“حسنًا، لقد طرأ أمر عاجل عليّ، لذا عليّ المغادرة الآن.”
“وأنا أيضًا، أرجو أن تسامحاني على قلة لياقتي.”
غادر النبيلان اللذان استثمرا أكبر مبلغ في الدوقية على عجل. حتى بين النبلاء الذين استثمروا مبالغ صغيرة في الترفيه، ساد شعور بالقلق بسبب رحيلهما المفاجئ.
الآن، أولئك الذين عادوا إلى منازلهم سيبدؤون تحقيقاتهم الخاصة.
يُقال إنه لا يوجد أحد يخلو من العيوب إن دُقّق في أمره، لكن الدوق كان شخصًا يحمل سجلًا حافلًا بالمشاكل. وبالإضافة إلى ما قلته باستخفاف، ستطفو على السطح مشكلات خطيرة أخرى.
هذا كافٍ لتحويل انتباه الدوق إلى مكان آخر مؤقتًا، مما يمنحني بعض الوقت الحر.
“فقط حاول جاهدًا إصلاحها.”
اتخذتُ تعبيرًا شديد الارتباك، وتحدثتُ وكأنني لا أعرف ما ينبغي عليّ فعله.
“لماذا الجميع…. هل ارتكبتُ خطأ ما؟”
“هل هذا ممكن، آنستي؟ لا تقلقي، كل شيء بخير.”
لم يكن أحد ليعتقد أنني سأذهب إلى هذا الحد عمدًا لإلحاق الضرر بعائلتي. ومع مرور الوقت، بدأت العيون المتوجسة مني تتلاشى تدريجيًا، لتحلّ محلها نظرات أخرى وكأنهم ينظرون إلى قنبلة موقوتة.
لم يكن شعورًا لطيفًا جدًا، لكنه على الأقل منحني بعض الطمأنينة.
‘لقد تجاوزتُ عقبة كبيرة.’
في تلك اللحظة، بدّل الأوركسترا الذي كان يعزف موسيقى مرحة الإيقاع إلى لحن أكثر هدوءًا.
تقدم كبير الخدم على عجل وأعلن عن الفقرة التالية من الحفل.
“سيخرج صاحب السمو الملكي الأمير الأول قريبًا ليهنئ الفائز شخصيًا!”
يا إلهي، هذا لم يكن ضمن توقعاتي.
في أفضل الأحوال، ظننتُ أن الأمر سيكون مجرد نخب تهنئة للفائز من قبل الأمير، لا أكثر.
هذا أمرٌ مرهق… لا، إنه مرهق جدًا.
خصوصًا بعد أن عرفتُ أن الطرف الآخر قد يكون متحالفًا مع الدوق في أمر سيئ. لكن لم يكن أمرًا يمكنني تجنّبه لمجرد أنني أردتُ ذلك.
وسرعان ما انحنى الجميع احترامًا وبدؤوا ينتظرون ظهور العائلة المالكة.
اتبعتُ توجيهات الخادم وتقدّمتُ إلى الأمام على السجاد الطويل. ثم انحنيتُ لوقت بدا وكأنه يدوم طويلًا جدًا.
خطوات… خطوات…
سرعان ما سمعتُ صوت خطوات تقترب من العرش. توقّف الأمير الأول، الذي لم يجلس على الكرسي بعد، وقال:
“ارفعي رأسكِ.”
“شكرًا لك، يا صاحب السمو.”
انحنيتُ بأدب ثم استقمتُ، رغم أن ظهري أصبح متيبسًا بالفعل. وعندها تلاقت نظراتي مع الأمير.
“آه، هذا الوجه….!”
كان الشرير الرئيسي في الرواية التي وجدتُ نفسي داخلها مع الدوق الأكبر كرونهارت.
وبحكم أن الرواية كانت تتمحور حول الأمير الثاني كمحور أساسي، فإن صورة الأمير الأول لم تكن إيجابية أيضًا.
عندما نظرتُ إلى ملامحه، كان بالفعل مطابقًا لما سمعته عنه.
لم يكن قبيحًا جدًا، لكنه افتقر إلى الهيبة الملكية، وكان في ملامحه شيء من الخسة والدناءة متغلغل في كل زاوية من وجهه.
تذكرتُ ما سمعته خلال لقائي مع صوفيا قبل بضعة أيام:
“الأمير الثاني قائد مجنون… لكنه قائد جيد.”
