الفصل 12
‘إلى هذه الدرجة؟’
بدت وضعيّته وكأنّه على وشك تقبيل قدمي، الأمر الذي أربكني كثيرًا.
لم أتوقّع أبدًا أن يكون تأثير العطر بهذا الحدّ.
“ذلك العطر لي.”
في تلك اللحظة.
امتدّ ذراع من الخلف فجأة وجذب خصري بقوّة إلى الوراء ليضمّني.
كان هيليوس.
” نونا هي من أعطاني اياه ، انه ملكي. ألن يُزعجكِ لو أخذه أحدهم من دون إذن؟”
“آه.”
[‘لو كنتَ تريد لعب الغمّيضة، كان عليك أن تُخبرني مسبقًا… لقد أحزنتني.’]
لماذا ظهرت في ذهني تلك الجملة الآن؟
هيليوس سحب زجاجة العطر من يدي بسلاسة، ثم نظر إلى الحارس نظرة ازدراء حادّة.
“ما هذا؟”
“إنه الحارس.”
“ولماذا رششتِ عطري على الحارس؟”
غير أنّ لمحة البرودة التي بدت على وجهه اختفت سريعًا.
لأنّ هيليوس، فجأة، أخرج شفتَيه بحزن.
“كنتُ أُقلّل من استخدامه لأنني أُحبّه كثيرًا.”
“أ-أنا آسفة… فاجأني عندما اقترب فجأة، فارتبكت.”
“هل اقترب منكِ فجأة؟”
أليس كذلك؟
توهّجت عينا هيليوس الحمراوان بوميض حاد.
بلين، عندما يغضب، تُضيء عيناه بشكل واضح، أمّا هيليوس… فهو أكثر دهاءً، أكثر غموضًا.
“لقد أحزنتِيني.”
وفجأة، انقشعت الغيوم وسكب ضوء الشمس الصيفي نفسه على مدخل القصر.
تحت تلك الأشعة، وقف هيليوس كأرنبٍ أرخى أذنيه، وملامحُ الحزن تملأ وجهه.
‘حقًّا، بداخله بذور التعلّق.’
وبينما كنتُ أستدير نحوه أفكر في ذلك، قبضتُ على يده بشدّة.
“لنصعد. لو رآكِ صاحب القصر هنا ستكون مصيبة.”
في مثل هذا الوقت من اليوم، لا أحد يتواجد عند الباب سوى الحارس.
كنتُ أعلم ذلك مسبقًا، ولهذا نزلتُ لاختبار العطر هنا.
لكن بعد قليل، ستمرّ خادمات المغسلة في طريقهنّ.
‘آه، أردتُ دراسة تأثير دومستيكير أكثر قليلاً.’
كان الحارس لا يزال واقفًا بفمه مفتوحًا كالأبله، كأنه مخلوق آلي لا يتحرك من دون أمر.
وبينما كنتُ أمرّ بجانبه مع هيليوس في المقدّمة، تمتمتُ إليه بكلمات باردة:
“اضرب جبهتك في الأرض خمس مرّات. إن كنتَ تفهمني، ارمش بعينك اليمنى ثلاث مرّات.”
رمشة.
رمشَة… رمشة.
رؤية الجسد الضخم للحارس وهو يُغمض عينه ببطء كانت مشهدًا لا يُطاق، لكنني أيقنت شيئًا مهمًا:
دومستيكير يُؤثّر على الآخرين.
لكن درجة التأثير، ومدة بقائه، تختلف من شخصٍ لآخر… ومع ذلك، فالأهمّ كان شيئًا واحدًا.
‘يمكنني التحكّم به.’
وهذا يعني… أنّني أستطيع ترويض هيليوس.
بعطري الخاصّ.
وفي طريقنا للرحيل، بدأ صوت ارتطام رأسه بالأرض يُدوّي بوضوح.
دُف. دُف.
وهيلوس كان يُحدّق بي في صمت، شاردًا في أفكاره.
غارقةً في أشعّة الشمس الصيفيّة، كانت بيليت تشبه لوحةً فنيّة نابضة.
شَعرها الأحمر يتمايل مع النسيم، وخطواتها تنبض برقيٍّ ساحر.
من أين تعلّمت تلك الهيبة وتلك اللطافة؟ كان يتساءل دومًا في كلّ مرّة يعود فيها للحياة.
حتى أجمل النساء في اللوحات الكلاسيكيّة لم تصل إلى جمالها، ولا حتى قدّيسات الأساطير.
‘كنتُ أعلم ذلك منذ أوّل مرّة التقيتكِ، قبل أن تصبحي إيماني.’
لا عجب أن كونت ساتشيت بتبنّيها، يبدو أن عينيه لم تكن سيّئة لهذا الحد.
‘لا شكّ أنكِ مشوّشة الآن، بسبب تغيّري.’
لكن الحقيقة… أنّ عطر دومستيكير لم يكن له أي تأثير عليه.
لا يعرف حتّى مكوّناته، لكنه تظاهر بذلك فقط، بناءً على اسمه.
ومع هذا، لم ينسَ أن يتصرّف كطفلٍ في الثانية عشرة من عمره.
حتى لا تعتبره بيليت مجرّد أخٍ صغير فقط.
كان يُحب لقب الأرنب، لكنّ معاملته كطفل كانت تزعجه بشدّة.
جرّب ذلك مرّة… ولم يكن شعورًا جيّدًا على الإطلاق.
“بلي…”
“نعم؟”
“زجاجة واحدة من دومستيكير تكفيني. لا تصنعي المزيد.”
