الفصل السابع: ما كان لكم أن تفعلوا ذلك
“آآآآآآه!”
المريض الذي رأيته من قبل كان الآن تحت السرير.
كان يرتجف، يغمره عرق بارد.
“إنه يبدو محموماً بحرارة عالية جداً.”
لقد كان موقفاً من شأنه أن يثير الرعب في قلب أي أحد لم يكن طبيباً.
إذ إن الرجل كان يرتجف.
غير أنني كنت مختلفاً.
كما قلت مراراً، لقد شهدت مرضى في أحوال أشد سوءاً من هذا.
فأن تكون أستاذاً في الجراحة بكوريا الجنوبية ليس بالأمر الهيّن.
لذلك حاولت أن أقترب بهدوء، غير أن جلبة ارتفعت من ورائي.
“أنت عندك! ماذا تفعل!”
بل لقد صاح بذلك.
استدرت فرأيت رجلاً بديناً في منتصف العمر واقفاً مع جماعة من الرجال.
“آه، أنا طالب ها هنا.”
“طالب؟ لم أرَك من قبل.”
“لقد التحقت اليوم فحسب.”
“التحقت… آه، أجل، إنّه يوم الطلاب الجدد. حسنٌ، همتك محمودة، لكن تنحَّ جانباً الآن، فلابد أن يتولى طبيب حقيقي فحصه.”
“آه، نعم.”
ظهر أنه الطبيب، اسمه سيميل أو نحو ذلك.
وقد قيل إنه درس في باريس.
في القرن الحادي والعشرين، كان الطب في كوريا الجنوبية متقدماً على فرنسا كثيراً، ولكن ماذا عن الآن؟
‘لا بد أن يكون خيراً من لندن، سحقا’
نظرت إلى سيميل بعينين يائستين.
فسيميل، كطبيب متمرّس، تقدم نحو المريض من غير تردد.
“إنك تتصبب عرقاً كثيراً. تلك علامة طيبة.”
ثم قال ذلك بنبرة هادئة، مطلقاً هراءً.
‘كيف يكون العرق البارد علامة طيبة…؟؟’
فالعرق الذي يكسو هذا المريض ليس من أثر جهد أو حرارة، بل هو عرق بارد.
وهناك أسباب كثيرة تفسر العرق البارد: السرطان، العدوى الخطيرة مثل الملاريا، اضطرابات الأيض… وما إلى ذلك.
حتى لو حاولت أن تنظر إليها نظرة تفاؤل، فليست بعلامة حسنة البتة.
“لقد قال إن بطنه يؤلمه، أليس كذلك؟”
“نعم.”
وعلى أي حال، واصل زيميل سؤاله لمساعده بنبرة هادئة.
المريض هناك أمامه، ولكنه لم يسأله، بل سأل مساعده.
فألفيتُها طريقة مبتكرة لتشخيص المرض.
“هل يؤلمك هنا؟”
“آآآآه!”
ثم ضغط على بطن المريض هكذا فحسب.
بينما ينبغي على الطبيب أن يحدد الموضع الصحيح ويضغط بمهارة ليعرف الأمر على وجهه.
لكن يبدو أن هذا النوع من البديهيات لم يكن شائعاً بعد.
“إنه متصلب جداً. واللحم متكتل.”
ثم تنهد زيميل وهز رأسه.
“هات ذاك الشيء.”
فأمر مساعده.
فركض المساعد وعاد بأداة مخيفة المنظر.
وأتى كذلك بشيء يشبه الطست*، ولكنه لم يُخلق لغرض حسن فيما بدا.
آخر الفصل.
لكن إذ كانت الأدوات الجراحية كلها آنذاك على تلك الهيئة، آثرت أن أراقب وحسب.
وفعل جوزيف كذلك.
“واو… هذا مذهل.”
لقد كانت أفكاره على غير ما أرى.
كلا يا جوزيف.
إن قولك ذلك ليس مذهلاً.
