كانت صوفيا، ابنة البارون الصغيرة، مرهقة.
هكذا هي جميع الحفلات الصيفية. الهواء في الداخل، حيث احتشد الناس، كان خانقًا.
وما زاد الأمر سوءًا أن الأمير، الذي جاء كمرافق لها، لم يؤدِّ دوره كما ينبغي، بل لم يُرَ له أثر حتى!.
“بغض النظر عن كون علاقتنا مزيفة، لكن دعوة شخص إلى حفلة ثم التصرف بهذا الشكل، هذا كثير حقًا!”
تمتمت صوفيا بهذه الكلمات وهي تدخل إلى منطقة مهجورة، كلماتها لو سمعها أحد لضحك منها.
ابنة بارون مغمور والأمير الثاني للإمبراطورية، الذي كان يومًا ما يُعتبر الوريث المحتمل بدلاً من أخيه.
قصة الحب بينهما كانت خبراً كفيلاً بهز أرجاء الإمبراطورية.
“ما الذي تفكر فيه بحق السماء، يا صاحب السمو؟”
“حسنًا، وجه إبنة البارون ناعمٌ قليلًا، وأنا في النهاية رجل.”
إشاعة تثير الاستياء لكنها تبقى مثيرة للاهتمام.
وهذا بالضبط ما كان يسعى إليه الأمير الثاني عندما عرض على صوفيا عقد الاتفاق قبل بضع سنوات.
الخطة كانت أن يتظاهر بالانشغال بامرأة من طبقة متدنية، ليقلل من الضغوط التي يفرضها شقيقه عليه. حتى الآن، كانت الخطة ناجحة تمامًا.
ولكن، رغم المبلغ الهائل الذي تقاضته مقابل صمتها وتعاونها، بدأت صوفيا تشعر ببعض الندم على قبولها عرض الأمير في ذلك الوقت.
“لابد أنهم طلبوا مني أن ألعب دور الفتاة الساذجة البائسة. لكن تعابير وجهي الآن توحي بذكاء أكثر من اللازم. لم أتحسن ولو قليلًا مع مرور الوقت.”
“لا، لقد فتحتُ فمي ووسعتُ عيناي كما قيل لي.”
“لم تفتحي فمك بما يكفي. فقط بقدر نصف إصبع.”
ما يراه الناس قصة حب العصر الذهبي، لم يكن في الواقع سوى استغلال صارخ لا أكثر ولا أقل!.
أطلقت صوفيا تنهيدة متأففة وهي تفكر في المنزل الذي احتجزها فيه الأمير قبل نصف يوم.
كان عليها أن ترد عليه حينها فورًا.
على أي حال، حتى لو كان أميرًا، فهو لن يستطيع المساس بها الآن، بعد أن أصبحت تتظاهر بأنها حبيبته الرسمية.
لماذا شخصيتها مترددة بهذا الشكل الغريب؟.
كانت تتمنى أن تعيش يومًا واحدًا بشخصية جريئة وصريحة.
“هل تحتاج إلى أن أغرز شوكة في أذنك حتى تفهمني؟ إذا كنت لا تريد مزيدًا من المتاعب، فاذهب فورًا إلى المكان الذي وُضعت فيه الهدية!”
“آه، لا، لقد قلتُ أنني أعرف كل شيء بالفعل! لقد أجبتُ مئة مرة حتى قبل أن أتمكن من تحريك لساني!”
نعم، لو كان لديها هذه الشخصية التي تقول كل شيء بغرور هكذا… لحظة، أين هي؟.
بينما كانت تسير بلا هدف بعيدًا عن قاعة الحفلة، غارقة في أفكارها، شعرت صوفيا أنها ضلت طريقها.
يا إلهي، يبدو أنها ستتلقى توبيخًا آخر من الأمير عند عودتها لاحقًا.
في ذلك الممر المظلم، مدت رأسها باتجاه الصوت القادم من إحدى الغرف.
ومن خلال الباب المفتوح قليلاً، استطاعت أن تلمح المشهد بالداخل.
“الا تعلمين انه يمكنني استدعاء ساحر أعرفه؟ آنسة براون، هل تحلمين بتعذيب يجعلكِ تتمنين الموت؟.”
