“أنا متعاقد، لذا أعرف كل شيء عن سيِّدي.”
كانت جملة غريبة لا تتناسب مع ملامحه القاسية. وجهه، الذي لم يكن يبدو بشريًا تمامًا، كان متسخًا قليلًا بسبب آثار المعركة.
زاد مظهره الفوضوي من لمسته الإنسانية المناسبة. شعره الفضي الطويل، المتطاير بفعل الريح، بدا غامضًا وهو يندمج مع خلفية الغابة.
“لماذا تبدو لطيفًا على غير العادة؟”
“حسنًا، حتى لو حاولتُ أن أكون لطيفًا معكِ…”
“آه، فهمت! الخطأ خطئي!”
بعد أن هدأتُ القطة المتذمرة بسرعة، ربتُّ على المكان بجانبي.
“جرّب أن تستلقي أيضًا، الجو لطيف ومنعش.”
“من سيستلقي على التراب هكذا؟ هيه!”
لم يكن فيرمونت مستعدًا لما حدث، فاستخدم سحر الأرض الذي ألقاه في وقت سابق.
تسببت الأرض المتماوجة في شد طرف ملابسه إلى الأسفل، ولم يكن أمامه خيار سوى أن يسقط ويستلقي بجانبي.
“هكذا تكافئين معلمكِ على لطفه بالانتقام.”
تذمر وهو يأخذ موضعه بجانبي.
هبّت نسمة لطيفة، تبرد جسدي المتعرق، فيما انتشرت رائحة الغابة العطرة لتملأ أنفي.
بجانبي، شعرتُ بدفءٍ صلبٍ ومريح.
أحسستُ كأن كتفي، اللذين كانا متصلبين طوال اليوم، قد بدأا بالاسترخاء.
“عندما أعود، سأدعو كايل لشرب الشاي وأعتذر له.”
بدت لي الأمور وكأنني مررتُ بالكثير دون أن أدرك مدى تعبي.
تمتمتُ براحة، لأول مرة منذ مدة طويلة:
“أنا سعيدة جدًا لأنك متعاقدي، فيرمونت.”
كانت كلمات تحمل كل صدقي.
رغم أنه يبدو خشنًا، إلا أنه دائمًا ما يضع أهدافي في المقدمة، يساعدني، ويشاركني معرفته بأفضل ما يمكن. لقائي به كان أحد أعظم حظوظي.
“… أعتقد ذلك أيضًا.”
في تلك اللحظة، أجاب فيرمونت بصوت ناعم.
لم أصدق أذني، فرفعتُ الجزء العلوي من جسدي وجلستُ بسرعة.
“ماذا؟”
لماذا يتصرف بهذه الطريقة هذه الأيام؟ سمعتُ أن الشيطان إذا تغير فجأة، فإنه يموت!.
لكن، كما توقعت، جاءت كلماته التالية بروحه القديمة المعتادة.
“أعتقد أن سيِّدتي محظوظة بوجود متعاقد مثلي.”
شعرتُ بخيبة أملٍ طفيفة، لكنني قررتُ أن أصدق ما أريد تصديقه.
“ما قلتهُ أولًا كان صادقًا، لكنك أضفتَ هذه الجملة لأنك شعرت بالإحراج، أليس كذلك؟ أنا أعرف كل شيء.”
“عن ماذا تتحدثين؟”
ردَّ فيرمونت بغضب.
“لو كان متعاقداً آخر، هل تظنين أنه كان سيعتني بسيِّده كما أفعل الآن؟”
“هممم.”
“هذه هي الحقيقة!”
استدرتُ إلى جانبي ونظرتُ إلى وجهه، ثم انفجرتُ ضاحكة.
“يا إلهي، بُهاهاهاها! آسفة، فيرمونت… جانب شعرك… هاها!”
بعض خصلات شعره الفضي قد احترقت وتلطخت بالسواد.
حين لمس الموضع الذي أشرتُ إليه، تنهد بعمق.
عندما رأيتُ ذلك المشهد، أمسكتُ معدتي من الضحك، حتى أن فيرمونت، الذي بدا عليه الانزعاج، لم يستطع كبح ضحكته بالنهاية.
كان يومًا جميلًا، لأنني شعرتُ أنني صنعتُ صداقة تتجاوز اختلاف العِرق والعُمر. لكن سرعان ما تحوّل فيرمونت إلى قطة وقفز على كتفي لينتقم مني بسبب ضحكي عليه.
بينما كان يستمتع بمضايقتي، اضطررتُ للنزول من الغابة بكتفين مثقلتين.