عند النظر إلى أفعاله، كان الأمير الثاني هو من حقق أفضل النتائج ولم يتورط في الفضائح. لكن سمعتُ أن المشاكل بدأت تتفاقم بسبب ترتيب الخلافة الذي يُفضِّل الابن الأكبر.
كتمتُ تلك الأفكار، لكن الأمير لم يتردد في إلقاء تعليقاته عليّ.
“أنتِ جميلة كما سمعتُ عنكِ.”
“آه… شكرًا لك، يا صاحب السمو.”
“كنتُ أتساءل لماذا الدوق الأكبر كرونهارت، صاحب القلب الحديدي، قد جنّ جنونه بسبب امرأة.”
لماذا يتم ذكر الدوق الأكبر هنا مجددًا؟.
غطيتُ زوايا شفتي بيدي متظاهرةً بالابتسام، رغم أن فمي المرتجف لم يكن متعاونًا معي.
ضحك الأمير بصوت عالٍ قبل أن يدخل في صلب الموضوع أخيرًا.
“تهانينا على انتصاركِ، آنسة وينترسوار. كان لديكِ أصدقاء جيدون.”
قد يبدو تعليقًا مجاملًا واضحًا، لكنه يحمل معنى آخر. كان يقصد أن فوزي بالبطولة لم يكن بفضل مهاراتي، بل بسبب الأشخاص الذين منحوني صيدهم.
‘ يضرب بخفة لكن يصيب الهدف. ‘
رغم أن انطباعي الأول عنه لم يكن إيجابيًا، إلا أنني ابتسمتُ ورددتُ بلباقة:
“أشكركَ على هذا الشرف، يا صاحب السمو الملكي.”
“والآن، لنشرب نخب فائزتنا!”
لحسن الحظ، لم تدم المحادثة طويلًا. رفع جميع النبلاء كؤوسهم وهم ينظرون نحوي.
“من أجل شرف الفائزة!”
كل تلك الأنظار والاهتمام…
ابتسمتُ محاوِلةً أن أبدو طبيعية قدر الإمكان. رفعتُ كأسي، وسرعان ما انساب طعم النصر في حلقي.
غادر الأمير الأول بسرعة وكأنه أراد فقط استعراض مكانته الملكية. على أي حال، كان هناك كثيرون ممن سيتضايقون من وجوده.
بعد هذا اللقاء القصير، عدتُ إلى حيث كنتُ سابقًا.
“ها قد عادت الفائزة!”
“آه، هاها….”
وفي اللحظة التي ضحكتُ فيها بتوتر، انطفأت الأضواء التي كانت تضيء القاعة فجأة بصوت نقرة واحدة.
تساءلتُ إن كان ذلك بسبب الرياح، لكن الهواء كان هادئًا في الداخل.
رغم همهمات النبلاء، استمرت الحالة كما هي، وسرعان ما بدأت حتى الشموع المتبقية في الانطفاء.
حدث كل هذا في غضون ثوانٍ قليلة.
“ما الذي يجري بحق …؟!”
تحولت قاعة الحفل، التي كانت مضاءة بالفوانيس، إلى ظلام دامس. غطت العتمة الكاملة رؤيتي لدرجة أنني لم أعد أرى شيئًا أمامي.
ولم يمر وقت طويل حتى اخترق الصمت المؤقت صراخٌ عالٍ من إحدى النبيلات.
“آاااه!”
“ه-هجوم! إنه هجوم!”
“اهدأوا! لا تندفعوا، أخلوا المكان بشكل منظّم، آه!”
“أمي! أمي!”
ساد الفوضى التامة، وصارت الضوضاء تعمّ كل أرجاء القاعة.
تحركتُ نحو الحائط محاوِلةً تفادي الحشود الهائجة وصرختُ بأعلى صوتي:
“ا-اهدأوا جميعًا!”
عليّ استخدام سحر الإضاءة الآن…
“هذه فكرة سيئة.”
في تلك اللحظة، وصل إلى أذني صوت منخفض ومخيف.
ارتجفتُ، واهتزّت كتفاي بينما تراجعتُ بسرعة إلى الخلف.
“أنا معتادة على هذا الصوت العميق.”
شعرتُ بذلك من قبل، لكن كان هناك شيء غريب لا يُنسى في نبرته.
في تلك الأثناء، تعالت أصوات الأقدام من كلا الجانبين، وكأن الجميع كانوا يهرعون للإخلاء.
لكن وسط الفوضى، كنّا وحدنا فقط نقف بهدوء في القاعة الضخمة، بينما كان الآخرون يركضون في كل الاتجاهات.
