“… ليس هو؟ ، إذاً من هناك؟”
لسببٍ ما، شعرتُ بخوفٍ شديد. أنا واثقةٌ تمامًا من أنه كايل، لكن لدي إحساس بأنه ليس هو.
“هل أنتِ متأكدة أنكِ لا تمانعين؟ إنه يصبح عنيفًا جدًا عندما تمطر.”
أنا آسفة، ميلوا، لأنني ضحكتُ عليك وظننتُ بأنك جبان عندما وفصفته بالوحش البري!
كنتُ أرطّب شفتي الجافتين بهدوء وأفكر في عذرٍ مناسب لأقوله.
فجأة، تذكرتُ موقفًا مشابهًا لما أمرُّ به الآن.
كان أول رد فعلٍ هو صوتٌ متصدّع ومنخفضٌ جدًا، بنبرة تهديد، ورعبٌ تسلل إلى جسدي.
كان تمامًا نفس الشعور الذي انتابني عندما التقيتُ الدوق الأكبر كرونْهارت.
‘ لقد قررتِ التوقف عن التفكير بسخافة، والثقة بكايل، إنريكا! ‘
لكن استجابة الجسد كانت أدقَّ من التفكير.
كانت الأمطار تهطل بغزارة خلف النافذة، وبدأ العرق البارد يتشكل في الجو الرطب.
“إن لم تُجيبي عند العدِّ إلى الثلاثة، فسأعتبركِ متسللة.”
صوت سحب السيف تردد بوضوحٍ وسط ظلام الغرفة.
من المحتمل أنه السيف الذي يحمله كايل دائمًا معه.
بدأتُ أشعر برجفانٍ في أطراف أصابعي، تمامًا كما حدث عندما انقطعت الكهرباء خلال مأدبةٍ ملكية.
ومع ذلك، لم أكُن لأفتح فمي بسهولة.
كنتُ أعتقد أنني بحاجة إلى التحلي بثقةٍ أقوى قليلًا.
‘ لماذا أشعر بهذا التشابه الغريب؟ ‘
هما شخصان مختلفان تمامًا، سواءٌ من حيث العائلة أو الشخصية أو البيئة.
إن كان الدوق الأكبر هو الشرير الذي سيقتلني، فإن كايل هو الشخص الذي أنقذني.
أخذتُ نفسًا عميقًا بصمتٍ بينما كنتُ أفكر، لكن الشعور بأنني أغفل عن شيءٍ ما لم يتركني أبدًا.
“واحد… اثنان….”
عندها، كايل، الذي كان حازمًا حتى الرقم اثنين، توقف فجأة عن العد.
ثم مرر لسانه ببطءٍ على شفتيه مجددًا.
“مستحيل… إنري؟”
لا يزال صوته حادًا ومتشققًا، لكن طريقة كلامه تغيرت بوضوح.
“أأنتِ من هناك؟”
حينها فقط ، كشفتُ عن هويتي بإضاءةٍ خافتةٍ صنعتها في يدي باستخدام سحر التلألؤ.
“أ-أنا آسفة… سمعتُ أنكَ مريض، لذا شعرتُ بالقلق.”
“آه، لقد أفزعتِني.”
في لحظة، تبددت الأجواء المشحونة بالتوتر.
سمعتُ صوت تحرك جسده من السرير ثم استلقائه مجددًا.
“رجاءً، لا تسلطي الضوء نحوي. لا أريد أن يراني أحدٌ على هذه الحال.”
سعل كايل بضع مرات قبل أن يعيد سيفه إلى غمده.
“لا بد أنكِ شعرتِ بالخوف الشديد. أنا آسف.”
“لا، بل أنا المخطئة. جئتُ إليك دون إخطارٍ مسبق.”
بعد أن عرف هويتي، بدا صوت كايل أكثر رقةً ودفئًا على نحوٍ مفاجئ.
“على أي حال، كيف عرفتِ؟”
“صوتُ خطواتك أشبه بخطوات الجنيات…”
“آاااه، يكفي!”
ضحك بطريقةٍ تذكرني تمامًا بكايل المعتاد، الماكر والمزاح.
“حقًا، أستطيع تمييزك من خطواتكِ. لا يوجد شخصٌ آخر يستحق دخول هذه الغرفة سواكِ.”
كان التفسير الذي تلاه مليئًا باللطف المعتاد.
كانت نبرته كافيةً لتهدئة الخوف والقلق اللذين شعرتُ بهما قبل لحظات.
خففتُ من حذري أكثر واقتربتُ قليلًا من السرير حيث كان مستلقيًا.
“كايل، صوتك ليس على ما يرام. أين تشعر بالألم تحديدًا؟”
“مجرد آلامٍ خفيفة في الجسد. بسبب المطر.”
كان المطر موضوعًا شائعًا في حديثي مع كايل.
