“هذا حقًا… عرض رائع! حقًا… بكل صدق، إنه رائع!.”
كنتُ متحمسة بفعل تأثير الكحول، لكن مع استمرار حديثي، بدأ صوتي يخفت شيئًا فشيئًا.
“لكنني لا أعتقد أنني أستطيع فعل ذلك.”
“وما السبب؟”
“هل أستطيع حقًا العثور على رجل يرغب في الزواج مني خلال شهر واحد فقط؟”
قلتُ ذلك بصوت يفتقر إلى الثقة.
لم أكن الابنة المحبوبة لدوق العائلة، كما أنني لم أكن مطّلعة جيدًا على تفاصيل هذا العالم.
الزواج السياسي يقوم في الأساس على تبادل المنافع بين الطرفين، أليس كذلك؟.
لكن في وضعي الحالي، لم يكن لديّ أي شيء أقدمه للطرف الآخر.
نظر إليّ الكونت للحظة، وكأن كلماتي غير مفهومة بالنسبة له، ثم قال:
“أنتِ نبيلة وجميلة، إذا مدتِ يدكِ فقط، فسيصطف أكثر من مئة رجل راغبين في الزواج منكِ….إذا تجرّأ…”
نطق كلمة أخرى بصوت خافت، وكأنه يمضغها بأسنانه، لكنني لم أتمكن من سماعها.
وحين كنتُ على وشك سؤاله عمّا قاله، رسم الكونت على وجهه ابتسامة مشرقة متجاهلًا الأمر تمامًا.
“يُقال إن الحل غالبًا ما يكون أقرب مما نتوقع. ربما صديق مقرّب، أو حتى شخص تحدثتِ معه في إحدى الحفلات؟”
هززتُ رأسي نفيًا على الفور.
“سيدي الكونت، أعلم أن هذا مخزٍ، لكن ليس لديّ الكثير من الأصدقاء.”
بعد أن انتقلتُ إلى جسد “إنريكا”، حاولتُ ذات مرة فهم علاقاتها الاجتماعية…
داخل العائلة، كنتُ أعيش وسط شتى أنواع الإهانات والمعاملة القاسية، ولم يكن لدي حتى صديق واحد لأبوح له بمشاكلي.
من الواضح أن قلّة تواصلي مع الآخرين بشكل غير طبيعي إلى هذا الحد كانت بسبب نفوذ والدي.
“ماذا عن الخيار الثاني؟”
سألني الرجل فجأة بينما كنتُ أبدو بملامح حزينة بعض الشيء.
“الخيار الثاني؟”
أخذتُ أفكر للحظة، ثم اتسعت عيناي فجأة.
“آه…”
افترقَت شفتاي لا إراديًا. أو حتى شخص تحدثتِ معه في إحدى الحفلات…؟
رأيت الكونت يحدّق بي بهدوء، قبل أن يومئ برأسه ببطء.
دون أن أشعر، تحرك لساني ونطقت:
“هل ترغب في الزواج بي؟”
يا إلهي، هذا مالذي قُلته!.
لم يكن بإمكاني قراءة أي تعبير على ملامحه الهادئة والباردة، وبدأتُ أتساءل إن كان قد غضب.
لابد أنه مستاء…
أن تُعرض عليه مثل هذه الخطبة السخيفة من إمرأة قابلها لأول مرة اليوم!.
لكن بما أنني قد دمرتُ كل شيء بالفعل…
مع عقلٍ أصبح فجأة فارغًا تمامًا، بدأتُ أتحدث بدون تفكير:
“لمدة سنة واحدة فقط! بعد عام، سنتطلق بلا شك! أرجوك، فقط أنقذني…”
“موافق.”
“ماذا؟!”
خرج رده دون أدنى تردد.
في هذه الأجواء التي انقلبت تمامًا، لمعت ابتسامة غامضة على وجهه أخيرًا، وقال بصوتٍ هادئ:
“كنتُ أنتظر منكِ هذا الطلب.”