هل كان فيما قاله سيميل شيء طبي؟
إنه لا يفعل سوى أن يتحدث بهدوء وهو يبث هراء.
“لقد تراكم دم كثير هنا، فلنُفرغ بعضه.”
ظننت أنني قد أسأت السمع.
إفراغ الدم؟
ولِمَ يُفرغ الدم من مريض؟
هذا ليس عصراً يمكن فيه إجراء الفحوصات.
“هنا، اغرز هنا.”
وبينما أنا مذهول، أشار سيميل بأداة حادة إلى بطن المريض.
لم يبدُ أنه اعتبر التكوين التشريحي أدنى اعتبار.
بل كان يشير عشوائياً.
“ليس هذا صواباً.”
قلت ذلك من غير تفكير.
“وما الذي ليس صواباً؟”
لحسن الحظ، لم يسمعني غير جوزيف.
أما سيميل ومساعدوه، فقد كانوا مشغولين بالحركة فلم يلتفتوا إلى همهمتي.
“لا… لِمَ تفرغ الدم؟”
“إنها بديهية.”
“هاه؟”
“إن كان ثمة موضع مؤلم، فلابد من إفراغ الدم. فالدم متجمع هنالك، ولهذا السبب.”
“ما…”
إن تلك البديهية معوجة.
والآن ذاك المريض هالك لا محالة…
هطعن—
من غير اعتبار لخيالاتي، غرز سيميل أداة في بطن المريض.
ولا أدري هل طهر تلك الإبرة أصلاً.
‘الغالب أنه لم يفعل. بل سيبدأ ببث هراء عن الخبرة وما أشبه.’
فهذا المريض، الذي كان أصلاً ملتهب المعدة، قد غُرزت فيه إبرة ملوثة.
أليس ذاك قتلاً محضاً؟
“آه، ليس يومك الميمون هذا.”
“ربما لأنه لم يشرب خمراً؟”
وفي تلك الأثناء، بدا أن عملية البتر قد انتهت تماماً، إذ علت الضجة في الرواق.
وعلى رأس الجمع وقف الطبيب روبرت ليستون، ممسكاً بسكين.
وكان مساعده يثرثر بجواره.
“على أي حال، وقد وصلنا التبرع، فسوف نشرّح ذاك المريض قريباً.”
“نعم. وسنبلّغ أهله العزاء.”
“حسنٌ، فافعلوا.”
آه، لقد مات.
ذاك المريض الذي رأيناه آنفاً قد مات.
وحقاً، كان ذلك متوقعاً.
إذ كان الخطأ من الأساس أن يُظن أن إنساناً قد يحتمل مثل تلك الجراحة من غير مخدّر.
“هاه؟ أليس هذان هناك من طلابي؟”
وبينما أنا غارق في تفكيري، واصل ليستون كلامه.
فقد رآنا فيما يبدو.
“آه، دكتور سيميل.”
حسبت أننا سنتعرض للتأنيب، لكن لحسن الحظ، مرّ من أمامنا إلى سيميل.
وبدا أنهما على وفاق.
“دكتور ليستون.”
“إفراغ دم؟”
“نعم.”
“أفهم.”
وظل الخبيران يتجاذبان حديثاً عابراً بينما المريض يلفظ أنفاسه.
“ألم في البطن، تقول؟”
“نعم. لقد رقد في المستشفى قرابة الأسبوع… ولكنه لم يتحسن.”
“آه… فحينئذ جرب إفراغ الدم.”
“صحيح.”
لا، لم يكن حديثاً عابراً.
لم يكن فيه جملة واحدة على صواب.
أولاً، إن بقاء المريض في هذه الحال أسبوعاً كاملاً أمر غير مقبول أصلاً.
حتى لو افترضنا أن الحقن الوريدي لم يكن ممكناً في ذلك العصر، أفلم يكن جديراً بهم أن يعطوه شيئاً من الأدوية العشبية؟
“هل استعملت الأفيون؟”
“بالطبع. لكن حين يزول أثره، يعود الألم.”