“ما الخطب مع المطر؟”
“همم… منذ كنتُ صغيرًا، وأنا أعاني كوابيس في الأيام الممطرة.”
انعكست ملامحه الخافتة على ضوء القمر المتسلل عبر النافذة.
لم يكن منتبهًا إلى أنني كنتُ أنظر إليه، فبقي مستلقيًا نصف جلسةٍ على السرير، مغمض العينين، وتعابيره الجامدة بدت باردةً وغير مألوفةٍ قليلًا.
“دائمًا ما أفتح عيني ولا أتذكر شيئًا. لكنني أشعر بإحساسٍ مزعج، وكأنني مررتُ بشيءٍ مريع.”
“…”
“ثم بعدها أُصاب بالحمى ليومٍ أو يومين.”
سألته، مائلةً برأسي بسبب هذا الأمر الغريب بعض الشيء:
“هل هناك سببٌ لذلك؟”
“ربما نعم، وربما لا.”
لم تكن هناك إجابةٌ واضحة.
لكن نبرة صوته في نهاية الجملة لم تكن مريحة، لذا أنهيتُ الحديث بسرعة.
“يبدو أنني جعلتكَ تتحدث كثيرًا. خذ، اشرب بعض الماء الدافئ.”
“شكرًا لكِ، لكنني حقًا لا أريد أن أراكِ الآن، إنري.”
في تلك اللحظة، شعرتُ بخيبة أملٍ طفيفة وكدتُ أسأله عن السبب.
“أعلم أن كلامي قد يبدو قاسيًا، لكن… أنتِ سرًا ترين مظهري جيدًا، أليس كذلك؟”
“مـ… ماذا؟”
“لهذا السبب أحرصُ على العناية بنفسي عادةً، لكنني الآن في حالةٍ يرثى لها. لذا، لا تنظري إليّ.”
هذا لم يكن صحيحًا أبدًا.
قد يكون من الوقاحة التفكير بهذا تجاه شخصٍ مريض، لكن وجهه بدا أشحب من المعتاد تحت ضوء القمر، مما جعل ملامحه أكثر بروزًا.
كان يتصبب عرقًا باردًا، وشعره المرتب عادةً قد انسدل على جبينه بشكلٍ فوضوي.
بدلًا من الملابس التي تُبرز كتفيه العريضين، كان يرتدي رداءً فضفاضًا…
بعد أن أدركتُ ما كنتُ أفكر به، وضعتُ الصينية جانبًا للحظة وصفعتُ خديّ بخفة.
‘ ما الذي تفكرين به أمام مريضٍ يا إنريكا؟! ‘
“… هل أنتِ بخير، إنريكا؟”
“هـه؟ آه، نعم!”
في النهاية، أثبتَ هذا الموقف أن ما قاله كان صحيحًا.
مؤخرًا، عندما التقيتُ بصوفيا وتريستان، أدركتُ لأول مرة أنني لستُ جيدةً في إخفاء تعابير وجهي.
واليوم، تأكد هذا الأمر مجددًا.
مررتُ لساني على شفتيّ، شاعرةً بحرارةٍ تتصاعد إلى أطراف أذنيّ.
“على أي حال، إن كان هذا ما يشغلكَ، فلا داعي للقلق.”
“لا أريد رؤية عروسٍ تهرب قبل زفافها مباشرةً.”
“ماذا… الآن؟ هل تمزح معي؟”
ضحك كايل بصوتٍ منخفض، لا يزال صوته مبحوحًا، لكنه بدا لطيفًا على السمع.
“منذ مأدبة الصيد الأخيرة، لم أظهر سوى أنني شخصٌ غير موثوق به. أرجوكِ، صدقيني، لم أكُن هكذا في البداية.”
“لا تقل كلامًا غريبًا. سأضع لكَ منشفةً مبللة، لذا نم قليلًا.”
“لقد نلتُ قسطًا كافيًا من النوم.”
“لكن عليك النوم أكثر. عندما يمرض المرء، من الأفضل أن يأكل جيدًا وينام جيدًا.”
همم، بدا وكأنه طفلٌ متردد يتذمر.
تجاهلتُ الأمر بخفة، والتقطتُ الصينية التي كنتُ قد وضعتها جانبًا، ثم توجهتُ نحو السرير.
عندها، أصدر كايل صوت خشخشةٍ خفيفًا، متظاهرًا بالاختباء تحت الغطاء.
“هل تدرك كم تبدو طفوليًا الآن؟”
قلتُ ذلك بينما كنتُ أزيح الغطاء بعيدًا، فضحك كايل بسعادة.
“هل هذا يعني أنكِ تريدين الاعتناء بي؟”
“الأمر مزعج لأنني لا أستطيع إنكار ذلك.”
تفاجأتُ عندما وضعتُ ظهر يدي على جبينه دون وعيٍ مني أثناء استلقائه.
