كان من الواضح أن أحدهم أشعل النار في الخارج وأغلق الباب بإحكام.
مع ارتفاع الدخان وامتلاء الغرفة، بدأت سارة تشعر بضيق التنفس والهلع.
بينما كانت تائهة لا تعرف ماذا تفعل، مدت يدها نحو الدرج الذي كان الساحر يخفي فيه دائمًا ممتلكاته الثمينة.
لكن على عكس وعده بالعودة، كان الدرج فارغًا تمامًا.
لقد تخلى عنها.
تركها في هذا الكوخ الصغير كطعمٍ وفرّ هاربًا وحده.
وللتأكد من أنها لن تهرب من الباب الخلفي، أشعل النار قبل رحيله.
على الرغم من رغبتها في إنكار الحقيقة، إلا أن الأدلة كانت واضحة ولا يمكن تجاهلها.
“لم يكن بيننا علاقة دافئة، لكننا عشنا معًا لسنوات.”
“ظننتُ أنه الشخص الوحيد الذي أنقذني عندما تخلى عني الجميع.”
لكن لم يكن لديها الوقت للغرق في تلك المشاعر.
الدخان الأسود يتسلل إلى الغرفة، والأصوات الصاخبة تأتي من وراء الباب.
في النهاية، لم تستطع سارة التحمل أكثر.
ركضت نحو الباب الأمامي، حيث كانت تعلم أن هناك أشخاصًا بانتظارها.
كان الموت حرقًا هنا أسوأ من مواجهة الدائنين وضربهم لها.
لكن عندما خرجت، كانت الكلمات التي سمعتها بمثابة صدمة لم تتوقعها أبدًا.
من استخدم السحر المبارك ببركة الأرواح في أعمال شريرة، يتحول فورًا إلى ساحرٍ مظلم، وتُلطخ قوته السحرية بالسواد.
وكانت تلك “الأعمال الشريرة” عادةً تشير إلى إيذاء الآخرين.
ورغم أن معلمها لم يكن شخصًا سويًّا، إلا أن سارة لم تره يومًا يتجاوز تلك الحدود طوال السنوات التي قضتها معه.
“لابد أن هناك خطأ!.. معلمي ليس…!”
“إنها ساحرة! أحرقوا الساحرة!”
حتى في وسط هذا الاضطراب وتدفق المعلومات المفاجئ في رأسها، حاولت سارة الصراخ لتوضيح الأمر. لكن الجموع الغاضبة لم تستمع لها..
عضّت سارة بقوة ذراع الشخص الذي كان يمسك بها، واستطاعت الإفلات منه.
وبدأت في الركض.
ركضت بلا توقف، وواصلت الركض.
كانت وجهتها واضحة.
معرفة حقيقة معلمها.
أصبح هذا هو هدفها الجديد.
❈❈❈
على مدار عدة أشهر، تنقلت سارة بين الأكواخ والنزل التي استخدمتها مع معلمها كأماكن إقامة مؤقتة، تجمع الأدلة والبقايا التي تركها وراءه.
كان محو آثار الإقامة من مهامها الأصلية، لذا لم يكن من الصعب عليها العثور على الأدلة المخفية من جديد.
كانت هناك أكوام من الرقوق والكتب التي لم يستطع معلمها حملها معه واضطر لتركها في أماكن الإقامة السابقة.
بدأت سارة في قراءة كل تلك الكتب السحرية، خاصة تلك التي منعها معلمها من الاقتراب منها سابقًا.
على الأقل، قال المعلم حقيقة واحدة صحيحة: سارة كانت موهوبة حقًا.
بينما كانت تنتقل من قرية إلى أخرى، أعادت قراءة الوثائق التي حصلت عليها مرارًا وتكرارًا، وفهمت محتواها بسهولة.
“لقد خدعني المعلم تمامًا… هذا بلا شك كتاب سحرٍ أسود…”
كانت تلك اللحظة التي اتضح فيها لها ما لم ترغب أبدًا في تصديقه.
كل ما تعلمته على مدار تلك السنوات لم يكن سوى نظريات عديمة الفائدة.
لقد ضيّعت وقتها بالكامل، ولم تكن سوى مساعدة لساحرٍ مظلم طوال ذلك الوقت.
ما الذي ارتكبته بحق؟.
