“عذرًا؟”
“لا تفعلي ذلك، إنري.”
كان شبه نائم، بالكاد يستطيع تحريك لسانه، وكأنه يتحدث في غفوة.
وصلني صوته الهادئ ثم خفت.
في الخارج، كان المطر لا يزال يهطل، بينما كنتُ أنصتُ إلى جملةٍ تفتقد إلى الفاعل.
صدر كايل كان يرتفع وينخفض بوتيرةٍ ثابتة، وهواء الليل الذي لامس بشرته كان باردًا باعتدال.
لحظةٌ عادية كهذه تحولت إلى شيءٍ رومانسي بوجوده.
لم أكن متأكدةً مما يقصده، لكن بطريقةٍ ما، جعلني ذلك أشعر بحنانٍ أكبر تجاهه.
بدافعٍ من اللحظة، همستُ فجأةً:
“أنا أحبك.”
ظننتُ أنه لن يسمعني أو يتذكر ذلك على أي حال.
“أنا أحبك…كايل ،أكثر من ما تتخيل.”
بمجرد أن قلتُ ذلك، شعرتُ أن المشاعر التي لم أكن واثقةً منها من قبل بدأت تتجسد بوضوح.
–نبض، نبض.–
كان قلبي ينبض بقوة.
مرّت في ذهني كل اللحظات التي قضيناها معًا منذ لقائنا الأول وحتى الآن.
لولا وجوده، لكنتُ أعيش حياةً من العذاب تحت رحمة الدوق مرةً أخرى.
لم أكن لأحلم أبدًا بالمشاركة في مأدبة صيد، أو تعلم السحر، أو إنقاذ أحدهم.
المجوهرات والفستان الذي أهداني إياه لم يكونا كل شيء.
لقد منحني حياةً جديدة.
“ما زلتُ غير متأكدة من مدى عمق هذا الشعور وثقله.”
كنتُ مشوشةً، أتساءل إن كان يمكن تسمية ذلك حبًا. لكنني أعلم أنني أحبه الآن، وذلك وحده كان كافيًا بالنسبة لي.
كانت لحظةً ثمينةً جدًا بالنسبة لي، لكن لسببٍ ما، تجمد وجه كايل فجأة.
بدا تعبيره مثقلًا بالذنب والألم، وكأنه يغرق في كابوسٍ سيئ.
“لا، إنري.”
كان صوته بالكاد يُفهم، وقد تحول إلى صوتٍ معدني متحشرج.
مددتُ يدي برفقٍ إلى حاجبيه المتجعدين، ومسّدتهما بلطف.
“إن استمررتَ بالتجهم هكذا، ستظهر التجاعيد.”
“… “
“حسنًا، أعتقد أنك ستبدو جيدًا بها على أي حال.”
عضضتُ شفتَيّ وأنا أبدّل المنشفة المبللة التي أصبحت دافئة مجددًا بأخرى باردة.
ثم قربتُ الكوب من شفتيه الجافتين، وسقيته الماء على دفعاتٍ صغيرة.
وبعد ذلك، جلستُ أراقب كايل وهو يغرق في نومٍ عميق، معتقدةً أنه من الأفضل ألا أزعجه أكثر.
“نم جيدًا، كايل. أتمنى لك الشفاء العاجل.”
جمعتُ بسرعةٍ الكؤوس والصينية التي أحضرتها معي، ونهضتُ من السرير.
في تلك اللحظة، كانت جفون كايل نصف مفتوحة.
❈❈❈
انفتحت جفوني على صوت الحفيف الخافت على السرير.
بعد أن هدّأته بهدوءٍ عبر زفرةٍ صغيرة، استقرت عيناه المتعبة على ظهرها وهي تغادر الغرفة.
ربما بسبب الحمى، كان رأسه ثقيلًا ودوّاره شديدًا.
بغض النظر عن مدى غزارة المطر، نادرًا ما كان يفقد اتزانه بهذا الشكل.
وفي رؤيته الضبابية، ظلت عيناه متعلقةً بآثار المرأة المغادرة.
ربما لأنه كان يعلم أن تلك الطيبة لن تدوم طويلًا.
مرةً أخرى، دُهش من خصلات شعرها الوردي الطويل المتمايلة مع خطواتها.
كانت الوحيدة التي تضيء هذا المكان الفارغ عديم الألوان.
لطالما سخر رافائيل من غرفة نوم الدوق الأكبر حيث كان يرقد الآن.
أفخم مكانٍ في القصر الفخم نفسه كان مهملًا عمدًا، وكأنه تأكيدٌ ليليّ على مدى خواء هذا العرش المغطى بدماء إخوته.
“لكن… سيكون الأمر مختلفًا قليلًا إن بقيتِ هنا، كما كنتِ قبل لحظات.”
سيصبح المكان الأكثر إشراقًا في العالم، حتى دون أي زينة.
في ذهنه المشوش، خطرت له فكرةٌ خطيرة.