كان ذلك لأن حرارته كانت أعلى بكثير مما توقعت.
“كايل، أعتقد أنه من الأفضل استدعاء طبيب. الحمى شديدة للغاية.”
“لا بأس.”
عندما حدقتُ فيه بعدم تصديق، شرح كايل وكأنه يقدم عذرًا.
“لقد مررتُ بهذا من قبل. حتى لو استدعيتِ طبيبًا، فلن يتغير شيء.”
“إن استمر هذا الحال، سنكون في ورطةٍ حقيقية!”
“لا بأس، أنتِ بجانبي.”
أمسك كايل بذراعي التي كنتُ أحركها بتوتر.
ضغط عليها قليلًا ليجعلني أجلس على السرير.
وضعتُ بسرعة منشفةً مبللةً باردة على جبينه وتمتمتُ بصوتٍ خافت.
“أشعر بالسوء، كايل. لا أريدك أن تكون مريضًا.”
ربما بسبب المطر الذي لم يُظهر أي بوادرٍ للتوقف، بدا الهواء في الغرفة أكثر ثقلاً من المعتاد.
لم ألاحظ ذلك أثناء حديثنا، لكن عندما اقتربتُ أكثر، شعرتُ بحرارة أنفاسه.
كانت حركاته أبطأ وأكثر غموضًا من المعتاد.
وقد لاحظتُ ذلك عندما أدركتُ أنه لا يزال ممسكًا بيدي التي أمسك بها دون تفكير.
وهو يضع وجهه المبلل بالعرق على الوسادة، قال كايل بصوتٍ ضعيف:
“إذاً فقط… قولي أي شيء. حتى يطغى صوتكِ قليلًا على صوت هذا المطر الملعو.ن.”
كانت نبرة حديثه القاسية، التي نادرًا ما أسمعها، غريبةً عليّ.
فكرتُ للحظةٍ فيما سأقوله، ثم فتحتُ فمي.
“في الواقع، خرجتُ إلى الشارع اليوم. آسفةٌ لأنني لم أخبركَ مسبقًا، لكنكَ تبالغ في حمايتي أحيانًا.”
فتح كايل عينيه ببطء، وبدا على وجهه تعبيرٌ غير مصدق.
“أشعر وكأنني تلقيتُ طعنةً في الظهر. هل كان اهتمامكِ بي بدافع الذنب؟”
“ليس بالضرورة… أعتقد أنه يجب أن نتحدث عن هذا لاحقًا.”
حاولتُ عمدًا جعل الأمر يبدو بسيطًا، متحدثةً بنبرةٍ مرحةٍ كأنه لا شيء مهم.
لكنني ترددتُ قليلًا قبل أن أنطق بالكلمات التالية.
“كايل، سمعتُ بأن الناس يتحدثون عني وعنـك في الشارع.”
“ذلك…”
فتح كايل فمه وكأنه كان يعلم بالفعل ما سأقوله.
لكنني قاطعته قائلةً:
“هششش.”
تابعتُ حديثي بينما كنتُ أستبدل المنشفة المبللة، التي أصبحت دافئة بسرعةٍ بسبب حرارة جسده، بأخرى جديدة.
رمش بجفنيه المتعبين، وكأنه يشعر بالإرهاق بسبب الحمى التي أنهكته.
” لا بأس. كنتُ أظن في البداية أن الأمر لا يهم، والآن بتُّ متأكدةً من ذلك.”
ابتسمتُ عندما راودتني فكرةٌ جديدةٌ بعد رؤيته يتألم.
أنا أحب كايل.
حتى الآن، كنتُ مشوشةً حول مشاعري، متسائلةً إن كنتُ أراه جيدًا فقط لأنه أنقذني ولأنه دائمًا ما يظهر لي جانبه الموثوق.
لكنني الآن أرى أن الأمر ليس كذلك.
حتى وهو ضعيفٌ ومريض، لا يزال جميلًا بنظري، وأرغب في حمايته.
“أنا آسفةٌ لأنني طلبتُ منك أن تحصل على صورة للدوق الأكبر في المرة الماضية، كايل.”
“… لا بأس.”
أجاب بصوتٍ ناعس.
“ظننتُ أنني كنتُ مجنونًا قليلًا، لكنكِ ربما ستضحكين عندما تسمعين السبب.”
كيف لي أن أشعر بالخوف من هذا الشخص؟
قلتُ ذلك، غير مستوعبةٍ ما كنتُ أشعر به قبل قليل.
“أنا أثق بكَ تمامًا الآن. أشعر بالطمأنينة وأنا معكَ، كايل.”
قطب كايل حاجبيه قليلًا.
في البداية، ظننتُ أن السبب هو الحمى والصداع، لكن سرعان ما خرج صوتٌ خافتٌ من شفتيه.
“لا تفعلي ذلك، إنري.”
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 61"