قبل حوالي عشر سنوات من الآن.
كانت سارة تعيش كابنةٍ لمزارعٍ عادي.
كانت حياتها بعيدةً كل البعد عن السحر والمجتمع الراقي.
كانت تعيش حياةً فقيرةً وعاديةً مع والدتها الأرملة.
آه. وإذا أضفنا الجرو الصغير “ليري” الذي التقطوه من الطريق في أحد الأيام وأصبح فردًا من العائلة، فسيصبحون ثلاثة.
أحيانًا، كانت تشعر بالضجر من الحياة الريفية المملة، كما هو حال الفتيات العاديات.
لم يكن قولها إنها لم ترغب أحيانًا بالهروب إلى العالم الفسيح كذبًا.
لكن، قبل النوم، عندما تشعر بلمسة شفاه والدتها على جبينها ودفء جسد الكلب الصغير بجانبها، كان كل شيء يصبح على ما يُرام.
لذلك، كانت سارة دائمًا تصبر.
حتى عندما ترى وجه ابن اللورد الذي يشبه الخنزير، وهو يُلقي عليها الكلمات البذيئة بشكلٍ اعتيادي.
وتلك النظرات اللزجة والابتسامات المليئة بالنيات السيئة عندما كانت تساعد في أعمال الحقل.
لم تكن تغضب، لكنها أيضًا لم تستسلم للسلطة.
على الرغم من كل العروض المهينة والتصرفات الوقحة، كانت تحافظ دائمًا على ملامح ثابتة لا تتغير.
ترى، هل كان ذلك يثير حنق ابن اللورد إلى هذا الحد؟.
لدرجة أنه أراد تحطيمها، وتلويثها، وتدميرها بلا رحمة.
عندما تتذكر تلك اللحظات، لا تزال سارة تشعر بالحيرة، لأنها لا تعرف السبب.
كيف كان ينبغي لها أن تتصرف؟ وكيف كان بإمكانها منع تلك المأساة؟.
ذات يوم، عندما لم يعد الجرو الصغير “ليري” من نزهته المعتادة، خرجت للبحث عنه.
شعرت بإحساسٍ سيئٍ مختلفٍ تمامًا عن المعتاد.
وبعد أن قلبت القرية رأسًا على عقب وكأنها تبحث عن فأر، ركضت نحو التل عندما لمعت فكرةٌ في ذهنها.
كان المكان الذي كان ابن اللورد وأصدقاؤه الأوغاد يتجمعون فيه دائمًا.
توقعها السيئ كان صحيحًا تمامًا؛ فقد كانوا هناك يعذبون الجرو الصغير.
“نعم، هذا هو الجرو الذي تربيه تلك الفتاة! يشبه صاحبته القذرة في طباعه.”
“إذا فعلنا هذا، ستعرف خطأها وتصبح مطيعة.”
صرخات الجرو الصغير وبكاؤه، وضحكات ابن اللورد المزعجة.
أصوات الرجال وهم يسخرون من فتاة ضعيفة و الجرو صغير بلا حول ولا قوة.
اندفعت سارة نحوهم بلا تردد لتحمي “ليري” بين ذراعيها.
“توقفوا! أرجوكم، أرجوكم توقفوا…!”
رغم توسلاتها المؤلمة، لم تتوقف ركلات الرجال نحو “ليري”.
كانت سارة في حالة من الهذيان، تتشبث وتقاوم بشراسة.
لم تتذكر تمامًا ما فعلته في تلك اللحظات.
فجأة، شعرت بملمس شيء تحت أطراف أصابعها، وساد الصمت المكان.
عندما رفعت رأسها، رأت خد ابن اللورد يحمل خدشًا وكأنه من أثر أظافرها.
الرجال الذين كانوا يتجاهلون توسلاتها من قبل، أصبحوا فجأة في حالة من الهدوء الغريب.
نظروا إليها وكأنهم يرون شخصًا فقد عقله.
بدت عليهم القناعة بأنهم كانوا يمزحون فقط، وأن سارة هي من قامت بفعلٍ غير معقول.
نظرت سارة بذهن شارد إلى يديها المرتجفتين، وعيناها مسمرتان على الأرض.
أولئك الأشخاص أذوا أسرتها، أمسكوا بكتفها بعنف وهزوها، لكن الشخص الذي يُعاقب هو هي فقط.
بسبب مكانتهم كـ”نبلاء” التي تُثبتها مجرد ورقة.
في تلك الليلة، سُجنت سارة في زنزانة تحت قلعة اللورد، بتهمة إيذاء جسد نبيل.
“أرجوكم، ارحموها…! ابنتي لم تتجاوز الخامسة عشرة بعد!”
توسلت والدتها، لكن لم يكن لرجاء الفقراء أن يصل إلى مسامع اللورد.
أهل القرية، خوفًا من انتقام اللورد، اكتفوا بالهمس فيما بينهم دون تدخل.
في ذلك الفجر، جاء ابن اللورد إلى الزنزانة، وقد غطّى وجهه بضمادات كثيفة.