ركبت سارة عربة متجهة إلى قريتها القديمة، بعينين فارغتين وكأن الحياة قد غادرتها.
تحت الغطاء، أخفي وجهي… أذهب بهدوء في الفجر عندما لا يكون هناك أحد.
كانت تعلم أن ما تفعله خطر ومتهور، لكنها لم تستطع التراجع.
إن لم تفعل ذلك، شعرت بأنها لن تتمكن من التحمل أكثر من ذلك.
كانت تشتاق إلى حياتها الريفية البسيطة التي كانت تراها مملة في السابق.
بعد رحلة استمرت لأيام عديدة، وصلت أخيرًا إلى قريتها. لكنها كانت مختلفة تمامًا.
الشجرة التي كانت تتفتح بالزهور الوردية كل ربيع على التل اختفت.
والسياج الخشبي للمزرعة، الذي كان بحاجة دائمة إلى التصليح، أصبح الآن جدارًا حجريًا متينًا.
بينما كانت تغرق في ذكرياتها، توقفت سارة فجأة.
هناك شيء لا ينبغي أن يختفي، لكنه اختفى.
‘ لا، مستحيل… لا يمكن أن يكون! ‘
حاولت إقناع نفسها بأنها أخطأت المكان بعد الغياب الطويل.
لكنها عادت وتحققت عدة مرات، والمشهد أمامها لم يتغير.
بيت سارة، الذي كانت تعيش فيه مع والدتها، تحول إلى أنقاض محترقة.
يبدو أن الحريق قد وقع قبل عام على الأقل.
وفي تلك اللحظة، شعرت سارة بقشعريرة تسري في جسدها.
كلما اقتربت من المنزل، شعرت برائحة خافتة للسحر الأسود تملأ الهواء.
وفي الوقت نفسه، جاءها صوت من الظلام يناديها:
“يا إلهي، هل هذا أنتِ… سارة؟”
نسيت سارة كل احتياطاتها، وركضت نحو الصوت قائلة:
“جيد أنكِ هنا، سيدتي! هل تعرفين أين انتقلت أمي؟ ولماذا تحول بيتنا إلى رماد؟”
كانت المرأة، التي كانت جارتهم القديمة، شاحبة الوجه وكأنها محاصرة في موقف مرعب.
كانت المرأة في منتصف العمر تُطبق شفتيها بإحكام، لكنها في النهاية تحدثت بضغطٍ من إلحاح سارة.
“والدتكِ توفيت في مثل هذا الوقت من العام الماضي… ألا يمكنكِ معرفة ذلك بمجرد رؤية هذا البيت؟
“ماذا؟”
“كان حريقًا مجهول السبب. الجميع قالوا إنها تلقت عقاب ابنتها بدلًا منها.”
بدأ الطنين يملأ أذنيها.
همست سارة وكأنها غير مصدقة:
“لن أصدق حتى أرى قبرها بعيني.”
لكن المرأة بدت وكأنها تتجنب الحديث، تسحب كلماتها ببطء شديد.
لم تخرج الحقيقة إلا بعد أن بكت سارة وتوسلت، وكأنها تنتزع الكلمات بالقوة:
“الأمر هو… بعد اختفائكِ، لم يجرؤ أحد على التحدث إلى والدتكِ. فقد هدد السيد بطرد كل من يحاول مساعدتها…”
“لهذا السبب… لم يتمكنوا حتى من بناء قبر لها. لقد تركوا جثتها فقط… على التل.”
“ها… ، هههه…”
ضحكة غير مناسبة للموقف خرجت من شفتي سارة، بدت وكأنها ضحكة مجنون.
المعرفة التي اكتسبتها خلال الشهور الماضية عن السحر الأسود، أثناء محاولتها كشف نوايا معلمها، بدأت تتلاطم في عقلها وكأنها تريد الخروج بأي ثمن.
وفي ذلك اليوم، احترقت القرية بأكملها، بما في ذلك قصر السيد.
بينما كانت تشاهد النيران، سالت دموع حمراء كدماء من عينيها.
وأقسمت على نفسها.
‘ من اليوم فصاعدًا، لن يملأ قلبي سوى الانتقام.’
‘ لن أمنح قلبي لأحد، ولن أفكر إلا في العثور على معلمي مجددًا.’
هل كان هو من أشعل النار في بيت والدتها حقًا؟.
