنه نصف ونصف.”
أجبته وأنا أقطب جبيني في غمرة النعاس.
عندها، وضع كايل يده على عينيّ، وكأنه يخبرني بأنه لا بأس أن أغفو.
وكما هو الحال دائمًا، كان دفء جسده البارد يناسب بشرتي التي شعرت بحرارة طفيفة بسبب الإرهاق.
“لديكِ تعاطف زائد عن الحد.”
كان هذا آخر شيء سمعته بصوته.
لكن نبرته كانت باردة ومنخفضة، مختلفة قليلًا عن المعتاد، لدرجة أنني شعرت بالارتباك للحظات، متسائلة إن كان مجرد حلم.
“لهذا السبب أنا أيضًا أتعاطف معكِ.”
❈❈❈
في اليوم التالي، استيقظتُ متأخرة في فترة الظهيرة وتناولت غداءً متأخرًا.
تفحصتُ الصحف بعناية، بدءًا من مجلات المجتمع الخاصة بالنبلاء إلى صحف الشائعات، بحثًا عن أي خبر عن الحريق الذي اندلع في ذلك الزقاق بالأمس.
على الأرجح، كان هذا دليلًا على أنهم يسيطرون على الأخبار بعناية. ربما هناك جهة تقف وراء ذلك.
في الوقت الحالي، قررتُ مراقبة الوضع عن كثب، لمعرفة ما إذا كان المعلم سيغير مقر إقامته ومتى سيتم عقد المزاد مجددًا.
أما الخبر الآخر، فكان أن الصبي الذي جلبناه معنا بالأمس قد استيقظ.
جمعتُ ما تبقى لدي من طاقة سحرية وألقيتُ عليه تعويذة شفاء بسيطة.
لم تكن هذه مهارتي الأساسية، لذا كنتُ غير ماهرة فيها، لكنها كانت كافية لمنع تفاقم جروحه.
بعد قليل، أحضرت سارة قواميس لعدة لغات من المكتبة، وبدأت تحاول التحدث مع الصبي.
نظر إلينا الصبي بعينين حذرتين، لكنه بدا مقتنعًا بأننا على الأقل أفضل من أولئك الذين كانوا في المزاد.
وربما لهذا السبب، تعاون معنا دون أن يُظهر أي نية للهرب أو التمرد.
“وهذا؟ هل تفهمه؟”
هز الصبي رأسه بالنفي عندما أشارت سارة إلى قاموس اللغة اللاتنية.
“إذًا، ماذا عن هذا؟”
لكن المحاولة الثانية أيضًا باءت بالفشل.
“هل يمكن أن يكون من أقلية عرقية أو أميًا تمامًا؟”
بالرغم من عدة محاولات، لم يتم التوصل إلى أي نتيجة.
كنتُ أراقب المشهد بطرف عيني بينما كنتُ مشغولة بأمور أخرى، مثل فحص زينة الورود لحفل الزفاف القريب وترتيبات الحفل.
بما أن كل شيء كان مثاليًا بالفعل، لم يكن هناك الكثير لأفعله.
“أو ربما لا يثق بنا بعد.”
قالت سارة ذلك وهي تنظر إلى الصبي، لكنه لم يُبدِ أي استجابة، وكأنه حقًا لم يفهم.
ظننتُ أنه قد يكون خائفًا ومُحبطًا مثلنا أثناء استماعه لحديثنا.
وضعتُ كومة الأوراق التي كنتُ أحملها جانبًا للحظة، وبدأتُ أفكر في حل.
“ماذا لو شرحنا له باستخدام حركات الجسد أو من خلال رسم صورة بدلاً من الكلمات؟”
صفقت سارة يديها كما لو أنها وجدت الفكرة جيدة.
أمسكت بريشة وبدأت فورًا في الخربشة على الورق.
أول ما رسمته، وبمهارة أفضل مما توقعت، كان صورة لأب وأم وطفل في نفس المنزل.
عندما عرضتها أمام الصبي، أظهر أخيرًا رد فعل ذو معنى.
تأمل الصورة التي تصور العائلة عن قرب، ثم هز رأسه.
لكن هذه المرة، لم يكن يهز رأسه لأنه لم يفهم كما في السابق.
“يبدو أنه لا يملك عائلة.”
تحركت يد سارة بسرعة لترسم صورة أخرى على الصفحة التالية.
كانت هذه المرة صورة لمعلمها السابق ووجه شخص رأيناه كثيرًا في المزادات.
رد فعل الصبي كان الأعنف حتى الآن.
“…!”
أمسك بقلم آخر كان يتدحرج على الطاولة، وضرب به صورة معلم سارة وكأنه يطعنها بخنجر، مرارًا وتكرارًا.
شعرنا جميعًا بالصدمة من عينيه المشتعلتين بالغضب والانتقام.
كيف يمكن لصبي بالكاد يبلغ الثالثة عشرة من عمره أن يحمل كل هذا الحقد؟
“ما الذي حدث لك بالضبط؟”
كانت سارة أول من تحرك بعد ذلك.
التقطت القلم، وقلدت تصرفات الصبي.
مزّقت الورقة التي تحمل صورة معلمها باستخدام الريشة، مؤكدة بذلك أنهما يتشاركان نفس الهدف.
على الرغم من اختلاف كل شيء بينهما، من العمر إلى الجنسية والجنس، لا بد أنهما فهما مشاعر بعضهما بعمق في تلك اللحظة.
“سوف ننجح بالتأكيد.”
فتحت سارة شفتيها ببطء وتحدثت.
“لنقم بذلك معًا. يمكننا أن نكون معًا.”
كما لو أنه فهم كلماتها بشكل غامض، مد الصبي يده نحوها أولًا.
ابتسمت سارة وأمسكت بيده دون تردد.
“يبدو أنه يجب أن أعلّمك اللغة أولًا.”
راقبتُ المشهد الدافئ من بعيد بعينين متسعتين.
كان مشهدًا جميلًا بلا شك.
لكن… لماذا أصبحت رؤيتي ضبابية؟
بدأ جسدي يشعر بغرابة، وكأنني أعاني من حمى منذ الليلة الماضية.
“أعتقد أنني بحاجة لشرب بعض الماء الدافئ واستعادة وعيي.”
“سارة، إذا لم يكن لديك مانع، هل يمكنكِ إحضار القليل من الما—”
–بوم!–
قبل أن أنهي جملتي، سمعتُ صوت كرسي يسقط للخلف.
‘ هل فقدتُ وعيي الآن؟ لماذا؟ ‘
رمشتُ بعيني ببطء، وأنا في حالة ذهول.
دوّى صوت خطوات سارة المتعجلة على الأرضية.
“آنسة! هل أنتِ بخير؟”
“إنه يؤلمني…”
شعرت بألم عضلي ينبض حتى في المناطق البعيدة عن مكان سقوطي.
كان الصبي خلف سارة ينظر إليّ بصدمة…
‘ لقد تهاونتُ كثيرًا، لكن آمل ألا يكون قد أصيب بالخوف من هذا الموقف.’
كان رأسي مليئًا بهذه الأفكار، لكن جسدي لم يكن قادرًا على تحريك إصبع واحد.
بعد بضع رمشات أخرى، فقدتُ الوعي تمامًا.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 68"