“تعتقدين أنني لستُ من هذا العالم؟.”
كان صاحب الصوت إمرأة مسنة تجلس على الأرض ناشرةً قطعة قماش وتقوم بقراءة الطالع.
لفّ تريستان ذراعيه حول كتفيّ وحاول أن يُخرجني بهدوء من المكان.
شعرتُ بجاذبية غريبة، فتوقفت وسألت:
“ماذا تقصدين؟.”
“جسدكِ تغيّر عدّة مرات.”
< النفس ذاتها، النفس ذاتها. >
أي شخص لديه سمع جيد لكان سيشعر و كأن هنالك همسات.
هل يوجد شخص روحاني حقًا في هذا العالم؟!.
اقتربتُ من العجوزه ذات الوجه الحاد وأخرجتُ ثلاث عملات فضية بيدين مرتجفتين.
“حسنًا، حسنًا، إذا قبلتِ هذا كهدية…”
“إنريكا، هل تصدقين ذلك؟.”
دفعتُ تريستان الذي كان يهمس في أذني للحظة، وركّزت على العجوزة.
كانت العجوزه تعبث بالعملة التي أعطيتها لها بنظرةٍ راضية، ثم تكلّمت ببعض الكلمات وكأنها تُسدي لي معروفًا؛
“لماذا أشعر بالذنب عند سرقة ما هو لي أساسًا؟ ، لقد كان ملكي منذ البداية.”
“نعم؟ لا، هذا مستحيل…”
“عاملي الرجل الذي بجانبكِ بلطف. إن حدث شيء ما ، فسيضحي بحياته.”
همست بكلماتٍ غريبة لم أفهمها.
“آه، هل ضحّى بنفسه مرة من قبل؟.”
بينما كنت أستمع بتركيز، أشرتُ إلى تريستان بجانبي بدهشة.
“هاه؟.”
“آه، يبدو أن التنبؤ دقيق للغاية.”
عندما غيّر تريستان نبرته وأجاب، عبست العجوزة.
“يا فتى، أخرج يدك. كم من عدد النساء اللواتي عاشرتهن في حياتك…؟”
“بفتت.”
انفجرتُ ضاحكة ولم أستطع التحكم في نفسي، وتجنبت النظر إلى عينيه. نظرت العجوزه إلى كفّ تريستان لبرهة ثم هزّت رأسها.
“ولكنك لن تتزوج إلا إذا قللت من معاييرك.”
حسنًا، قول شيء كهذا قد يكون محبطًا بعض الشيء.
“دعنا نذهب الآن.”
نظرتُ إلى وجه تريستان وأمسكت بيده وهمست.
سألني تريستان بينما كنا نبتعد دون تردد:
“ألم يكن ذلك ممتعًا؟.”
“لم يكن عليها القول بإنك لن تتزوج أمام الناس هكذا ، ليس وكأنها تستطيع لعن أحد…”
كان من الصحيح أنني كنت فضولية بشأن القصة وراء ذلك.
قلتُ بوجه متجهم:
“ليس بالضرورة أن تكون صادقة.”
“لماذا؟”
سألني بفضول حقيقي. لكنه فقط ابتسم ولم يُجب.
“حتى لو أمسكت بإمرأة الآن وعرضت عليها الزواج، ربما سيكون هنالك إمرأة أو اثنتان سينجذبون إلى وجهك. لو فقط استطعت ترتيب علاقتكَ بالنساء.”
ضحك تريستان بصوتٍ عالٍ وأجاب:
“حسنًا إذن، إنريكا. ماذا عن الزواج مني؟.”
“توقف عن المزاح حول هذه المواضيع..”
في تلك اللحظة، تذكرت لقائي الأول مع كايل.
ربما كان عرض الزواج قبل قليل مجرد مزحة.
لو كنتُ قد التقيت بتريستان قبل بضعة أشهر، ربما كنت سأكون الشخص الذي يتشبث به محاولًا الهروب من الدوق الأكبر.
عندما وصلنا إلى بائع الأسياخ، وقفنا في نهاية الصف الطويل.
وبشكل مفاجئ، بدأ هو الذي أصبح هادئًا جدًا بالكلام.
“وُلدتُ في عائلة من الفرسان التقليديين، ونشأتُ وأنا أمثل كل ما أفعله. ولاكن في مرحلة ما، أردتُ التخلص من ذلك.”
“…”
“الاستمتاع بالحياة أفضل من أن أصبح فارسًا مخلصاً.”
هذا صحيح.
“لو أصبحتُ راهبة، لما استطعتُ التحمل، ولكنتُ قد هربت.”
تعاطفت معه نوعاً ما، فوافقته الرأي.
عندما جاء دورنا أخيرًا، دفعتُه بهدوء بعيدًا عن مكان الدفع.
“أريد أربعة أسياخ وواحدة من الجمبري المشوي!.”
