بمجرد أن بزغت الشمس، ناديت القط.
لكن لسوء الحظ، كان الشخص الوحيد الذي يمكنني التحدث معه في هذا الموضوع هو كائن مألوف ومريب يُطلق على نفسه اسم “اللورد فيرمونت”.
“أشعر أن كايل يحقق معي.”
ألم يكن من الممكن تغطية جهلي بهذا العالم من خلال الإعتناء بي كأميرة تعرضت للإساءة؟.
رغم أن النبرة كانت جادة تمامًا، إلا أن القط شخر ساخراً.
“كما توقعت ، تخلَّ عن ذلك الخطيب الناكر للجميل.”
“أوه، إذا الاً تقدم لي نصيحة!”
اعترفتُ بخطئي بسرعة ووضعت يدي على أذني لأتجنب ثرثرة القط.
ومع عودة الصمت، بدأت أفكاري تتنظم واحدة تلو الأخرى.
حتى لو قام بالتحقيق، فلن يكتشف أنني شخص متجسد، صحيح؟.
في أسوأ الأحوال، سيعرف فقط أن إنريكا، التي تتفوه بالهراء قد سُجنت من قبل الدوق قبل شهرين. أكثر من ذلك، كنتُ أشعر بالفضول حول سبب حديثه عني بهذه النبرة المخيفة.
كلما تكشفت المزيد من المعلومات عنه، شعرت بالمزيد من الارتباك.
إذا لم أرغب في التورط أكثر، عليّ الانسحاب الآن.
لكن… هل يمكنني الاستمرار في الوثوق بكايل؟.
حتى لو لم أصدقه، لا يمكنني التخلي ببساطة عن رجل بلا قلب سيموت قريبًا من دوني!.
“لقد قررت.”
“ما الشيء الغريب الذي حدث هذه المرة؟.”
“التحقيق من أجل التحقيق. سأطلب أيضًا تحقيقًا من نقابة الاستخبارات.”
“كان بإمكانكِ فقط التخلي عن خطيبك، لكنكِ تأخذين الطريق الصعب بدلًا من السهل.”
طلبتُ معلومات عن كايل بلبريغتون من النقابة.
ورغم أنني اتخذت القرار، إلا أنه لم يكن شيئًا يمكنني تنفيذه فورًا.
نقابات المعلومات في هذا العالم كانت خطيرة جدًا للزيارة بمفردي.
والأهم من ذلك، أنني لم أكن أعرف موقعها الدقيق.
أحتاج إلى العثور على رفيق موثوق به، هذا هو المطلوب.
كايل، الشخص الذي أخضعه للتحقيق.
سارة، الساحرة السوداء التي تسببت في موتي في الرواية.
وقط..
بينما كنتُ أعدّ علاقاتي البشرية المعدودة، شعرت بالحزن مجددًا.
“أيها القط، اختبئ! هنالك شخصٌ ما هنا!”
تحدثتُ بسرعة عندما سمعت طرقًا على الباب.
لكن فيرمونت فقط نظر إليّ بتعبير منزعج وقال:
“ليس الباب، بل النافذة.”
“ماذا؟”
واو، صحيح. عند النافذة، كان صقر يرفرف بجناحيه حاملاً وردة في منقاره.
“آه…”
وردة برتقالية.
قطّبتُ حاجبي فورًا بسبب المصدر الواضح.
حياة المتسكعين صعبة بالفعل. لا أصدق أنه تبعني حتى هنا!.
لكن لا داعي للقلق بشأن ذلك الآن!.
“هذا… طائر توصيل، صحيح؟”
“أعتقد ذلك. إذا أرسلت له ردًا، فهل سيوصله إليّ؟”
“أعتقد ذلك.”
لم يكن الجواب موثوقًا جدًا، لكنني نظرت حولي، وجدت ورقة صالحة للاستخدام، وبدأت في الكتابة.
[أود اتباع نصيحة الماركيزة. أقدّر اهتمامك، لكن رجاءً توقف عن إرسال الزهور– إنريكا.]
إذا فسّرتَ الرسالة، فستعني:
“ابحث عن امرأة أخرى غيري.”
بعد بضع ساعات من إرسالي الرسالة عبر الصقر، وصل رد سريع بشكل مدهش:
[أنا سعيد بتلقي ردكِ. سيكون من الجميل رؤية خط يد يشبه خط آنسة شابة أكثر في المستقبل. -تريستان.]
بالطبع، لم يكن هذا ما كنتُ آمله.