❈❈❈
في اليوم الذي عدتُ فيه من التدريب العملي، الذي كان أقرب إلى تسلق الجبال…
كنتُ مرهقةً جدًا لدرجة أنني لم أستطع التفكير في أي شيء، فسقطتُ في النوم فورًا.
ولم أتذكر حقيقةً مهمة إلا عندما استيقظتُ في صباح اليوم التالي.
“آه، صحيح! الصحيفة!”
سرعان ما بدّلتُ ملابس النوم، وغسلتُ وجهي، ونزلتُ إلى قاعة الطعام.
هناك، وكما هو معتاد، كان كايل جالسًا في انتظاري، يبدو أنيقًا بلا أي شائبة.
“هل ترغبين في تناول الطعام أولًا، أم قراءة الصحيفة…؟”
“الصحيفة!”
أجبتُ بسرعة، ومددتُ يدي لأستلمها منه. كانت العناوين البارزة والرسوم التوضيحية الحية تحتل ذات الموضع المميز كما في اليوم السابق.
“فستان الأميرة وينترسوار المثير للجدل يرفع الحجاب!”
لم أكن واثقة بعد من ردود الفعل، لكن المقال كان تمامًا كما أردتُ. أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم جلستُ قائلةً:
“شكرًا لك، كايل.”
“لم يكن بالأمر الكبير.”
“وأعتذر لك أيضًا. ظللتُ أفكر طوال اليوم البارحة بأنني أريد لقائك والاعتذار.”
“عن ماذا؟”
“ليس الأمر أنني انزعجتُ بلا سبب… في الحقيقة، كنتُ أشتبه بك قليلًا.”
التقطتُ الشوكة وأخذتُ قضمة من اللحم المقدد المفروم، ثم تابعتُ:
“قابلتُ الدوق الأكبر في مأدبة الفائزين. لكن تصرفاته ونبرة حديثه ذكرتني بك بشكل غريب.”
“إذًا لهذا السبب أردتِ الحصول على صورته.”
عندما لخصتُ الأمر بهذه الطريقة، بدا منطقيًا أكثر.
خفضتُ وجهي المحمر قليلًا، وتمتمتُ معتذرةً:
“أظن أنني أصبحتُ أكثر حساسية في الآونة الأخيرة بسبب انشغالي بتحضيرات الزفاف وجدولي الشخصي.”
“…”
“هذا سخيف، أليس كذلك؟”
“ماذا لو أنني… كنت الدوق الأكبر بالفعل؟”
سأل كايل بخفة، وكأنه يلعب معي لعبة تخمين.
شعرتُ بالراحة لرؤيته يتحدث بهذه الطريقة، فتركتُ أفكاري تتجول بحرية.
نعم، لقد كنتُ خائفة للغاية حينها بسبب الوضع المريب في الظلام.
ولكن الآن، وأنا أنظر إلى وجهه وأتحدث معه هكذا، هو فقط كايل المعتاد.
“هاها… حسنًا، لم يتبقَ على الزفاف سوى أقل من شهر الآن.”
هززتُ رأسي متحدثةً وكأن مجرد تخيل الأمر مرعب للغاية.
“هل كنتُ سأهرب مع سارة ممسكةً بيدها؟ عند تلك النقطة، المسألة لا تتعلق فقط بالهوية، بل تعني أنك خدعتني دون أي سبب.”
ساد الصمت، ولم يُسمع سوى صوتي وأنا أمضغ اللحم المقدد.
بعد فترة قصيرة، فتح كايل فمه كما لو أنه كان يفكر فيما قاله.
“تلك الصحيفة… افتحيها مجددًا.”
“هاه؟”
“لقد نسيتُ وضع صورة الدوق الأكبر بداخلها.”
كما قال كايل، فتحتُ الصحيفة مجددًا وقلبتُ صفحاتها.
عندها، سقطت صورة خفيفة وكأنها قد قُصّت من مكان ما.
“آه، هذا لون الشعر الذي رأيته عندما أضاء ضوء القمر للحظة… أشقر باهت يميل إلى الصفار الفاتح.”
أما الوجه… ليس سيئًا على الإطلاق.
يبدو وكأنه يجسد صورة الشرير الجذاب تمامًا. كان الأمر غريبًا بعض الشيء، لكنني استوعبته سريعًا وهززتُ رأسي بتفهم.
“شكرًا على العثور عليها بهذه السرعة. من المضحك والمذهل في الوقت ذاته أنني لم أكن أعرف وجهه طوال هذا الوقت.”