“تعني الطـ.–ااطلاق بعد سنة واحدة؟”
“لا، كنتُ أعني طلب الزواج قبل ذلك.”
هل أنا أحلم الآن؟.
كل هذه الأحداث التي جرت في ليلة واحدة كانت صعبة التصديق، فرفعت يدي لأقرص خدي، لعلّني أستيقظ من هذا الحلم.
لكن الكونت أمسك بيدي بسلاسة وجذبها نحوه.
بسبب فارق الطول بيننا، انتهى بي الأمر بملامسة وجنته بأطراف أصابعي.
“لا أحب أن تؤذي نفسكِ.”
تردد صوته العميق في الهواء، لينساب إلى أذني بهدوء.
بدلًا من قرصه، أنزلتُ ذراعي ببطء.
تلك البشرة الباردة قليلاً ونبضٌ خافت لا أعرف إن كان لي أم له…
كان ذلك كافيًا لأدرك أنني لا أحلم.
تلاقت عيناي الزرقاوان بعينيه، فسألته مباشرة:
“لماذا تريد الزواج بي؟”
“لأنني أحتاج إلى مساعدتكِ في أمر بالغ الأهمية.”
بينما كان يختار كلماته التالية، شهقتُ لا إراديًا.
بعد أن تخطيتُ عقبة كبيرة، بدأتُ أتذكر سيلًا من المشاكل الأخرى التي لم تحل بعد.
“والدي لن يوافق أبدًا!”
“سأتولى الأمر بنفسي. عليكِ فقط أن تستعدي لتصبحي عروسًا.”
“لكن الشائعات انتشرت بالفعل في جميع أنحاء الإمبراطورية…”
“في هذه الحالة، يمكننا الذهاب فورًا إلى المعبد وعقد الزواج هناك.”
فتحتُ فمي، ثم أغلقتُه مجددًا، قبل أن أضحك بصوت خافت.
منذ دخولي إلى هذا العالم، لم يسبق أن واجهتُ موقفًا بهذه الدراماتيكية.
“أشعر بأنني سكرت…”
“لكن لا يجب أن تنساني غدًا.”
“كيف لي أن أنساكِ؟”
تأملني الكونت بنظرة دافئة، ثم فجأة، وكأنه تذكر أمرًا غير ذي أهمية، تحدث بصوت هادئ.
كنتُ مستعدة للإجابة عن أي شيء يسألني عنه الآن.
“بما أننا أصبحنا في مركب واحد، أود معرفة اسم الرجل الذي تقدم لخطبتك.”
“إنه الدوق الأكبر رافائيل كرونهارت.”
“…إذًا كنتُ محقًا.”
اعتقدتُ أنه سيتفاجأ قليلاً.
لكن الكونت لم يُظهر أي ارتباك عند سماعه بلقب الدوق الأكبر.
بل على العكس، بدا وكأنه توقع ذلك مسبقًا.
شعرتُ ببعض الغرابة وسألته بفضول:
“ماذا؟ لكنك قلتَ سابقًا إنك لا تعرفه…”
“لقد خمنتُ الأمر.”
هل هذا شيء يمكن تخمينه بهذه السهولة؟.
رمشتُ بعينيّ في حيرة، لكنه ابتسم بخفة وغير الموضوع بسلاسة.
“لنخرج معًا، يجب أن نظهر للنبلاء في القاعة أن لديكِ رجلاً آخر.”
“آه، نعم!”
إنه جدير بالثقة بالفعل.
عندما سألني إن كان بإمكانه إمساك يدي، مددتُ يدي على الفور وسألته:
“بالمناسبة، كيف أناديك؟ كونت بيلبرينغتون؟”
“را-… كايل، نادِني كايل.”
لاحظتُ التوقف القصير في نطقه لاسمه.