“آه! حسناً سأعطيه لك!. لست بحاجة إليه!”
“ماذا؟”
كانت لحظة جعلتها تتساءل عن ماهية ما يجري بالضبط.
لكن صوفيا كانت مشغولة بأمر آخر أكثر أهمية من محاولة فهم الوضع.
فتاة بشعر وردي كانت تمسك بياقة إمرأة أكبر منها حجمًا وتقوم بهزها بعنف.
“أنا أيضًا… كنت أتمنى أن أمسك بياقة الأمير الثاني وأصرخ في وجهه هكذا.”
راودت صوفيا فكرة وهي تتأمل المشهد بشرود.
“تلك الفتاة… إنها تمامًا نوعي المفضل.”
وهكذا، ومن دون قصد، أصبحت إنريكا متورطة مع بلهاء آخرة.
❈❈❈
في الواقع، لم يكن استرجاع الهدية صعبًا أبدًا ما دمت أعرف الجاني.
لم يكن الأمر سوى بضع سطور مرَّت سريعًا في إحدى الروايات.
ربما لأنني قرأت هذا الجزء وأنا أُمطر الشخصيات الرئيسية بالشتائم بسبب تصرفاتهم السخيفة، ما زلت أتذكره بوضوح حتى الآن.
كانت عشيقة الماركيز هي من جعلت الأمر يبدو وكأن الهدية قد سُرقت.
لقد فعلت ذلك لتقليل نفوذ الماركيزة داخل العائلة وتأمين مكانها كزوجة رسمية له.
أما استعادة الهدية، فلم يكن بالأمر المعقد أيضًا.
من المدهش أن شخصًا بهذه الشخصية المترددة والمريبة خطط لهذه الحادثة من الأساس.
“أعطني الهدية.”
“واو، اكتشفتِ أنني المذنبة. يبدو أن لديكِ دعمًا قويًا. يستحيل أنك قد جئتِ وحدكِ بهذا الجسد ضعيف.”
“لا، حسنًا، لا بأس. فقط أعطني إياها الآن.”
أسلوبها الواثق وكأنها قد احتجز عائلتي كرهائن….
“إذا لم تخبريني بمكانها، فسأقضي عليكِ حتماً!”
“أوه، لا أعلم، فقط أعطني إياها!”
في النهاية، غضبت دون أن أدرك ذلك، حتى أنني أمسكت بياقتها.
الخطة التي وضعتها تحسبًا لأي طارئ تبيَّن أنها أسهل مما تخيلت. كنت أظن أن هذه ستكون المرة الأولى التي أستعرض فيها قواي السحرية، لكن الأمر كان مخيبًا قليلًا.
عدتُ وأنا أدور بمفتاح المخزن الذي سرقته من المجرمة.
❈❈❈
لم يكن هناك داعٍ لشرح التفاصيل للماركيزة.
رغم بساطة الأمر، إلا أن شيئًا مشابهًا قد حدث بالفعل من قبل ثم اختفى.
ذهبنا معًا إلى المخزن و تحققنا من حالة الهدية الثمينة، ثم غادرنا.
كان من المحزن رؤية الماركيزة، التي بدت وكأنها اكتسبت تجاعيد في غضون ساعات قليلة.
“حسنًا، لا تجعلي الأمر يُحبطك كثيرًا.”
لدرجة أنه، رغم حرصي على الحفاظ على مظهري كمساعده غامضة، وجدت نفسي أواسيها سرًا.
“حتى لو كنتِ مجروحة، لا يمكن تغيير ما حدث. أنا أخطط للتعامل مع العواقب الآن.”
“بما أن الأمور أصبحت على هذا النحو، فلا خيار أمامي سوى التفكير في الطلاق من الماركيز.”
اتسعت عيناي من الدهشة.
بصراحة، أعتقد أن هذا حل جيد جدًا. لكن هل من المقبول أن تقول الماركيز الفخورة ذلك أمامي؟.
“قلت هذا لأنني أؤمن بأنكِ ستحفظين أسراري، بما في ذلك كل ما حدث اليوم.”
“أوه… بالطبع.”
