“لماذا هربتِ مني؟”
لسببٍ ما، شعرتُ أنني لا يجب أن أكذب على هذا الصوت.
ساد صمتٌ طويل في قاعة الحفل، التي باتت هادئة بعد مغادرة الجميع.
“أنا آسفة لكوني تخلّيت عن واجبي من تلقاء نفسي….”
“لا أريد اعتذارًا، بل تفسيرًا.”
الهواء البارد من حولنا زاد من حدة التوتر. لكن، حتى لو كنتُ صادقة، كان من الواضح أنه سيغضب.
“في الواقع، أنا قرأتُ رواية في حياتي السابقة، وفيها يقوم سموّ الدوق الأكبر بقتلي في الليلة الأولى…”
“حجةٌ سخيفة جدًا.”
مرت عدة سيناريوهات سيئة في رأسي بسرعة.
في النهاية، قررتُ أن أخلط بين الحقيقة والكذب، لأن العواطف وحدها قادرة على خلق الاحتمالية في المواقف غير المبررة.
“لأنني أحبك.”
“ماذا؟”
“لم أعتقد أن سموّك سيحبني، لكنني أظن أن ذلك الرجل يحبني، على عكسك.”
بالطبع، هذا كذبٌ صريح!.
كنتُ خائفة من أن يغضب، لكن على عكس توقعاتي، بدأ الدوق الأكبر يُظهر بعض الاضطراب.
أصبح صامتًا أكثر من المعتاد، وانحرف موضع قدميه قليلًا، ثم سمعتُ صوته يأخذ نفسًا عميقًا.
بما أن الجميع كانوا قد غادروا، كان من السهل ملاحظة التغيرات الطفيفة.
في تلك اللحظة، كنتُ فقط أحرّك أصابعي بتوتر وسط هذا الصمت الخانق.
“كيف؟”
طلب معرفة الأسباب بالتفصيل.
يا إلهي، كنتُ أعتقد أنه سيتقبلها كما هي، لكنه يطلب شرحًا كاملًا!
لم يكن لدي وقت للتفكير، فبدأتُ أتحدث بما يخطر في ذهني دون تفكير.
“حسنًا، عندما كانت حياتي في خطر، حماني من دون أن يفكر بنفسه أولًا.”
“…”
“عندما نكون معًا، كلما أدرتُ رأسي، أجد عينيه دائمًا تتابعني.”
بتعداد أفعال كايل واحدة تلو الأخرى، بدأتُ أُكوّن قصة تبدو معقولة نوعًا ما.
“يُهدي لي مختلف الفساتين والمجوهرات، وعندما أقول إنني متعبة، يبتسم ويحملني إلى العربة.”
لكن التأثير الجانبي لهذا الأمر هو أنني شعرتُ بعدم الارتياح، حتى وأنا أقول ذلك.
“قلتُ هذا، لكن… في الحقيقة، حتى بدون كل تلك الأسباب، يمكنك أن تعرف بمجرد النظر إلى تلك العيون الزرقاء.”
فكّرتُ للحظة أنه سيكون جميلًا لو أن كل ما اختلقته كان صحيحًا.
الآن، لمجرد التفكير في عيون كايل، شعرتُ أن قلبي بدأ ينبض بسرعة.
“عيناه، التي تشبهان بحيرة هادئة، لا تتحرك كالأمواج إلا عندما ينظر إليّ.”
في تلك اللحظة، وبينما كنتُ أغرق في أفكاري حول كم من الوقت سأحتاج للاستمرار في هذه التمثيلية…
“هههههههه.”
ضحكة، لم أتوقعها حتى في أحلامي، شقت طريقها في الهواء ووصلت إلى أذني.
في موقف كهذا، حيث خطيبته السابقة تسرد له تفاصيل علاقتها العاطفية مع شخص آخر، لم يكن هناك سوى سبب واحد للابتسام.
سألتُ وأنا أشعر بإحباط خفيف:
“لماذا تضحك عليّ؟”
“لا، لستُ أضحك عليكِ. فقط ربما….”
بدا أن الدوق الأكبر كرونهارت كان يفكر وهو يواصل حديثه.
“عندما أسمع هذا الكلام من شخصٍ آخر… ربما يكون صحيحًا بالفعل.”
كان شعورًا غريبًا أن أراه متحيرًا، لكنه في الوقت ذاته يبدو سعيدًا قليلًا، وكأنه أدرك لتوّه أمرًا عظيمًا.