من باب العناد، كتبت رسالة أخرى بخط مشوش يصعب قراءته:
[لا أعلم إن كنتَ لم تفهم ما قصدته أم أنك تتجاهلني عمدًا. ألا يعني إرسال الرسالة من هذا الاتجاه، وليس من جهة الدوق، أنك تعلم أنني على وشك الزواج؟]
[هذا ليس مهمًا في تكوين الصداقات. رجاءً لا تتحاملي كثيرًا بسبب كلام شقيقتي.]
“صداقة”، سأكون حمقاء إن صدّقت هذا! كيف يمكنه أن يتنكر في هيئة فارس مثالي بهذا الشكل؟.
كنتُ على وشك إطلاق الصقر مجددًا دون حتى كتابة رد، لكن فجأة…
فكرة لامعة خطرت ببالي.
إنه فارس من ماركيزية دايك، ومتسامح مع الأساليب غير التقليدية.
ألا يناسب تمامًا المعايير التي أبحث عنها لـ”رفيق موثوق”؟.
” إذا غيّرتُ كلامي الآن، فسيكون واضحًا جدًا أنني مترددة.”
هل هو الإحراج أم الكبرياء؟ فكرتُ قليلًا، ثم التقطت الريشة مجددًا.
[الأصدقاء هم من يستمعون إلى طلبات بعضهم البعض في أي وقت وأي مكان، صحيح؟ وبالطبع، يحتفظون بالأسرار.]
[بالطبع.]
[ما الثمن الذي يجب أن أدفعه لاستئجار فارس من ماركيزية مرموقة ليوم واحد؟]
[أن تبتسم السيدة ذات الشعر الوردي لمرة واحدة. سيكون ثمناً مناسب]
❈❈❈
بعد ذلك، سارت الأمور بسلاسة.
نحن، الذين كنا نتبادل الرسائل عبر الطائر، خططنا لمغادرة منزل الكونت سرًا عند الفجر في اليوم التالي والتوجه إلى النقابة.
شرطي الوحيد كان ألا يسألني عن سبب ذهابي إلى نقابة المعلومات، وأن تكون سلامتي مضمونة. لم يضع أي شروط مقابلة.
تساءلت عشرات المرات عمّا إذا كان هذا القرار صحيحًا…
[انتظريني عند النافذة عندما يكون القمر في أعلى نقطة له.]
في النهاية، كما قال تريستان، كنتُ أنتظر عند النافذة.
لم يكن تمامًا الوقت المحدد، لكنه الوقت الذي يكون فيه القمر في أعلى نقطة.
هل الفرسان يهتمون بالمظاهر إلى هذا الحد؟.
وبينما كنت أفكر في ذلك، شقّ صفير منعش الهواء.
ما إن رفعت رأسي من نافذة الطابق الثاني، حتى رأيت وجه تريستان.
“آه!!”
وضعتُ يدي على صدري، حيث شعرت أن قلبي على وشك السقوط، وسألته بارتباك:
“ماذا… ماذا…أنت، ماذا تفعل الآن…؟”
“أتسلق شجرة وأتحدث مع الآنسة.”
“لماذا تتسلق الشجرة إذًا؟!”
“اعتقدتُ أنكِ ستحبين ذلك.”
تمتم بملامح جادة، ثم قفز مباشرة من الشجرة.
حطت قدماه على الأرض بسهولة.
وبينما كنتُ أشاهد هبوطه البارع، سمعت فجأة كلمات كالصاعقة.
“اقفزي.”
“ماذا؟!”
“فقط افعلي كما أريتُك. في طريق العودة، وجدت فتحة كبيرة بما يكفي لنهرب من خلالها معًا.”
قد لا يبدو الأمر ذا أهمية كبيرة، لكن تريستان كان يخاطر كثيرًا بمساعدتي عبر التسلل إلى منزل الكونت. لم يكن بإمكاني أن أشكو له من أنني لم أعد أرغب بالمجيء.
“هل ستمسكني؟”
“بالطبع.”
أغمضتُ عيني بإحكام وألقيتُ بنفسي إلى الأمام، لكن ذراعًا قوية أمسكت بي فورًا وسندتني.
لقد وصلتُ إلى الأرض بأمان.
“كنتُ أفكر في الأمر منذ آخر مرة، لكنك دائمًا تفوح منك رائحة العشب.”
“إنه عطري المفضل.”
“ظننتُ أن السبب سيكون التدريب في الغابة طوال اليوم، سيكون هذا مبررًا رائعًا.”
“سأستخدم هذا العذر من الآن فصاعدًا.”
بضع خصلات شقراء ترفرف مع الريح، ورائحة العشب في فجر صيفي، وضوء القمر ينساب فوق جسر الأنف المستقيم… كدتُ أشعر بالانجراف وسط هذا المشهد الساحر.
لكن كل هذا الأجواء الرومانسية تبخرت عندما هربنا عبر الفتحة.