وبدأ في تخويف سارة، التي كانت ترتجف على الأرض الباردة.
قال إنه يمكنه سحبها كالحيوان في أرجاء القرية، وإذلالها، وجعلها تتعرض للضرب، أو حتى إعدامها شنقًا.
وأخبرها أنه سيمنحها فرصة أخيرة، بشرط أن تقبل بأن تكون عشيقته.
عندما سمعت ذلك، انفجرت ضاحكة بسخرية، ولم تشعر بالخوف بعد الآن.
“من بين كل تلك العقوبات، يبدو أن كوني عشيقة لسعادتك هو الأسوأ.”
ردّت سارة، ثم استلقت على الأرض الحجرية الباردة وولّت ظهرها له.
على الرغم من أنها تصرّفت بتحدٍ، إلا أن قلبها كان ينبض بخوف من المستقبل المجهول.
ومع ذلك، لم تكن تريد أن يُلاحظ خوفها من خلال عينيها.
سرعان ما احمرّ وجه ابن اللورد غضبًا وخرج من الزنزانة.
وبعد فترة قصيرة، بدأت تُسمع ضحكات صاخبة من الزنزانة المجاورة.
في البداية، ظنت أنها هلوسات جعلتها تشعر بالقشعريرة، لكن عندما أصغت جيدًا، أدركت أنها حقيقة.
تلاشت الضحكات الغريبة تدريجيًا، وبدأ صوت شخص يتحدث يُسمع بوضوح.
“لقد أعجبتني، أيتها الصغيرة.”
“…”
لكن، إذا فكرت بأنها ربما تكون لشخص فقد عقله بسبب السجن، شعرت بالشفقة.
“سأهرب من هنا قريبًا. وعندما أفعل، سأصطحبك معي.”
ما هذا؟ يبدو حقًا أنه شخص فقد عقله تمامًا.
فكرت سارة بذلك، وقررت تجاهل ذلك الصوت تمامًا.
“أنت لا تصدقينني، أليس كذلك؟”
همس الصوت بعد برهة.
في تلك اللحظة، لم تكن سارة في حالة تسمح لها بالاهتمام بشخص آخر غير نفسها.
وعندما استمر تجاهلها، تعالت ضحكات الصوت من خلف القضبان، قبل أن يسأل:
“هل سبق لكِ أن رأيتِ السحر، أيتها الصغيرة؟”
“ما الذي…؟”
قبل أن تُكمل سارة كلامها، بدأت القضبان الحديدية الصلبة بالذوبان.
تلك القضبان التي كانت تبدو متينة تحولت في لحظة وكأنها زبدة تحت حرارة عالية.
شاهدت سارة هذا المشهد الذي لا يُصدق، واتسعت عيناها وهي تأخذ نفسًا عميقًا.
وسرعان ما انكشفت هوية الصوت الذي كان يخاطبها.
رجل مسن مليء بالتجاعيد، الساحر الذي سيصبح معلمها لاحقًا.
كانت بداية لعلاقة مشؤومة.
❈❈❈
“هذه حياة أنقذتها بنفسي، لذا سأتصرف بها كما أشاء. أولًا، سنغادر هذه القرية.”
“أوه، سأذهب لأحضر أمي. لا أستطيع الرحيل وحدي.”
“هذا غير ممكن. أنتِ مفيدة لي، لذا سأصطحبكِ، لكنني لن أزيد الأعباء.”
كانت تعرف أنه لا يمكنها البقاء في القرية بعدما أغضبت اللورد وارتكبت جريمة الهروب.
لكن فكرة الرحيل بمفردها كانت كالصاعقة لفتاة في الخامسة عشرة من عمرها.
“إذًا، على الأقل دعني أودعها. إنها قريبة جدًا!”
تردد الساحر قليلًا، ثم أومأ برأسه بالموافقة.
هرعت سارة حافية القدمين، خائفة من أن يغيّر رأيه.
“أمي! أمي!”
صرخت مرارًا وهي تطرق الباب بعنف.
كانت تأمل بكل جوارحها أن تكون والدتها في المنزل، وأن تتمكن من رؤيتها قبل الرحيل…
وكأن دعاءها استُجيب، فُتح الباب فجأة.
خرجت والدتها بوجهٍ شاحب كأنها لم تنم طوال الليل، فاندفعت سارة إلى حضنها.
“أنتِ… كيف تمكنتِ من…!”
“آسفة، أمي. أنا حقًا آسفة.”
بصوتٍ متحشرج بالكاد يُسمع، بدأت سارة تشرح لوالدتها وضعها الصعب.
“قابلتُ الساحر في الزنزانة المجاورة، وأخبرني أنه سيساعدني على الهرب.”
كانت سارة تعتقد أن والدتها، التي عاشت حياة أكثر بساطة منها، قد تُصدم أو تفقد وعيها عند سماع ذلك.
لكن والدتها، وكأن غريزة الأمومة تدفعها عند حافة الهاوية، ظلت هادئة تمامًا.
كانت تعلم أنه لا يوجد خيار سوى الهرب في تلك اللحظة.