لو كان للغيرة لون، لكان لونها أسود كالهاوية.
ابتسمَ وكأنّه يمازحها، لكنّه كان جادًّا.
‘ذلك العطر الخاص… مصنوع من قواكِ الحيويّة.’
289 مرّة.
هذا عدد المرات التي ماتت فيها بلييت بسبب استخدامها المفرط لطاقة حياتها في صناعة العطور الخاصة.
لكنها، في هذه المرة فقط، صنعت عطرًا خصيصًا له وحده.
وذلك بعد أن سحرها بقدرته على جعلها تتذكّره من خلال السحر.
لذا… هو لا يريد لأحد أن يأخذه.
فذلك العطر، يخصّه وحده.
“عندما قلتُ لكِ إنه بمثابة هديّة عيد ميلاد… كنتُ جادًّا.”
وحين تمتم بتلك الكلمات بعينَين حزينتَين، بدا على بلييت التأثّر.
“لذا… اجعليه لي وحدي، أرجوكِ. وعديني، بلي.”
“…أعدك.”
ومجرّد أن حصل منها على هذا الوعد، أشرق وجه هيليوس بابتسامة صادقة.
‘في هذه الفترة، عادةً ما يُكتشف أمري من قِبل الكونت، فيسجنني ويستنزف قدرتي حتى الموت.’
لا يمكن أن يُسمح لهذا بأن يتكرّر.
صحيح أنه أصبح يمتلك السحر الآن، ويمكنه مقاومة ذلك، لكنّه يتذكّر كم كان ذلك صعبًا.
في كلّ مرّة سابقة، كان يموت عاجزًا، منسيًّا، في أماكن لا يمكنه الفرار منها.
‘وحسب ما بدا من ذلك الضخم، فإنّ العطر حقًّا يُخضع الآخرين.’
إذن، إن أظهر طاعته لبلييت، قد تُبقيه في الأعلى، بعيدًا عن ذلك القبو المظلم.
‘سأُجيد لعب شدّ الحبل معكِ، وأُجيد التصرّف كطفلٍ أيضًا… كي لا تخافيني.’
هذه الحياة… ليست مثل غيرها.
لهذا، كان يشعر بالخوف… لكن أيضًا بالسعادة.
لأنه لا يعلم ما الذي سيحدث.
ولا بأس بذلك… فذلك أفضل من تكرار نفس الموت، مرّة بعد أخرى.
‘لكن… لحظة.’
كان لا يزال يُمسك بيدها، ثم ابتسم بزاوية فمه بطريقة ماكرة.
‘إن ادّعيتُ أن هذا من أثر دومستيكير، ألا يمكنني التصرّف بدلال أكثر؟’
فكرة عبقريّة!
أومأ برأسه وحده، ثم بدأ بوضع خطّةٍ جديدة.
خطة خبيثة للغاية، لا تشبه سوى هيليوس.
***
بعد رشّ هيلوس بالعطر الجديد، صار مطيعًا تمامًا.
الأمر الذي سهّل عليّ تعليمه ادب الطعام.
بل وكان يُتقنه أكثر مما توقّعت.
لذلك… لم أكن أبدًا أتوقّع أن يحدث شيء كهذا.
“آنستي! آنستي، أرجوكِ! ساعدينا!”
من الساعة الثالثة حتى الرابعة عصرًا، وقتُ قراءتي المُفضّل.
أن أستلقي تحت أشعة الشمس الدافئة، وأقلّب صفحات كتاب… كانت من اللحظات النادرة التي أستمتع بها.
فكيف يُقاطعها أحد؟
“ما الأمر؟”
أغلقتُ الكتاب وقطّبتُ حاجبَي أمام خادمٍ يلهثُ وهو يدخل الغرفة.
شعر بتجمّد نبرتي، فانحنى رأسه وبدأ بالتلعثم.
“ا-الأمر هو… السيّد الشاب، يُثير الفوضى…”
“قُلها بوضوح. أيّ سيّد شاب؟”
أيوجد في هذا البيت من يُثير الفوضى سواه؟
إن لم أعرف من، فلن أستطيع أن أقرّر كيف أتصرّف.
‘أوه، كنتُ أستمتع بهذه الراحة بعد غياب طويل…’
هيليوس، في هذه الأثناء، كان يلتقي الخيّاط لتحضير ملابس الحفل السنوي.
وكان من المفترض أن أرتاح قليلًا في غيابه.
هل فعلها ريتشارد؟ أم بلين؟ لكن بلين غادر في مهمّة.
“تكلّم، من هو؟”
“أوه… إنّه… إنّه… السيّد هيليوس!”
ماذا قلتَ؟!
***
“هيليوس!”
أسرعتُ نحوه، وما إن فُتحت أبواب غرفة الضيافة حتّى اندفعتُ ممسكةً بيده.
“ما الأمر؟ ماذا جرى؟ هه؟”
“لا أريد.”
“لا تريد؟!”
رفضه المفاجئ أربكني.
لكن… لم أحتج الكثير من الوقت لفهم ما حدث، فالمشهد كان كافيًا.
‘حاولوا نزع ملابسه… وفشلوا.’
الخيّاط المسكين، الذي حاول أخذ قياساته، كان يرتجف في الزاوية بوجه شاحب.
بمعنى آخر، كان يُفكّر.
“ما هذا الكائن بحقّ الجحيم؟”
“ألم يُصبك مكروه؟ هيليوس.”
وحين قلتُ ذلك، ازدادت دهشة الخيّاط أكثر.
ماذا؟ لماذا يُحدّق بي بتلك النظرة؟
ترجمة:لونا
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"