“هل أصبتِ بأي أذى؟”
الصوت الذي سمعته مجددًا حمل مضمونًا غير متوقع. أومأتُ برأسي صعودًا وهبوطًا، محاوِلةً فهم هذا الشعور الغريب.
كان صوته عميقًا، منخفضًا بشكل مصطنع، وكأنه تم تعديله عمدًا. انقطاع التيار الكهربائي بدا مقصودًا، وظهور هذا الرجل في الوقت المثالي وكأنه كان بانتظاره.
كلما حاولتُ الربط بين الأمرين، وصلتُ إلى استنتاج واحد فقط. فكرتُ مليًا، ثم سألته بصوت مرتعش:
“هل كان هذا من فعل الدوق الأكبر؟”
حبستُ أنفاسي عندما أومأ الرجل بصمت.
هل يمكن أن يكون يخطط لقتلي في الظلام، دون أن يعلم أحد؟!
لكن، لو كان ذلك هدفه، لما سألني إن كنتُ قد أُصبت.
هززتُ رأسي بقوة وقبضتُ يديّ بإحكام. تذكرتُ سارة وصوفيا….
“لماذا، لا… بالأحرى، مالذا تخطط لفعله؟”
“لا بأس، الأمير مدين لي بسبب مأدبة الصيد.”
بينما كنتُ أستمع إلى كلماته التي نُطقت بصوت هادئ ومتدفق، لم أستطع طرد فكرة معينة من رأسي، رغم أنها بدت سخيفة.
‘يبدو صوته هكذا عندما يُعدَّل مثل صوت كايل.’
شعرتُ بقشعريرة تسري في ظهري. لا يمكن أن يكون ذلك ممكنًا، لكن…
“عذرًا، هل لي أن أعرف لون شعر سموّك؟”
في النهاية، لم أستطع تمالك نفسي وسألتُ بصوت عالٍ، رغم ارتجافي.
في الظلام، مال الدوق الأكبر برأسه قليلًا إلى الجانب، ثم أجاب:
“لون شعري… ساطع جدًا.”
“…”
“ألّا يعجبك ذلك؟”
“هاه؟”
كانت إجابته غير المتوقعة مناسبة تمامًا لسؤالي غير المتوقع.
عندما فكرتُ في الأمر، لم يكن الدوق الأكبر شخصًا مغامرًا جدًا حتى في القصة الأصلية.
رغم أنه كان شريرًا بلا رحمة، إلا أنه كان يعرف كيف يرتدي قناعًا أثناء المناسبات الاجتماعية ويتعامل مع الآخرين ببراعة.
بعد أن تذكرتُ ذلك، قررتُ مواكبة الأجواء وأجبتُ بخفة:
“نعم، لم أكن أعلم، لكن يبدو أنني أميل إلى الرجال ذوي الشعر الداكن.”
في وسط الظلام الدامس، سمعتُ صوت ضحكة صغيرة.
يا إلهي، هل جعله ذلك يضحك حقًا؟
فتحتُ عينيَّ على وسعهما وحككتُ ذقني بلا سبب، وكأنني كنتُ أحاول إخفاء إحراجي. لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك فعلًا.
في تلك اللحظة، فُتح الباب أخيرًا، ودخلت أشعة القمر إلى قاعة الحفل المظلمة.
رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى الدوق الأكبر، فالتقطتُ لمحة عن لون شعره.
كان بلا شك أشقر فاتح جدًا، يكاد يكون ذهبيًا باهتًا، وكأنه يرتدي شعرًا مستعارًا.
حتى عندما استرجعتُ القصة الأصلية في ذهني، لم أستطع تذكُّر أن الشرير كان موصوفًا بهذا الشكل.
“هذا لا يتناسب مع صورته.”
وبينما كنتُ أضيّق عينيّ وأفكر، تحدث الدوق الأكبر وسط الصمت الذي خيّم على القاعة.
“سمعتُ أن الحفل الرسمي سيُقام قريبًا، لكن لا أعتقد أن هناك فرصة للحديث قبل ذلك.”
“آه، نعم….”
“إذًا، هل حياة الهروب ممتعة؟”
“كح! كح!”
أطلقتُ عدة سعال جاف عند سماعي لهذا السؤال المفاجئ.
“م–ماذا؟؟”
“لماذا فعلتِ ذلك؟ الآن، أحتاج إلى سماع القصة كاملة.”
للمرة الأولى، بدا صوته بشريًا حقًا. شعرتُ بضغط شديد لأقدم إجابة واضحة على هذا السؤال.
“لماذا هربتِ مني؟”
__________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 52"