“كنتُ أتساءل عمّا إذا لم يكن الأمر كذلك حقًا.”
كانت محادثة غير متوقعة وغريبة تمامًا.
بدا الدوق الأكبر راضيًا تمامًا بإجابتي وأومأ برأسه، ثم سأل مجددًا.
“ألم تفكري أبدًا أنني قد أفعل ذلك؟”
“م-ماذا؟ سموّك؟”
“بالضبط.”
“أعتقد أن ذلك سيكون صعبًا.”
على الرغم من أنني كنتُ خائفة جدًا ومنكمشة على نفسي، إلا أنني أجبتُ بوضوح.
في نهاية الممر البعيد، بدأ يظهر ظلٌ لشخصٍ يقترب ببطء. كنا نعلم كلانا أن هذا السؤال سيكون الأخير، لأن الوقت لم يكن في صالحنا.
توقف الدوق الأكبر لوهلة، ثم اختار كلماته بعناية.
“هل تحبينه أيضًا؟”
أعتقد أنني سمعتُ سؤالًا مشابهًا لهذا من كايل في أحد الأيام.
“هل تحبينني أيضًا؟”
ترددتُ للحظة أمام هذا السؤال الجوهري.
هل مشاعري هي بالفعل إحساسٌ ثقيل يمكن أن يُنطق بكلمة حب؟
في تلك اللحظة، تسلل ضوءٌ خافت من باب القاعة، وتردد صوتٌ مرتفع.
“إنه الحرس! هل بقي أحدٌ بالداخل؟”
أصبحت عيناي، التي اعتادت على الظلام، حساسة حتى لأضعف الإضاءات، وبدأتُ أرمش بانزعاج.
“يا آنسة، هل أنتِ بخير؟ لماذا لم تخرجي؟”
“لأنني أخاف الظلام… لم أستطع الخروج وحدي.”
أغلقتُ عينيّ بإحكام وألقيتُ عذرًا سريعًا، لكن فجأة، تذكرتُ حقيقة غريبة.
لم يسبق لي أن رأيتُ وجه الدوق الأكبر من قبل.
كان لقاؤنا الأول على الشرفة خلف الستار. والثاني في مأدبة الصيد، حيث تم تقديم الفريسة دون أن يظهر بنفسه. أما الثالث، فقد كان وسط انقطاعٍ متعمّدٍ للكهرباء.
“…!”
فتحتُ جفوني المرتجفة بسرعة ونظرتُ أمامي.
كما توقعت—
لم يكن هناك أحدٌ في المكان الذي كان مأهولًا منذ لحظات.
❈❈❈
غادر رافائيل كرونهارت قاعة الحفل بهدوء، ثم استقل العربة.
بعد يومين، لن يتذكر أحدٌ انقطاع التيار الذي حدث قبل قليل.
كانت لديه القوة والسلطة الكافيتان لجعل شيءٍ كهذا كأنه لم يحدث من الأساس.
“نعم، لم يحدث شيء.”
ردد تلك الكلمات في نفسه، واستسلم لاهتزازات العربة المتأرجحة.
“لأنني أحبك.”
ظل وجه إنريكا وهي تنطق بهذا الاعتراف حاضرًا في ذاكرته بوضوح.
في مرحلةٍ ما، أصبح بإمكان رافائيل رسم ملامحها حتى وعيناه مغمضتان—
شعرها اللامع كلون زهور الربيع، عيناها الصافيتان، وشفاهها التي لا تعرف كيف تخفي مشاعرها.
حتى في ظلام الليلة الماضية، كان وجهها وهي تعترف بحبها يبدو وكأنه ينبض بالحياة.
لم يكن شيئًا يمكن إعادة تشكيله حتى بعد مرور عدة سنوات.
“…”
لم يكن ساذجًا إلى الحد الذي يجعله يصدق تمامًا براءة تلك المرأة.
لابد أنها استخدمت عقلها الصغير مجددًا لتختلق كذبةً مقنعة.
وفي الظلام، لابد أن عينيها الكبيرتين كانتا ترتجفان بلطافة، كما لو كانت جروًا صغيرًا.
الرجل، الذي غيّر وضعيته بخفض جزئه العلوي، رفع يده ليضعها على ذقنه وراح يمسح وجهه بتفكير.