ابتسمت الماركيزة، ثم استعادت تعابيرها الجادة وقالت:
“سمعت أن الابنة الكبرى لدوقية وينترسور ضعيفة ولا تخرج كثيرًا، لكن لا أصدق هذه الإشاعة.”
“همم، شكرًا على الإطراء.”
أجبتُها بارتباك.
“أن تعرفي مسبقًا عن سرقة هدية لم أكن حتى على علم بها، وأن تقدمي لي نصيحة بشأنها، فهذا مستوى من الذكاء يستوجب الحذر.”
“هاها.”
“والآن بعد أن فكرت في الأمر، أليست الآنسة على وشك أن تصبح دوقة كبرى؟”
ظهر على وجهي المتوتر تعبيرٌ حائر. ألا يُفترض أن الشائعات قد انتشرت بالفعل عن فسخي لخطوبتي من الدوق الأكبر؟.
لا يُعقل أن شخصية بحجم الماركيزة لم تسمع بالأمر بعد.
بينما كنت أفكر في ذلك، خفضت نظرها وأكملت الحديث.
“لسببٍ ما، عندما رأيت اسم صاحب السمو في قائمة الحضور، أثار ذلك فضولي بشأن سبب وجوده هنا. والآن أعتقد أنه بسببكِ، آنسة.”
أوه؟.
لحظة واحدة، ماذا الآن… الدوق الأكبر كرونهارت هنا؟.
“لنرتب لقاءنا القادم بسرعة. لنتحدث عن ذلك، بما في ذلك كيفية رد الجميل الذي تلقيته اليوم.”
عقلي أصبح فارغًا تمامًا، ولم تدخل هذه الكلمات حتى إلى ذهني في هذه اللحظة.
ناهيك عن سبب وجود الدوق الأكبر هنا. إذا قابلته هذه المرة، فقد أموت حقًا.
“لا، أنا… إذًا، حسناً. استمتعي بوقتكِ في الحفل!”
استدرت بسرعة وركضت مبتعدة عن المكان.
شعرت بنظرات الماركيزة المرتبكة تلاحقني من الخلف.
رغبت في العودة والاعتذار عن وقاحتي، لكنني تراجعت.
أولًا وقبل كل شيء، عليكِ أن تبقي على قيد الحياة قبل أن تفكري في أي مكافآت أو أي شيء آخر!.
حضور الدوق الأكبر لهذا الحفل يعني أن هناك شيئًا ما يسير بشكل خاطئ تمامًا.
أوه، تبًا لهذا الشعر الوردي. إنه يلفت الانتباه كثيرًا!.
شعرت برغبة في نتف شعري من التوتر. لقد نسيت تمامًا كم تعبت في تجهيز نفسي لهذا اليوم. وبينما كنت أبحث بسرعة عن مخرج، لفتت شرفات الطابق الثاني انتباهي.
حتى لو انتهت خطتي، سيكون من الغريب أن أغادر الحفل بهذه الطريقة.
سأضيع بعض الوقت هناك، ثم أندمج وسط الآخرين عندما يغادر الجميع.
صعدت الدرج بسرعة وبحثت عن مكان مهجور. هذه المرة، لم أنسَ التأكد من عدم وجود أحد.
“مرحبًا؟”
دخلت إلى مكان لم أتلقَّ فيه أي إجابة مهما ناديت.
في هذا الركن الهادئ المنفصل عن الآخرين، كانت النسائم اللطيفة القادمة من الخارج تُنعش رأسي قليلاً.
جلست على أحد المقاعد، شعرت ببعض الارتياح، وبدأت بالتفكير بإيجابية.
نعم، حتى لو كنا في نفس قاعة الحفل، فالمكان واسع. كما أنني أرتدي قناعًا، لذا لا أعتقد أنني سألتقي به أبدًا. لا تخافي، إنريكا.
لا بد أن حوالي 30 دقيقة قد مرَّت منذ أن استرحت هكذا.
شعرت بالملل قليلًا، فنهضت وبدأت أتجول في الشرفة الصغيرة.
في الأصل، كانت منفصلة عن الشرفة الجانبية بجدار، ولكن كان هناك ستارٌ داكن يغطي هذا الجانب.