ماذا ستفعل تلك المرأة المشرقة إن عرفت بمشاعره الحقيقية؟.
“أنا أثق بك تمامًا الآن.”
هل كان ذلك لأنه أدرك أن الزواج القادم هو بدايةٌ جديدة ونهايةٌ للعلاقة بينهما؟
تلك الكلمات كانت مؤلمةً بشكلٍ خاص.
لذا، هل كان ذلك هو السبب الذي جعله ينهض من السرير؟ لا، هل كان السبب الذي جعله يمشي؟
بلا وعيٍ منه، اعترض طريق إنريكا قبل أن تفتح الباب.
“… كايل؟”
نظرتْ إليه بعينيها الواسعتين الورديتين.
كانت البراءة المتلألئة فيهما ساحرة.
كيف لها أن تنظر إلى وحشٍ جاحدٍ على وشك أن يعضّ اليد التي امتدت لإنقاذه وكأنه ملاكها الحارس؟
رافائيل شعر وكأنه يستطيع العيش وهو يحدّق في تلك العيون إلى الأبد.
ربما لهذا السبب، فتح شفتيه ليقول:
“لا تذهبي.”
❈❈❈
“ماذا؟ ماذا قلت؟”
كايل، الذي ألقى بذلك التصريح المفاجئ، أمسك بمعصمي بلطف دون أن يؤلمني.
ظننتُ أنه يهذي بسبب الحمى، لكنه فاجأني بسؤال آخر.
“هل يمكنني أن أحتضنك؟”
“نعم…؟”
عندما أعطيته الإذن على مضض، ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه.
“يا إلهي، هذا لطيف.”
بعد أن حصل على موافقتي، لم يكتفِ بذلك، بل أمسك بيدي أيضًا.
كانت هذه أول مرة نشبك فيها أيدينا، بخلاف تلك اللحظة العابرة حين رافقني خارج العربة.
هل يشعر بدقات قلبي المتسارعة أم لا؟
كايل، ممسكًا بيدي، سار ببطء نحو السرير مجددًا.
تحرك بجسده المثقل، مترنحًا قليلاً، ثم انهار فوق الغطاء… ومعه، وجدتُ نفسي مستلقية على نفس السرير، وجهًا لوجه معه.
“هل كان طلبه ألا أذهب يعني في الحقيقة أنه يريدني أن أبقى معه طوال الليل؟”
لم يكن ذلك أمرًا صعبًا، لكن قلبي شعر بأنه قد لا يحتمل.
أما الشخص الذي تسبب في كل هذا، فقد بدا وجهه هادئًا إلى حدٍّ مدهش.
“إنري.”
“نعم، أنا لا أزال هنا.”
“ألن تذهبي؟”
“إذا كان هذا ما تريده.”
“ألا تشعرين بالنعاس؟ لقد قلتِ إنك خرجتِ اليوم.”
“أنتَ أكثر شخص يبدو عليه النعاس الآن. لماذا لا تتوقف عن الحديث وترتاح؟”
كان يسأل باستمرار، بصوتٍ هادئ كأنه يريد تأكيد وجودي بجانبه مرارًا.
لكن سرعان ما تغيّر اتجاه الأسئلة قليلًا.
“إنري، هل أنتِ سعيدة الآن؟”
سأله بصوتٍ ناعس. كان الجواب على هذا السؤال سهلًا.
“نعم.”
رغم وجود الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى حل، إلا أن هناك أيضًا العديد من الأشياء التي تجعلني سعيدة.
مثل الآن، وأنا مستلقية أمامه، ممسكةً بيده.
لم يتحدث لفترة، فظننتُ أنه نام أخيرًا، لكنه همس في النهاية.
“أنا أيضًا.”
“… “
شدّ على يدي وسحبها نحو صدره.
حتى من دون كلمات، شعرتُ برغبته العميقة في أن يجعلني أسمع نبض قلبه.
لكن…
لم يكن هناك أي نبض.
بدلًا من ذلك، أغلقتُ عينيّ، وحاولتُ تخيل صوت قلب كايل.
–نبض، نبض.–
همستُ وأنا أستمع للإيقاع الخافت الذي بدأ يتردد في مخيلتي.
“ألا يمكنني فقط أن أظل سعيداً؟”
بينما كنتُ أسمع صوته المنخفض، بدأت جفوني تثقل.
يبدو أن ركوب الخيل إلى القرية أثناء النهار استنزف طاقتي أكثر مما اعتقدت.
“ألا يمكنكِ فقط التوقف عن كراهيتي؟”
تحدث كايل في الفراغ، دون أن يتلقى أي رد.
“إنري، لا يهم إن كنتُ شيطاناً أو قاتلاً.”
ما الذي كان يائسًا جدًا من أجله؟.
ضغط على يدي أكثر بينما تابع بصوتٍ خافت.
“لذا، رجاءً، تقبّليني كما أنا…”
ثم تبعت كلماته صمت طويل.