كان يخطط لاستجوابها اليوم وسماع ما يدور في ذهنها بشأن محاولتها التهرب من الزواج. عندما يُحجب النظر، تصبح حاسة السمع أكثر حساسية، لذا إذا لزم الأمر، كان هناك جهاز جاهز لإخافتها.
لكن، ماذا بوسعه أن يفعل الآن؟
يشعر وكأنه أصبح شخصًا سيئًا فقط لمجرد التفكير في ذلك.
كانت هذه الليلة موجودة بوضوح لدفعها إلى أقصى حدودها.
ولكن الشيء الوحيد الذي ظل عالقًا في ذهنه كان الكلمات التي خرجت من فم إنريكا.
لقد كان رافائيل كرونهارت نفسه من كان موضع الاستجواب.
“يهدي إليّ جميع أنواع الفساتين والمجوهرات، وكلما التفتُّ إليه، أجد عيناه دائمًا مثبتتين عليّ.”
أما عن سبب قيامه بذلك، فالسبب الذي توصل إليه بعد أن تأمل أفعاله لم يكن شيئًا مميزًا.
لقد اشترى كل تلك الكماليات وارسلها لها لأنه ببساطة كان يستمتع برؤية ملامحها المرهقة وهي تحاول تقبّلها.
كان يشعر بأنه شخصٌ محظوظ عندما يلتقي بها، الشخص الذي يعجبه سرًا. لم يستطع أن يشيح بنظره عنها ولو للحظة، متسائلًا ما التعبير الذي سترتسم به ملامحها اليوم.
“عندما أقول إنني متعبة، يبتسم ويحملني إلى العربة.”
لقد أحب كونه الشخص الوحيد الذي يعرف أنها تنام دائمًا بشفتها السفلى مفتوحة قليلًا. جسدها الصغير، الذي ترتفع حرارته عندما تنام، كان دافئًا، خفيفًا كجروٍ صغير بين يديه.
كان لطيفًا أيضًا رؤيتها في تلك الحالة العفوية، أطرافها متراخية، وأنفاسها تصدر أصواتًا هادئة وسلمية.
كم سيكون صادمًا لها عندما تكتشف لاحقًا أنها كانت في أحضان الدوق الأكبر….
الآن، يشعر وكأنه قادر حتى على تقبّل الأذى الذي تلحقه به.
لأن الألم كان أفضل من اللاشيء.
لم يعد بإمكان رافائيل إنكار الأمر بعد الآن.
إنه يحب إنريكا وينتروسوار.
يحب امرأة قالت إنها ستهرب إلى بلدٍ آخر إن أراد الزواج بها.
“هذا أسوأ شيء يمكن أن يحدث…”
حبٌ كافٍ ليدفعه إلى إلقاء نفسه من على منحدرٍ شاهق دون أن يفكر مرتين.
وجودها بجانبه جعله يحلم بالمستقبل، وأعطاه الجرأة لينتظر الغد.
خفق، خفق…
كان صوت دقّات قلبه يتردد في أذنيه مثل الطبول، ولم يكن يسمعها سواه.
عدم سماع هذا الصوت منها كان بمثابة العقاب الأخير للّعنة التي تطارده.
المرأة التي اعتقد أنها المفتاح لكسر اللعنة، لكنها في الحقيقة كانت قلبه ذاته.
رفع رافائيل يده وتحسس صدره الأيسر. لا يزال كل شيء صامتًا هناك.
“أنا أحبها.”
تمتم رافائيل بصوتٍ خافت، وحيدًا في العربة، دون أن يسمعه أحد.
ومع نطقه لهذه الجملة الثقيلة، تحوّلت شكوكه الضئيلة إلى يقين.
الإحساس بأطراف أصابعه كان هادئًا، لكن صوت الخفقان في أذنيه ازداد حدة.
“أحبكِ، إنري. أكاذيبكِ جعلتني هكذا….”
واصل رافائيل النقر بلسانه، بنبرةٍ بدت أكثر بؤسًا.
لم يتبقَّ سوى ثلاثة أسابيع حتى موعد الزفاف.
ماذا عن مشاعر الخيانة والكراهية التي ستنتابها عندما تكتشف الحقيقة؟
كان عليه أن يستغلّها بذكاءٍ أكبر بدلًا من ترك الأمور تصل إلى هذه المرحلة.
لكن الأوان قد فات بالفعل.
الأمور خرجت عن السيطرة.
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 53"