انطلقت العربة دون أن ينبس السائق صارم الملامح بكلمة ترحيب واحدة.
بعد أن افترقت عن كايل، شعرت وكأنني أطير من الفرح في طريقي للعودة.
“لم أكن أتوقع أن أتحرر من الدوق الأكبر بهذه الطريقة.”
ركبت العربة بعد أن قمت بخبط قدميّ في محاولة لتهدئة حماسي.
كان جميع من في بيت الدوق، حتى الخدم، يعاملونني ببرود.
ربما الوحيدة التي لم تفعل ذلك هي سارة، لأنها ليست مضطرة لمراعاة مشاعر الدوق.
حتى لو كان هذا هو النظام الطبيعي للعالم الذي أعيش فيه…
إلا أن الشعور بأن الجميع من حولي يكرهونني كان مؤلمًا أحيانًا.
بهدوء، نظرت إلى الخارج من نافذة العربة، منتظرة وصولي إلى قصر الدوق.
عندما كانت أختي مارثا تعود من الحفلات، كان مدخل القصر يعج بالخدم الذين يخرجون لاستقبالها.
أما اليوم، وكما هو متوقع، لم يكن هناك أحد بانتظاري.
لكن ربما كان هذا أمرًا جيدًا، فأنا بالكاد أطيق الانتظار للراحة.
“بمجرد أن أصل إلى غرفتي، سأزيل مساحيق التجميل، وأخلع الفستان، وأرتمي في السرير للنوم.”
وأنا أصعد الدرج، حالمةً بليلة هانئة، فوجئت بصوت يناديني.
“أختي! أخيرًا عدتِ! كيف كانت الحفلة؟”
خرجت أختي الصغيرة فجأة من الظلام.
كانت فتاة صغيرة ذات شعر ذهبي يشبه لون العسل، وخدين ممتلئين متوردين.
نظرتُ إليها بتردد، إلى ملامحها التي تعكس بوضوح طفولة مغمورة بالحب والرعاية.
“أخبريني، كيف كانت الحفلة؟”
“كانت ممتعة.”
“لم تكوني مجرد قطعة ديكور على الجدار مجددًا اليوم، صحيح؟ لطالما كنتِ كذلك.”
في الواقع، لم أقف بجانب الجدار هذه المرة، بل كنت عند الشرفة.
رمشتُ بعينيّ بلا أي انفعال وأنا أفكر في كلامها.
مارثا، على ما يبدو، فسرت رد فعلي على طريقتها واستمرت في حديثها بحماس.
“أنتِ لستِ مستاءة، أليس كذلك؟ كنت قلقة أن تكوني قد تعرضتِ للإحراج. لو كنت معكِ، لكنت اعتنيتُ بكِ.”
اعتنت بي؟ هراء.
كل ما كانت ستفعله هو السخرية مني بطريقة غير مباشرة.
صحيح أن الشجارات بين الأخوات أمر طبيعي…
لكن ما بيني وبين مارثا كان مختلفًا تمامًا.
“أوه، صحيح، أبي كان يبحث عنكِ. إنه في مكتبه الآن.”
يا إلهي…
لم أجب، معتبرة صمتي نوعًا من الانتقام الصغير، ثم غادرتُ دون كلمة أخرى.
لكن هذا لا يغير الحقيقة… لا يزال عليّ مقابلة والدي. إنه عقبة أخرى في طريقي.
طرقت الباب المغلق للمكتب، فسمعت صوته الرزين يسمح لي بالدخول.
“إنريكا.”
“نعم، أبي.”
نظر إليّ بعينيه الباردتين، يمسحني بنظره من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي، كما لو كان يفحص بضاعته.
“لستِ سيئة تمامًا.”
“نعم، شكرًا لك.”
شكرًا؟ . هراء.
أجيد الابتسام ببرود. لقد أتقنتُ هذا الفن منذ حياتي السابقة.
“حتى يحين موعد زفافك، احرصي على تصرفاتك ،خذي أختك كقدوة لكِ.”
“نعم، أبي.”
“لا ينبغي أن تزدادي وزنًا. سأعين لكِ معلمة لتدريبك على آداب العروس.”
“نعم، أبي.”
استدعاني فقط ليقول ما يريد، دون أن يكترث لردي.
كنت أستمع إليه من أذن وأُخرج كلامه من الأخرى، حتى طرح أخيرًا سؤالًا مختلفًا.