على الفور، حدّقتُ به بعينين حادتين وقلتُ بتوجس:
“هذا مريب، أيها الكونت. من ينسى اسمه؟”
“آه، ذلك…”
“يا إلهي، إلى أي مدى يمكن أن تكون ضعيفًا في شرب الكحول؟ انظر إلى طريقة نطقك المتلعثمة!”
قلتُ ذلك وأنا أضحك بخفة.
كان الشاب الوسيم اللطيف دائمًا هدفًا سهلاً للمزاح.
بدت على كايل علامات الارتياح، وابتسم ابتسامة خفيفة، ثم شد قبضته قليلاً على يدي التي كان يمسكها.
“إنري، أنا سعيد حقًا لأنني التقيتُ بكِ اليوم.”
“وأنا أيضًا أعتقد ذلك.”
“أنا أحب عندما تسير جميع الأمور وفقًا للخطة…”
صوته العميق والعذب لامس أذني بلطف.
“لكن أحيانًا، لا بأس بالقليل من الخروج عن المألوف.”
“بالطبع، فالحياة في الأصل سلسلة من الانحرافات، كايل.”
قلت ذلك بمكر، ثم خطوتُ إلى الأمام.
قبل أن أفتح باب الشرفة، سألني مرة أخرى:
“هل أنتِ مستعدة؟”
“نعم.”
بمجرد أن دخلنا، اندفع الهواء الساخن نحونا.
فجأة، شعرتُ بالحنين إلى النسيم البارد الذي كان يلفحني في ليلة الصيف بالخارج.
وسط الهمسات والهمهمة المتزايدة، بدأ حماسي يتلاشى تدريجيًا.
كنتُ بالفعل حديث الجميع في هذه الحفلة، والسبب؟.
خبر خطوبتي مع الدوق الأكبر كرونهارت.
والآن، أظهرُ أمام الجميع ممسكةً بيد رجل آخر بعد أن كنتُ معه في الشرفة بمفردنا؟.
أي قصة أكثر إثارة من هذه يمكن أن تقدمها لهم هذه السهرة؟.
فجأة، بدأتُ أشعر بالخوف من كل تلك العيون المسلطة عليّ.
“لا ترتجفي.”
عندما لاحظ كايل أنني تقلصتُ دون وعي، قال لي بلطف:
“أنا هنا معكِ.”
ابتسمتُ بخفة ونظرتُ إليه.
بمجرد أن التقت عيناي بعينيه الزرقاوين العميقتين، المشابهتين لبحر الشتاء، شعرتُ بقليل من الهدوء يتسلل إلى قلبي.
همس وهو يحدق في وجهي بثبات:
“إنري، بما أننا بدأنا هذا التمثيل، فمن الأفضل أن نؤديه بشكل مثالي.”
“وماذا تقترح؟”
“هل لي أن ألمسكِ للحظة؟”
“بالطبع، ولكن لماذا…؟”
قبل أن أكمل سؤالي، رفع كايل يده اليمنى في الهواء.
رأيتُ مفاصل أصابعه الناعمة، ولفتني كم كانت يداه جميلة.
لم يكن لدي الوقت لاستيعاب الأمر، لأنه تحرك على الفور.
بحذر شديد، وكأنه يتعامل مع شيء ثمين، أمسك برفق بأطراف خصلات شعري.
ثم طبع عليها قبلة خفيفة.
انحنت شفتاه فوق خصلاتي الوردية بلطف، قبل أن ترتسم عليهما ابتسامة هادئة.
كان تصرفه جريئًا إلى درجة أن القاعة الصاخبة سكنت فجأة في صمت غريب.
لكن، من يهتم بنظرات الآخرين أو ردود أفعالهم الآن؟.
مدّ يده إليّ وقال:
“هلا رقصّتي معي؟”
ابتسمت وأنا أضع يدي في يده:
“بكل سرور.”
وهكذا، أكملنا تمثيليتنا المرتجلة حتى النهاية بكل إتقان.
❈❈❈
“هل أنتِ متأكدة بأنكِ ستذهبين وحدكِ؟”
“لا تقلق، إن عربة عائلتي تنتظرني هناك.”