❈❈❈
ابتسم رافائيل قليلًا وهز رأسه موافقًا على تلك الكلمات.
شعر وكأن القناع الذي ارتداه بإتقان طوال هذا الوقت بدأ يتشقق.
في الحقيقة،كانت هنالك صورة حقيقية له في يده، مخفيةً تحت الطاولة.
كان يفكر في إظهارها لها إن سارت المحادثة اليوم كما يريد.
لكنه، في النهاية، كان أكثر الجبناء عندما يتعلق الأمر بالحب.
إنه لا يريد رؤية الاشمئزاز في عيني تلك المرأة.
لا يستطيع احتمال مشهدتها وهي تهرب منه وتعاني في بلاد غريبة لا تعرف فيها أحدًا.
” فقط حتى يحين موعد الزفاف…’
عندها، سيتمكن من حمايتها بسياجه.
وإن أرادت الرحيل حقًا، فسيبحث لها عن هويه مزيفة في أي بلد آخر.
سيمنحها كل ما تشاء، ويرسلها إلى أي مكان ترغب فيه.
إذًا، هذا القرار هو الصائب الآن.
فكر رافائيل بذلك وسحق الصورة في يده.
❈❈❈
مرَّ يومي بشكل عادي، تناولتُ الإفطار ثم تابعتُ تدريباتي السحرية.
ولكن، كان هناك شعور بعدم الارتياح لم أستطع التخلص منه.
“يبدو أن المقال قد نُشر كما خُطط له، لكنني لا أعرف ردود الفعل الفعلية…”
كان سيكون من الجيد لو أتيحت لي فرصة لمعاينة ذلك بنفسي.
بعد تفكيرٍ متأنٍ، قررتُ أخيرًا واتجهتُ نحو إحدى الخادمات.
“هل يمكنكِ مساعدتي في الاستعداد للخروج؟ وأخبري سارة أن تأتي إليّ.”
“سارة خرجت إلى السوق منذ الصباح الباكر. إن كنتِ جاهزة، يمكنني مساعدتك الآن.”
آه، فهمتُ. كان “السوق” رمزًا خاصًا بيننا عندما نخرج لإنجاز أمور تتعلق بالانتقام.
“إذًا لا بأس، سأبقى في غرفتي.”
هززتُ كتفي بلا مبالاة وصرفتُ الخادمة، مدعيةً أنني أريد البقاء وحدي.
“سيكون من الأفضل أن أسأل سارة عند عودتها إن سمعت أي شيء.”
لكن، بمجرد أن نظرتُ إلى النافذة، شعرتُ وكأنني على وشك السقوط إلى الوراء من شدة المفاجأة.
كان مشهدًا غريبًا لدرجة أنني تساءلت للحظة إن كنتُ أتوهم.
صقرٌ مهيب يرفرف بأجنحته الضخمة، ويهبط بثبات على حافة النافذة.
“لا بد أنه…”
كان ذلك طائر تريستان المرسل، والذي رأيته عدة مرات من قبل.
هززتُ رأسي مستسلمةً، ثم تقدمتُ وفتحتُ النافذة.
دخل الطائر إلى الغرفة، ورفرف بجناحيه برشاقة كما لو كان ينتظر ذلك.
لحسن الحظ، كانت بعض الوجبات الخفيفة التي أحضرتها الخادمة لا تزال على الطاولة.
وضعتُ بضع حبات من الجوز في راحة يدي واقتربتُ منه، فبدأ الطائر يلتقطها بسرور، مُصدِرًا أصواتًا راضية.
كان ريشه يلمع وكأنه قد اعتُني به بعناية فائقة، مما يدل على مدى اهتمام صاحبه به. وبينما كنتُ أملس على ريشه، فتحتُ الملاحظة المربوطة إلى ساقه.
لطالما شعرتُ وكأن صوته المرح والحيوي يخرج من هذه الرسائل.
[يبدو أنكِ كنتِ مشغولة بأمورٍ مثيرةٍ للاهتمام مؤخرًا، إنريكا.
في هذه الأيام، كلما خرجتُ إلى شوارع المدينة، أسمع اسمكِ يتردد هنا وهناك.
أعلم أنكِ قد تكونين منشغلة، لكنني آمل ألا تنسي وعدنا.
أُرسلُ إليكِ حصانًا مع طائري، لذا إن لم يكن لديكِ مانع، تعالي اليوم. الموقع مُحدّد على الخريطة.
ملاحظة: لقد حصلتُ على معلومات تتعلق بالأمر الذي طلبتِ مني البحث فيه.]
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 57"