“سمعت أن الدوق الأكبر حضر الحفل اليوم. هل قمتِ بتحيته؟”
الدوق الأكبر؟.
تفاجأت بشدة.
إذا كان قد حضر، فلا بد أنه رأى اللحظة التي أمسكت فيها يد كايل… بل وربما رأى أيضًا حين قبَّل شعري؟.
هل ستصلني ورقة فسخ الخطوبة غدًا؟.
بالنسبة لي، هذا سيكون رائعًا، لكن المشكلة أن والدي قد لا يُبقي عليّ حية حتى أتمكن من الزواج بكايل.
لم يكن لديّ الجرأة لأقول بصراحة أنني لم أحيِّه، بل لم ألتقِ به حتى. لذا اخترت المراوغة.
“نعم، أبي.”
“أخيرًا بدأتِ تردين جميل تربيتك، إنريكا.”
لأول مرة، لم تكن نظرات الدوق لي باردة كالمعتاد.
“ما تفعلينه من أجل العائلة هو في النهاية لمصلحتك أيضًا، لا تنسي ذلك.”
كانت نظرته أقرب إلى تقييم سلعة ثمينة، لا إلى نظرة أب لابنته.
لكن رغم ذلك، كان هناك شيء مختلف هذه المرة.
“أنا فخور بكِ.”
أغلقت فمي، أفكر في الأمر.
في النهاية، إنريكا كانت ابنته الحقيقية.
قبل أن أفسد مخططاته بفسخ الخطوبة، كان هناك سؤال واحد فقط أردت طرحه.
ليس لأجله، بل من أجل راحتي الشخصية.
أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم قررت أخيرًا أن أسأل:
“أبي، ماذا لو…؟”
“ماذا.؟.”
“ماذا لو… قلتُ إنني لا أريد الزواج من الدوق الأكبر؟ ماذا ستفعل حينها؟”
آخر ما رأيته قبل أن يسود المشهد أمامي كان شفتي والدي المشدودتين بصرامة.
< صفعة! >
دوى صوت قوي في أذني، وأدارت الصفعة رأسي بقوة إلى الجانب.
استغرقتُ لحظة لاستيعاب ما حدث.
لكن الألم الحارق في خدي أيقظني على الواقع القاسي.
“هاه…”
ضحك الدوق بسخرية.
“أعطيتك وجهًا، فظننتِ نفسك قادرة على التمرد، إنريكا؟”
الصفعة كانت شديدة لدرجة أن أذني بدأت تطن.
“اخرجي. وإن تفوهتِ بهذه الحماقات مرة أخرى، فلن ينتهي الأمر بصفعة فقط.”
ضغطت يدي على خدي، محاوِلة استجماع نفسي.
بصعوبة، انحنيتُ له احترامًا ثم غادرتُ المكتب مسرعة.
نعم، كنتُ حمقاء.
لكن… كان مجرد أمل ضعيف.
مجرد وهم بأن والدي، بصفته أبي، قد يهتم لي ولو قليلًا.
وأنا أترنح في طريقي إلى غرفتي، صادفتُ سارة.
“آنستي، كنت أبحث عنكِ. لماذا تأخرتِ كل هذا الوقت…؟”
يا للسخرية، الشخص الوحيد الذي يستقبلني بحرارة هو المرأة التي وُصفت في القصة الأصلية بأنها “الشريرة”.
لكن، بطريقة ما، لم يكن الأمر سيئًا تمامًا.
سارة كانت تحمل مصباحًا وهي تقترب مني مبتسمة، لكنها توقفت فجأة.
وجهها تصلب، وتجمدت ملامحها.
أما أنا، فكنت أستمتع بوهلة قصيرة من الامتنان، غير مدركة لما لاحظته هي.
ثم، فجأة، فتحت فمها وقالت…
“هذا الـــXXX [كلمات نابية]!”
“…هَه؟! هيه، ما هذا؟!”
انفجرت منها شتيمة صريحة، جعلتني أرتجف من الصدمة!.
“في هذا القصر، من بحق ال.**؟!”
اتسعت عيناي بذهول، وسارعتُ إلى كتم فم سارة قبل أن تقول المزيد.
لكن عندما رأيت الحدة في نظراتها، أسرعتُ بسحب يدي فورًا.
لم يعد لديّ وقت للحزن على الصفعة، فقد حلّ محله خوف شديد من أنني قد أكون استفززت “الشريرة” عن غير قصد.