“ما الذي… “
آه، لقد أعطوه أفيوناً…
ليس غريباً إذن أن عينَي المريض كانتا متسعتين.
أيها الأوغاد الملعونون.
“إن إفراغ الدم جزء مهم من العلاج… فهل يشهد طلابنا هذا؟”
“بالطبع! ولكن، هل ذاك الأسوي حقاً من طلابك؟”
“آه، نعم. هو مكفول من أسرة ليستر.”
“آه. تلك الأسرة. فهمت. إن خمورهم ذات مذاق طيب.”
لقد تكرم الوغدان بمنحنا فرصة ثمينة لنشهد مسرح جريمة.
لم أشعر بالامتنان.
بل وجدت الأمر مروّعاً للغاية.
“أغغ… أغغ.”
كان المريض لا يزال يتألم.
بل بدا أن ألمه أشد مما سبق.
وذلك طبيعي، إذ نزفوه وهو أصلاً على شفا الموت.
‘أأصبر؟’
لقد أردت أن أتقدم.
وبالطبع، لم يكن ثمّة ضمان أنني سأتمكن من إنقاذ المريض لو تدخلت.
فأنا لا خبرة لي بمعالجة المرضى في عالم بلا مخدرات ولا مضادات حيوية.
‘ولكن، حتى مع ذلك، فإن هذا خطأ فادح…’
بيد أنني لم أستطع أن أقف مكتوف اليدين بينما تُرتكب مجزرة أمام عيني.
أجل، ألم يقولوا إن الغربيين بارعون في النقاشات وما شابه؟
لقد رأيت في الولايات المتحدة طلاباً يطرحون أسئلة وأيديهم في جيوبهم، أليس كذلك؟
“عفواً…”
قلت ذلك، بيد أنني لم أسأل ويدي في جيبي.
بل تقدمت بأدب ما استطعت.
“نعم، ما الأمر؟”
ولحسن الحظ، بدا دكتور ليستون متفتح الذهن—أو لعل ذلك لأنه قد قبض مالاً كثيراً من عمي، ويتوقع المزيد—لكنه قبل سؤالي.
“أم… هل لي أن أنظر في حال المريض كذلك؟”
“هاه؟ ألست قد التحقت اليوم فحسب؟”
لقد ألمح برفق: “وما الذي تعلمه أنت؟”
لرجل تبدو هيبته مخيفة، كان على غير عادته لطيفاً.
أو لعل عمي أغدق عليه مالاً كثيراً.
“…”
أي عذر أصطنع؟
“في جوسون، حيث أتيت…”
كنت أتفكر، فإذا بالكلمات تفلت من فمي.
مهلاً، ولمَ أتحدث عن جوسون؟
“آه؟”
لقد التبس عليّ الأمر، فكيف بهم هم؟
وخاصة سيميل، الذي بدا أنه يسمع اسم “جوسون” لأول مرة، إذ اتسعت عيناه.
“إنها مملكة عريقة في التاريخ، عمرها فوق الست مئة سنة، ولنا فيها بعض المعرفة الطبية.”
“أوه، طب شرقي.”
“أليسوا همجاً؟”
كان في الكلام وقاحة، لكنني واصلت.
“لقد تعاملنا مع أسرة تشينغ*… فمستوانا ليس متدنياً.”
م. آخر اسرة أمبراطورية صينية.
“آه، تشينغ.”
“إنهم متقدمون، أليس كذلك؟”
أجل، تذكرت ما سمعته في المدرسة الثانوية.
فحتى بعد سقوط أسرة تشينغ، ظل الأوروبيون يعدونها عظيمة لِما استقر في أذهانهم، فذكرتُ شأن تشينغ، ويبدو أنه أتى بثمر.
“بل وأكثر من ذلك… أتعرفون الجنسة*؟”
م. آخر الفصل
“لا.”