طمأنتُ الرجل الذي بدا عليه الحزن والقلق.
“بدلًا من ذلك، لنحدد موعد لقائنا القادم. ما حدث اليوم يبدو وكأنه حلم، وأخشى أن يتلاشى وكأنه لم يكن.”
قلتُ ذلك بنبرة مازحة، رغم أنني كنتُ جادة تمامًا.
“سأحرص على زيارتكِ في أقرب وقت ممكن.”
“يجب أن تفعل، وإن لم تأتِ، فسوف أذهب أنا إليك!”
“هذا يبدو مغريًا… ولكن، ماذا لو قررتُ ألا أذهب؟ هل ستغضبين؟”
بدلًا من الإجابة، رمقته بنظرة حادة، فضحك بخفة.
لوّحنا لبعضنا للمرة الأخيرة قبل أن نفترق.
من بعيد، رأيتُ كايل يصعد إلى العربة السوداء.
بدا وكأنه يتحدث مع من معه داخل العربة، تُرى عن ماذا يتحدث؟.
كانت تعابيره جامدة، مما جعلني أشعر بالقلق.
هل كان يُخفي عني ندمه على موافقته على خطوبتنا؟.
لكن ماذا أفعل إن كنتُ فضولية للغاية؟!.
ضيّقتُ عينيّ بتركيز شديد محاوِلة قراءة شفتيه.
“سو….سو…؟”
ما هذا؟ ماذا كان يقول؟.
❈❈❈
“سأُنشئ هوية جديدة في العاصمة، بإسم كونت بيلبرينغتون.”
في ذلك الوقت، بمجرد أن صعد الدوق رافائيل كرونهارت إلى العربة، قال بصوت هادئ.
“صاحب السمو الدوق الأكبر ، كيف كانت الحفلة… عفواً؟!”
“من الآن فصاعدًا، سيكون اسمي الكونت كايل بيلبرينغتون. احرص على مناداتي بذلك.”
“…عذرًا؟!”
لكن الدوق رافائيل كرونهارت لم يُعر اهتمامًا لدهشة مساعده، بل عقد حاجبيه وهو يتذكر وجه تلك المرأة التي صرخت قائلة:
“حتى لو قدّم لي الجواهر، فلن أشعر سوى بالعبء!”
كان يعيد تكرار كلماتها في ذهنه، قبل أن يسأل بصوت يشوبه التأنيب:
“من الذي اقترح إرسال المجوهرات إلى عائلة الدوق.؟”
“هذا شيء وافقت عليه جلالتك، لا. لحظة..مالذي حدث مع الآنسة وينترسوار؟.”
تنهد رافائيل بخفة، متجنبًا الإجابة المباشرة، ثم تمتم:
“لم تكن تعرف وجهي.”
“هذا… نعم، من الطبيعي ألا تعرف.”
“ولماذا؟”
تنهد المساعد ميلوا بحسرة على حاله، لكنه أجاب بأمانة:
“لأنك كنت تتجنب حضور الحفلات بحجة مهام اصطياد الوحوش وتدريبات الفرسان، بل حتى رفضت ترك أي لوحة بورتريه لك.”
ارتسمت ابتسامة طفيفة على شفتي رافائيل، وكأنه استنتج شيئًا مهمًا.
“إذن، لن يكون الأمر صعبًا كما توقعت.”
“صاحب السمو، هلّا شرحت لي ما الذي حدث بالضبط؟!”
رغم نبرة الرجاء في صوت مساعده، ظل رافائيل صامتًا للحظة، غارقًا في أفكاره، قبل أن يتمتم أخيرًا، وعيناه تزدادان عمقًا وظلامًا:
“كما تعلم، أنا بحاجة ماسة إليها يا ميلوا.”
ثم أردف بصوت حازم، يقطر عزيمة:
“سأُبقيها بجانبي، حتى لو اضطررتُ إلى تدبير أكبر عملية احتيال في هذا العصر.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 3"