بجانبي بينما كنت أطلب، بدا تريستان مرتبكًا.
“هذه أول مرة أحصل فيها على شيء من امرأة.”
“هل نسيتَ أن هذه أموالي على أي حال؟ ، سأشتريه لك احتفالًا بكوننا أصبحنا أصدقاء.”
بمجرد أن تلقيت الدجاج بجلده المشوي المقرمش، كان اللحم ساخنًا جدًا لدرجة أنه أحرقني عندما أخذت قضمة.
كان المذاق الحلو والمالح يمتزج بشكل رائع، مما جعل فمي الذي كان دسمًا يشعر بالانتعاش. اتسعت عيناي ودهشت.
“هذا لذيذ حقًا! أفضل سيخ أكلته في حياتي.”
بينما كان تريستان يمضغ اللحم بوجه غير مبالٍ وكأنه معتاد على طعام الشارع، فجأة رفع يده نحوي.
“….”
مسح التتبيلة عن وجهي وقال:
“إنريكا، هل تعلمين كيف يمكنني كسب ودّ النساء؟.”
كانت رؤية شعره الذهبي يتطاير تحت ضوء القمر مذهلة.
“عذرًا، لكن يبدو ذلك نوعًا ما…سيئًا.”
“نعم؟”
ضحك تريستان رغم الانتقاد الجريء، وهمس بهدوء:
“برأيكِ هل أتيت إلى السوق الليلي بلا سبب؟.”
“هل لم تعجبك الأسياخ؟ إنها لذيذة فقط.”
لقد اشتريتها لك فحسب. تظاهرتُ بالتذمر وسرتُ أتجول بين المحلات.
ربما لأنه كان ضعيفًا أمام الحرارة، كانت أطراف أذنيه حمراء حتى في الهواء البارد لليلة الصيف. لم تصلني كلماته الناعمة وتبددت في الرياح.
‘ إذاً، يبدو أن فكرة كسب ودكِ قد ذهبت الآن… ‘
❈❈❈
بحلول الوقت الذي انتهينا فيه من الأكل، كان قد أحضر حصانه في الوقت المحدد كما وعد.
وبوتيرة أكثر بطئاً من قبل.
لمراعاة الخيول المتعبة.
حاولت الانحناء لتجنب الوقوع في أحضان تريستان، لكن لم يكن هناك فائدة.
في النهاية، جلست أمامه وكأنني أُحتضن، وسألته سؤالًا لأكسر الملل.
“هل ستستمر في التحدث بشكل غير رسمي عندما نغادر من هنا؟.”
“إذا كان ذلك مزعجًا، سأصلحه يا آنسة.”
“آه، هذا يكفي.”
ضحك تريستان ولمس شفته السفلى.
“أريد أن أسألكِ شيئًا أيضًا، إنريكا.”
“تفضل.”
“هل ستحضرين مأدبة الصيد؟.”
عندما طُرح الموضوع الذي كنت أفكر فيه طوال الوقت، انتفضت وكأنني ضُربت على وتر حساس.
“أفكر في الأمر. ربما يجب أن أفعل إذا أردت معرفة خطط أختي.”
“لقد قابلتها أيضًا، أختكِ.”
تفاجأت وسألته مجددًا.
“حقًا؟”
“عدة مرات في مأدبات مختلفة. هل قلتِ أن اسمها مارثا؟”
” إذن، انسَ ما قلته في النقابة سابقًا. أعتقد أنني وقعت في مشكلة بنميمة لا داعي لها.”
تحدثت بقلق لأنني شعرت وكأنني سأُعامل كشخص غريب حتى من قبله.
لأن مارثا كانت واحدة من السيدات ذوات السمعة الأفضل في الأوساط الاجتماعية.
“لا، أنا أصدقك.”
تحدث تريستان بهدوء مفاجئ.
“أنا أثق بكِ، إنريكا.”
“لماذا هذه الثقة بي؟ متى رأيتني من قبل؟”
“حدس الفارس وقليل من الإيثار.”
تأثرت جدًا لدرجة أن عيني كادت تدمعان، فلطفت نبرة صوتي ومزحت.
“هل سبق وأن حاولت إغواء مارثا؟.”
“ليس الأمر كما لو أنني بلا ذوق، إنريكا.”
بدأ الحصان يزيد من سرعته تدريجيًا. كان الهواء البارد يمر من أذنيّ.
بعد أن رأيت مهارات تريستان المميزة في ركوب الخيل، شعرت بالفضول وسألته.
“هل ستشارك في مأدبة الصيد؟”
“إنه واجب الفارس المشاركة في مأدبة الصيد التي تستضيفها العائلة المالكة.”
“آه….”
“للمعلومية، كنت الفائز في العام الماضي والعام الذي قبله.”
أكمل بينما كان يرمش.
“هل تريدين أن أهديكِ كل ما أصطاده هذا العام؟.”
قلت ذلك، متجاهلةً سؤاله الوقح.