لم يعد هناك صوتٌ يُسمع في الغرفة التي غمرها ضوء القمر.
❈❈❈
أشعة الشمس المشرقة التي تتسلل إلى جفوني، وزقزقة العصافير بالخارج.
استيقظتُ على هذه الإشارات الصباحية، وتمددتُ كعادتي.
“آه، لقد نمتُ جيدًا… واو.”
سقف غير مألوف، غطاء غير مألوف.
لبرهة، راودتني فكرة سخيفة بأنني سقطت في عالم آخر مرة أخرى.
لكنني استوعبتُ الموقف عندما رأيتُ الرجل الذي لا يزال نائمًا وهو ممسكٌ بيدي.
أشعة الشمس المتدفقة عبر النافذة كانت تلمع كلوحة فنية على جسر أنفه.
أصدرتُ صوتًا غريبًا على الفور، ثم سارعتُ بتغطية فمي بينما استرجعتُ ذكريات الأمس.
“أنا متأكدة من أنني غفوتُ هنا تمامًا.”
في تلك اللحظة، بدا أن كايل استيقظ على الصوت الذي صدر مني، ففتح عينيه ببطء.
“… “
عندما تلاقت أنظارنا، بدأت حدقتاه تهتزان بعنف، كما لو أن حجرًا ضخمًا قد سقط في بحيرة كانت دائمًا هادئة.
“لم يحدث شيء!”
وقبل أن يتشكل أي سوء فهم، صرختُ دون تردد.
“ماذا… لا، لا أعتقد ذلك…”
كايل، الذي نادرًا ما يتلعثم، تمتم بعذر غير مترابط، ثم قطّب حاجبيه وغرق في التفكير، كما لو أنه بدأ في تتبع المسار نفسه الذي سلكته أنا.
وأثناء تأملي لردة فعله، خطرت لي فكرة مفاجئة.
“هل تتذكر شيئًا؟”
“ليس تمامًا، بل بشكل متقطع.”
“ما آخر شيء تتذكره؟”
“أنني لم أكن أرغب في سماع صوت المطر، لذا طلبتُ منكِ أن تقولي أي شيء.”
كما توقعت، لم يكن قادرًا على تذكر أي شيء مهم مما حدث بعد ذلك.
‘ إذن، هل كان حدسي صحيحًا؟ ‘
“لماذا تبتسمين هكذا؟”
كايل، الذي بدا مرتابًا من الزاوية المرتفعة لشفتيّ، سألني بشك.
“آه، لا شيء!”
“هل قمتُ بشيء فظيع؟”
“بالطبع لا!”
أحببتُ فكرة أن هناك أشياء لم يكن يدركها، بينما كنتُ أنا الوحيدة التي تتذكر.
“لا تفعلي ذلك، إنري.”
يا للأسف، لن أتمكن أبدًا من سؤاله عن معنى تلك الكلمات التي بدت غامضة.
رغم ذلك، شعرتُ وكأنني نسيت شيئًا ما… حتى لو كان مجرد اعتراف عابر.
تحدثتُ بسرعة، محاولةً تغيير الموضوع.
“على أي حال، تبدو بحالة جيدة الآن. لا يبدو أن لديك حمى بعد الآن.”
“كل الفضل يعود إليكِ.”
بعد أن شكرني، قطّب حاجبيه ونظر عبر النافذة وكأنه يشعر بالانبهار.
“إنه يوم مشرق جدًا.”
على عكس الأمس، كانت السماء صافية وزرقاء، والطيور تحلق مغردة، وكأنها تعوض عن الطقس السيئ الذي شهدناه.
لكن بينما بدا هو مسترخيًا تمامًا، كنتُ أنا أتعرق داخليًا.
“هذا الموقف يبدو غريبًا لأي شخص قد يراه.”
خاصةً إذا رأتني سارة وأنا أخرج من غرفة كايل مرتديةً ثوب النوم فقط.
“حسنًا، سأخرج أولًا.”
“هاه؟ إنري، لماذا فجأة…؟”
دون أن أترك له مجالًا للاعتراض، نهضتُ بسرعة وركضتُ خارج الغرفة، متجاهلةً محاولته لإيقافي.
وبمجرد أن فتحتُ الباب، انتابني خوف من أن تكون سارة واقفة هناك، لكن لحسن الحظ، لم يكن ذلك صحيحًا.
‘ إذا تمكنتُ من العودة إلى غرفتي الآن، فلن يلاحظني أحد!’
انطلقتُ بسرعة، مغمورة بأملٍ واهن، لكن بينما كنتُ أستدير عند زاوية الممر، اصطدمتُ بشيء صلب.
“آخ!”
رفعتُ رأسي، وأنا أفرك جبهتي المتألمة، لكن سرعان ما أدركتُ أن الألم لم يكن المشكلة الحقيقية هنا.
فقد كان هناك شيء آخر لفت انتباهي…
شعرٌ أحمر ناري كان يتطاير أمام ناظريّ.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 62"