“أخيرًا خرجنا…”
لهثتُ بينما كنتُ أُرتب شعري المتشابك.
ناولني تريستان عباءة سوداء، ولا يزال يبدو مثاليًا كما كان.
“ارتديها.”
“شكرًا لك. كيف أصل إلى النقابة؟.”
“هناك حصان ربطته هناك.”
“واو، إنه جميل!”
وقفنا أمام حصان أبيض ذو عرف مصفف بعناية يرفرف بأناقة في الهواء.
سألني تريستان:
“أي جانب تفضلين الركوب فيه؟.”
“الأمام أم الخلف؟ هل هناك فرق؟”
“إذا جلستِ في الأمام، فسأضع يدي حول خصركِ، وإذا جلستِ في الخلف، ستضطرين إلى الاتكاء على جسدي. هذا هو الفرق.”
حدّقتُ فيه بنظرة مليئة بالشفقة للحظة وقلت:
“أنا لا أحب هذا الوضع الآن.”
“هل تشعرين بعدم الارتياح؟”
“أكره الشعور بأنني أصبحت بطلة قصة تقليدية، حيث يقفزون من النافذة، ويُحملون، ويشاركون حصانًا، ثم يقعون في الحب.”
عندها، أطلق تريستان ضحكة هادئة.
“لماذا تضحك؟”
“لقد فوجئتُ بأن إجابتك كانت أكثر تحديدًا مما توقعت.”
هزّ رأسه بابتسامة أوسع قليلًا، ثم أمسك بلجام الحصان.
صعد تريستان أولًا بحركة متزنة، ثم مدّ يده لي.
جلستُ في الأمام، ممسكةً بيده أثناء وضعي قدمي في الركاب في الوقت نفسه.
“ننطلق الآن.”
انسابت نبرته الناعمة إلى أذني مع الريح. كان من السهل أن أنسى حقيقة أنه، رغم مظهره المهذب جدًا، رجل لديه علاقات معقدة مع النساء… وهو الآن يغازلني.
بغض النظر عن مدى خفة مشاعري، بدا وكأنه يستغلها، مما جعلني أشعر بعدم الارتياح. وكأنه قرأ أفكاري كالشبح، قال:
“لا داعي لأن تشعري بالأسف أو الانزعاج. نحن الآن أصدقاء يقبلون أي طلب من بعضهم البعض.”
“أصدقاء؟”
“أصدقاء.”
“إذًا، هل أُعرّفك على فتاة أخرى؟”
عندما لاحظتُ ارتباكه من مزاحي، ضحكت بخفة.
همم، لكن…
المرأة الوحيدة القريبة مني هي سارة.
“لا. لو عرّفتها على رجل مجنون مثلك، سأموت أنا وأنت معًا.”
“يبدو أن تقييمك لي قاسٍ جدًا.”
“ذلك لأن انطباعي الأول عنك كان رائعًا جدًا. في الواقع، عندما رأيتك لأول مرة، أدركتُ أن هناك فعلًا رجلًا يشبه الفرسان في هذا العالم!”
استمع الرجل لكلماتي بصمت، ثم قال فجأة:
“هذا هو.”
وزاد من سرعة الحصان. ازداد صوت حوافره وهي تضرب الأرض، واهتز جسدي مع الحركة. لكن تريستان حافظ على وضعية متقنة، مما خفف من تأثير الصدمات عليّ.
“ألا أبدو كفارس الآن؟”
“سأحكم عليك لاحقًا عندما أرى كيف تتصرف كحارس شخصي.”
أطلق ضحكة خفيفة، ثم وصلنا إلى النقابة بعد ساعة بالضبط. أنزل قبعتي برفق ليغطي وجهي بعناية، ثم تبادل بضع كلمات مع الحارس قبل أن يقودني إلى الباب المفتوح.
“يبدو المكان مألوفًا. هل سبق أن أتيت إلى هنا؟”
لسبب ما، لم يردّ الرجل وظلّ صامتًا. هل هناك شيء ما؟
أملتُ رأسي قليلًا بينما كنت أدخل، ففاحت في أنفي رائحة عفن تشبه رائحة كهوف تحت الأرض. تجعدت ملامحي من الانزعاج، وبينما كنت أتلفت حولي، تيبّست أطراف أصابعي بفعل الصدمة.
“…”
رغم أنه غطى وجهه مثل أي شخص يأتي إلى النقابة، إلا أن ملامحه التي ظهرت تحت القناع كانت مألوفة بشكل لا يصدق.
“هل هناك مشكلة؟”
همستُ وأنا أحدّق في المشهد غير القابل للتصديق أمامي.
“هيه… الشخص الذي أمامنا… إنها تشبه شقيقتي.”
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 22"