وإن كان كذلك، فلماذا فعل ذلك؟.
في السنوات الأولى، كان الوفاء بهذا العهد سهلاً.
تقمصت سارة هوية نبيلة ساقطة، وتنكرت كخادمة.
كان ذلك لتقترب من المجتمع الراقي، حيث تنتشر المعلومات وتُكشف الأسرار.
وهكذا مرت سنوات عديدة بينما كانت سارة تبحث عن أثرٍ لمعلمها.
إلى أن التقت بفتاة صغيرة تذكرها بشكلٍ غريب بماضيها.
كانت قد أقسمت ألا تمنح قلبها لأحد مرة أخرى، لكنّ شيئًا ما في تلك الفتاة كان يجذب انتباهها باستمرار.
شعرها الناعم والمجعد، وابتسامتها الخجولة، وعيناها المستديرتان المليئتان بحسن النية — كل شيء فيها كان يلامس أعمق نقطة في قلب سارة.
ربما لأن كل تلك التفاصيل كانت تذكرها بأشياء افتقدتها لدرجة أنها تبكي شوقًا لها.
“آنستي، تشبهين كثيرًا ليري التي كنت أعرفها عندما كنت صغيرة.”
“لـ، ليري؟ ومن تكون؟”
“كانت جروًا وجدته في الشارع واعتنيت به. كان فراؤها ناعمًا ومجعدًا، وكانت لطيفة للغاية.”
❈❈❈
بعد أن انتهت سارة من سرد قصتها،
ظللت أعض شفتي السفلية المرتجفة لوقت طويل، ثم أخيرًا احتضنتها بقوة.
بدأ ظهر سارة يبتل تدريجيًا بدموعي التي لم أستطع منعها من الانهمار.
“لماذا تبكين، آنستي؟”
قالت سارة بصوتٍ حاولت أن تجعله مرحًا، وكأنها تريد مواساتي.
قلبي كان يخفق بشدة تحت وطأة مشاعر مختلطة لم أتمكن من تحديدها تمامًا.
“رغم أنني في البداية كنت أخاف منك بلا سبب..”
“….”
“الآن، أراكِ كأخت لي.”
“يا إلهي.”
في مجتمعٍ طبقي، كان هذا التصريح جريئًا إلى حدٍ كبير.
لدرجة أن سارة، التي نادرًا ما تُظهر دهشتها، أطلقت حتى تنهيدة تعجب.
“إذا كان هناك أي شيء أستطيع فعله، سأفعله. لذا، لا ترحلي.”
عندما رأت سارة عيناي المبللتين وكأنني جرو صغير بائس، بدأت تتردد.
“سأسير معكِ أينما تذهبين.”
انتهزت الفرصة وأمسكت بيد سارة بقوة.
بعد فترة طويلة من تلعثمها وعض شفتيها، أخيرًا نطقت سارة.
“في الحقيقة، هناك شيء آخر لم أخبرك به. ظننت أنكِ قد تشعرين بالصدمة…”
“لا بأس، قولي لي بسرعة.”
“السبب في رغبتي بالرحيل هو أنني أخيرًا عرفت مكان وجود معلمي القديم. لقد كان بارعًا في الهروب، وكنت دائمًا أتأخر بخطوة… لكن هذه المرة، أنا واثقة.”
“هذا جيد! أين هو؟”
سمعتُ صوت زفير عميق.
بنظرة مترددة، سألتني سارة مرة أخرى وكأنها تريد التأكد من أنني مستعدة لسماع الحقيقة.
وعندما أومأت برأسي دون تردد، بدأت تتحدث ببطء.
“منذ أن غادرت القصر الدوقي وجئت إلى هنا، أصبحت أملك وقتًا أكبر للبحث. كنت أجري التحقيقات ليلًا فقط، أما الآن فأستطيع فعل ذلك في وضح النهار أيضًا، ما ساعدني في جمع الكثير من المعلومات.”
“….”
“وأثناء حضورك حفل الصيد، حصلتُ على الدليل الأكثر حسماً.”
تساءلتُ عمّا تريد قوله بعد كل هذا التمهيد.
وبالفعل، كانت كلماتها التالية صادمة للغاية.
“آنستي، ذلك الشخص يقيم الآن في قصر دوق وينترسوار.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 46"