“أخبرني المزيد عن مأدبة الصيد.”
“ألم تشاركي من قبل؟”
“ولا مرة. لم يكن والدي يحب أن أخرج، فاتبعتُ ذلك، وقبل أن أعرف، انتشرت إشاعة بأن الأميرة الكبرى لعائلة وينترسوار مريضة.”
همهم تريستان، وبدا أنه كان يفكر في كيفية الشرح ثم تحدث:
“تُقام مأدبة الصيد في بداية الخريف. لمدة ثلاثة أيام في غابة تديرها العائلة المالكة.”
ثلاثة أيام في كل مرة؟ إذن أين ينامون في الليل؟.
شعر تريستان بفضولي وأكمل الحديث بسرعة.
“عندما يحل الظلام في الغابة، يغادر البعض، بينما يختار آخرون التخييم. وفي اليوم الأخير، نتنافس لمعرفة من يمكنه اصطياد أكثر وأكبر الطرائد لتحديد الفائز.”
ما الذي تريده مارثا من مشاركتي في مأدبة الصيد؟.
كلما سمعت المزيد من التفسيرات، زادت شكوكي.
“هل تشارك النساء أيضًا في الصيد؟”
“تفضل معظم السيدات البقاء في الداخل. كل عام، يشارك فقط عدد قليل من النساء في منطقة يتم فيها إطلاق الحيوانات الصغيرة.”
قال تريستان بنبرة فخرية بعض الشيء.
“لكن في حالة أختي، خيّمت مع بعض الرجال واصطادت ثلاثة ذئاب.”
“ومع ذلك، من الشائع تقديم الطرائد إلى الحبيبة أو الخطيبة. لماذا لم تُهديها لأحد؟”
“حسنًا، من الصعب اختيار شخص واحد فقط….”
“أفهم حتى دون أن تكمل. لا بأس.”
هززت رأسي.
كانت فخذاي مخدرتين بسبب طول فترة ركوب الخيل، فتململت قليلًا.
لاحظ هو الحركة بذكاء وتحدث.
“إذا كنتِ متعبة، يمكنكِ النوم.”
” هل تحاول إيقاعي؟”
“أنا فقط اساعدك.”
أجاب تريستان بنبرة تشعر ببعض العبثية. ضحكت ورفضت العرض وحافظت على عيني مفتوحتين حتى وصلنا.
❈❈❈
العودة إلى غرفتي في الطابق الثاني كانت أصعب من النزول. كانت هناك العديد من المنعطفات، مثل أنه تم حملي بواسطة تريستان، وتسلق شجرة، والعبور إلى التراس…
في النهاية، عدت إلى غرفتي بأمان.
تسلق تريستان الشجرة وكان على مستوى عينيّ.
“نامي جيدًا، إنريكا.”
كتمت تثاؤبًا وأضفت بعض الكلمات.
“هل نحن حقًا أصدقاء الآن؟”
“نعم.”
“قد أضطر إلى التضحية بلعبي لك لتسديد ديني اليوم، تريستان. أراك في مأدبة الصيد.”
“أخيرًا قررتِ المشاركة.”
فكر تريستان بنظرة غريبة على وجهه ثم عبس شفتيه.
“إذا كنتِ بحاجة إلى مرافق جيد، أخبريني. لأنه يمكنني التخلي عن عائلتي والقدوم إليك.”
“واو، أستطيع أن أسمع صوت رقبة الماركيزة وهي تُسحب….”
متى سيكبر؟.
لفت عيني وحرّكت يدي لتوديع تريستان الذي كان يقطع وعودًا سخيفة.
“أسرع واذهب قبل أن يطلع الفجر. انتبه لظهرك عندما تخرج من الحفرة.”
“أنا جاد.”
تمتم بتعبير نادم ونزل من الشجرة.
تمدّدت من النافذة ونظرت إلى الأسفل. اختفى الرجل بسرعة بحركاته الرشيقة.
نظرت إلى ذلك بدهشة ثم ذهبت سريعًا إلى السرير.
“عندما أستيقظ، سأتناول الإفطار مع كايل ثم أسأله عن مأدبة الصيد.”
ظننت أن هذه خطة جيدة للخروج بشكل لائق.
لكنني لم أتوقع أن أتلقى الضربة أولًا!.
❈❈❈
إفطار متأخر في صباح مشمس.
لم يكن من الممكن أن أكون قد حصلت على وقت كافٍ للنوم بعد ذهابي.
هممم، طعام الكونت لذيذ حتى وأنا نعسانة…
كانت لحظة وأنا أتثاءب وأشرب الماء، حريصة على عدم وضع أنفي في الطبق.
“إنري، هل استمتعتِ بالخروج في الصباح الباكر؟”
“بفتت!.”
فجأة بصقت الماء الذي كان في فمي ونظرت إلى كايل الذي كان يبتسم بهدوء.
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 24"