احتضنت الأم سارة بيديها القويتين والدافئتين، وبدأت تربت عليها بلطف.
“حسنًا، فهمت كل شيء. لا تقلقي. لقد كنتِ شجاعة، يا ابنتي العزيزة.”
في الواقع، كانت سارة خائفة طوال الطريق إلى المنزل.
كانت تخشى أن تلومها والدتها على تهورها بسبب مجرد حيوان، أو أن تشعر بالاستياء منها.
لكن والدتها تحدثت وكأنها تعلم تمامًا ما يدور في قلبها.
“سأظل هنا دائمًا، مع ليري، حتى تتمكني من العودة متى شئتِ.”
لو علمت سارة أن هذه ستكون آخر مرة، لفعلت كل شيء للبقاء أطول وقت ممكن.
لكنها، دون أن تعرف ما ينتظرها، خطت خطواتها المترددة بعيدًا.
قال الساحر إنه أدرك موهبة سارة منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها.
قوة سحرية فطرية، وذكاء حاد، وذاكرة قوية لا تحتاج لأكثر من مرة لتتعلم.
أصبحت سارة تلميذةً للساحر وبدأت تطور مهاراتها بسرعة.
كان معلمها دائم الهروب، يعيش كفأرٍّ ومتشرد، وكأن له أعداء في كل مكان.
وعندما رأت سارة طبيعة المهام التي كان يُكلف بها، شعرت أنه ربما يستحق تلك المطاردة.
كانت تتخيل أن السحر وسيلة لمساعدة الناس، لكن الأيام التي عاشتها معه كانت قاسية ولا تُحتمل.
حاولت الاعتراض بطريقتها، لكن ردوده كانت دائمًا قريبة من التهديد.
في البداية، كان الساحر يتظاهر ببعض اللطف، لكن مع مرور الوقت، أصبح أكثر قسوة وبرودًا.
أصبح الساحر فجأة أكثر قسوة.
“إذا واصلتِ التصرف بهذا الشكل، فلن أرسل رسالة إلى والدتكِ.”
“إن كنتِ تريدين العودة إلى قريتكِ ، فاستمري في التمرد!”
كانت سارة تُجبر نفسها على التحمل، خوفًا من أن تفقد الأمل في رؤية والدتها مرة أخرى.
كانت تعرف أن ما يأمرها به معلمها خطأ، لكنها كانت تنفذه على أي حال.
من الأعمال الشاقة والمهام الوضيعة، إلى تقديم نفسها كفأر تجارب في تجاربه المؤلمة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. كان المعلم مغرورًا وعاشقًا للترف، يريد الحصول على كل ما يشتهي، وكان يرتاد صالات القمار باستمرار.
على الرغم من صعوبة الأيام، كانت سارة تجد الأمل في فكرة واحدة تمنحها القوة للاستمرار.
كانت تحلم بأنه في يوم من الأيام ستتحرر من معلمها، وتصبح ساحرة محترمة، وتعود إلى قريتها.
كان عليها وحدها أن تتولى تنظيف الفوضى التي يتركها وراءه.
وكانت تخطط لجلب والدتها وبناء منزل جميل في العاصمة ليعيشا معًا بسلام.
لكن كانت تعرف الحقيقة: من يطرق الباب غالبًا ما يكون دائنًا غاضبًا من ديون القمار، أو شخصًا يحمل ضغينة ضد معلمها.
مرت السنوات من الخامسة عشرة حتى السابعة عشرة.
لكن العالم لم يسمح لسارة حتى بأن تحمل بصيص أمل.
في أحد الأيام، سُمع طرقٌ عنيف على باب الكوخ الذي كانوا يستخدمونه كملجأ مؤقت.
“يا من يعيشون هنا! استسلموا فورًا!”
اعتادت سارة على مثل هذه المواقف، فظلت هادئة وبدأت بجمع أمتعتها.
لكن في ذلك اليوم، كان تصرف معلمها مختلفًا بعض الشيء.
“ابقي هنا. سأخرج عبر هذا الممر وأتفحص الوضع.”
كان المعلم قد صنع دائمًا بابًا خلفيًا للهروب السريع في كل مكان يقيمون فيه.
على الرغم من شعورها بالريبة، إلا أنها اعتبرت ذلك جزءًا من طبعه المتقلب، فهزّت رأسها بالموافقة.
مرت بضع عشرات من الدقائق.
عندما بدأت سارة تشعر بالقلق من اهتزاز الباب وكأنه على وشك السقوط، قررت الاقتراب من الممر السري لمعرفة مكان معلمها.
وسرعان ما أدركت سارة أن الباب قد أُغلق من الجهة الأخرى بواسطة شخص ما.
“لا… مستحيل… لا يمكن أن يكون…”
مهما طرقت الباب، لم يُفتح. وبعد لحظات، بدأ ذلك الدخان الخانق يلسع أنفها.
في تلك اللحظة، تذكرت سارة الحقيقة التي كانت تتجنب التفكير بها.
كان السحر الناري هو التخصص المميز لمعلمها.
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 45"