“لـ… للتو، هل شتمتِني؟”
“بالطبع لا!”
صرخت سارة بوجه متجهم، غير مصدقة أنني سألتها ذلك.
فزعتُ من نبرتها المرتفعة وسحبتها بسرعة إلى غرفتي قبل أن يرانا أحد.
بعد بضع دقائق من الانتظار، بدت وكأنها هدأت أخيرًا، ثم بدأت تتحدث بصوت أكثر استقرارًا.
“لقد أخبرتكِ سابقًا أنني كنت أربي جروًا عندما كنت صغيرة، صحيح؟”
“أجل، قلتِ ذلك.”
“حسنًا، آنستي، إنكِ تشبهين ليلي.”
“هـ… هل حقًا؟ ومن تكون ليلي؟”
“إنها الجرو التي التقطتها من الشارع وربيتها.”
“آه، صحيح.”
أومأتُ برأسي بينما أتذكر القصة.
“ذات يوم، خرجت ليلي وحدها في نزهة، لكنها عادت مليئة بالجروح.”
تصلبت ملامح سارة تدريجيًا.
“اتضح أن بعض الأوغاد في الحي كانوا غاضبين مني لأنني لم أبتسم لهم، فقرروا تفريغ غضبهم على الجرو المسكينة.”
ارتعش صوتها قليلاً، لكنها سرعان ما سيطرت على نفسها.
ثم همست بصوت بارد لدرجة جعلني أقشعر.
“ذلك المخلوق الصغير… أين كان من الممكن أن يُضرب حتى يتأذى هكذا؟”
ثم، بنبرة أكثر برودة، كأنها تتحدث عن شيء لا مفر منه:
“هل تعرفين أين أصبحوا الآن؟”
أمثالهم يستحقون العقاب على يد شريرة حقيقية.
كنت أتوقع نهاية مرضية، فسألتها بحماس:
“وأين هم الآن؟”
ابتسمت سارة ابتسامة خفيفة قبل أن تجيب:
“لم يعودوا موجودين.”
“لم يعودوا…؟”
“لقد اختفوا ببساطة.”
رفعت يدها فجأة ولمست خدي الذي بدأ يتورم ويتحول إلى اللون الأزرق.
“آه…”
تأوهتُ من الألم وعبست، مما جعل سارة تسحب يدها بسرعة وتنظر إليّ بأسى.
“يا إلهي… هذا يزعجني حقًا…”
وفجأة، سحبتني إلى حضنها بقوة.
وجدتُ نفسي بين ذراعيها، رمشتُ بارتباك، غير مصدقة.
هل من الممكن أن تكون غاضبة بسبب الصفعة التي تلقيتها؟.
بنوع من الإحراج، رفعتُ يدي وربتُّ على ظهرها بخفة.
ثم قلتُ، محاوِلة تخفيف الجو المتوتر:
“سارة، هناك خبر سار بالمناسبة. لقد قررتُ الزواج.”
“ومن لا يعرف ذلك؟”
“لكن ليس من الدوق الأكبر، بل من شخص آخر.”
ساد الصمت للحظة.
ثم شعرت بجسدها يتصلب، وكأنها تحولت إلى حجر.
بعد لحظة، دفعتني بعيدًا بسرعة.
آه للأسف، لقد كان العناق دافئًا ومريحًا…
نظرتُ إليها بأسف، لكنها كانت تنظر إليّ بدهشة أكبر مما توقعت، ووجهها مليء بالصدمة.
ثم نطقت أخيرًا، بنبرة تكاد تكون غير مصدقة:
“ماذا قلتِ؟!”
❈❈❈
لأكن صريحة مسبقًا، أنا لست جبانة.
لكن عندما يكون أمامكِ امرأة فاتنة ذات شعر أحمر، وغاضبة بشكل واضح، فمن الطبيعي أن تشعري ببعض الرهبة.
خاصة وأنا أعلم جيدًا كل الفظائع التي ارتكبتها سارة في القصة الأصلية.
مهما كانت طريقتها اللطيفة معي الآن، لا يمكنني نسيان تلك الحقيقة.
لذلك، نعم، يمكن القول إنني كنت متوترة بعض الشيء… حسنًا، كثيرًا.
“انتظري، لا تغضبي واسمعيني أولًا! لم أكن أريد الزواج من الدوق بأي حال!”
“لكن الزواج من شخص التقيتِ به في يوم واحد فقط مقبول بالنسبة لكِ؟”
همم، هذه حجة منطقية جدًا.