“جنسة؟”
“إنه دواء من جوسون. لا يوجد في تشينغ، فلا يقدرون على استعماله. إن طب جوسون خير من طب تشينغ.”
ولعل هذا حق؟
فنحن عندنا أمثال هو جون، على كل حال.
المهم… ها؟
أنا أفضل منكم.
“أجل، في الواقع، بيونغ بارع في التشريح أيضاً. ليس البشر، لكن… الجمبري والضفادع. كنت أتساءل أين تعلم ذلك… آه، هل تعلمت ذلك في جوسون… لا؟ ألست مولوداً هنا؟”
تدخل جوزيف ليؤيدني.
لقد صار الأمر غريباً في نهايته، لكن لا يضر.
“لقد سمعت أن والدي عمل مساعداً طبياً في جوسون.”
والكذبة القريبة من الصدق يصعب تكذيبها.
“دعه ينظر. فلن يضر المريض أن يُفحص أكثر.”
ثم جاء إذن ليستون.
“نعم، إن كان عنده رأي فذلك حسن أيضاً.”
تكشّر سيميل، لكنه أومأ على مضض.
أيها المتغطرس.
تتكشّر وأنت لا تفعل إلا نزف الدم؟
فكرت ذلك في نفسي، ولكني تقدمت بأدب.
ثم خاطبت المريض:
“سيدي، هل لك أن تتمدد قليلاً؟”
“اغرب عن وجهي! أيها الأصفر اللعين!”
اثنان زائد…
لقد تجاوز الحد…
‘أأنا أحاول أن أنقذك، وأنت تجيب هكذا؟’
“سيدي، أرجوك استلقِ. إن هذا الرجل لا يقول ذلك عبثاً.”
“أغغ… أغغ.”
أهذا ارتياح؟
قبل أن يتدخل جوزيف، كان المريض متألماً جداً فلم يستطع أن يقاوم حقاً.
فمددته على الأرض، وثنيت ركبتيه.
ثم كشفت بطنه لأفحصه.
‘اللعنة…’
الآن تذكرت، هؤلاء الأوغاد لم يفحصوا بطنه أصلاً قبل أن يقرروا إفراغ دمه.
بل غرزوه عشوائياً، ثم راحوا ينظرون إلى موضع الغرز؟
إنها فوضى بحيث يعسر أن تشير إلى موضع خطئهم.
‘على الأقل لم يحمرّ بعد.’
حين نظرت إلى بطنه، شعرت بشيء من الارتياح.
طبعاً، من العسير أن تُشخّص التهاب البريتون بالعين المجرّدة.
م. التهاب الغشاء البريتوني المبطن لجدار البطن الداخلي والذي يغطي أعضاء البطن، وقد تشمل الأعراض الألم الشديد، أو تورم في البطن، أو الحمى، أو فقدان الوزن، وقد يكون الألم في جزء واحد من البطن أو يشمل البطن بأكملها، وقد تشمل المضاعفات: الصدمة ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة.
لكن المرض لم يتفاقم بعد إلى حد يستعصي معه التدخل.
“أين يؤلمك أكثر؟”
“بطني! كم مرة عليّ أن أقول ذلك!”
“لا، فالبطن… سفلي، أو أوسط، أو علوي. فأي جزء يؤلمك أكثر؟”
“آه… السفلي؟”
“السفلي، فهل هو الأيمن أم الأيسر؟”
“آه… الأيمن؟”
وهكذا واصلت أسئلتي.
لقد كنت مركزاً على المريض إلى درجة أنني لم ألحظ وجوه الآخرين.
أي أنني لم أرَ النار الغريبة التي بدأت تتأجج في عيني جوزيف والدكتور ليستون.
꧁꧁꧂꧁꧂꧁꧂꧁꧂꧂
يا الله فصولها طواااال
الصور موجوده في التيليجرام بسبب نظام هيزو
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"