إذا كان الوضع هكذا، ألا يُفترض أن يكون عازلًا للصوت؟.
كنت أعتقد أن الأمر مذهل، وكنت على وشك رفع الستار ولمسه…
“إنريكا وينترسور.”
وكأنني أثبتت أن العزل لم يكن فعّالًا على الإطلاق، سمعت صوت رجل من الشرفة المقابلة، حيث لم يكن هناك أي أثر لأحد حتى الآن.
“هل هذه أنتِ؟”
كايل؟.
كدت أن أُخطئ للحظة بسبب نغمة الصوت العميقة المشابهة. لكنني هززت رأسي مستبعدة ذلك، فقد كان الأسلوب مختلفًا تمامًا.
الصوت الخشن كان أشبه بزئير وحشٍ مفترس.
“من أنت؟”
سألت بحذر، ثم فكرت. إنريكا هي ابنة الدوق. وهذا يعني أن عدد الأشخاص في الإمبراطورية الذين يعرفون هويتها ويمكنهم التحدث إليها محدود جدًا.
أولهم أفراد العائلة المالكة، بما في ذلك الإمبراطور.
ثم أقرب الأشخاص إلى الإمبراطور… الدوق الأكبر…
أه…
لا، لا، لا، لا، مستحيل!.
بدأت يداي ترتجفان. سألت بصوت مرتجف:
“س-سموك الدوق الأكبر كرونهارت؟”
ساد الصمت خلف الستار، وشعرت بقليل من الأمل.
حسنًا، ربما ليس هو.
الدوق الأكبر رجلٌ مشغول، فلماذا قد يحضر حفل تنكري كهذا؟.
ربما الماركيزة قد أساءت الفهم…
“صحيح.”
اللعنة.
كنت أفكر في ما إذا كان عليَّ أن أستدير فورًا وأقفز من شرفة الطابق الثاني، ثم أخذت نفسًا وحاولت التروي. عندما هدأت قليلًا، تذكرت أنه حتى لو هاجمني الدوق الأكبر، يمكنني النجاة طالما أبقيت نفسي متماسكة.
في حين كان قلبي ينبض بجنون، أغمضت عيني بإحكام وصرخت:
“لقد ارتكبتُ خطيئة لا تُغتفر!”
وفي اللحظة التي كنت فيها على وشك مواجهة الموت، تذكرت فجأة اللحظات الأخيرة من حياتي السابقة. الألم الفظيع. والندم الذي كان أقوى من الألم نفسه، لا يزال محفورًا في ذاكرتي بوضوح.
كنت واثقة من شيء واحد: لا أريد أن أموت بهذه الطريقة.
كان هناك الكثير مما أردتُ فعله بعد. لذا، هذه الحياة التي استعدتها بمعجزة، أرجوكِ…
ولكن لسوء الحظ، في هذه اللحظة بالذات، ظهر شيء غير متوقع—
< شهقة!>
غطيت فمي بسرعة وتكلمت.
“آ-آسفة، إذن…”
< شهيق شهيق~ >
لا، لقد بدا وكأنه صوت بكاء!.
بصفته الشرير البارد، لا توجد طريقة ليكون سعيدًا بسماع بكائي المزعج.
“…؟”
وكأن توقعاتي كانت صحيحة، سُمِعَ زفير ثقيل من الجهة الأخرى. من الواضح أن الوضع كان غير مريح له.
حبست دموعي التي كادت أن تسقط خوفًا، ثم فتحت فمي:
“أ-أنا، مرحبًا! أنا، تجاه الدوق الأكبر…”
سيكون من الأفضل أن أركع حيث يستطيع رؤيتي. لا يبدو الاعتذار صادقًا إلا إذا رآه بعينيه.
وبينما كنت لا أزال أشهق، قررت التوجه نحو الدوق الأكبر، وأمسكت الستار بيدي المرتعشتين. ثم بحركة سريعة، سحبته جانبًا.
“مرحبًا… هيي، في الواقع، أهه؟”
توقفت الشهقات عند المنظر غير المتوقع الذي كان أمام عيني.
___________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
التعليقات لهذا الفصل " 16"