“بدا شخصًا جيدًا… ليس الأمر كما لو أنني وقعت في حبه، إنها مجرد زواج عقدي للهروب من الدوق.”
شعرت بجفاف في حلقي، فابتلعت ريقي بتوتر.
“من يكون؟ أين يعيش؟ ما وظيفته؟ كم عمره؟ كيف يبدو؟ ماذا يفعل والداه؟ هل لديه أشقاء؟ هل في عائلته تاريخ من الأمراض الوراثية؟”
“آه، فجأة بدأ خدي يؤلمني مجددًا… أظن أنه من الأفضل أن أذهب للنوم الآن.”
ازدادت ملامح سارة رعبًا.
هل يمكن أن تستخدم السحر ضدي الآن؟.
حاولتُ التصرف ببراءة، متظاهرة بأنني لا أعلم أنها ساحرة ظلامية.
لكن من الواضح أن مثل هذه الحيل الساذجة لن تمر عليها.
“لا تقولي لي… أنكِ لا تعرفين؟”
“لا، لا، بالطبع أعرف!”
أسرعتُ بالرد قبل أن تزداد الأجواء توترًا.
“اسمه كايل بيلبرينغتون، يحمل لقب الكونت، وعمره… أعتقد أنه 21 عامًا؟”
عبست سارة بوضوح، مما جعلني أشعر بقليل من القلق…
“إنه أكبر منكِ بثلاث سنوات. مرفوض تمامًا.”
“ماذا؟! لكن طوله مناسب لي، بالكاد وصلت إلى كتفه! ووجهه… إنه أوسم رجل رأيته في حياتي!”
بينما كنت أتذكر ملامحه بارتياح، نظرت إليَّ سارة بوجه متجهم.
“الرجال طوال القامة مزعجون، والوسيمون جميعهم محتالون.”
“لم يكن لدي وقت لمعرفة والديه أو إخوته أو تاريخه الصحي.”
“جيد جدًا، وسأتأكد من أنكِ لن تجدي الوقت لذلك مستقبلًا أيضًا.”
تنهّدتُ بإحباط أمام عنادها.
“سارة، أنا أفهم أنكِ لا تثقين بي، لكن ليس لدي خيار آخر الآن.”
“عندما أقابله مرة أخرى، سأقدمكِ إليه. وإذا كنتِ لا تزالين تعارضين بعد ذلك، فسأعيد النظر.”
بعد محاولات جادة لإقناعها، تنهدت سارة بعمق، وكأنها استسلمت جزئيًا.
“حسنًا، لكن الآن اذهبي للنوم. سأحضر لكِ مرهمًا لتخفيف التورم.”
“أ-أوه… حسنًا.”
“لكن هذا لا يعني أن الحديث انتهى. سنكمل غدًا.”
على الرغم من أنها بدت غاضبة طوال النقاش، إلا أنني لم أشعر بالسوء أبدًا.
لأنها كانت غاضبة من أجلي.
لسببٍ ما، بدأت أراها أقل كـ”شريرة” وأكثر كأخت كبرى يمكن الاعتماد عليها.
وبينما كنت أراقبها وهي تبتعد، وجدت نفسي أبتسم بلا وعي.
❈❈❈
“يا إلهي…”
في صباح اليوم التالي، استيقظت ونظرت إلى المرآة، ثم عقدت حاجبيّ بامتعاض.
كانت الكدمة على خدي، التي تلقيتها الليلة الماضية، قد انتفخت واكتسبت لونًا مزرقًا، مما جعل مظهري مزريًا.
“إذا حاولتِ إخفاءها بالمكياج، فقد تزداد سوءًا. من الأفضل أن تبقي هكذا اليوم.”
“ولا تنسي وضع الكمادات أيضًا.”
بينما كنت أومئ برأسي، شعرت بيد سارة تُربت على كتفي بلطف، وكأنها تحاول مواساتي.
“لا تقلقي، سأرد لكِ حقكِ مئة مرة لاحقًا.”
“مجرد كلماتكِ تكفيني، شكرًا لكِ.”
كنت أقصد أن أتوقف عند هذا الحد، لكن سارة لم تبدُ وكأنها تفكر في التراجع.
بدلًا من ذلك، ارتسمت على شفتيها ابتسامة شريرة تحمل الكثير من المعاني المبطنة.
___________________________________________
•• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐••
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 4"